أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - القومية , المسالة القومية , حقوق الاقليات و حق تقرير المصير - محمود عباس - كوردستان مهد الأديان وتعددية الهوية الروحية 1/3














المزيد.....

كوردستان مهد الأديان وتعددية الهوية الروحية 1/3


محمود عباس

الحوار المتمدن-العدد: 8418 - 2025 / 7 / 29 - 09:59
المحور: القومية , المسالة القومية , حقوق الاقليات و حق تقرير المصير
    


بقدر ما كانت جغرافية كوردستان مهداً للحضارات الأولى، كانت منبعاً لظهور الأديان وانتشارها، وفضاءً خصباً لتفاعل الإنسان مع الأسئلة الكونية الكبرى حول الخلق والمعنى والوجود، فالكورد شعبٌ واحد، متعدّد الأديان، موحّد الروح، لم تكن الجبال والسهول مجرد مسرح لصراع الأمم، بل كانت رحمًا خصبًا لولادة الأديان وتلاقح الأفكار، التعدد الديني في كوردستان ليس طارئًا أو عابرًا، بل هو جوهر الوجود الكوردي.
فمنذ البدايات السحيقة، اتسمت الأديان التي سادت هذه الأرض بطابع توحيدي واضح، يؤمن بوحدة الخالق وسمو الروح، كما في الديانة الأزداهية، والزرادشتية، والمانوية، والمزدكية، وكلها أسست لرؤية كونية تتجاوز المادية الجامدة إلى بعد روحاني عميق، وقد شكّلت هذه الأديان النواة الفكرية التي بُنيت عليها العديد من الإمبراطوريات التي نشأت في هذه البقعة، وارتكزت ثقافة الشعب الكوردي على مفاهيمها، فغدت الروحانية جزءاً لا يتجزأ من تكوينه الثقافي.
وعلى هذه الخلفية، تقبّل الكورد الأديان السماوية لاحقاً، خاصة تلك التي احتفظت بمفهوم التوحيد، كمبدأ روحي مشترك، غير أن التباين بين الرؤية الكوردية الروحية وبعض المفاهيم الوافدة، كمنطق "التجسيد" في الإسلام، أدى إلى نشوء مذاهب تصوفيه لدى الكورد، عرفت بفكرة "كلية الإله" ووحدة الوجود، كما عبّر عنها الحلاج، وجلال الدين الرومي، والسهروردي. هؤلاء، الذين كفّرتهم السلطات في عصرهم، لم يكونوا زنادقة، بل حملة وعي روحي متقدم، سعوا إلى توسيع أفق العلاقة بين الإنسان والخالق، ورفعوا من مستوى الخطاب الإسلامي نحو بعد أكثر سموًا وتحررًا من القيود الظاهرية.
لقد أظهر الشعب الكوردي عبر تاريخه الطويل وحدة قومية متماسكة، رغم تعدد دياناته، فلم تكن الأديان مصدر شقاق داخلي، بل كانت جزءاً من نسيج اجتماعي فريد، حيث يمكن أن تجد في قرية واحدة مسلمين وإيزيديين ومسيحيين ويهوداً، يعيشون ضمن نظام من الاحترام المتبادل، وتقاليد عابرة للعقيدة، هذه السمة لا تزال حية في قرى ومدن كوردستان حتى اليوم، وتشكل أحد أعمدة الهوية الكوردية الحضارية.
لكن هذا التعايش الروحي لم يسلم من محاولات الإقصاء والتدمير، خاصة بعد الغزوات العربية الإسلامية، حين تم تسخير الدين لأغراض سياسية توسعية، لم يكن الهدف نشر العقيدة الإسلامية بقدر ما كان ضرب البنى الكوردية المستقلة، وإضعاف الأمراء الكورد الذين شكلوا قوة إقليمية مناوئة للخلافة. فالمجازر الدينية التي شهدتها كوردستان لم تكن نتاج صراع شعبي داخلي، بل جاءت نتيجة الصدام بين الإمبراطوريات، وتحولت الأديان إلى أدوات في معارك السيطرة والنفوذ، كما حدث في أواخر العصر الساساني، حين تحوّل الصراع بين الزرادشتية والمزدكية من صراع فكري إلى سبب في تفكك الدولة، وساهم هذا في تسهيل الغزو العربي الإسلامي الذي لم يكن مجرد فتح ديني، بل تفكيكاً للهوية الدينية الكوردية.
ورغم انتشار الإسلام، بقيت الإيزيدية ديانة سائدة بين الكورد حتى أواخر القرن الثامن عشر، وكانت نسبتهم تقارب النصف، وفق ما ذكرته بعض المصادر التاريخية مثل المخطوطات التي تحدثت عن إمارة الشيخان في القرن السابع عشر. وقد كان أمراؤهم من أبرز القوى الكوردية السياسية والعسكرية، مما جعلهم هدفاً للغزوات التي أُلبِست رداءً دينياً، لكنها كانت في جوهرها سياسية تهدف إلى سحق استقلالية القرار الكوردي.

ولم تخلُ كوردستان من حضور يهودي ومسيحي أصيل، فأغلب العشائر الكوردية الكبرى، كعشيرة دوركا، التي أشار إليها شرف خان البدليسي في كتابه "شرفنامه"، كانت تتكون من مكونات دينية متعددة، مما يدل على عمق التسامح والتداخل بين المعتقدات في البنية الاجتماعية الكوردية.
ومن المفارقات المؤسفة أن النزعة الإقصائية الدينية تعود اليوم لتُزرع مجدداً، في وقت يُفترض أن تبنى فيه الأوطان على مبدأ التعدد والتعايش. إذ تُرَوّج الآن مقولات تُقصي المسيحيين الكورد أو اليهود الكورد، وتعتبرهم "عرباً" أو "أقليات وافدة"، في حين أن لهم جذوراً ضاربة في أعماق كوردستان، وجغرافيا تمتد من نصيبين وماردين، إلى سنجار ودهوك وأربيل.
لقد كانت مدن كـ "نصيبين" و"ماردين" من أبرز مراكز نشر المسيحية والثقافة السريانية، واحتضنت مدارس لاهوتية وفلسفية عظيمة، كمدرسة نصيبين التي كانت تضاهي مدرسة الإسكندرية. وقد حافظ الأشوريون والكلدان والسريان -الأراميين على هويتهم القومية رغم تبنيهم للأديان السماوية، مما يعزز فكرة أن الدين لم يكن بديلاً عن القومية، بل مكوناً من مكوناتها.
وفي هذا السياق، لا بد من التذكير بأن استمرار وجود الشبك، والإيزيديين، والكورد اليهود، والمسيحيين، والمسلمين، هو دليل قاطع على عراقة التعددية الكوردية، وعلى فشل محاولات الطمس الديني التي امتدت لقرون. لقد منعت الطبيعة الجبلية الوعرة من جهة، وقوة الإيمان الذاتي لدى أبناء تلك الديانات من جهة أخرى، من القضاء التام على هذا التنوع.

يتبع...
د. محمود عباس
الولايات المتحدة الأمريكية
4/7/2025م



#محمود_عباس (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- كيف نُسقط مشروع الإلغاء العنصري ونبني سوريا التعددية؟
- هل هناك فخ في حوارات باريس؟
- الإسلام بريء منكم من داعش إلى الحكومة الانتقالية
- رد سياسي إلى وزارتي الخارجية الأمريكية والفرنسية بشأن المذكر ...
- هندسة الخداع الدبلوماسي في محاولة تحجيم الدور الكوردي بين با ...
- فيدرالية سوريا كابوس أنقرة وذريعتها لإحياء داعش بأسماء أشد ب ...
- الكورد السريان هوية تتجذر لا تذوب - الجزء السادس والأخير
- المبعوث الأمريكي بين التطبيع القسري وتجهيل الواقع السوري
- سوريا بين فيدرالية مأمولة وممثل أمريكي يجهل التاريخ
- نداء شيخ العقل حكمت الهجري ليس خيانة، بل صرخة كرامة
- الكورد السريان هوية تتجذر لا تذوب - الجزء الخامس
- بيان إلى الحكومة الأمريكية واللجان المعنية بالشأن السوري
- الكورد السريان هوية تتجذر لا تذوب - الجزء الرابع
- سوريا تُذبح بهوية واحدة، حين تُقصى المكونات ويُفرض الكفر باس ...
- أردوغان بين انهيار الرهانات واعتراف مؤجل بالكورد
- حزب العمال الكوردستاني ما بين القداسة والعداء، جدلية أبعد من ...
- الكورد السريان هوية تتجذر لا تذوب - الجزء الثالث
- المبعوث الأمريكي الذي ضلّ الطريق
- أوجلان كما لا يراه أنصاره وخصومه، خطابٌ بين الكاريزما والواق ...
- مشهدٌ يتجاوز رمزيته ما بين إلقاء السلاح وولادة مرحلة جديدة


المزيد.....




- شاهد رد فعل موظفين في منهاتن لحظة وقوع إطلاق النار المميت في ...
- -الحوثيون- يعرضون مشاهد لاحتجاز 11 فردًا من طاقم سفينة أغرقو ...
- حنظلة.. أيقونة ناجي العلي التي تحوّلت إلى رمز للفلسطينيين وا ...
- -هل يُثمر الخِلاف بين ترامب ونتنياهو عن اعتراف عالميّ بدولة ...
- في حادثة يُشتبه بأنها انتحار.. وفاة ضابط احتياط إسرائيلي حدد ...
- الشرطة الفرنسية تُحقّق في مزاعم محامي نتنياهو بشأن مخطط من ح ...
- محكمة ألمانية ترفض طلب لجوء عائلة إيزيدية بعد ترحيلها إلى ال ...
- اتهام سوري بمحاولة قتل إسباني عند النصب التذكاري للهولوكوست ...
- عشية مؤتمر -حل الدولتين-... وزير الخارجية السعودي يؤكد مشارك ...
- انتخابات برلمانية في سوريا منتصف سبتمبر


المزيد.....

- اشتراكيون ديموقراطيون ام ماركسيون / سعيد العليمى
- الرغبة القومية ومطلب الأوليكارشية / نجم الدين فارس
- ايزيدية شنكال-سنجار / ممتاز حسين سليمان خلو
- في المسألة القومية: قراءة جديدة ورؤى نقدية / عبد الحسين شعبان
- موقف حزب العمال الشيوعى المصرى من قضية القومية العربية / سعيد العليمى
- كراس كوارث ومآسي أتباع الديانات والمذاهب الأخرى في العراق / كاظم حبيب
- التطبيع يسري في دمك / د. عادل سمارة
- كتاب كيف نفذ النظام الإسلاموي فصل جنوب السودان؟ / تاج السر عثمان
- كتاب الجذور التاريخية للتهميش في السودان / تاج السر عثمان
- تأثيل في تنمية الماركسية-اللينينية لمسائل القومية والوطنية و ... / المنصور جعفر


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - القومية , المسالة القومية , حقوق الاقليات و حق تقرير المصير - محمود عباس - كوردستان مهد الأديان وتعددية الهوية الروحية 1/3