أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - القضية الكردية - محمود عباس - قسد تفجّر الصراع التركي–الأمريكي على سوريا















المزيد.....

قسد تفجّر الصراع التركي–الأمريكي على سوريا


محمود عباس

الحوار المتمدن-العدد: 8491 - 2025 / 10 / 10 - 01:34
المحور: القضية الكردية
    


منذ فشل رجب طيب أردوغان في انتزاع موافقة البيت الأبيض خلال لقائه الأخير مع دونالد ترامب، وهو يحاول الالتفاف على الحقائق الميدانية والسياسية في سوريا عبر طرقٍ ملتوية، لم يظفر الرجل بما حصل عليه عام 2019 حين منحته واشنطن الضوء الأخضر لشنّ هجومٍ على قوات سوريا الديمقراطية، البوابة التي يراها وسيلته للقضاء على قوات قسد، ومن ثمّ على الإدارة الذاتية وتهميش القضية الكوردية، فلجأ هذه المرة إلى حيلةٍ سياسية عبر ما يُسمّى بـ«الحكومة السورية الانتقالية»، أي حكومة الجولاني التي تدور في الفلك التركي، لتصبح أداة بيد أنقرة في إعادة هندسة المشهد السوري.
من هناك بدأت أنقرة تحرّك خيوطها من وراء الستار، محاوِلةً إقناع المبعوث الأمريكي إلى سوريا، توماس باراك، بخوض حراكٍ دبلوماسيٍ مبطّن يخدم مصالحها دون أن تظهر في الواجهة. في لقائه الأخير بالبيت الأبيض، الذي مهد لما يجري اليوم بين قوات قسد والحكومة الانتقالية بضغطٍ أمريكي غير مباشر، قدّم أردوغان حزمة من التنازلات الاقتصادية والسياسية: من صفقات الغاز الأمريكي المسال إلى عقود الأسلحة التي تجاوزت ثمانيةً وثلاثين مليار دولار، مرورًا بطلبية ضخمة من طائرات بوينغ وصفقة محتملة لطائرات F-16. ومع ذلك ظلّ الملف الأكثر حساسية، عودة أنقرة إلى برنامج الـ F-35 قيد النقاش دون أي التزام أمريكي نهائي. وفي المقابل، عززت واشنطن واردات الغاز الأمريكي إلى تركيا، بينما واصلت أنقرة اللعب عبر قنواتها غير المباشرة وأذرعها المحلية، لتثبيت نفوذها في مساحةٍ تمارس فيها الولايات المتحدة حساباتها الأمنية المعقدة بدقةٍ شديدة.
داخل إدارة ترامب نفسها، كان الصراع بين تيارين متوازيين: أحدهما يؤمن بأن مستقبل أمريكا يُبنى عبر الاقتصاد والتجارة، والآخر يرى في القوة العسكرية والدبلوماسية التقليدية أساس الهيمنة الأمريكية، ومن هذا التباين، وُلد التفاهم بين التيارين في لقاءٍ جمع المبعوث الأمريكي توماس باراك مع الأدميرال براد كوبر، قائد القيادة المركزية الأمريكية (CENTCOM)، في اجتماعٍ مع القائد العام لقوات قسد، مظلوم عبدي، الهدف المعلن كان “تشجيع الحوار” مع رئيس الحكومة الانتقالية أحمد الشرع، لكن التفاصيل التي رشحت عن اللقاء كشفت المضمون الحقيقي للموقف الأمريكي: فإشراف الأدميرال كوبر المباشر وغياب باراك عن الجزء الحاسم من الحوار يؤكدان أن دعم واشنطن لقوات قسد خيارٌ استراتيجي ثابت، وأن مشروع دمجها في ما يُسمّى بـ“الجيش الوطني” الموالي لتركيا مجرد وهم سياسي. فقسد بالنسبة لواشنطن ليست مجرد شريكٍ عسكري، بل ركيزة مركزية في معادلة الأمن الإقليمي، من الحرب على الإرهاب إلى حماية الأمن الأمريكي والإسرائيلي والأوروبي، وهي في الوقت ذاته الضامن لاستمرار الإدارة الذاتية، وحاضنة للحراك الكوردي الساعي إلى اعترافٍ دستوريٍ بالشعب الكوردي ضمن نظامٍ لا مركزيٍ عادل. وهذا تحديدًا ما يُثير فزع أنقرة.
أما “الحكومة السورية الانتقالية”، فليست سوى نسخةٍ معدّلةٍ من النظام البعثي القديم، غيّرت الشعارات وبقي الجوهر كما هو، خضوعٌ تامّ لأنقرة، تمامًا كما كان الأسد المجرم يركع لإيران، الدليل واضح في تجاهلها الكامل لذكر الكورد في مسودة الدستور، وفي امتناعها عن أي حوارٍ جادٍّ مع الحراك الكوردي، وفي إلغائها لعيد نوروز من قائمة الأعياد الوطنية، استنساخًا لسياسات البعث ومفاهيمه الإقصائية. هكذا تكرّس هذه الحكومة فكرة أن “التعدد خطر، والكوردي تهديد للوحدة الوطنية”.

تلك الذهنية المترسخة في عمق العقل السياسي التركي والعقائدي للجولاني وحكومته جعلت أنقرة في حالة ذعرٍ من الحوارات الجارية بين قيادة قسد وحكومة دمشق برعايةٍ أمريكية. فتركيا تخشى الفيدرالية أكثر من خوفها من التقسيم، لأنها تدرك أن قيام نظامٍ لا مركزي في سوريا سيُحدث زلزالًا سياسيًا يهز أسس “الدولة القومية الواحدة” في الداخل التركي ذاته. لذلك سارعت إلى دعوة وزير خارجية دمشق أسعد الشيباني إلى أنقرة في اليوم نفسه الذي انعقد فيه الحوار، محاولةً الظهور بمظهر الوسيط، بينما كانت في الواقع تمارس وصايةً علنية على سوريا، كأنها ولاية عثمانية أُعيد إحياؤها بغطاءٍ دبلوماسي.
تعرف أنقرة اليوم أن واشنطن لن تتخلى عن قوات قسد، وأن هذا الثبات يعني أن القضية الكوردية تتجه نحو حلٍّ جديدٍ يتناغم مع المصالح الأمريكية والإسرائيلية، ويُمهّد لواقعٍ فيدراليٍ على نسق إقليم جنوب كوردستان، أما تصريحات المبعوث الأمريكي التي تتأرجح بين التهدئة وإرضاء تركيا، فهي لا تغيّر في جوهر المعادلة شيئًا، لأن واشنطن باتت ترى في قسد شريكًا استراتيجيًا لا يمكن التفريط به، من هنا، يصبح المطلوب من الحراك الكوردي والإدارة الذاتية هو التمسك بالبعد الوطني القائم على الفيدرالية واللامركزية، لا بوصفهما مطلبًا كورديًا، بل كضمانٍ لبقاء سوريا دولةً موحدةً وعادلة، وقد طُرح بالفعل في اللقاء الأخير بحضور الأدميرال كوبر نموذج جنوب كوردستان كصيغةٍ قابلةٍ للتطبيق في سوريا المستقبل.
ولن يكون مفاجئًا إن اقتنع توماس باراك لاحقًا بأن استقرار سوريا لا يمكن أن يتحقق إلا عبر نظامٍ فيدراليٍ تعدديٍّ يعترف بجميع مكوناتها، وفي مقدمتهم الشعب الكوردي. أما استمرار الحكومة الانتقالية تحت الإملاءات التركية، فسيقود حتمًا إلى التقسيم، لا الجغرافي فقط، بل الأخلاقي والسياسي، لتتحول سوريا إلى ساحة نفوذٍ مفتوحةٍ لمطامع أردوغان العثمانية الجديدة، التي تُبرر الاحتلال بشعار “حماية الأمن القومي”.
لقد آن لواشنطن، وبشكل خاص لمبعوثها إلى سوريا، أن تدرك أن كورد سوريا لم يعودوا ورقة تفاوضٍ عابرة، بل حقيقة جيوسياسية راسخة في الشرق الأوسط الجديد، فالقوة التي واجهت داعش وحمت التعدد السوري في أقسى مراحل الفوضى، لا يمكن اختزالها في مقايضاتٍ تكتيكية لإرضاء أنقرة أو طمأنتها. أما تركيا التي تخاف من فيدراليةٍ في سوريا لأنها ترى فيها مرآة لخللها البنيوي، فهي اليوم تتخبط بين وهم القوة وهاجس التفكك.
إن مستقبل سوريا والمنطقة لن يُرسم في مكاتب المخابرات التركية، ولا في خُطب الجولاني، بل في إرادة الشعوب التي دفعت ثمن حريتها بالدم، والكورد، الذين حُرموا قرونًا من وطنٍ يعترف بهم، لن يقبلوا بعد اليوم أن يكونوا تابعين في وطنٍ يُعاد رسم تاريخه من جديد. فالتاريخ لا يعود إلى الوراء، ومن لا يعترف بحق الكورد في الحياة الحرة، سيلتحق بركام الأنظمة التي ظنّت أن إنكار الشعوب يُطيل عمر الاستبداد، لكنه في النهاية، يُسرّع سقوطه.

د. محمود عباس
الولايات المتحدة الأمريكية
8 / 10 / 2025م



#محمود_عباس (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- رعب أنقرة من الوعي الكوردي
- بيان التحالف الأمريكي من أجل سوريا الديمقراطية
- إلغاء عيد نوروز تكفير مقنّع وإنكار صريح للقومية الكوردية
- لو أصاب القناص ترامب هل كانت أمريكا ستغزو العالم بالذكاء وال ...
- الشرق الأوسط الجديد بين أوهام سايكس–بيكو وحقائق الكورد المؤج ...
- لو أصاب القناص ترامب هل كانت أمريكا ستغزو العالم بالذكاء وال ...
- من غربي كوردستان إلى البيت الأبيض تجارة ترامب وأوهام أردوغان ...
- فضيحة الألف عام والألفي عام، ترامب يقرأ من كتاب أردوغان
- لو أصاب القناص ترامب هل كانت أمريكا ستغزو العالم بالذكاء وال ...
- من العشيرة إلى الأمة وليس العكس
- الكورد أصل الأرض وأكذوبة الهجرة سلاح البعث والجولاني
- ثلاثة محاور أساسية
- مسرحية القمة العربية والإسلامية وخطاب الجولاني الفارغ
- الجولاني وسط الحوار المرئي، الحقائق تُكشف
- الكتلة الوطنية لماذا تتنكرون للفيدرالية وتعيدون إنتاج خوف ال ...
- قمة قادة العرب في قطر لحظة إعلان نهاية حماس
- لو أصاب القناص ترامب هل كانت أمريكا ستغزو العالم بالذكاء وال ...
- يُمنح الإرهابيون المنابر ويُحرم الكورد من مقعدهم في هيئة الأ ...
- تراجع شعبية إسرائيل وصعود المأزق الفلسطيني
- منطق القوة لا يرحم الكورد بين عجز المجلس الوطني وهيمنة الإدا ...


المزيد.....




- تعرف إلى تفاصيل عملية تبادل الأسرى ضمن المرحلة الأولى لاتفاق ...
- الأمم المتحدة: ننتظر الضوء الأخضر من إسرائيل لإدخال المساعدا ...
- يديعوت أحرونوت: رفع أسماء مروان البرغوثي وأحمد سعدات وعباس ا ...
- تعرف إلى تفاصيل عملية تبادل الأسرى ضمن المرحلة الأولى لاتفاق ...
- الهباش: الرئيس عباس انخرط بمفاوضات غزة لوقف العدوان والإفراج ...
- هيئة الأسرى ونادي الأسير يحذران: قوائم أسماء الأسرى المتداول ...
- مندوب فلسطين بالأمم المتحدة: نثمن عاليًا دور مصر الرائد والع ...
- مسؤول أممي لـ-يورونيوز-: جاهزون لإرسال 170 ألف طن من المساعد ...
- -الأونروا-: لدينا مساعدات غذائية لكامل قطاع غزة تكفي لثلاثة ...
- -هيومن رايتس- تؤكد استخدام الجيش أسلحة كيميائية في السودان


المزيد.....

- “رحلة الكورد: من جذور التاريخ إلى نضال الحاضر”. / أزاد فتحي خليل
- رحلة الكورد : من جذور التاريخ إلى نضال الحاضر / أزاد خليل
- سعید بارودو. حیاتي الحزبیة / ابو داستان
- العنصرية في النظرية والممارسة أو حملات مذابح الأنفال في كردس ... / كاظم حبيب
- *الحياة الحزبية السرية في كوردستان – سوريا * *1898- 2008 * / حواس محمود
- افيستا _ الكتاب المقدس للزرداشتيين_ / د. خليل عبدالرحمن
- عفرين نجمة في سماء كردستان - الجزء الأول / بير رستم
- كردستان مستعمرة أم مستعبدة دولية؟ / بير رستم
- الكرد وخارطة الصراعات الإقليمية / بير رستم
- الأحزاب الكردية والصراعات القبلية / بير رستم


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - القضية الكردية - محمود عباس - قسد تفجّر الصراع التركي–الأمريكي على سوريا