أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - القضية الكردية - محمود عباس - أوجلان كما لا يراه أنصاره وخصومه، خطابٌ بين الكاريزما والواقع















المزيد.....

أوجلان كما لا يراه أنصاره وخصومه، خطابٌ بين الكاريزما والواقع


محمود عباس

الحوار المتمدن-العدد: 8402 - 2025 / 7 / 13 - 02:23
المحور: القضية الكردية
    


منذ أن رفع حزب العمال الكوردستاني شعار "كوردستان الكبرى"، وهو يتأرجح في عيون خصومه وأنصاره بين الطوباوية والعمالة، كل تحوّل في خطابه جوبه باتهام مضاد، حين اختار الكفاح المسلح وُصم بالإرهاب، وحين فتح باب النقاش حول التخلي عن السلاح وُصف بالخيانة، وكأن الحركة محكوم عليها أن تظل بين فكي الإدانة مهما فعلت، لا لأن الفعل خاطئ بالضرورة، بل لأن البنية النفسية والسياسية التي تحكم المشهد الكوردي لم تنجح بعد في إنتاج أدوات تحليل عقلاني، أو ثقافة نقدية تميّز بين الاختلاف والعداء، بين الاجتهاد والخطيئة، تراجعت قيم الحوار لصالح فوضى الاتهام، وتوارى الفعل السياسي المؤسس خلف ضجيج ردود الفعل العاطفية، التي لا تؤسس لبديل، بل تغذي الإحباط والتيه.
شخصيًا، لا أتبنى خط الحزب الأيديولوجي ولا أتفق مع كثير من مساراته التنظيمية، غير أن من العبث إنكار أن حزب العمال الكوردستاني هو أحد أهم التنظيمات الكوردستانية الذي استطاع أن يحوّل الفعل السياسي من نشاط احتجاجي محلي إلى بنية مؤسساتية عابرة للحدود، اقتربت في أدائها من ملامح الدولة، ونقل المسألة الكوردية من حالة ثقافية مهمشة إلى حلبة الصراع الإقليمي والدولي، حيث باتت تُناقش في غرف التفاوض الكبرى، لا في هوامش التقارير الحقوقية.
عبدالله أوجلان، الذي بات محورًا دائمًا في النقاش الكوردي والدولي، لا يمكن اختزاله كما يفعله أنصاره بوصفه نبيًّا، ولا كما يراه خصومه خائنًا أو إرهابيًا، هو ليس فيلسوفًا استثنائيًا، لكنه يمتلك قدرة نادرة على الإدارة والتنظيم، وعلى تحويل الفكر السياسي إلى منظومة ضبط حديدية، جعلت منه رمزًا يمتد أثره في أربعة أجزاء من كوردستان، الكاريزما التي يتمتع بها لم تنشأ من فراغ، بل صيغت داخل فراغ سياسي كوردستاني مزمن، لم ينجح في إنتاج قيادة جامعة، فوجد فيه كثيرون المعادل الرمزي المفقود.
خطابه الأخير حول التخلي عن السلاح لم يكن مجرد تصريح عابر، بل إعلان يحمل دلالات كبيرة، لا سيما في توقيته السياسي الإقليمي، وانعكاساته على الداخل التركي، ومع ذلك، يظل الخطاب بلا قيمة إن لم يُترجم إلى آليات تنفيذية واضحة، تتضمن كيفية تحويل الفصائل المسلحة المتمركزة في قنديل وسوريا إلى فاعلين سياسيين منضبطين ضمن بنية دستورية، كما أن غياب الضمانات الدولية، وعدم التزام الدولة التركية بأي تعهّد مسبق، يفتح الباب أمام إعادة تكرار سيناريو 2013 حين استخدم أردوغان خطاب السلام لتصفية الحسابات الداخلية ثم انقلب عليه، هنا تكمن خطورة المشهد، ليس في مضمون الخطاب، بل في محيطه، في غياب الشريك الفعلي، وفي تموضع الحزب الحاكم التركي داخل تحالف قومي متطرف لا يرى في المسألة الكوردية سوى أداة للتخويف والتعبئة.
لكن في موازاة هذا القلق، لا يمكن تجاهل ما أنجزه الحزب بقيادة أوجلان من تحوّلات عميقة في بنية النضال الكوردي، فالحزب كان المحرّك الرئيسي لولادة حزب الشعوب الديمقراطي والذي غير الاسم إلى حزب المساواة وديمقراطية الشعوب حاليا، الذي رغم كل التحديات بات يشكّل الكتلة الثالثة في البرلمان التركي، وضمّ في صفوفه عشرات النواب ورؤساء البلديات. كما أن حزب المساواة وديمقراطية الشعوب نقل القضية من الهامش إلى قلب النقاش التركي، ونجح في تحويل أوجلان من مجرّد سجين إلى فاعل سياسي تتفاوض معه الدولة، لا بوصفه أسيرًا، بل ممثلًا لقضية، مثل هذه التحولات ما كانت لتحدث لولا الهيكلية الصلبة التي صنعها التنظيم، وما كانت لتُنتج تأثيرًا كهذا من دون مراكمة حقيقية للقوة الشعبية والمؤسساتية.
وفي سوريا، كان حضور الحزب حاسمًا في صياغة تجربة الإدارة الذاتية، التي وإن شابها كثير من النواقص، فإنها وفّرت لأول مرة منذ قرن مساحة للتعليم باللغة الكوردية، لمؤسسات تحكم باسم الكورد، ولنساء قاتلن وتعلّمن وتحوّلن إلى رموز عالمية، هذه المكاسب لم تأت من فراغ، بل من مشروع سياسي واضح المعالم، نجح في فرض نفسه على الخارطة، وجعل من الوجود الكوردي طرفًا لا يمكن تجاوزه في أي حل سوري قادم.
ومع ذلك، فإن التحوّل المطلوب اليوم أكثر تعقيدًا، أن يتحوّل التنظيم من حركة مسلحة إلى فاعل سياسي حقيقي يعني أن يعيد صياغة هويته، ويكسر قوالبه العقائدية المغلقة، ويخضع نفسه للمساءلة الداخلية، هذا لا يتأتّى من خطاب، بل من فعل سياسي جديد، يُنتج أدوات تتجاوز السلاح، ويعتمد على الوعي والمشاركة الشعبية بدل التراتب الأيديولوجي، وهنا يكون الرهان على قدرة أوجلان لا في إطلاق الخطابات فقط، بل في صناعة انتقال تاريخي من قيادة أبوية إلى مؤسسة تعددية قابلة للتطوّر.
أما التحدي الأخطر، وكما نوهنا سابقاً، فهو مدى استعداد حزب العدالة والتنمية بزعامة أردوغان للتفاعل مع هذا التحوّل، خاصة وهو يعيش ذروة نزعته القومية، وتحالفه مع اليمين المتطرف، وكان يستخدم ورقة “العمال الكوردستاني” كذريعة داخلية لتصفية الخصوم، فإذا لم تكن هناك إرادة متقابلة من الطرف التركي، فإن خطاب أوجلان سيتحوّل إلى مجرد حلقة في سلسلة استنزاف طويلة، تُستخدم لإضعافه أكثر مما تُستخدم لبناء السلام.
من هنا، فإن السؤال الحقيقي لا يتعلق بمصداقية أوجلان فحسب، بل بقدرته على تحويل خطابه إلى سلطة فعلية، وبمدى استعداد الحزب للتخلي عن هويته العقائدية المسلحة، والانفتاح على بدائل سياسية جديدة، دون ذلك، فإن النداء بإلقاء السلاح سيبقى مجرد حدث رمزي، يفتقد إلى البنية الواقعية القادرة على تحويله إلى سلام دائم.
إننا نعيش لحظة مفصلية، لا تحتمل البقاء في دوامة التقديس أو الاتهام، فإما أن يُبنى هذا المشروع على أرضية قابلة للتفاوض والتحالف والمساءلة، أو سينهار تحت ثقل ذاته، كما حدث لكثير من الحركات الثورية حين عجزت عن تطوير بنيتها، وإذا لم يكن خطاب أوجلان وموافقة قادة قنديل معه هو الطريق، فليُطرح بديل أصدق منه، وإذا لم يكن حزب العمال الكوردستاني كافيًا، الذي هو بمثابة شبه دولة مؤسساتية، فليُنتج مشروع يوازيه في الجرأة والمؤسسية، أما البقاء في مستنقع المزايدة والشتائم فلن يُنتج غير الفشل.
الشعب الكوردي لا يحتاج إلى معجزة، بل إلى وعي سياسي ناضج، يعيد تعريف الأولويات، ويخرج من منطق المحاور والانقسام. ما نحتاجه اليوم ليس أن نُسكت الطرف الآخر، بل أن نُنصت لأنفسنا، ما الذي نريده حقًا؟ أي مستقبل نبحث عنه؟ هل نكتفي بمواقع الشكوى، أم نمتلك الشجاعة لنبني، ونختلف، ونتطور؟ تلك هي الأسئلة التي لا بد أن نطرحها الآن، وإلا فإن التاريخ، كما العادة، سيمضي دون أن ينتظر المترددين.

د. محمود عباس
الولايات المتحدة الأمريكية
10/7/2025م



#محمود_عباس (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مشهدٌ يتجاوز رمزيته ما بين إلقاء السلاح وولادة مرحلة جديدة
- توماس باراك يجمّل وجه السلطة المركزية ويزوّر حقيقة التحالف ا ...
- توماس باراك يجمّل وجه السلطة المركزية ويزوّر حقيقة التحالف ا ...
- توماس باراك وسرّ الشرق الأوسط المؤجّل 2/2
- توماس باراك وسرّ الشرق الأوسط المؤجّل 1/2
- الكورد السريان هوية تتجذر لا تذوب - الجزء الثاني
- الكورد السريان هوية تتجذر لا تذوب - الجزء الأول
- تغيير الشعار لا يغيّر القبح بل يعمّق جذور الإقصاء
- يالچين كوچوك مفكر النظام التركي العميق في ثوب ماركسي ممزّق
- سطوة التاريخ وازدواج الهيمنة في قلب الشرق
- منابر العار تهاجم مظلوم عبدي، حين يرتجف الحقد أمام الشرف
- لو أصاب القناص ترامب هل كانت أمريكا ستغزو العالم بالذكاء وال ...
- تضخيم قصف إيران يكشف صراع الاستراتيجيات بين ترامب والدولة ال ...
- تضخيم قصف إيران يكشف صراع الاستراتيجيات بين ترامب والدولة ال ...
- تضخيم قصف إيران صراع الاستراتيجيات بين ترامب والدولة العميقة ...
- بين خناجر البعث وأوتار الأمل ملحمة التآلف السوري الذي لن يُد ...
- بين خناجر البعث وأوتار الأمل ملحمة التآلف السوري الذي لن يُد ...
- بين خناجر البعث وأوتار الأمل ملحمة التآلف السوري الذي لن يُد ...
- بين خناجر البعث وأوتار الأمل ملحمة التآلف السوري الذي لن يُد ...
- أمريكا تُنعش سردية العداء مع النظام الإيراني تمهيدًا لمواجهة ...


المزيد.....




- اليونيسف تؤكد مقتل 5 أطفال في قصف صاروخي جنوب غربي اليمن
- خطة إسرائيلية لاقتطاع 40% من غزة وتحويل رفح إلى -معتقل غوانت ...
- محامية أبو صفية: موكلي فقد 40 كيلوغراما تحت التعذيب والإهمال ...
- جريمة مركبة في سنجل: عنف استيطاني ممنهج برعاية جيش الاحتلال ...
- بعد رفع العقوبات الدولية.. آمال الإغاثة في سوريا تصطدم بواقع ...
- الجيش الإسرائيلي يستهدف نقاط توزيع المياه على النازحين في غز ...
- الشرطة الإسرائيلية تعلن اعتقال 373 عاملاً من الضفة و61 مشتبه ...
- نكبة فلسطينية -تتجدد-.. مخيم طولكرم تحت الجرافات وحق العودة ...
- رشيد حموني يطلب رأي كل من المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئ ...
- 3850 حالة اعتقال خلال النصف الأول من 2025


المزيد.....

- “رحلة الكورد: من جذور التاريخ إلى نضال الحاضر”. / أزاد فتحي خليل
- رحلة الكورد : من جذور التاريخ إلى نضال الحاضر / أزاد خليل
- سعید بارودو. حیاتي الحزبیة / ابو داستان
- العنصرية في النظرية والممارسة أو حملات مذابح الأنفال في كردس ... / كاظم حبيب
- *الحياة الحزبية السرية في كوردستان – سوريا * *1898- 2008 * / حواس محمود
- افيستا _ الكتاب المقدس للزرداشتيين_ / د. خليل عبدالرحمن
- عفرين نجمة في سماء كردستان - الجزء الأول / بير رستم
- كردستان مستعمرة أم مستعبدة دولية؟ / بير رستم
- الكرد وخارطة الصراعات الإقليمية / بير رستم
- الأحزاب الكردية والصراعات القبلية / بير رستم


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - القضية الكردية - محمود عباس - أوجلان كما لا يراه أنصاره وخصومه، خطابٌ بين الكاريزما والواقع