أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - محمود عباس - لو أصاب القناص ترامب هل كانت أمريكا ستغزو العالم بالذكاء والتعريفة أم بالصواريخ؟ الحلقة الثامنة














المزيد.....

لو أصاب القناص ترامب هل كانت أمريكا ستغزو العالم بالذكاء والتعريفة أم بالصواريخ؟ الحلقة الثامنة


محمود عباس

الحوار المتمدن-العدد: 8440 - 2025 / 8 / 20 - 11:15
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


في لحظة ما من التاريخ، لم يعد السؤال: ماذا يفعل الإنسان؟ بل: هل لا يزال الإنسان هو الفاعل الحقيقي؟
نحن أمام حقبة لم تعد تحكمها إرادة فردية أو حتى جماعية، بل تُقاد بخوارزميات تتغذى على سلوكنا وتعيد تشكيله دون وعي منا، وهذه ليست رواية خيال علمي، إنها زمن ما بعد الإنسان، حيث لم يعد الإنسان مركزًا في العالم، ولا معيارًا للقيمة، بل مجرد عقدة في شبكة معلومات ضخمة تديرها أنظمة لا نستطيع التنبؤ الكامل بقراراتها، ولا نملك وسيلة لإيقافها.
لقد تنبأ الفيلسوف الفرنسي ميشال فوكو بزوال فكرة “الإنسان كمقياس لكل شيء”، وقال إن الإنسان مجرد «اختراع حديث» في طريقه إلى الزوال. أما الفيلسوف الألماني مارتن هايدغر، فكان أكثر حدّة حين تحدث عن أن التقنية ليست أداة، بل مصير، وأن الإنسان بات أداة ضمن أدواته. واليوم، حين تنجح الخوارزميات في قراءة مشاعرنا، توقّع قراراتنا، وتحديد اختياراتنا قبل أن نفكر فيها، فإن سؤال “من أنا؟” لم يعد سؤالًا وجوديًا، بل استعلامًا في قاعدة بيانات.
في ظل هذا التحول، لم تعد السيادة للوعي، بل للقدرة على التنبؤ بالسلوك البشري، الذكاء الاصطناعي لا يفكر كما نفكر، لكنه يقرر عنا، ويتصرّف قبلنا، في وادي السيليكون لا تُناقَش الأخلاق، بل تُختبر التجارب، تُجرى ملايين العمليات الحسابية كل ثانية على سلوكك، لقياس مدى قابلية وعيك للاختراق، لا حريتك للقرار.
زمن ما بعد الإنسان ليس مستقبلاً غامضًا، بل واقع يتسلل بهدوء إلى يومياتنا، الهاتف الذي في يدك يعرف متى تغضب، الساعة الذكية على معصمك تراقب نبضات قلبك، والمساعد الصوتي يسجل ألفة لغتك ونبرة توترك. لم تعد أنت مركز التكنولوجيا، بل أصبحت هي مركزك.
وفي هذا الزمن، تُطرح أسئلة وجودية جديدة: من يمتلك الوعي؟ من يحق له اتخاذ القرار؟ من المسؤول عندما يتخذ الذكاء الاصطناعي قرارًا قاتلًا؟ حين تُسقط طائرة بدون طيار هدفًا بناء على تحليل خوارزمي، من يُحاسب؟
المؤرخ الإسرائيلي يوفال نوح هراري كان من أوائل من أطلقوا جرس الإنذار حين كتب في كتابه “الإنسان الإله” أن “الذكاء سيتحرر من الوعي” ليس علينا أن نخشى الروبوتات ذات السلاح، بل الأنظمة التي تُقرر دون أن نفهمها. وهنا تكمن المفارقة: الذكاء يتسارع، والوعي البشري يتراجع أمام هذا الطوفان.
الرأسمالية نفسها تحوّلت إلى نظام لا يحتاج إلى مستهلك حرّ، بل إلى مستخدم مدمن، إلى فرد لا يُفكر، بل يُكرّر. وما يُنتَج ليس مجرد سلعة، بل إنسان مُعاد التشكيل، مهيأ للاستجابة، لا للتفكير. كل منصة رقمية اليوم، من شبكات التواصل إلى أنظمة الترفيه، تهدف إلى زيادة قابلية الفرد لأن يُعاد برمجته. والإنسان، في هذا السياق، لم يعد ذاتًا فاعلة، بل بيانات تتدفق في اتجاه السوق.
هل هناك من مفرّ؟
ربما، لكن البداية لا تكون برفض التكنولوجيا، بل بفهم بنيتها. لا تكون بالمطالبة بالحرية كما كانت تُفهم في القرن العشرين، بل بإعادة تعريف ما تعنيه الحرية في عالم يُعيد تشكيل حواسنا نفسها. نحن بحاجة إلى فلسفة جديدة، إلى سياسة جديدة، إلى ثقافة تقاوم الانصهار الكامل في هذا التيار.
ربما يكون زمن ما بعد الإنسان فرصة أيضًا، شرط أن يُعاد التوازن بين القدرة التقنية والكرامة الإنسانية، إذا استطاع الإنسان أن يُخضع الذكاء الصناعي لقيم أخلاقية شاملة، ويؤطره في إطار العدالة لا فقط الفعالية، فقد نكون أمام ولادة مرحلة جديدة، لا نهاية للإنسان، بل تحوّله.
لكن حتى يحدث ذلك، سيظل السؤال قائمًا، هل لا يزال لدينا ما يكفي من الوعي لنحمي أنفسنا من قدرتنا؟ أم أننا سنستسلم، رويدًا رويدًا، حتى تُمحى الحدود بين الإنسان وآلته، ويصبح العالم ليس مكانًا نعيش فيه، بل برنامجًا يشغلنا؟
لكن، وحتى يتحقق ذلك، يبقى السؤال قائمًا:
هل نملك ما يكفي من الوعي لنحمي أنفسنا من قدرتنا، أم أننا سنستسلم ببطء، حتى تُمحى الحدود بين الإنسان وآلته، ويغدو العالم ليس فضاءً نعيشه، بل برنامجًا يبرمجنا؟
ذلك البرنامج الذي يدفع بدونالد ترامب إلى لعب دور الوسيط لفرض السلام بين روسيا وأوكرانيا، وضمان الأمن بين روسيا وأوروبا، وفتح الطريق أمام الشركات الخوارزمية العملاقة، عبر إزالة الحواجز السياسية والعسكرية، وهو ذاته الذي يحثه على نقل الحرب من ساحات الميدان إلى حروب التعريفة الجمركية، طامحًا بأن تصبح الأسواق العالمية مفتوحة على مصراعيها أمام الشركات الأمريكية العملاقة.
فلو لم يكن ترامب، ربما كانت الحرب الروسية – الأوكرانية قد توسعت، وربما تعاظم نفوذ "الدولة العميقة الكلاسيكية" على حساب "الدولة العميقة العصرية" وهنا يظل السؤال، هل يقودنا الذكاء والمال إلى السيطرة، أم أن الصواريخ ستبقى الحكم الأخير؟

د. محمود عباس
الولايات المتحدة الأمريكية
11/4/2025م



#محمود_عباس (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الثقافة السائلة في المأساة السورية والكوردية
- السعودية وتركيا في الملف السوري من صراع الخلافة إلى رهبة الف ...
- في لحظة مفصلية كهذه لا مكان للرمادية أو الهروب خلف التفاصيل
- الفيدرالية بين التجربة الكوردية في سورية ودروس الأمم قراءة ف ...
- خيوط زيارة هاكان فيدان إلى دمشق
- نتائج عبثية الحكومة السورية الانتقالية وتحول مواقف الدول الك ...
- كونفرانس الحسكة ومؤتمر دمشق بين الوطن الجامع والدولة أحادية ...
- الفيدرالية واللامركزية السياسية في سوريا حدود لا تُمس
- رسالة إلى الشعب السوري، وقيادة قسد والإدارة الذاتية والحراك ...
- كوردستان مهد الأديان وتعددية الهوية الروحية 3/3
- كوردستان مهد الأديان وتعددية الهوية الروحية 2/3
- كوردستان مهد الأديان وتعددية الهوية الروحية 1/3
- كيف نُسقط مشروع الإلغاء العنصري ونبني سوريا التعددية؟
- هل هناك فخ في حوارات باريس؟
- الإسلام بريء منكم من داعش إلى الحكومة الانتقالية
- رد سياسي إلى وزارتي الخارجية الأمريكية والفرنسية بشأن المذكر ...
- هندسة الخداع الدبلوماسي في محاولة تحجيم الدور الكوردي بين با ...
- فيدرالية سوريا كابوس أنقرة وذريعتها لإحياء داعش بأسماء أشد ب ...
- الكورد السريان هوية تتجذر لا تذوب - الجزء السادس والأخير
- المبعوث الأمريكي بين التطبيع القسري وتجهيل الواقع السوري


المزيد.....




- ألبوم تايلور سويفت الجديد متوفر على أشرطة كاسيت.. من سيشتريه ...
- في أبوظبي.. اكتشاف صليب أثري داخل دير مسيحي قديم في صير بني ...
- غارات جوية إسرائيلية وسط وضع إنساني مأساوي في غزة
- نتانياهو : فرنسا تغذي العداء للسامية باعترافها بالدولة الفلس ...
- الحكومة الإسرائيلية تقرر السيطرة على قطاع غزة بالكامل
- -خسارة فادحة-.. جنود أوكرانيون على جبهات القتال يعلّقون على ...
- عاصمة أوروبية قد تستضيف الاجتماع.. أين يخطط ترامب لعقد اللقا ...
- سوء التغذية يهدد حياة 400 ألف طفل في نيجيريا
- تقنية كريسبر جديدة قد تعيد صياغة مستقبل علاج الأمراض الوراثي ...
- لص غير متوقّع.. دب أسود يفتح باب سيارة بمهارة مدهشة


المزيد.....

- الأرملة السوداء على شفا سوريا الجديدة / د. خالد زغريت
- المدخل الى موضوعة الحوكمة والحكم الرشيد / علي عبد الواحد محمد
- شعب الخيام، شهادات من واقع احتجاجات تشرين العراقية / علي الخطيب
- من الأرشيف الألماني -القتال في السودان – ينبغي أن يولي الأل ... / حامد فضل الله
- حيث ال تطير العقبان / عبدالاله السباهي
- حكايات / ترجمه عبدالاله السباهي
- أوالد المهرجان / عبدالاله السباهي
- اللطالطة / عبدالاله السباهي
- ليلة في عش النسر / عبدالاله السباهي
- كشف الاسرار عن سحر الاحجار / عبدالاله السباهي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - محمود عباس - لو أصاب القناص ترامب هل كانت أمريكا ستغزو العالم بالذكاء والتعريفة أم بالصواريخ؟ الحلقة الثامنة