|
هل يستفيد الشعب الكوردي من تصعيد الصراع في الشرق الأوسط؟
محمود عباس
الحوار المتمدن-العدد: 8374 - 2025 / 6 / 15 - 00:30
المحور:
القضية الكردية
رغم المآسي والدمار المتزايدين في المنطقة، وهي لا تقلّ فداحةً عن المآسي التي تكبّدها الشعب الكوردي على يد الأنظمة الاستبدادية التي تحتل كوردستان، يبقى الوجع واحدًا، في الحالتين. ومع استمرار التصعيد، وتَوقّع أحداث قد تغيّر وجه الشرق الأوسط، ولا سيما في الدول الأربع التي تتقاسم احتلال كوردستان، يظل السؤال المشروع مطروحًا: هل ثمة فرصة أمام الشعب الكوردي للاستفادة من هذا التحوّل؟ الجواب، وإن ظل محفوفًا بالحذر، هو نعم، ولكن بشروط دقيقة وبفطنة تاريخية. فـ "النافذة الجيوبوليتيكية"، التي لطالما تحدّث عنها خبراء الصراع الدولي، تبدو اليوم مفتوحة على مستقبل جديد، فقصف إسرائيل لمواقع إيرانية، في خضم تعنّت طهران ومضيّها في مشروعها النووي رغم التحذيرات، ليس مجرد حدث عابر، بل فصلٌ من فصول حرب خفية لإعادة رسم توازنات المنطقة، وهذه الحرب، التي باتت تفضح الأنظمة المهيمنة وتُعرّي أدواتها من ميليشيات طائفية ومنظمات متطرفة، قد تحمل في طياتها الفرصة التي طالما انتظرها الكورد. لقد دأبت الأنظمة التي تحتل كوردستان على ارتكاب المجازر بحق شعبها، في ظل صمت عالمي مخزٍ. من شنكال إلى كوباني، ومن حلبجة إلى قامشلو، كان الدم الكوردي مباحًا بأدوات تركية، وإيرانية، وسورية، وعراقية. اليوم، ومع اهتزاز ثقة القوى الكبرى بهذه الأنظمة، بات الحديث عن محاسبة من سنّوا النساء الكورديات أمرًا ممكنًا، كما أصبح طرح القضية الكوردية في المحافل الدولية جزءًا من خطاب العدالة الإقليمي. أنظمة استبدادية مثل إيران وتركيا وسوريا والعراق، تبدو اليوم في وضع دفاعي، تتآكل من الداخل. إيران، المُحاصرة اقتصاديًا، تتلقى ضربات موجعة، وبدأت أدواتها تنهار على أكثر من جبهة. تركيا، رغم قوتها الظاهرية، تخشى الانفجار من الداخل، فشلها الاقتصادي، وأزمتها مع الغرب، وتصاعد الصوت الكوردي، كلها مؤشرات على بداية التآكل. وسوريا، التي مزقتها الحرب، لم تعد قادرة على فرض مشروعها المركزي، لا على الكورد ولا على غيرهم. أما الحكومات المركزية في العراق، التي خرجت من بين ركام الفوضى بفضل التضحيات والحراك الكوردستاني، فقد قابلت التقدم العصري الذي حققه جنوب كوردستان بالطعن والتضييق، بدلًا من الدعم والاعتراف. فهي لم تتوقف يومًا عن محاولات تقويض النظام الفيدرالي، متذرعة بحجج واهية، كالدعوة إلى "إعادة صياغة الدستور"، بينما يتحرك في الخلفية مشروع واضح لتفريغ الفيدرالية من مضمونها. ومن أبرز أدوات هذا المشروع، ميليشيات "الحشد الشعبي"، التي تحولت إلى الذراع الإيرانية الأقوى في العراق، تُحرَّك بخيوط إقليمية وتُستخدم لفرض السيطرة على المناطق الكوردية، وخصوصًا تلك المدرجة تحت صيغة "المناطق المتنازع عليها"، في انتهاك صريح للاتفاقات الدستورية. إنها سياسة تخدم مصالح طهران وأنقرة على حدٍّ سواء، وتسعى لخلق طوق ضغط على إقليم كوردستان، والحدّ من طموحاته في تثبيت نظام ديمقراطي عصري يُخالف بنيات الاستبداد المزمنة في المنطقة. هذا التآكل يخلق فراغًا، والفراغات في السياسة لا تبقى طويلة دون أن تملأ، وهنا، تأتي الفرصة الكوردية. القوى الكبرى، وفي مقدمتها الولايات المتحدة، بدأت منذ سنوات بإعادة تقييم تحالفاتها، وقد أثبتت التجارب، من مواجهة داعش إلى احتواء إيران، أن الكورد هم الحليف الأكثر فاعلية وواقعية، في سوريا والعراق، ظهرت قوى كوردية مدنية وديمقراطية، قدّمت بديلًا قابلًا للحياة وسط بحر من الدمار والطائفية. حتى إسرائيل، وكذلك دول الخليج العربي، في صراعها مع محور طهران، بدأت تدرك أن وجود كيان كوردستاني ديمقراطي في قلب الشرق الأوسط سيكون عامل استقرار، وشريكًا طبيعيًا في بنية جديدة للمنطقة. لكن الكورد ليسوا وحدهم من يقرر في هذه اللحظة، رغم زخمها، وبالتالي لن تُنتج دولة كوردية تلقائيًا، فشروط الدولة لا تنضج إلا بثلاثة عوامل: 1. الشرط الدولي: وهو يتبلور حاليًا، مع بروز نظام عالمي متعدد الأقطاب، وتصدّع خرائط سابقة. 2. الشرط الذاتي الكوردي: وهو ما يزال هشًّا، الانقسام السياسي، ضعف الدبلوماسية، غياب المشروع الجامع، كلها تحديات داخلية خطيرة. 3. الكتلة الجغرافية والسياسية الموحدة: لا تزال كوردستان مقسمة، وكل جزء منها يعاني من درجة متفاوتة من الهيمنة والتشرذم. كما قال السيد الرئيس مسعود بارزاني: "فرصة الاستقلال تمر كمرور السحاب"، لكن الغيوم لا تُمسك بالأيادي المرتجفة. هذه ليست قراءة من باب الشماتة بأنظمة المنطقة اللقيطة، بقدر ما هي استعادة لحق تاريخي غُيِّب عن خرائط الشرق الأوسط. فكما ولدت معظم الدول الحالية في المنطقة من رحم الاستراتيجية الدولية لما بعد الحربين العالميتين، فإن كوردستان وحدها كانت الغائب الأكبر عن تلك الولادة الجيوسياسية. واليوم، ونحن على أعتاب موجة جديدة من إعادة رسم الخرائط، تبرز أمام الكورد فرصة تاريخية، لا لتكرار المأساة، بل لتصحيحها. إن ذات الدول التي تقاسمت كوردستان ومزّقتها، والتي لا تزال تحتل أراضيها وتنكّل بشعبها، تستند اليوم إلى نفس "الشرعية الدولية" التي وُلدت منها، وتستكثر على الكورد الحق في السعي لتحرير وطنهم. وإذا كان الآخرون قد نالوا دولهم من رحم المؤتمرات والخرائط التي رسمها الكبار، أفلا يحق للكورد اليوم، وهم أكثر شعوب المنطقة عراقة واستحقاقًا، أن يبحثوا عن كل السبل المشروعة لتأسيس دولتهم، كوردستان؟ وإذا كان من حق الكورد المطالبة بتصحيح هذا الإجحاف التاريخي، فإن مسار الأحداث المتسارع في المنطقة، لا سيما هشاشة الأنظمة التي تحتل كوردستان، يعيد فتح هذا الباب المغلق منذ مئة عام. من هنا، فإن قراءة مستقبل هذه الأنظمة – وفي مقدمتها إيران وتركيا – لا يمكن فصلها عن احتمالات تحوّل المشهد لصالح الكورد. رغم الفروقات، فإن تركيا، تقترب من المصير الإيراني، مسيرة التشابه موجودة، لكن إيران وصلت إلى لحظة الصدام، وبدأت تسقط، وتركيا تقترب تدريجيًا، الأزمة الاقتصادية، قمع الحريات، تآكل التحالفات، والخوف الدفين من الكورد، كلها مؤشرات تضع تركيا على سكة الانفجار، وإذا ما توسع الصراع في سوريا والعراق، فإن الداخل التركي سيكون أكثر هشاشة مما يُعتقد. لكن، حتى لو رضخت أنقرة كما رضخت طهران، وهو ما بدأت مؤشراته تتضح رغم عنجهية تصريحات المرشد الأعلى، فإن إدخال روسيا على خط التفاوض مع الولايات المتحدة يكشف أن طهران باتت أقرب إلى القبول بشروط واشنطن وتل أبيب، وإن جاء ذلك تحت غطاء دبلوماسي أميركي يُحافظ على ماء الوجه، بعبارات من قبيل: "سنعود إلى طاولة المفاوضات إذا قبلت إيران بذلك". ومع ذلك، فإن قيام دولة كوردستان لن يكون تلقائيًا، بل يستدعي مشروعًا وطنيًا متكاملًا، وقيادة تاريخية، واستثمارًا استراتيجيًا واعيًا في التحولات الجارية. ويظل السؤال: هل كوردستان على الأبواب؟ ليس بعد. لكن الأبواب بدأت تُفتح. المطلوب اليوم ليس انتظار سقوط الآخرين، بل بناء الذات، مشروع قومي واضح، دبلوماسية فاعلة، وقيادة كوردية تتحدث لغة المصالح لا فقط لغة التضحيات، حينها، وعند لحظة الانهيار الكبرى، لن تكون كوردستان مجرد أمنية، بل ستكون خيارًا جادًا في خرائط ما بعد الخراب.
د. محمود عباس الولايات المتحدة الأمريكية 14/6/2025م
#محمود_عباس (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الفرق بين اللامركزية السياسية والإدارية من تفويض الوظيفة إلى
...
-
رابطة الكتّاب السوريين أمام امتحان العدالة، الكورد ليسوا خصو
...
-
سياسات الأنظمة السورية البائدة تجاه الكورد من القرارات التشر
...
-
الفيدرالية ليست منّة، بل خلاص لوطن أُبتلي بالاستبداد العربي
...
-
لو أصاب القناص ترامب هل كانت أمريكا ستغزو العالم بالذكاء وال
...
-
إعادة التوازن الديمغرافي في غربي كوردستان ضرورة تاريخية وعدا
...
-
سوريا تحت خوذة المتطرفين، الجيش الذي لم يعد وطنيًا
-
إعادة التوازن الديمغرافي في غربي كوردستان ضرورة تاريخية وعدا
...
-
إعادة التوازن الديمغرافي في غربي كوردستان ضرورة تاريخية وعدا
...
-
إعادة التوازن الديمغرافي في غربي كوردستان ضرورة تاريخية وعدا
...
-
الرهان على الحراك الكوردي بين النقد الحصيف والدعم الثابت
-
لو أصاب القناص ترامب هل كانت أمريكا ستغزو العالم بالذكاء وال
...
-
نداء مفتوح إلى سعادة السفير الأمريكي في أنقرة،
-
لو أصاب القناص ترامب هل كانت أمريكا ستغزو العالم بالذكاء وال
...
-
النظام السوري الانتقالي بين الوصاية التركية وسقوط الأقنعة
-
الفيدرالية أو إعادة إنتاج الظلم
-
حين تصبح الحقيقة جريمة
-
تحوّل عالمي في التعامل مع القضية الكوردية
-
قراءة في العداء للكورد في زمن الانهيار الأخلاقي
-
لو أصاب القناص ترامب هل كانت أمريكا ستغزو العالم بالذكاء وال
...
المزيد.....
-
مجموعة -أصدقاء ميثاق الأمم المتحدة- تدين الهجوم الإسرائيلي ع
...
-
قوات الاحتلال تشن حملة اعتقالات في الضفة الغربية
-
ممثل إسرائيل في الأمم المتحدة يدعو المجتمع الدولي لإدانة اله
...
-
اعتقال 18 عنصرا داعما اعلاميا للعدوان الصهيوني في أصفهان وكر
...
-
منها -الخيانة العظمى-.. الداخلية السعودية تعلن إعدام مواطن ا
...
-
موالون لإيران يتظاهرون في بغداد دعمًا لطهران بعد الهجوم الإس
...
-
-لم يُترك لنا أي خيار آخر-.. سفير إسرائيل بالأمم المتحدة يكش
...
-
اعتقال 16 متهما أمنيا في أصفهان بتهمة دعم إعلامي للكيان الصه
...
-
اعتقال 5 أشخاص بتهمة التجسس والتواطؤ مع الكيان الإسرائيلي
-
كانييه ويست يساند المغني بي ديدي المتهم بالاتجار بالبشر
المزيد.....
-
“رحلة الكورد: من جذور التاريخ إلى نضال الحاضر”.
/ أزاد فتحي خليل
-
رحلة الكورد : من جذور التاريخ إلى نضال الحاضر
/ أزاد خليل
-
سعید بارودو. حیاتي الحزبیة
/ ابو داستان
-
العنصرية في النظرية والممارسة أو حملات مذابح الأنفال في كردس
...
/ كاظم حبيب
-
*الحياة الحزبية السرية في كوردستان – سوريا * *1898- 2008 *
/ حواس محمود
-
افيستا _ الكتاب المقدس للزرداشتيين_
/ د. خليل عبدالرحمن
-
عفرين نجمة في سماء كردستان - الجزء الأول
/ بير رستم
-
كردستان مستعمرة أم مستعبدة دولية؟
/ بير رستم
-
الكرد وخارطة الصراعات الإقليمية
/ بير رستم
-
الأحزاب الكردية والصراعات القبلية
/ بير رستم
المزيد.....
|