أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - القضية الكردية - محمود عباس - من مناهج البعث والتكفيريين إلى مناهج كوردستان















المزيد.....

من مناهج البعث والتكفيريين إلى مناهج كوردستان


محمود عباس

الحوار المتمدن-العدد: 8515 - 2025 / 11 / 3 - 12:34
المحور: القضية الكردية
    


لا بدّ لمدارس كوردستان أن تفتح أبواب الوعي الحقيقي.
غربي كوردستان، بل وكوردستان بأسرها، تقف اليوم على كفّ عفريت، تتأرجح بين نهضةٍ تُرعبُ الأعداء وسذاجةٍ داخليةٍ قد تجهضُها، لم يعد الخطرُ القادم من الخارج وحده هو ما يهدّد المصير، بل أيضًا ذلك التناحر aالذي يَستنزفُ ما تبقّى من الوعي الكوردستاني.
لقد أدرك خصومنا أنّ البندقية يمكن كسرها، أمّا الوعي فلا يُقهر، ولذلك يُحاربوننا اليوم بالفكر، بالإعلام، بالمناهج، وبالفتن التي تُزرع بيننا، ومن هنا، تفرض علينا الضرورة القومية والوطنية والسياسية أن نرتقي فوق جراحنا، وأن نحاور خلافاتنا بعقل الدولة لا بعُصاب الحزب، وأن نُصلح أخطاءنا في أروقة العقل لا على أرصفة المزايدات، فالوطن الذي لا يُحصّن وعيه، يُهزم قبل أن تُطلق عليه رصاصة واحدة.
الخطوة التي أقدمت عليها الإدارة الذاتية بإغلاق مدارس النظام وبدء التعليم بالمناهج الكوردية ليست قرارًا عابرًا، بل حدثًا تاريخيًا سيكتبه المستقبل بحروفٍ من وعي.
التاريخ سيلعن من وقف ضد هذه الخطوة، لأنه لم يدرك أن بناء الوعي القومي يبدأ من المدرسة، وأن اللغة هي الوعاء الأول للحرية، فزرعُ بذرة التعليم بالكوردية اليوم هو بدايةُ الشجرة التي ستظلّل أجيال الغد بوعيٍ كوردستانيٍّ راسخ.
لقد كنتُ وما زلتُ أرى أن تدريس اللغة الكوردية في غربي كوردستان كلغةٍ رسمية، إلى جانب لغةٍ ثانية، هو ضرورة حضارية قبل أن يكون خيارًا سياسيًا. وإلغاء مناهج النظام السابق المليئة بالقومية العمياء والتاريخ المشوّه والجغرافيا الممسوخة، ليس رفضًا لماضي الدولة، بل تحررًا من فكرٍ عقيمٍ صنع أجيالًا مأسورة. أما المناهج الجديدة التي تروّجها الحكومة السورية الانتقالية، الغارقة في الفكر التكفيري، فلا تختلف كثيرًا عن بعث الأمس، سوى في المظهر.
من الطبيعي أن تكون البدايات ناقصة، فحتى أرقى الدول من اليابان إلى أمريكا تعدّل مناهجها سنويًا. فكيف يُطلب الكمال من منطقةٍ لم تخرج بعد من قرونٍ من المنع والقهر؟
إنّ نهضة غربي كوردستان التعليمية هي معجزةُ يقظةٍ بعد سباتٍ طويل، ولولاها لبقيت أجيالنا حبيسة جهلٍ مقنن. التعليم بالكوردية ليس خيارًا لغويًا، بل فعلُ وجودٍ حضاريٍّ، والخوف منه جهلٌ بالمستقبل.
للأسف، لا يزال بعض من أبناء حراكنا يعيشون في زنزانة التبعية النفسية، ينتظرون إذنَ أسياد الأمس ليعلّموا أبناءهم لغتهم.
يتذرعون بأنّ العالم لا يعترف بالمناهج الكوردية، متناسين أن الاعتراف لا يُمنح لِما لا يُوجَد.
فـ كيف تعترف اليونسكو بنظامٍ تعليميٍّ إن لم يكن مطبّقًا؟
وكيف تُقرّ بمناهجٍ لا تُدرَّس؟ إنّ اعتراف اليونسكو، بحسب معاييرها، لا يُمنح إلا بعد وجود نظامٍ قائم، وطلابٍ وخريجين ونماذج تعليمية حيّة، وهذا ما يجب بناؤه أولًا.
الغياب لا يُمنَح اعترافًا، فالوجود وحده هو الذي يفرض الاعتراف ويفرض الاحترام. ومع ذلك، نعيش اليوم مفارقةً مؤلمة، وكأنّ المطلوب من كلّ خريجٍ في مدارس غربي كوردستان أن يهاجر أو يُهيَّأ للهجرة، بحثًا عن عملٍ أو مقعدٍ جامعيٍّ في مكانٍ آخر، وكأنّ المعرفة التي تُزرع هنا لا تُثمر إلا خارج الحدود. بهذا المنطق الأعمى، لا يُهاجَم التعليم فحسب، بل تُدان كوردستان نفسها بالإعدام، ويُحكم عليها بألا تكون وطنًا يحتضن أبناءه، بل محطة عبورٍ نحو المنفى.
هذه الانتقادات التي تطال التعليم بالكوردية ليست سوى نتاج ضحالة الوعي الحديث، وعدم القدرة على التفكير بمنطق الدولة.
فالقرار بإغلاق مدارس النظام وفرض مناهج الإدارة الذاتية، بلغاتها الثلاث، الكوردية، السريانية، والعربية، هو خطوة لإنقاذ الإنسان قبل الأرض، ولتحرير العقل قبل الجغرافيا.
هو مشروع حضاري أرقى من المناهج التكفيرية التي تُدمّر الفكر وتزرع الخوف بدل الوعي.
كلّ مسيرةٍ عظيمة تبدأ بخطوةٍ.
ولولا خطوةُ التعليم بالكوردية قبل عقدٍ من الزمن، لما وجدنا اليوم هذا الجيل الأكاديمي المتقن للغته، الجامع بين النقاء اللغوي والهوية. إنّ هذه هي الشرارة الأولى لتوحيد اللغة الكوردية أكاديميًا في كلّ أجزاء كوردستان.
في جنوب كوردستان، بعد سنواتٍ من الحصار، خرجت الأجيال من الكهوف نحو الجامعات العالمية، اليوم تُدرّس هناك الكوردية في مؤسساتٍ اعترفت بها اليونسكو والمجتمع الدولي، بعد أن بدأت من الصفر.
وكمال أتاتورك نفسه دمّر لغةً وثقافةً عمرها ستة قرون، ليؤسس هويةً جديدة، وها هي تركيا اليوم تنافس أوروبا. وكذلك فيتنام وشعوب أخرى بدأت من رمادها.
إذن، الخوف من التجديد هو الوجه الآخر للعبودية الفكرية.
من يخاف من المستقبل يظلّ عبدًا للماضي، محكومًا بقيودٍ وهميةٍ من صنع الرهبة والدونية.
حتى في التاريخ الإسلامي، حين استبدلت الدولة الأموية اللغة الفهلوية الشرقية، إي اللغة الكوردية القديمة، لغة الحضارة الساسانية، في المراسلات وأرشيف الدولة، بالكتابة العربية، كانت العربية آنذاك ما تزال في طور التكوين، بلا نقطٍ ولا قواعدٍ، ومع ذلك انتصرت لأنها تحوّلت إلى لغة دولةٍ ووعيٍ ورسالة.
كذلك نحن اليوم، إن لم نبدأ، فلن نبلغ، وإن لم نُدرّس لغتنا، فلن يعترف بها أحد.
إنه من المؤسف أننا نعيش في عصر الذكاء الاصطناعي وثورة الخوارزميات، وما زال بيننا من يخاف أن يعلّم أبناءه بلغتهم.
هؤلاء الذين يهاجمون التعليم بالكوردية بذريعة حماية الجيل الكوردي إنما يحمونه من الحرية، لا من الجهل.
جيل اليوم أعمق إدراكًا وأكثر وعيًا منّا جميعًا، يعيش في زمنٍ تُترجم فيه اللغات بضغطة زر، وتُبنى الأمم بالمعرفة لا بالمنع، ومن الممكن تحريك المنظمات الثقافية العالمية، للإقرار بمناهجنا، وفرض الذات، من خلال استخدام الطفرات التكنلوجية.
إنها لحظة اختبارٍ كوردستانيٍّ حقيقيّ، إمّا أن نقف مع التعليم بلغتنا بوصفه قضية وجودٍ وهويةٍ وكرامةٍ، أو نظلّ أسرى الخلافات الحزبية والعُقد البعثية التي كبّلت وعينا لعقود. فالتعليم بالكوردية ليس ترفًا ثقافيًا، بل فعل تحرّرٍ من قرون التجهيل والإنكار، ومقياسٌ لمدى قدرتنا على بناء دولة العقل لا دولة التبعية.
وأجمل ما يمكن أن نفعله اليوم هو أن نقف صفًّا واحدًا؛ ننتقد الإدارة الذاتية بصدقٍ حين تخطئ، ونساندها بوعيٍ حين تُصيب، لأننا لا نحمي سلطةً عابرة، بل ندافع عن مستقبل كوردستان ذاته.
إنّ المشاركة في تطوير المناهج حقٌّ وواجب، أمّا المساومة على التعليم بلغتنا والسماح لمناهج التكفيريين فهي خيانة للوعي نفسه.
فمن يمنع بناء نظامٍ تعليميٍّ وطنيٍّ حرٍّ في كوردستان، إنما يقطع شريان الحياة عن الدولة قبل أن تولد.
وفي ضوء المواثيق الدولية،
تؤكد منظمة اليونسكو في وثائقها الأساسية، ولا سيما في اتفاقية حماية وتعزيز تنوع أشكال التعبير الثقافي لعام 2005، والإعلان العالمي لحقوق الإنسان (المادة 26)، واتفاقية حقوق الطفل (المادة 30)، على أن لكلّ الشعوب الحق في التعليم بلغتها الأصلية، وفي تطوير أنظمتها التربوية بما يعكس هويتها الثقافية.
كما تنص توصية اليونسكو لعام 2019 بشأن التعليم المتعدد اللغات على أن "استخدام اللغة الأم في التعليم يعزّز المساواة والدمج الاجتماعي ويثري التنوع الثقافي والمعرفي".
وبناءً على هذه المواثيق، فإنّ تجربة التعليم الكوردي في غربي كوردستان ليست مجرّد خطوة تعليمية، بل ترجمةٌ لحقٍّ ثقافي وإنسانيٍّ أصيل أقرّته الأمم المتحدة.
فمن يُدافع عن التعليم بلغته، إنما يدافع عن كرامة الإنسان في أسمى صورها.

د. محمود عباس
الولايات المتحدة الأمريكية
1/11/2025م



#محمود_عباس (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حين عرّى الوعي الكوردستاني الزيف الانتقالي
- التغيير الديمغرافي في غربي كوردستان هو استمرار لجريمة البعث ...
- ترامب الابن في الرياض وسوريا بين الإعمار والمساومة
- الإعلام العربي بين تلميع السفهاء وإقصاء الكورد
- خدم السلطان بلباس المثقف والمحلل السياسي
- إلى الأخت الكاتبة (نسرين تيلو) حكاية الغياب والذاكرة.
- قامشلو البوابة السياسية لوطنٍ يُعاد بناؤه
- حين يُقصى الكورد تموت فكرة سوريا
- أيّ سوريا نريد؟
- الدولة الكوردية من الحلم الثوري إلى الوعي المؤسسي
- الذكاء الاصطناعي سلاح الوعي الكوردي
- الشرق الأوسط في لحظة الحساب الكبرى
- الحكومة السورية الانتقالية تُقصي الكورد وتستدعي الاحتلال
- قسد تفجّر الصراع التركي–الأمريكي على سوريا
- رعب أنقرة من الوعي الكوردي
- بيان التحالف الأمريكي من أجل سوريا الديمقراطية
- إلغاء عيد نوروز تكفير مقنّع وإنكار صريح للقومية الكوردية
- لو أصاب القناص ترامب هل كانت أمريكا ستغزو العالم بالذكاء وال ...
- الشرق الأوسط الجديد بين أوهام سايكس–بيكو وحقائق الكورد المؤج ...
- لو أصاب القناص ترامب هل كانت أمريكا ستغزو العالم بالذكاء وال ...


المزيد.....




- الجهاد الإسلامي تحذّر من إقرار قانون الإعدام بحق الأسرى
- المغرب: مشاريع تكنولوجية ضخمة قد تشهد دفعة بعد قرار الأمم ال ...
- حماس: الاحتلال أعدم مئات الأسرى دون محاكمة وبطرق بشعة
- الاحتلال يمدد اعتقال المدعية العامة العسكرية المستقيلة.. توا ...
- شهيد و87 حالة اعتقال و15 عملية هدم وتجريف و10822 مستعمرًا اق ...
- تعرف على عدد الأسرى والجثث التي أفرجت عنها المقاومة
- حركة الجهاد الإسلامي: مصادقة الكنيست على قانون إعدام الأسرى ...
- السعودية تمول مشروعات الإغاثة العاجلة في غزة بـ45 مليون دولا ...
- إسرائيل.. اعتقال مسؤولين كبار بالهستدروت في -إحدى أكبر قضايا ...
- -هيئة الأسرى-: تدهور الحالة الصحية للأسير رجائي عبد القادر ا ...


المزيد.....

- الى جمهورية كردستان الاشتراكية المتحدة!، الوثيقة 3 - كردستان ... / كوران عبد الله
- “رحلة الكورد: من جذور التاريخ إلى نضال الحاضر”. / أزاد فتحي خليل
- رحلة الكورد : من جذور التاريخ إلى نضال الحاضر / أزاد خليل
- سعید بارودو. حیاتي الحزبیة / ابو داستان
- العنصرية في النظرية والممارسة أو حملات مذابح الأنفال في كردس ... / كاظم حبيب
- *الحياة الحزبية السرية في كوردستان – سوريا * *1898- 2008 * / حواس محمود
- افيستا _ الكتاب المقدس للزرداشتيين_ / د. خليل عبدالرحمن
- عفرين نجمة في سماء كردستان - الجزء الأول / بير رستم
- كردستان مستعمرة أم مستعبدة دولية؟ / بير رستم
- الكرد وخارطة الصراعات الإقليمية / بير رستم


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - القضية الكردية - محمود عباس - من مناهج البعث والتكفيريين إلى مناهج كوردستان