أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - محمود عباس - لو أصاب القناص ترامب هل كانت أمريكا ستغزو العالم بالذكاء والتعريفة أم بالصواريخ؟-2














المزيد.....

لو أصاب القناص ترامب هل كانت أمريكا ستغزو العالم بالذكاء والتعريفة أم بالصواريخ؟-2


محمود عباس

الحوار المتمدن-العدد: 8335 - 2025 / 5 / 7 - 22:31
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


الحلقة الثانية

حين تتقاطع الرصاصة مع المسار السياسي، لا تُسفك الدماء فحسب، بل يُعاد رسم خريطة السلطة من جديد، وتُعاد هندسة مفاهيم الهيمنة، وتُستأنف دورة إعادة إنتاج النخب الحاكمة، فالرصاصة، حين تستهدف رمزًا سياسيًا، لا تُغلق فقط صفحة فرد، بل تفتح مجلدًا جديدًا في تاريخ الإمبراطوريات، محاولة اغتيال ترامب لم تكن فعلًا عابرًا لشاب متمرّد، بل كانت تجسيدًا رمزيًا لانقسام عميق تجاوز الداخل الأمريكي، ليطال جوهر توازنات القوة العالمية، من يملك الحق في إعادة تعريف مفهوم القيادة الإمبراطورية؟ ومن يرسم شكل النظام القادم؟
لم يكن الحدث المحتمل لاغتيال ترامب مجرد نهاية محتملة لرجل، بل كان شرارة يمكن أن تُشعل تحوّلًا بنيويًا على مستوى عالمي، في لحظة، كانت الخريطة الجيوسياسية مهددة بإعادة ترتيب شاملة، لا عبر الجيوش والدبابات، بل من خلال منصات التداول، وخوارزميات الذكاء، وشبكات التحكم في تدفق المعرفة والمعلومة، فاليوم، لم تعد الحرب تُخاض في الخنادق، بل في عمق البنية المعرفية للإدراك الجماعي.
من هنا، يتفجّر السؤال الحقيقي: هل ما نشهده صراع دول، أم صراع شبكات؟ هل ما زالت السياسات تُصاغ في أروقة الحكومات، أم أن الخوارزميات أصبحت هي من تُحدّد متى تبدأ الحروب، ومتى يُعلن السلام، بل ومتى تُمنح الحقيقة صيغتها النهائية؟
وجود ترامب، بما يحمله من فوضى، كان يمنح شركات التكنولوجيا الكبرى شرعية للتحرك وإعادة هيكلة النظام الاقتصادي وفق مقاسها، وموته، كان سيُبطئ هذا الزخم، ويمنح البنوك المركزية والبيروقراطيات التقليدية فرصة لتلتقط أنفاسها. السؤال الذي كان سيُطرح: من يحكم الاقتصاد؟ هل الدولة؟ أم خوارزميات تُدار من منصات لا تُنتخب، ولا تُحاسب، لكنها تُقرّر؟
وفي خضم هذه اللحظة، كانت الحرب في أوكرانيا ستخرج من المسار التفاوضي المبكر، إدارة حذرة كانت لتُفضّل تسوية على نصر موهوم، وروسيا كانت ستصارع لتخرج ببعض المكاسب دون أن تسقط أوكرانيا، أما التحالفات الدولية، فربما كانت لتشهد انتعاشًا للمقاربات التقليدية، وتراجعًا مؤقتًا للاندفاع التقني المفرط في صناعة القرار.
داخليًا، الانقسام الأمريكي كان سيتعمّق، بين من يملكون وسائل تشكيل الوعي، ومن يملكون أدوات السيطرة على الأرض، مع الوقت، كانت ستتشكل تحالفات غريبة بين عالم الثقافة الرقمية وعالم الأمن القومي، تحالفات لا توحّد، بل تُكرّس التوتر بين من يُسيطر على العقول، ومن يزرع الألغام على الحدود.
أما الاقتصاد، فكان سيقف على شفير كساد جديد، ليس مجرد ركود، بل إعادة ضبط للنظام بأكمله، لحظة وفاة ترامب كانت لتُستثمر كذريعة لانتعاش الدولة الأمريكية العميقة الكلاسيكية، مسخرة الاقتصاد الهائل، لا لإنقاذ السوق، بل لإعاقة هيمنة الشكل الجديد من الرأسمالية الرقمية التي لا تستند إلى العمل، بل إلى المعرفة، ولا تُدار بالنقد، بل بالشيفرة.
في هذه الدوامة، كانت قضايا الشعوب المهمّشة، كالكورد، ستظل عالقة على هوامش الأحداث، تُستخدم عند اللزوم كورقة ضغط، وتُنسى عند عقد الصفقات، ورغم أنهم يُشكلون أحد أعمدة حماية الأمن الأمريكي ضد الإرهاب، إلا أن وزنهم الحقيقي لا يزال مؤجّلًا، لا لقصور في نضالهم، بل لأنهم لم يدخلوا بعد في الحزمة الاستراتيجية لاقتصاد الشركات الخوارزمية الكبرى، متى دخلوا، تغيّر موقعهم.
أما الإعلام، فكان سيتحوّل بدوره، لا نحو الحقيقة، بل نحو مزيد من التحكم، موته كان سيفتح الباب أمام خوارزميات أكثر تشددًا في صياغة الخطاب الإعلامي، تُقنن الرؤية، وتضبط الصوت، وتخلق واقعًا وهميًا لا تحكمه الحقائق، بل تُمليه حركة السوق.
في المقابل، كانت القوى الدولية تتابع المشهد بهدوء، أوروبا تُظهر القلق لكنها تُهيّئ لاستقلالية استراتيجية، الصين تستثمر اللحظة لتعزيز نموذجها التكنولوجي، وروسيا تُعيد حساباتها الجيوسياسية في الفضاء السوفييتي السابق، لحظة موت زعيم لا تهز الداخل فقط، بل تُربك خارطة التحالفات الدولية بأكملها.
وهنا، نعود إلى نيتشه "الحقيقة وهم متقن الصياغة" فهل كان اغتيال ترامب ليكشف الحقيقة؟ أم ليؤسس لوهمٍ جديد، يُصاغ بلغة الخوارزميات؟
وفي مشهد كهذا، لا يعود السؤال: من الرئيس؟ بل، من يُعيد تعريف السلطة؟ من يشغّل أدوات السيطرة؟ من يصوغ السردية؟ لم يعد مركز الحكم في البيت الأبيض فقط، بل في خوادم آبل، وغوغل، وتسلا، لم تعد الدولة وحدها تُهيمن، بل تطبيقاتها.
ربما ترامب ليس مجرد زعيم شعبوي، بل الحامل العلني لمشروع خفيّ، انتقال أمريكا من إمبراطورية الجغرافيا إلى إمبراطورية البرمجيات، لم تعد تغزو بالدبابات، بل بالمنصات، لم تعد تُسقط خصومها بالقنابل، بل بالمعطيات، وفي هذا التحوّل، لم يكن موته ليوقف المسار، بل ليكشف هشاشته.
ولذا، كانت لحظة الغياب، لو حدثت، لتفتح على سؤال أعقد من السياسة، هل لا تزال الدول تُقرر مصيرها؟ أم أن الأمر بات في يد كيانات غير منتخبة، لا تُرى، ولا تُسأل، لكنها تحكم؟ هل لا نزال نعرف من يقود هذا العالم؟ أم أننا نعيش في وهم التحكم، بينما الأجهزة تفعل ما تشاء؟
اغتيال ترامب، لو تم، ما كان ليغيّر العالم جذريًا، لكنه كان سيُسكت صوتًا فوضويًا، ويُسرّع تفعيل نمط جديد من الهيمنة، أقل ظهورًا، لكنه أكثر نفاذًا، ولعل المفارقة الكبرى أن أمريكا لم تكن تخشى موته، بل كانت تخشى أن يكشف موته ما لا يُقال، تلك اليد التي لا تُطلق النار، لكنها تُدير المسرح من الخلف.


د. محمود عباس
الولايات المتحدة الأمريكية
11/4/2025م



#محمود_عباس (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- دماء هفرين خلف تُهان من جديد عندما يُكافأ الجلاد باسم التغيي ...
- استقلال غربي كوردستان خيار استراتيجي في مواجهة الاستبداد الت ...
- من أنياب الأسد إلى مخالب داعش سوريا تُسْلَب من جديد
- أنا الكوردي وهذا وسامي
- ترامب يحرق العالم في مئة يوم الدولة العميقة العصرية تبتلع ال ...
- المؤتمر الوطني الكوردي أسقط القناع عن الحكومة السورية الانتق ...
- سوريا بين صراخ العنصرية ومسيرة الحرية
- الكورد والوطنية الحقيقية والفرصة التي توشك أن تضيع
- كلمة شكر وتهنئة بمناسبة انعقاد والإنجاز التاريخي الناجح للكو ...
- حين يصبح الإرهاب شريكًا سياسيًا نداء إلى الحراك الكوردي
- حين يصبح الكوردي سلاحًا ضد الكورد
- نداء إلى المؤتمر الوطني الكوردي
- نداء إلى الحكومة الانتقالية لا تكرّروا الخطيئة السورية 2/2
- نداء إلى الحكومة الانتقالية لا تكرّروا الخطيئة السورية 1/2
- حين يخسر الحراك الثقافي الكوردي أحد أبنائه
- مع إبراهيم محمود حين يكتب المثقف من عزلته النبيلة
- الفيدرالية ليست تهمة وكوردستان ليست مؤامرة 2/2
- الفيدرالية ليست تهمة وكوردستان ليست مؤامرة ½
- كوردستان وحدة الجغرافيا وشرخ الوعي
- قراءة في قراءة عن مقالة إبراهيم اليوسف حول (في قضايا كوردستا ...


المزيد.....




- -لم أقابلك لمناقشة محتوى وسائل التواصل-.. مذيعة CNN تضغط على ...
- لهذا السبب تُعد كازاخستان الوجهة -المثالية- صيفًا لسكان دول ...
- باكستان تكشف البلد المصنّع للسلاح الذي أسقط المقاتلات الهندي ...
- تقرير: ارتفاع كبير في حوادث معاداة السامية في ألمانيا
- ضربات جديدة بمسيرات على قاعدة بحرية في بورتسودان ومخاوف من ا ...
- إيران ترفض الاتهامات بضلوعها في مخطط ضد السفارة الإسرائيلية ...
- مطالبات بإطلاق سراح مسؤول حملة “BDS” الأردن
- محادثات تركية إسرائيلية في باكو حول سوريا تتضمن 3 مطالب لتل ...
- مسيرة إسرائيلية تلقي مناشير على شكل أوراق نقدية تحذر فيها من ...
- ليتوانيا تنسحب من اتفاقية حظر الألغام المضادة للأفراد


المزيد.....

- الحرب الأهليةحرب على الدولة / محمد علي مقلد
- خشب الجميز :مؤامرة الإمبريالية لتدمير سورية / احمد صالح سلوم
- دونالد ترامب - النص الكامل / جيلاني الهمامي
- حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 3/4 / عبد الرحمان النوضة
- فهم حضارة العالم المعاصر / د. لبيب سلطان
- حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 1/3 / عبد الرحمان النوضة
- سلطة غير شرعية مواجهة تحديات عصرنا- / نعوم تشومسكي
- العولمة المتوحشة / فلاح أمين الرهيمي
- أمريكا وأوروبا: ملامح علاقات جديدة في عالم متحوّل (النص الكا ... / جيلاني الهمامي
- قراءة جديدة للتاريخ المبكر للاسلام / شريف عبد الرزاق


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - محمود عباس - لو أصاب القناص ترامب هل كانت أمريكا ستغزو العالم بالذكاء والتعريفة أم بالصواريخ؟-2