أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - محمود عباس - لو أصاب القناص ترامب هل كانت أمريكا ستغزو العالم بالذكاء والتعريفة أم بالصواريخ؟ الحلقة العاشرة














المزيد.....

لو أصاب القناص ترامب هل كانت أمريكا ستغزو العالم بالذكاء والتعريفة أم بالصواريخ؟ الحلقة العاشرة


محمود عباس

الحوار المتمدن-العدد: 8462 - 2025 / 9 / 11 - 23:32
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


حين يُسحب الزناد بلا رصاصة، وتُدار المعركة بلا جنود، ندرك أننا في زمن الحرب الصامتة؛ حرب لا تبدأ ببيان أول، بل بهمسة في أسواق البورصة، ورمز مشفّر في سلاسل الإمداد. هذا ما دفع دونالد ترامب إلى جعل الحرب الاقتصادية سلاحه الأول، ساعيًا بكل طاقته لإيقاف الحروب الكلاسيكية، متباهياً بأنه أوقف سبع حروب بين دول وشعوب في أقل من عام على دخوله البيت الأبيض، لكنه يتجاهل الحديث عن حروبه الاقتصادية التي دمّرت ركائز العلاقات الدولية، تلك التي لا تهدف إلا إلى إزالة الحدود الجغرافية أمام الشركات الخوارزمية العملاقة في المدى البعيد، وكأنه يقول، الحرب لم تعد تنطلق من منصات الصواريخ، بل من شيفرة مخزونة في خوادم بعيدة، جاهزة لتعطيل مطار، شلّ مستشفى، أو تفجير سوق العملات. السؤال لم يعد، من يطلق النار؟ بل، من يربح العالم؟
لقد تبدّل شكل المعركة في النظام العالمي الجديد الذي تصوغه الدولة العميقة العصرية، حيث لا تقلّ النتائج دموية عن الحروب التقليدية، وإن تغيّرت أدواتها. فالحرب اليوم ليست لإسقاط الجيوش، بل لتفكيك الدول عبر الاقتصاد الرقمي. إنها مواجهة بين الدولة العميقة الكلاسيكية، المتشبثة بوسائلها القديمة، والدولة العميقة الناهضة، التي تصوغ قواعد الهيمنة العالمية بلا منافس، في هذه الحرب الاقتصادية–الرقمية لا نُحصي القتلى، بل الخسائر، ولا نقيس الأرض المستعادة، بل الحصص السوقية المنتزعة. الجيوش لا تزال في الميدان، لكن الجنرالات الجدد هم المبرمجون، والمحللون، ومديرو الشركات الكبرى، لا يحملون أوسمة ولا رتبًا، بل شعارات شركاتهم كلوجو جديد للسلطة.
من هجوم "ستاكسنت" الذي تسلل إلى البرنامج النووي الإيراني، إلى حملات التضليل المعلوماتي التي اخترقت الانتخابات الأمريكية، إلى الصراع المتصاعد على أشباه الموصلات، تتضح معالم حرب تُخاض في الظل وتُربح قبل أن يُدرك أحد أنها بدأت، وما فرضه ترامب من رسوم جمركية على معظم دول العالم، من دون تمييز بين حليف وعدو، لم يكن سوى جزء من هذه معارك الظل.
والأدهى أن هذه الحروب لا تُخاض بين الدول فقط، بل من الداخل، داخل المجتمعات والأفراد. إنها حرب تمزق الهوية قبل أن تهدم المدن. ما يجري الآن في الأروقة السياسية الأمريكية، حتى داخل الحزبين الكبيرين، ليس إلا بداية إعادة تشكيل إيديولوجي جديد، الحرب المعاصرة لا تقتحم الحدود، بل تصنع حدودًا داخل الذات، تُقسّم الشعوب عبر الخوارزميات إلى جزر معزولة من الصدى، عاجزة حتى عن التواصل مع نفسها، لم تعد الحرب تدمّر الجسور، بل تمحو القدرة على التفكير المشترك.
وفي هذه الحرب، تتسلل أدوات السيطرة عبر أقنعة المفاهيم النبيلة، حرية السوق، الخصوصية، الشفافية، لكنها لم تعد غايات بحد ذاتها، بل أعيد توظيفها لتصبح أدوات للهيمنة الناعمة. المواطن تحوّل إلى وحدة في معادلة اقتصادية، تُحلله الخوارزمية لا القانون، وتُقيّمه لا كصوت انتخابي، بل كزبون دائم التفاعل، مقيّدًا بحاجاته التي تُصاغ مسبقًا عبر الخوارزميات ذاتها.
لم تعد السيادة، في إيديولوجية الدولة العميقة العصرية، مسألة جغرافيا وحدود، بل مسألة تحكّم في البنى التحتية الرقمية. من يسيطر على شبكات الاتصالات، على منصات الذكاء الاصطناعي، على صناعة الرقائق الإلكترونية، هو من يرسم خريطتك، لا السياسية فقط، بل الحضارية أيضًا. وهكذا تتآكل مفاهيم كلاسيكية مثل الردع، الحياد، أو حتى النصر، في ظل منهجية دونالد ترامب والإدارة المصممة على مقاس الذين يوجّهون دفة الإمبراطورية الأمريكية، بل والنظام العالمي كله.
لم نعد نعرف متى تبدأ الحرب أو متى تنتهي، لأن آثارها لا تُرى بالعين المجردة، بل تتراكم مثل فيروس يعمل في خلفية النظام، يُضعف الثقة ببطء، ويصيب الدول كما تُصاب الذاكرة بالتلف، تدريجيًا، صامتًا، ثم فجأة بلا رجعة.
هل هناك مخرج من هذا التآكل البطيء للسلام؟
ربما، لكنه لا يبدأ بالعتاد العسكري، بل بالوعي. وعيٌ أدرك ترامب بعض ملامحه حين حاول، على طريقته، أن يُركّز على الكلفة البشرية في حرب روسيا وأوكرانيا، ولو من زاوية سياسية براغماتية، فالمعركة اليوم ليست "هناك" على الحدود فقط، بل "هنا" في الشاشة، في القرار المالي، في منطق الاستهلاك، نحن بحاجة إلى جبهة مقاومة ثقافية وأخلاقية، لا إلى دفاع إلكتروني فحسب. نحتاج إلى تعريف جديد للسيادة، للسلام، وللهوية، في عالم لم يعد يُدار من عواصم الدول، بل من مراكز البيانات.
إن لم يُكتب دستور جديد لهذا العالم الرقمي، فسيبقى الصراع بلا نهاية، لأن من لا يعرف من يقاتل، لن يعرف أبدًا متى يوقف النزيف.

د. محمود عباس
الولايات المتحدة الأمريكية
11/4/2025م



#محمود_عباس (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- يُمنح الإرهابيون المنابر ويُحرم الكورد من مقعدهم في هيئة الأ ...
- تراجع شعبية إسرائيل وصعود المأزق الفلسطيني
- منطق القوة لا يرحم الكورد بين عجز المجلس الوطني وهيمنة الإدا ...
- منطق القوة لا يرحم الكورد بين عجز المجلس الوطني وهيمنة الإدا ...
- منطق القوة لا يرحم الكورد بين عجز المجلس الوطني وهيمنة الإدا ...
- هل تعطّلت مخرجات مؤتمر قامشلو؟ 2/2
- هل تعطّلت مخرجات مؤتمر قامشلو؟ 1/2
- الحكومة السورية الانتقالية بين خطاب الوحدة وممارسة التجزئة
- كوردستان وقادم الشرق الأوسط تحولات كبرى وصراع على المستقبل
- قسد بوابة خلاص سوريا من الاستبداد والإرهاب
- برلمان الجولاني شرعنة للتقسيم تحت قناع الديمقراطية
- لو أصاب القناص ترامب هل كانت أمريكا ستغزو العالم بالذكاء وال ...
- الجولاني بين وهم الأبدية وحتمية السقوط
- مؤتمر الرقة ورسائل الصراع غير المعلن بين أمريكا وتركيا
- هل صار الاستجداء هوية كردية؟
- لو أصاب القناص ترامب هل كانت أمريكا ستغزو العالم بالذكاء وال ...
- الثقافة السائلة في المأساة السورية والكوردية
- السعودية وتركيا في الملف السوري من صراع الخلافة إلى رهبة الف ...
- في لحظة مفصلية كهذه لا مكان للرمادية أو الهروب خلف التفاصيل
- الفيدرالية بين التجربة الكوردية في سورية ودروس الأمم قراءة ف ...


المزيد.....




- مصادر لـCNN: تعزيز الحراسة حول ترامب بعد مقتل الناشط المؤيد ...
- نتنياهو يوقّع خطة توسيع المستوطنات في الضفة: -هدفنا واحد أبد ...
- إسرائيل تعترض صاروخاً أُطلق من اليمن.. وواشنطن تفرض عقوبات و ...
- قتل وإرهاب وجرائم ضدّ الإنسانية.. جنوب السودان توجّه اتهامات ...
- المتهم بمحاولة اغتيال ترامب يمثل نفسه أمام المحكمة في فلوريد ...
- -علمني أحبك!-.. المغنية نيكول تعترف بعلاقتها بـ لامين يامال ...
- لا سلام بدون عدالة، ولا عدالة دون تحرير فلسطين!
- البرازيل: إدانة رئيس البلاد السابق جايير بولسونارو بتهمة الا ...
- دون ذكر إسرائيل... مجلس الأمن يندد بالهجوم على قطر
- 5 مصابين في غارة إسرائيلية على جنوب لبنان


المزيد.....

- الحجز الإلكتروني المسبق لموسم الحنطة المحلية للعام 2025 / كمال الموسوي
- الأرملة السوداء على شفا سوريا الجديدة / د. خالد زغريت
- المدخل الى موضوعة الحوكمة والحكم الرشيد / علي عبد الواحد محمد
- شعب الخيام، شهادات من واقع احتجاجات تشرين العراقية / علي الخطيب
- من الأرشيف الألماني -القتال في السودان – ينبغي أن يولي الأل ... / حامد فضل الله
- حيث ال تطير العقبان / عبدالاله السباهي
- حكايات / ترجمه عبدالاله السباهي
- أوالد المهرجان / عبدالاله السباهي
- اللطالطة / عبدالاله السباهي
- ليلة في عش النسر / عبدالاله السباهي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - محمود عباس - لو أصاب القناص ترامب هل كانت أمريكا ستغزو العالم بالذكاء والتعريفة أم بالصواريخ؟ الحلقة العاشرة