أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العولمة وتطورات العالم المعاصر - محمود عباس - الذكاء الاصطناعي جناح الأدب ومطرقة المتخلفين عن الحضارة














المزيد.....

الذكاء الاصطناعي جناح الأدب ومطرقة المتخلفين عن الحضارة


محمود عباس

الحوار المتمدن-العدد: 8337 - 2025 / 5 / 9 - 06:52
المحور: العولمة وتطورات العالم المعاصر
    


الحضارة ليست خطًا مستقيمًا، بل أمواجٌ متلاطمة تدفع البشرية إلى آفاقٍ جديدة، من اختراع الكتابة، التي حررت الفكر من قيود الذاكرة، إلى الطباعة، التي جعلت المعرفة ملكًا للجماهير، ومن الإنترنت، الذي ألغى الحدود، إلى الذكاء الاصطناعي، الذي يُعيد تعريف الإبداع نفسه، كانت كل طفرةٍ تحديًا للتكيف ووعدًا بالتحرر.
اليوم، يقف الذكاء الاصطناعي كأعظم هذه الأمواج، ليس أداةً تقنية فحسب، بل شريكًا يُحرر العقل البشري، خاصة في الكتابة الأدبية، حيث يُحول الأفكار إلى نصوصٍ تتوهج بالجمال والعمق.
الذكاء الاصطناعي ليس مجرد مُحسنٍ للغة، بل مُلهمٌ للأدب، يُصقل الأسلوب، يُثري الصور البلاغية، ويُضفي تماسكًا على السرد، روايةٌ كانت تستغرق شهورًا باتت تُولد بأسابيع، مع جملٍ أكثر سلاسةً وصورٍ شعرية أعمق، يُقترح صياغاتٍ مبتكرة، يُعيد تنظيم الأفكار، ويفتح آفاقًا جديدة، كأنه ناقدٌ أدبيٌ يُرافق الكاتب في كل سطر، شاعرٌ يكتب قصيدةً عن الحنين يجد الذكاء الاصطناعي يُقدم له استعارةً لم يفكر بها، وروائيٌ يصوغ حوارًا يجد الخوارزميات تُضيف إليه نبرةً عاطفيةً أقوى، إنه لا يكتب بدلاً عن الأديب، بل يمنحه جناحين ليحلق، محافظًا على أصالة الرؤية ومُعززًا إبداعه.
ومع ذلك، تبقى هناك مساحة لا يمكن للذكاء الاصطناعي أن يملأها، مهما تطوّر أو تعمّق في فهم اللغة، إنه لا يملك إحساسًا، ولا يتنفس القلق أو الفرح، ولا يعرف طعم الحنين أو مرارة الخسارات، هو لا يعيش التجربة، بل يُعيد تنظيمها فقط.
ولهذا، يظل النص الناتج عنه، مهما بلغ من التماسك، أقرب إلى الهيكل دون الروح، إلى الجسد دون نبض، وهنا تأتي مهمة الكاتب الحقيقي، في أن يُعيد الحياة إلى ما صاغته الآلة، أن ينفخ فيه ذاته، وجُرحه، وشكّه، وانكساره، وعاطفته، ليصير النص حيًا لا مجرد جميل.
ولذلك، ما زال الذكاء الاصطناعي عاجزًا عن تلبية حاجات الشعراء والأدباء والفنّانين في الكتابات الوجدانية والعاطفية الصافية، خاصة حين يُستخدم وحده دون تدخلٍ من صاحبه، فهو لا يعرف لِمَ تُكتب القصيدة، ولا لمن، ولا كم يتطلب الحب من خسارات.
إنه أداة قوية، لكنها تنتظر من الكاتب أن يُشعل فيها الحياة، لا أن يكتفي بما تمنحه من تنظيم وبنية، وهنا يكمن الفارق بين النص الجيّد والنص الحقيقي.
لكن، ككل ثورة، يواجه الذكاء الاصطناعي مقاومةً من متشبثين بالماضي، يسخرون من الكُتاب الذين يستخدمونه، وكأن الإبداع يُقاس بالمعاناة لا بالنتيجة. إنهم كمن هاجم الآلة الكاتبة لأنها "تُفقد الكتابة روحها"، أو كالأميش الذين يرفضون الكهرباء في عالمٍ تُدار فيه الحروب بخوارزميات.
أن تسخر من كاتبٍ يستخدم الذكاء الاصطناعي هو كأن تهزأ بعالمٍ يستخدم التلسكوب بدلاً من عينيه، إنه ليس نقدًا، بل خوفٌ وجودي من زمنٍ يتحرك أسرع منهم. هؤلاء يُمجدون العرق على حساب الفكرة، ويتشبثون بوهمٍ رومانسي عن الإبداع، ظنًا أن النقاء يكمن في الأدوات القديمة.
الذكاء الاصطناعي تحدٍ فلسفي، هل الإبداع فعلٌ فردي، أم تعاونٌ بين العقل والآلة؟ الأصالة ليست في القلم أو الخوارزمية، بل في الرؤية التي تُحركها، من يرفضه يرفض جوهر الإنسانية، السعي لتجاوز الحدود.
إنهم كمن قاوم العجلة خوفًا من فقدان "نقاء" المشي، أو من هاجم الطباعة لأنها "تُبعد الكاتب عن المخطوط". الحضارة لا تنتظر المترددين، إنها تُعيد صياغة نفسها، ومن لا يُشارك في هذه الرقصة الكونية يُصبح ظلًا على هامش التاريخ.
صحيح أن الطفرات تحمل عثراتٍ اجتماعية، لكن متى كانت الحضارة خالية من التحديات؟ قيمة الذكاء الاصطناعي تكمن في قدرته على دفع الأدب إلى آفاقٍ جديدة، لا في عيوبه العابرة، إنه ليس رفاهية، بل ضرورة فكرية في عالمٍ يتسارع بلا توقف، من يرفضه اليوم لا يختلف عمن رفض القلم حين كان الحجر أداة الكتابة، إنه ليس مجرد رفضٍ للتكنولوجيا، بل تمردٌ على الزمن نفسه.
فليستمر المنتقدون في سخريتهم، يتشبثون بأدواتٍ بالية، أما الأدباء، فسيمضون قدمًا، يستخدمون الذكاء الاصطناعي ليصوغوا قصائد تُضيء الروح، ورواياتٍ تُعيد تعريف الإنسانية.
وفي الحقيقة، أستمتع أكثر بقراءة النصوص التي تمزج بين دقة الذكاء الاصطناعي وروح الكاتب الحقيقية،
حين أرى سلاسة الجمل، وتوازن الصياغة، ونقاء اللغة، دون أن تغيب النبرة الإنسانية، أشعر أنني أقرأ نصًا حيًّا، عقله مصنوع بإتقان، وقلبه لا يزال ينبض.
بل إني، في كثير من الأحيان، أستطيع من أول السطور تمييز النص الذي كُتب أو صُقل بالذكاء الاصطناعي عن ذاك الذي لم يُمسّ؛ كأن في النسيج اللغوي إشارات خفية، ترتيب غير اعتيادي، أو استعارة أنيقة لا تُولد صدفة، أو هدوء نحوي يشي بأن هناك يدًا ثالثة أمسكت بالقلم.
فالذكاء لا يُلغي الكاتب، بل يمنحه مرآة يرى بها نصه على نحو أوضح، ومِسنانًا يشحذ به لغته لتكون أصدق وأصفى.
والإبداع ليس في الأداة، بل في الروح التي تُحركها، والذكاء الاصطناعي؟ إنه المرآة التي تُظهر أعمق ما فينا، والجناح الذي يحمل الأدب إلى المستقبل.

د. محمود عباس
الولايات المتحدة الأمريكية
8/5/2025م



#محمود_عباس (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- لو أصاب القناص ترامب هل كانت أمريكا ستغزو العالم بالذكاء وال ...
- دماء هفرين خلف تُهان من جديد عندما يُكافأ الجلاد باسم التغيي ...
- استقلال غربي كوردستان خيار استراتيجي في مواجهة الاستبداد الت ...
- من أنياب الأسد إلى مخالب داعش سوريا تُسْلَب من جديد
- أنا الكوردي وهذا وسامي
- ترامب يحرق العالم في مئة يوم الدولة العميقة العصرية تبتلع ال ...
- المؤتمر الوطني الكوردي أسقط القناع عن الحكومة السورية الانتق ...
- سوريا بين صراخ العنصرية ومسيرة الحرية
- الكورد والوطنية الحقيقية والفرصة التي توشك أن تضيع
- كلمة شكر وتهنئة بمناسبة انعقاد والإنجاز التاريخي الناجح للكو ...
- حين يصبح الإرهاب شريكًا سياسيًا نداء إلى الحراك الكوردي
- حين يصبح الكوردي سلاحًا ضد الكورد
- نداء إلى المؤتمر الوطني الكوردي
- نداء إلى الحكومة الانتقالية لا تكرّروا الخطيئة السورية 2/2
- نداء إلى الحكومة الانتقالية لا تكرّروا الخطيئة السورية 1/2
- حين يخسر الحراك الثقافي الكوردي أحد أبنائه
- مع إبراهيم محمود حين يكتب المثقف من عزلته النبيلة
- الفيدرالية ليست تهمة وكوردستان ليست مؤامرة 2/2
- الفيدرالية ليست تهمة وكوردستان ليست مؤامرة ½
- كوردستان وحدة الجغرافيا وشرخ الوعي


المزيد.....




- -لا نقبل محاضرات من نظام يعمل على أسس هندوتفا-.. سفير باكستا ...
- لحظات حفرت صورها في التاريخ بحفل -ميت غالا- الأبرز في عالم ا ...
- بعد الحرب في تيغراي: جرحى بلا علاج وأسر بلا طعام
- ما دلالات إعلان ترامب التوصل إلى اتفاق مع الحوثيين؟
- الخارجية الباكستانية: -سلوك الهند غير المسؤول- يضع دولتين نو ...
- وزير الدفاع الهندي يلتقي رئيس الأركان وقادة الجيش إثر فشل ال ...
- غضب في كاراتشي تنديدا بالغارات التي شنتها الهند على باكستان ...
- الجيش الإسرائيلي يعلن مهاجمة 60 هدفا في غزة (صور + فيديو)
- رد فعل السيسي لحظة مرور تشكيل الشرطة العسكرية المصرية خلال ا ...
- تركيا تعلن موعد بدء إمدادات الغاز إلى سوريا بواقع ملياري متر ...


المزيد.....

- Express To Impress عبر لتؤثر / محمد عبد الكريم يوسف
- التدريب الاستراتيجي مفاهيم وآفاق / محمد عبد الكريم يوسف
- Incoterms 2000 القواعد التجارية الدولية / محمد عبد الكريم يوسف
- النتائج الايتيقية والجمالية لما بعد الحداثة أو نزيف الخطاب ف ... / زهير الخويلدي
- قضايا جيوستراتيجية / مرزوق الحلالي
- ثلاثة صيغ للنظرية الجديدة ( مخطوطات ) ....تنتظر دار النشر ال ... / حسين عجيب
- الكتاب السادس _ المخطوط الكامل ( جاهز للنشر ) / حسين عجيب
- التآكل الخفي لهيمنة الدولار: عوامل التنويع النشطة وصعود احتي ... / محمود الصباغ
- هل الانسان الحالي ذكي أم غبي ؟ _ النص الكامل / حسين عجيب
- الهجرة والثقافة والهوية: حالة مصر / أيمن زهري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العولمة وتطورات العالم المعاصر - محمود عباس - الذكاء الاصطناعي جناح الأدب ومطرقة المتخلفين عن الحضارة