أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - القضية الكردية - محمود عباس - رابطة الكتّاب السوريين أمام امتحان العدالة، الكورد ليسوا خصومًا، بل عماد وطن















المزيد.....

رابطة الكتّاب السوريين أمام امتحان العدالة، الكورد ليسوا خصومًا، بل عماد وطن


محمود عباس

الحوار المتمدن-العدد: 8370 - 2025 / 6 / 11 - 05:58
المحور: القضية الكردية
    


في منعطفٍ قاتمٍ من تاريخ الكتابة السورية، يخرج بيان رابطة الكتّاب السوريين ليُدافع، لا عن حرية التعبير كما يزعم، بل عن حرية العنصرية في أقبح تجلياتها. بيانٌ انحاز فيه أصحاب الأقلام، أو بعضهم، إلى خطابٍ مقيت تبنّاه الكاتب إبراهيم الجبين، الذي لم يكتفِ بتشويه الحقيقة، بل اعتدى على كرامة مكوّن سوري أصيل، هو الشعب الكوردي، متجاهلًا أنه على أرضه التاريخية، وأنه لم يهبط من سماء الفوضى، بل خرج من رحم ميزوبوتاميا، حارسًا للماء والتراب، ومناضلًا من أجل الاعتراف لا الهيمنة.
ما قاله الجبين ليس رأيًا، بل جريمة فكرية مغلّفة بالبلاغة الرديئة، تشبيه الكورد بالإيغور، ثم بالبغال، ووصفهم بالمهربين، ليس نقدًا، بل استعلاء وقح، ورغبة دفينة في إعادة إنتاج السردية البعثية التي دمرت البلاد، وبنت دولتها فوق أشلاء الشعوب.
أن تمرّ مثل هذه العبارات دون إدانة من الرابطة، بل أن يُصوّر من يردّ عليها كأنه تهديد ووعيد، فهذه سقطة أخلاقية وفكرية لا تليق بمؤسسة يُفترض أنها تدافع عن الكلمة لا تسخّرها لتمزيق النسيج السوري.
لقد كتب الكاتب (ماهين شيخاني) ردّه على الجبين بوضوح وشجاعة، لا دفاعًا عن فكرة أيديولوجية، بل عن كرامة شعب يتم تشويهه ليلًا نهارًا تحت ذريعة الحفاظ على وحدة سوريا، وكأن هذه الوحدة لا تتم إلا بإقصاء الكورد من تاريخهم، وتشويه نضالاتهم، والتشكيك بأبسط حقوقهم في الوجود.
كان من المفترض أن تقف الرابطة إلى جانب من يواجه خطاب الكراهية، لا أن تختبئ خلف شعار "حرية التعبير" لتدافع عن شخص يستخدم الإعلام كمنبر للطعن بمكوّن وطني كامل. من المخجل أن يُتَّهم الكاتب الذي رد على الإهانة بأنه يهدّد، بينما لا تُدان الكلمات التي شبّهت شعبًا بأكمله بالبغال والمهربين!
بل وبلغ الابتذال مبلغًا أن يصدر بيان رسمي ضد كاتب كوردي لأنه "تجرأ" على قول الحقيقة.
هل كانت الرابطة ستتخذ الموقف ذاته لو كان الكاتب المعتدى عليه من طائفة دينية أو قومية أخرى؟ أم أن الكورد لا يزالون، في الوعي المستتر لبعض النخب، ضيوفًا غير مرغوب فيهم على مائدة الوطنية؟
إبراهيم الجبين، الذي كان يومًا أحد مروّجي مشروع "إعلان سوريا الاتحادية"، لم يلبث أن خلع قناع التعددية، ليتحوّل إلى خصم شرس لكل ما يمتّ إلى الكورد بصلة، فهو لا يهاجم فقط الشعب الكوردي، بل يهاجم حراكه السياسي، ويسخر من تضحياته، ويشكك بشرعية نضاله، وكل ذلك تحت ذرائع متبدلة، تارة باسم وحدة البلاد، وتارة باسم مقاومة "الانفصالية".
الجبين يمثّل مجموعة من الكتّاب والمثقفين العرب الذين يجرون خلفهم شريحة واسعة من العروبيين البسطاء، والسذج، العابثين في مواقع التواصل الاجتماعي، لم يغادروا بعد دهاليز العقل البعثي، أولئك الذين يكرهون، في أعماقهم، أي وطن يكون للكورد فيه شراكة حقيقية، هؤلاء لا يعادون الكورد فقط، بل يعادون الفكرة الوطنية ذاتها حين تكون شاملة ومتعدّدة.
هؤلاء لا يريدون وطنًا جديدًا، بل يريدون فقط واجهة إعلامية جديدة تُعيد إنتاج خطاب قديم.
والهجمة التي ادّعت الدفاع عن الجبين، ما هي في الحقيقة إلا انعكاسٌ لموقفٍ جمعيٍّ عدائي تجاه الكورد، لا يعترف بوجودهم إلا إذا صمتوا، أما حين يتكلّم كتّابهم، حين ينبّهون أمثال الجبين إلى خطورة الخطاب العنصري، ويطالبون بترسيخ البعد الوطني الجامع، تُسلَّط عليهم سهام التخوين، ويُصوّرون كخطرٍ على "الوطنية"، تلك الوطنية التي اختزلها البعض بلون واحد، ولهجة واحدة، وتاريخ مكتوب بممحاة.
إن الوطنية التي لا تعترف بالكورد وطنًا وهويةً وتاريخًا ليست وطنية، بل نسخة باهتة من فكرٍ أمنيٍّ تواطأ مع البعث لعقود. والوطن لا يُبنى بإعادة تدوير نفس الأساطير عن "سوريا العربية الواحدة"، بل باعترافٍ كاملٍ بأن سوريا أمّة متعددة، لا تكتمل دون الكورد والسريان والآشوريين وغيرهم من المكونات التي لطالما كانت مادة للإنكار القومي.
حين كتب ماهين ردّه، لم يكن يبحث عن مجد شخصي، بل كان يدافع عن حقه في الرد، عن حقه في تسمية العنصرية باسمها الحقيقي، وعن مسؤولية الكاتب في ألا يُجمل الخيانة الوطنية بلغة الشعر الرديء.
ومَن يُطالب اليوم بإسكات صوته، ويصفه بالمهدّد، إنما يعيدنا إلى زمنٍ كان فيه من يُدافع عن المظلوم يُزجّ في السجون، ومن يُحرض ضد شعبٍ كامل يُعيَّن في وزارة الإعلام.
إن الرابطة بهذا البيان، وبهذا الاصطفاف، لا تحمي حرية الرأي، بل تقتلها، لا تدافع عن الكلمة، بل تحوّلها إلى خنجر ضد الضعفاء.
فالكورد حين يكتبون، يكتبون بدم الشهداء، وبعرق الجغرافيا، لا بكيد الغرف المغلقة.
والردّ على الجبين ليس تهديدًا، بل هو التنفّس الأخير لكرامة وطنٍ لا يزال بعض مدّعيه يرفض الاعتراف بأبنائه.
ورغم كل ما ورد، لا تزال لدينا فسحة من الأمل.
نأمل من الكاتب إبراهيم الجبين، ومن غيره من المثقفين والكتّاب الذين يهاجمون الشعب الكوردي بأساليب مباشرة أو ملتوية، ومعهم رابطة الكتاب السوريين، أن يعيدوا النظر، لا فقط في أقوالهم، بل في ضمائرهم.
الوطن لا يُبنى بالعداء، ولا تُؤسّس الدولة على نبذ المكوّنات الأصيلة، عداء الكورد، منذ قرن من الزمان، لم يجرّ على سوريا والمنطقة إلا الخراب، كُره الشراكة لم يصنع دولة، بل رسّخ الطغيان، وعمّق الكراهية، وأجهض أي محاولة حقيقية للتقدّم.
آن الأوان لأن نغادر عقلية الحصار والخوف، وأن نؤمن بأن سوريا لن تقوم إلا على أكتاف جميع أبنائها، عربًا وكوردًا وسريانًا وآشوريين وسواهم، إن الاعتراف بالشعب الكوردي ليس منّة، بل ضرورة وطنية وأخلاقية، ومن واجب من حمل القلم أن يكون أول من يعلن ذلك، لا آخر من يعترف به مضطرًا.
ونذكّركم، لا تصنع الكلمة وطناً إن كانت أداةً للطعن في الظهر.
الكرامة لا تُساوَم، والوجود لا يُعتذر عنه، والكورد، مهما كرهتم أو أنكرتم، باقون في وطنهم، وفي ذاكرتهم، وفي ذاكرتكم، شاء خطابكم أم أبى.
دعونا نكتب وطنًا لا يشبه خرائط الخوف، ولا يمحو الهويات، بل يحتضن الجميع بعدالة وكرامة.
فالوطن لا يُبنى بصفّ الكلمات، بل بصدق النوايا.
والكلمة التي لا تسند الحق، ليست حرّة، بل خائنة.
د. محمود عباس
الولايات المتحدة الأمريكية
10/6/2025م



#محمود_عباس (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- سياسات الأنظمة السورية البائدة تجاه الكورد من القرارات التشر ...
- الفيدرالية ليست منّة، بل خلاص لوطن أُبتلي بالاستبداد العربي ...
- لو أصاب القناص ترامب هل كانت أمريكا ستغزو العالم بالذكاء وال ...
- إعادة التوازن الديمغرافي في غربي كوردستان ضرورة تاريخية وعدا ...
- سوريا تحت خوذة المتطرفين، الجيش الذي لم يعد وطنيًا
- إعادة التوازن الديمغرافي في غربي كوردستان ضرورة تاريخية وعدا ...
- إعادة التوازن الديمغرافي في غربي كوردستان ضرورة تاريخية وعدا ...
- إعادة التوازن الديمغرافي في غربي كوردستان ضرورة تاريخية وعدا ...
- الرهان على الحراك الكوردي بين النقد الحصيف والدعم الثابت
- لو أصاب القناص ترامب هل كانت أمريكا ستغزو العالم بالذكاء وال ...
- نداء مفتوح إلى سعادة السفير الأمريكي في أنقرة،
- لو أصاب القناص ترامب هل كانت أمريكا ستغزو العالم بالذكاء وال ...
- النظام السوري الانتقالي بين الوصاية التركية وسقوط الأقنعة
- الفيدرالية أو إعادة إنتاج الظلم
- حين تصبح الحقيقة جريمة
- تحوّل عالمي في التعامل مع القضية الكوردية
- قراءة في العداء للكورد في زمن الانهيار الأخلاقي
- لو أصاب القناص ترامب هل كانت أمريكا ستغزو العالم بالذكاء وال ...
- أسعد الشيباني من فقه الإرهاب إلى فقه العنصرية باسم سوريا
- الذكاء الاصطناعي جناح الأدب ومطرقة المتخلفين عن الحضارة


المزيد.....




- الأمين العام للأمم المتحدة يدعو لوقف التصعيد إسرائيل وإيران ...
- بعد هجوم إسرائيل على إيران.. تأجيل مؤتمر الأمم المتحدة لحل ا ...
- مندوب روسيا لدى الأمم المتحدة يدين الهجوم الإسرائيلي على إير ...
- ماكرون يعلن تأجيل مؤتمر الأمم المتحدة بشأن حل الدولتين
- السفير الإسرائيلي لدى الأمم المتحدة: إيران كانت تخطط لغزونا ...
- مندوب إسرائيل لدى الأمم المتحدة: الضربات ضد إيران قد تستغرق ...
- بعد أوامر إخلاء لأحياء سكنية في محيطه: المركز يحذر من تبعات ...
- الخارجية الروسية: العمل العسكري الإسرائيلي ضد إيران انتهاك ل ...
- 95 جريحاً واستنفار في 12 محافظة إيرانية بعد الهجوم الإسرائيل ...
- محطات مجهولة في حياة أحد واضعي ميثاق الأمم المتحدة


المزيد.....

- “رحلة الكورد: من جذور التاريخ إلى نضال الحاضر”. / أزاد فتحي خليل
- رحلة الكورد : من جذور التاريخ إلى نضال الحاضر / أزاد خليل
- سعید بارودو. حیاتي الحزبیة / ابو داستان
- العنصرية في النظرية والممارسة أو حملات مذابح الأنفال في كردس ... / كاظم حبيب
- *الحياة الحزبية السرية في كوردستان – سوريا * *1898- 2008 * / حواس محمود
- افيستا _ الكتاب المقدس للزرداشتيين_ / د. خليل عبدالرحمن
- عفرين نجمة في سماء كردستان - الجزء الأول / بير رستم
- كردستان مستعمرة أم مستعبدة دولية؟ / بير رستم
- الكرد وخارطة الصراعات الإقليمية / بير رستم
- الأحزاب الكردية والصراعات القبلية / بير رستم


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - القضية الكردية - محمود عباس - رابطة الكتّاب السوريين أمام امتحان العدالة، الكورد ليسوا خصومًا، بل عماد وطن