أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - محمود عباس - سطوة التاريخ وازدواج الهيمنة في قلب الشرق














المزيد.....

سطوة التاريخ وازدواج الهيمنة في قلب الشرق


محمود عباس

الحوار المتمدن-العدد: 8391 - 2025 / 7 / 2 - 21:56
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


ربما يجب أن نسأل، بجرأة خارج ضوضاء التحليلات الآنية، هل الصراع الإيراني – الإسرائيلي هو امتداد مكشوف لصدام غائر بين الإسلام واليهودية منذ لحظة التماس الأولى في المدينة المنورة؟ وهل الدعم الأميركي الأوروبي لإسرائيل ما هو إلا استكمال لوجه آخر من وجوه الصراع المسيحي–اليهودي–الإسلامي؟ وإن كانت الوجوه قد تبدلت، إلا أن البنية العميقة بقيت، وظلت الصراعات الروحية والعقائدية تتلبّس الأقنعة الجيوسياسية، وتُدار تحت رايات "حقوق الإنسان" و"الشرعية الدولية"، لكنها في جوهرها لا تخرج عن كونها امتداداً لصراعات ديانات وإمبراطوريات متجددة.
تاريخ الشرق الأوسط، الممتد إلى العصور السحيقة، لم يكن يومًا صامتًا، بل ظل يئنّ تحت وطأة إمبراطورياتٍ تعاقبت عليه باسم "الخلاص" و"الإيمان" و"الرسالة" ومع بزوغ الإسلام من عمق الجزيرة العربية، بدا المشهد وكأنه انفجار في قلب الزمن الإمبراطوري، سقوط مدوٍّ للإمبراطورية الساسانية، وانحسار مذلّ للبيزنطية، وتدمير لحضارتين، وتوسّع مذهل للإسلام والغزاة العرب.
لكن، هل انتهت الإمبراطوريات فعلًا؟
فرض العرب المسلمون لغة القرآن، وألغوا العملات الساسانية والبيزنطية، وأخضعوا الديانات المحلية كالزرادشتية والمزدكية والمانوية، وضغطوا على المسيحية واليهودية حتى حدود التهميش، لكنهم لم يتحرروا من بنيتهما الروحية العميقة. فقد تمكن الفرس، أو ما اصطلح على تسميته بـ "العنصر الإيراني"، من سرقة الروح الإسلامية من العرب، عبر دهاء فقهي وعقائدي، أسّس لنموذج الدولة الصفوية فيما بعد، حيث تلبّسوا الإسلام ليعيدوا عبره السيطرة على العالم العربي عبر بوابة التشيع الصفوي، ليستعيدوا، بلباس ديني، ما خسروه من سلطان قومي.
فكان التشيع إحدى أدوات إعادة الهيمنة الفارسية، كما أشار العديد من المفكرين، مثل الدكتور علي شريعتي الذي حذّر من "التشيّع الصفوي" في مقابل "التشيّع العلوي"، واعتبر الأول تشويهاً سياسياً فارسياً لجوهر الرسالة العلوية. ورغم التباس بعض المؤرخين في النسب، فإن الخلاف بين هذين النموذجين لا يتعلق فقط بنزاع مذهبي، بل بإعادة قولبة البنية الروحية للإسلام لخدمة مشروع استعادة الهيمنة الساسانية، واللافت أن الدولة الصفوية، التي ارتبط بها هذا التحول، لم تكن فارسية خالصة، بل كانت ذات أصول تركية آسيوية، تتكلم بالفهلوية، وعلى خلافٍ واضح مع الدولة الغزنوية، صاحبة الامتداد الثقافي الفارسي العريق، والتي احتضنت ملحمة الشاهنامه للفردوسي كمشروع قومي ثقافي.
وهكذا، لم يكن التشيع في نسخته الصفوية إلا مركبًا حضاريًا هجينًا، حُمِّل بأدوات الدين لخدمة أغراض الدولة، وسار على نهج التحالف بين التأويل الديني والدولة القومية، وهي المعادلة التي ستستمر في التشكل حتى عصرنا الحاضر في إيران الخمينية.
أما إمبراطورية الغرب صاحبة الحضارة، الذي بدا وكأنه فقد تأثيره المباشر في المنطقة بعد انحسار الانتدابيات والاستعمار، فقد ظلّ يدير خيوط اللعبة من خلف الستار، ومن بين مشاريعها دعم إسرائيل كامتداد توراتي لمشروعه الثقافي والديني، ويطوّق المنطقة بحلفاء يحمون مصالحه ويعيدون إنتاج تبعيته، وحيث الحداثة والحضارة، والتي تتناقض في العديد من مفاصلها مع الإسلام السياسي، وأحد قادتها إيران الشيعية.

وفي هذا المشهد الغرائبي، تبدو الشعوب العربية والإسلامية وقد فقدت مركزها، رغم أن أرضها ما تزال مركزًا للصراع، فهي تُستَخدم، وتُستدعى، ويُتحدث باسمها، لكنها ليست من يكتب النص الأخير.
والأغرب أن الدول المُسمّاة بالعربية، التي استردّت شكليًا جزءًا من سيادتها عقب تقاسم تركة السلطنة العثمانية بين بريطانيا وفرنسا في اتفاقية سايكس – بيكو، لم تكن يومًا سوى أدوات في يد صراعات أكبر منها، فقد مُنحت هذه السيادة المؤقتة لا بوصفها استحقاقًا تاريخيًا، بل كمرحلة انتقالية تُمهّد لانهيار الإمبراطورية العثمانية، تلك التي اختبأت طويلاً خلف عباءة الإسلام واحتكرت تمثيله باسم الخلافة.
رغم تمسّك هذه الدول بلغة القرآن كهوية جامعة، وسعيهم الدائم لفرض ثقافتهم على شعوب المنطقة غير العربية، ظلّوا خارج موقع السيادة الروحية الكاملة، لم يمتلكوا ناصية المعنى الديني في جوهره، بل ظلوا أسرى لمسرحٍ تتقاطع فيه القوى الثلاث الكبرى التي سبقتهم على الخريطة، الفرس، والبيزنطيون، واليهود.
لم يكونوا أصل النزاع، بل كانوا جسده الحيّ؛ الكيان الذي عَبَرت من خلاله تلك الصراعات، وتجسّدت عليه آثارها. لقد خُيّل إليهم أنهم محور المعركة، بينما كانت مراكز القرار تُرسم دومًا خارج أسوارهم.
الصراع الإيراني–الإسرائيلي إذًا، ليس نزاعًا على نفوذ أو ملف نووي فحسب، بل هو تكرار حديث لصراعاتٍ قديمة بأدواتٍ معاصرة، فإيران، التي ترفع راية الإسلام الشيعي، تعيد بثّ الطموح الساساني من جديد، وإسرائيل تجسد وجعًا يهوديًا تحوّل إلى مشروع عودة الاستيطاني التوراتي التاريخي وبسند من النصوص السماوية الثلاث، ومدعوم بقوى عالمية لها حسابات تاريخية عالقة مع الشرق.
هنا، تتقاطع العقيدة بالجغرافيا، وتُستعاد الأساطير القديمة في هيئة قرارات سياسية، لم يكن الصراع على الأرض وحدها، بل على المعنى، على السلطة الرمزية، على من يملك الحق في تفسير العالم وتوجيهه.
والحكمة التي تستخلص من هذا السياق الطويل والمعقد:
"في الشرق، لا تموت الأساطير بل تغيّر قناعها، ولا تسقط الإمبراطوريات، بل تخلع أثوابها لتعود إلينا بوجوه أخرى ومن لا يقرأ تاريخه بوصفه نزاعًا مستمرًا على التأويل والهيمنة، سيظل وقودًا لحروبٍ يكتبها الآخرون باسمه."

د. محمود عباس
الولايات المتحدة الأمريكية
26/6/2025م



#محمود_عباس (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- منابر العار تهاجم مظلوم عبدي، حين يرتجف الحقد أمام الشرف
- لو أصاب القناص ترامب هل كانت أمريكا ستغزو العالم بالذكاء وال ...
- تضخيم قصف إيران يكشف صراع الاستراتيجيات بين ترامب والدولة ال ...
- تضخيم قصف إيران يكشف صراع الاستراتيجيات بين ترامب والدولة ال ...
- تضخيم قصف إيران صراع الاستراتيجيات بين ترامب والدولة العميقة ...
- بين خناجر البعث وأوتار الأمل ملحمة التآلف السوري الذي لن يُد ...
- بين خناجر البعث وأوتار الأمل ملحمة التآلف السوري الذي لن يُد ...
- بين خناجر البعث وأوتار الأمل ملحمة التآلف السوري الذي لن يُد ...
- بين خناجر البعث وأوتار الأمل ملحمة التآلف السوري الذي لن يُد ...
- أمريكا تُنعش سردية العداء مع النظام الإيراني تمهيدًا لمواجهة ...
- إسرائيل وغايتيها في قصف إيران إزالة النظام وتثبيت الذات في خ ...
- ميزان الخسارة إسرائيل كدولة وإيران كسلطة
- حكومة الجولاني من برلمان بلحى إلى مقبرة مشروع الدولة
- هل بدأت نهاية إيران في ظل الاستراتيجية الإسرائيلية الجديدة؟
- الشراكة اللامركزية السياسية هي الطريق لإنقاذ سوريا
- هل يستفيد الشعب الكوردي من تصعيد الصراع في الشرق الأوسط؟
- الفرق بين اللامركزية السياسية والإدارية من تفويض الوظيفة إلى ...
- رابطة الكتّاب السوريين أمام امتحان العدالة، الكورد ليسوا خصو ...
- سياسات الأنظمة السورية البائدة تجاه الكورد من القرارات التشر ...
- الفيدرالية ليست منّة، بل خلاص لوطن أُبتلي بالاستبداد العربي ...


المزيد.....




- رئاسة سوريا تصدر بيانا حول السويداء والدرزية وقبائل البدو
- تعويض ب10 مليارات.. ترامب يصعّد ضد صحيفة وول ستريت جورنال لز ...
- بريطانيا تنضم إلى أحدث حزمة عقوبات أوروبية ضد روسيا
- لماذا تهدد روسيا بحظر تطبيق واتساب؟
- القضاء البرازيلي يفرض قيودا مشددة على بولسونارو وواشنطن تهدد ...
- ترامب يقاضي قطب الإعلام روبرت مردوخ وصحيفة وول ستريت جورنال ...
- ما دلالات تحذيرات أنقرة لقوات قسد؟ وكيف تترجمها تركيا عمليا؟ ...
- هل نحتاج إلى مساحيق البروتين لبناء عضلات أقوى وجسم سليم؟
- ألمانيا ـ نسبة تلاميذ المدارس بخلفيات مهاجرة تثير زوبعة سياس ...
- إسرائيل وسوريا يتفقان على وقف إطلاق النار والاشتباكات مستمرة ...


المزيد.....

- شعب الخيام، شهادات من واقع احتجاجات تشرين العراقية / علي الخطيب
- من الأرشيف الألماني -القتال في السودان – ينبغي أن يولي الأل ... / حامد فضل الله
- حيث ال تطير العقبان / عبدالاله السباهي
- حكايات / ترجمه عبدالاله السباهي
- أوالد المهرجان / عبدالاله السباهي
- اللطالطة / عبدالاله السباهي
- ليلة في عش النسر / عبدالاله السباهي
- كشف الاسرار عن سحر الاحجار / عبدالاله السباهي
- زمن العزلة / عبدالاله السباهي
- ذكريات تلاحقني / عبدالاله السباهي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - محمود عباس - سطوة التاريخ وازدواج الهيمنة في قلب الشرق