أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - القضية الكردية - محمود عباس - بين ظلام التكفير واغتيال الكلمة دفاع عن حرية الفكر والمثقفين الأحرار في سوريا














المزيد.....

بين ظلام التكفير واغتيال الكلمة دفاع عن حرية الفكر والمثقفين الأحرار في سوريا


محمود عباس

الحوار المتمدن-العدد: 8528 - 2025 / 11 / 16 - 23:53
المحور: القضية الكردية
    


من أخطر الظواهر التي تعيد إنتاج عصور الجهل والظلام في واقعنا السوري الراهن، تلك الموجة المسعورة التي تستهدف المفكرين والكتّاب الأحرار، ومن بينهم الكاتب الكوردي (هوشنك أوسي) وسائر الأقلام الديمقراطية المستقلة، التي تكتب بضمير وطني حرّ، والتي ندينها بأشد العبارات. فالهجمة لا تصدر عن نقد فكري مشروع، بل تُشنّ بأدوات التكفير والتحريض من قبل فلول التطرف وبقايا تنظيم داعش الذين أُعيد تجنيدهم داخل الحكومة السورية الانتقالية أو في أذرعها الإعلامية.
وليس المقصود هنا ما جرى في الحوار على المنصة الإعلامية المنحازة، بل ما تجاوزه من موجات العداء الممنهج والتكفير الموجّه، التي تكشف عمق الخطر الثقافي المحدق بالمجتمع السوري، حين يُستبدل الحوار بالفِرية، والفكر بالتكفير.
هؤلاء لا يحاربون الأشخاص بقدر ما يحاربون الفكر، ولا يخشون المقال بقدر ما يخشون النور، فحين يُحاصَر الفكر الحر باسم الوطنية، ويُكفَّر الاختلاف باسم الدين، تتحول الساحة الثقافية إلى مستنقع موبوء بالبغضاء والجهالة، يُدفع فيه المجتمع السوري إلى الضياع الفكري والانحطاط القيمي.
إنّ التاريخ، منذ صدر الإسلام حتى اليوم، حافلٌ بصفحات مشابهة لهذه الحقبة المظلمة التي نعيشها. الأنظمة التي حكمت باسم الإيمان أو تحت شعار الأمة كانت، في حقيقتها، أدواتٍ للقمع الفكري وإعدام العقل.
من غيلان الدمشقي والجعد بن درهم الذين أُعدِموا في العصر الأموي، إلى الحلاج وابن المقفع والرازي وابن الراوندي الذين عُذّبوا وكُفّروا في العصور العباسية، مرورًا بـ السهروردي وابن رشد وابن حزم الذين أُحرقت كتبهم وطوردوا في الأندلس، وصولًا إلى عبد الرحمن الكواكبي الذي سُمّم في القاهرة، ثم فرج فودة ونصر حامد أبو زيد وحسين مروة الذين اغتالتهم رصاصات الجهل في عصرنا الحديث، وطه حسين والسيد قمني تم تكفيرهم، جميعهم دفعوا ثمن الكلمة، لا السيف، وثمن الوعي، لا الولاء.
وما أشبه اليوم بالأمس، إذ تستعيد التنظيمات الجهادية والمنصات الإعلامية التابعة للحكومة السورية الانتقالية هذا الإرث الدموي، وتعيد إنتاج ثقافة التكفير، وكأنها نسخة حديثة من محاكم التفتيش الإسلامية في ثوبٍ جديد.
فما يجري من تحريضٍ إعلامي على الكتاب والمفكرين السوريين، الكورد والعرب وغيرهم، تحت شعارات القبائل والهوية الوطنية، ليس سوى وباء ثقافي يلتهم ما تبقّى من قيم التنوير. القبائل العربية الأصيلة بريئة من هذه العصبيات المصطنعة، كما أن الوطنية بريئة من هذا الانحدار الأخلاقي. فالحكومات التي تُهاجم مفكريها هي تلك التي تخشى وعي شعوبها، وتدرك أن أول رصاصة تُطلق على الكلمة هي إعلان مبكر لموت الدولة.
إنّ ما يتعرض له الكاتب هوشنك أوسي اليوم ليس استثناءً، بل استمرارٌ لمنهج طويل من العداء للكورد وللفكر الحر معًا. فكل انتقادٍ يوجّهه مثقفٌ كوردي يُتَّهم بأنه “إرهابي” أو “تابع لقنديل”، وكأنّ الهوية الكوردية بحد ذاتها تهمة. إنّ هذا المنطق السقيم يفضح عمق الأزمة الفكرية لدى التيارات العروبية الشوفينية التي تصادر الحريات باسم الوحدة الوطنية، وتُعيد إنتاج خطاب البعث والإسلام السياسي التكفيري في آنٍ واحد.
وقد كان من قبله معاذ حرب وغيره من الأبواق الإعلامية يمهّدون لهذه الحملة عبر إثارة الأسئلة المسمومة، وتحويل الانتماء القومي إلى جريمة، في مسعى واضح لطمس الهوية الكوردية وتشويه رموزها الفكرية.
ولعلّ أخطر ما في هذا المشهد أن تلك الحملات تجد دعمًا وتغطية من قوى إقليمية، تركيا وقطر والسعودية، التي تغلّف مشروعها الإيديولوجي بخطابٍ وطني زائف، وتستخدم الأدوات التكفيرية والإعلامية لضرب كل صوتٍ ديمقراطي حرّ يهدد مشاريعها. وهكذا يُراد لسوريا أن تُغرق نفسها من جديد في عصر الظلمات، حيث يُكفَّر المثقف، وتُحرق الكتب، وتُحاصر الكلمة الحرة خلف الجدران الحديدية للجهل.
إننا ندين بشدة هذا التحشيد المنظم من قبل الحكومة السورية الانتقالية أو أدواتها، ضد الكاتب (هوشنك أوسي) وكل الأقلام الحرة، كوردية كانت أم عربية، التي ترفض الانصياع لثقافة القطيع، وتصرّ على أن سوريا لا تُبنى بالولاء الأعمى، بل بالتعدد والاعتراف المتبادل. فالدفاع عن حرية الكلمة ليس ترفًا فكريًا، بل معركة وعيٍ من أجل بقاء الإنسان.
سوريا الحضارة التي أنجبت الفلاسفة والشعراء، لا يجوز أن تُختزل في ثقافة المداجن العقائدية. يجب أن تبقى ساحةً للفكر، ومنبرًا للإنسان، تتسع لكل الأقلام مهما اختلفت انتماءاتها، لأن التنوير ليس في اتفاق العقول، بل في حريتها.
حين تُغتال الكلمة، يموت الوطن قبل أبنائه. وحين يُكفَّر الفكر، تتحول الحرية إلى جريمة.
لهذا، فإنّ معركة المفكرين الأحرار اليوم ليست ضد شخصٍ أو سلطةٍ، بل ضد ظلامٍ يريد أن يبتلع الوعي السوري كله.
وإن بقي في هذا الوطن قلمٌ يكتب بحرية، فثمة أملٌ بأن تُهزم الجاهلية مهما ارتدت من عمائم وشعارات.

د. محمود عباس
الولايات المتحدة الأمريكية
14/11/ 2025



#محمود_عباس (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- بين وعي الانتماء وزيف الهوية المصطنعة
- أمريكا بين فخّ الاستراتيجية وضياع البديل في سوريا
- الجولاني من ساحات الإرهاب إلى عتبة البيت الأبيض
- لماذا تُجمّل أمريكا وجه الإرهاب بدعوتها الجولاني إلى البيت ا ...
- من فاتن رمضان إلى عبد العزيز تمو وغيرهما من المرتزقة الكورد ...
- بعض الأخوة المسيحيين يختارون عبودية الماضي على حرية كوردستان
- من مناهج البعث والتكفيريين إلى مناهج كوردستان
- حين عرّى الوعي الكوردستاني الزيف الانتقالي
- التغيير الديمغرافي في غربي كوردستان هو استمرار لجريمة البعث ...
- ترامب الابن في الرياض وسوريا بين الإعمار والمساومة
- الإعلام العربي بين تلميع السفهاء وإقصاء الكورد
- خدم السلطان بلباس المثقف والمحلل السياسي
- إلى الأخت الكاتبة (نسرين تيلو) حكاية الغياب والذاكرة.
- قامشلو البوابة السياسية لوطنٍ يُعاد بناؤه
- حين يُقصى الكورد تموت فكرة سوريا
- أيّ سوريا نريد؟
- الدولة الكوردية من الحلم الثوري إلى الوعي المؤسسي
- الذكاء الاصطناعي سلاح الوعي الكوردي
- الشرق الأوسط في لحظة الحساب الكبرى
- الحكومة السورية الانتقالية تُقصي الكورد وتستدعي الاحتلال


المزيد.....




- فيديو منسوب لـ-اعتقال مُطلقي الصواريخ على حي المزة بدمشق-.. ...
- بنغلاديش: صدور الحكم بإعدام الشيخة حسينة
- كيف تحولت الشيخة حسينة من أيقونة للديمقراطية إلى محكومة بالإ ...
- حكم بالإعدام على الشيخة حسينة رئيسة وزراء بنغلادش السابقة
- إسرائيل تخطط لترحيل مرضى فلسطينيين إلى غزة.. ووالدة أحدهم: - ...
- بنغلادش: حكم بالإعدام بحق رئيسة الوزراء السابقة الشيخة حسينة ...
- ممداني: سأعتقل -نتنياهو- إذا حضر الجمعية العامة للأمم المتحد ...
- نتنياهو يصر على رفض الدولة الفلسطينية قبيل تصويت الأمم المتح ...
- قانون إعدام الأسرى.. تشريع للموت وتجريم للحرية
- *”ملتقى دعم المقاومة” يدين تصاعد الاعتداءات الصهيونية ضد الش ...


المزيد.....

- الى جمهورية كردستان الاشتراكية المتحدة!، الوثيقة 3 - كردستان ... / كوران عبد الله
- “رحلة الكورد: من جذور التاريخ إلى نضال الحاضر”. / أزاد فتحي خليل
- رحلة الكورد : من جذور التاريخ إلى نضال الحاضر / أزاد خليل
- سعید بارودو. حیاتي الحزبیة / ابو داستان
- العنصرية في النظرية والممارسة أو حملات مذابح الأنفال في كردس ... / كاظم حبيب
- *الحياة الحزبية السرية في كوردستان – سوريا * *1898- 2008 * / حواس محمود
- افيستا _ الكتاب المقدس للزرداشتيين_ / د. خليل عبدالرحمن
- عفرين نجمة في سماء كردستان - الجزء الأول / بير رستم
- كردستان مستعمرة أم مستعبدة دولية؟ / بير رستم
- الكرد وخارطة الصراعات الإقليمية / بير رستم


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - القضية الكردية - محمود عباس - بين ظلام التكفير واغتيال الكلمة دفاع عن حرية الفكر والمثقفين الأحرار في سوريا