أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - محمود عباس - لو أصاب القناص ترامب هل كانت أمريكا ستغزو العالم بالذكاء والتعريفة أم بالصواريخ؟ - الحلقة السادسة














المزيد.....

لو أصاب القناص ترامب هل كانت أمريكا ستغزو العالم بالذكاء والتعريفة أم بالصواريخ؟ - الحلقة السادسة


محمود عباس

الحوار المتمدن-العدد: 8366 - 2025 / 6 / 7 - 02:33
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


حين تتمدد القوة بلا حدود جغرافية، وتُمارس السيادة بلا علم ولا نشيد وطني، فإننا لا نكون أمام دولة، بل أمام كيان ميتافيزيقي جديد، إمبراطورية بلا جغرافيا، بلا قومية، بلا مركز، وقد تكون أمريكا، اليوم، آخر اسم يُطلق على شيء لم يعد يشبه أمريكا.
في الحلقات السابقة، تتبعنا كيف كان اغتيال ترامب المحتمل سيكشف عن التحول العميق في طبيعة السلطة، من دولة إلى شبكة، من مؤسسات إلى خوارزميات، من التمثيل الديمقراطي إلى التوجيه الذكي، ولكن، هل يمكن لهذا النظام الجديد أن ينقلب على نفسه؟ وهل تستطيع هذه الإمبراطوريات الرقمية، التي باتت تمسك بعصب العالم، أن تسقط أو تنفجر من داخلها؟
تاريخ الإمبراطوريات يخبرنا أن التوسع بلا هوية ينتهي إلى التآكل، ولعل أخطر ما يواجهه هذا النموذج الجديد للسيطرة هو غياب الرابط الوجداني، لا بين الحاكم والمحكوم، بل بين المشروع ومن يُفترض أنه يخدمهم، فإمبراطورية الذكاء الصناعي والهيمنة الرقمية، التي تتحدث بلغة الكفاءة لا الأخلاق، والتي لا تُعلن عن نفسها، بل تمارس سلطتها بصمت، قد تجد نفسها ذات يوم بلا مَن يُدافع عنها، لأن أحدًا لم يشعر يومًا أنه ينتمي إليها.
والسؤال الأهم: هل يظهر في الأفق قطب منافس قادر على التصدي لهذا الشكل الجديد من الهيمنة؟ الصين تبدو مرشحة بوضوح، لكنها لم تعد تقدم نموذجًا بديلًا، بل نسخة أخرى من الرقابة الرقمية المركزية، ولكن بلون قومي واضح. روسيا، رغم خطابها السيادي، تبدو أكثر انشغالًا بإعادة ترتيب إمبراطوريتها ما قبل الرقمية، أكثر من بنائها لنموذج عالمي جديد. أما الاتحاد الأوروبي، فقد أضاع زمام المبادرة، مكتفيًا بدور المنسق الأخلاقي لمجتمع لم يعد يصغي له.
في هذا السياق، تبدو أمريكا وكأنها تخلّت عن دورها التاريخي بوصفها دولة، لتُعيد تشكيل ذاتها كواجهة لإمبراطورية غير وطنية، لا تحكم باسم الشعب الأمريكي، بل باسم منظومة مصالح تتجاوز الجغرافيا، وتكتب قوانينها في وادي السيليكون، وتنفذ قراراتها عبر خوادم موزعة بين عواصم لا تحمل سوى صفة المضيف،
لكن، كما في كل كيان مفرط في الاتساع، هناك دوماً لحظة ارتداد، وقد بدأت مؤشرات هذا الارتداد بالظهور، من رفض المجتمعات الغربية للرقابة الرقمية، إلى دعوات تفكيك الشركات العملاقة، وصولًا إلى تنامي الوعي بخطورة تحويل البشر إلى بيانات، والمجتمعات إلى أسواق خوارزمية.
ولعل أخطر التحديات ليست من خارج هذه الإمبراطوريات، بل من داخلها، تضارب المصالح بين الشركات نفسها، صراعات على مَن يحتكر البيانات، مَن يضع الخوارزمية، ومن يملك حق تعديلها، ففي هذا العالم الذي لا تحكمه سلطة واحدة، بل كتل من النفوذ الخفي، قد يتحول كل مركز سيطرة إلى عدو لمركز آخر، ويبدأ التآكل من داخل النظام لا من خارجه.
أحد كبار منظري الجغرافيا السياسية، زبيغنيو بريجينسكي، حذّر قبل عقدين من أن العالم سيتحول إلى فضاء لا يحكمه توازن القوى، بل توازن “الانكشاف”، حيث الكل يراقب الكل، والجميع مهدد من الجميع، هذا التحول قد يجعل المواجهة القادمة لا بين أمريكا والصين، بل بين شبكات السيطرة ذاتها، إمبراطوريات خفاء تتصارع على من يمتلك العقل البشري، لا الأرض.
ومن هنا، لا يعود السؤال، هل تنهار أمريكا؟ بل، هل تنهار أمريكا بصفتها دولة، وتستمر بصفتها إمبراطورية بلا قومية؟ هل يتحول اسمها إلى ترميز لقوة لا تمثل حتى مواطنيها؟
في هذا السيناريو، تتراجع فكرة الأمة، ويُستبدل بها مشروع لا يُنسب لأحد، لكنه يهيمن على الجميع، وما يجعل الوضع أكثر تعقيدًا أن هذه الإمبراطورية، بلا هوية واضحة، لا يمكن مهاجمتها، لأنها لا تُعلِن نفسها كخصم، بل تظهر كخدمة، كمنصة، كواجهة سهلة، بينما مركزها الحقيقي يبتعد أكثر فأكثر عن كل ما هو إنساني.
ومع كل هذا المشهد المُركّب، يبقى الباب مواربًا أمام احتمالات المقاومة؛ مقاومة فكرية، أخلاقية، قانونية، تتشبّث برفض تحويل الإنسان إلى مجرّد أداة في نظام تشغيل ضخم لا يرحم. لكنها مقاومة هشّة، ما لم تجد حاملاً سياسيًا ومجتمعيًا صلبًا، فبلا بنية تتجسّد فيها، قد تظل مجرد صرخة في الفراغ الرقمي، لأن من يملك الخوارزمية، يملك الميكروفون، والمرآة، والسردية التي نروي بها العالم لأنفسنا.
والدولة الأمريكية العميقة العصرية تمسك اليوم بمفاتيح تلك الخوارزمية؛ إنها الإمبراطورية التي لا ملامح لها، لا تُرى، لكنها ترى كل شيء، وتُقرّر كل شيء، لقد تحوّلت الإمبراطورية الكلاسيكية، ذات الجيوش والحدود، إلى أخرى عصرية، خوارزمية، تُمارس هيمنتها لا من فوق العرش، بل من داخل الشيفرة.

د. محمود عباس
الولايات المتحدة الأمريكية
11/4/2025م



#محمود_عباس (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- إعادة التوازن الديمغرافي في غربي كوردستان ضرورة تاريخية وعدا ...
- سوريا تحت خوذة المتطرفين، الجيش الذي لم يعد وطنيًا
- إعادة التوازن الديمغرافي في غربي كوردستان ضرورة تاريخية وعدا ...
- إعادة التوازن الديمغرافي في غربي كوردستان ضرورة تاريخية وعدا ...
- إعادة التوازن الديمغرافي في غربي كوردستان ضرورة تاريخية وعدا ...
- الرهان على الحراك الكوردي بين النقد الحصيف والدعم الثابت
- لو أصاب القناص ترامب هل كانت أمريكا ستغزو العالم بالذكاء وال ...
- نداء مفتوح إلى سعادة السفير الأمريكي في أنقرة،
- لو أصاب القناص ترامب هل كانت أمريكا ستغزو العالم بالذكاء وال ...
- النظام السوري الانتقالي بين الوصاية التركية وسقوط الأقنعة
- الفيدرالية أو إعادة إنتاج الظلم
- حين تصبح الحقيقة جريمة
- تحوّل عالمي في التعامل مع القضية الكوردية
- قراءة في العداء للكورد في زمن الانهيار الأخلاقي
- لو أصاب القناص ترامب هل كانت أمريكا ستغزو العالم بالذكاء وال ...
- أسعد الشيباني من فقه الإرهاب إلى فقه العنصرية باسم سوريا
- الذكاء الاصطناعي جناح الأدب ومطرقة المتخلفين عن الحضارة
- لو أصاب القناص ترامب هل كانت أمريكا ستغزو العالم بالذكاء وال ...
- دماء هفرين خلف تُهان من جديد عندما يُكافأ الجلاد باسم التغيي ...
- استقلال غربي كوردستان خيار استراتيجي في مواجهة الاستبداد الت ...


المزيد.....




- فيديو مرعب لرد فعل فتيات أوكرانيات لحظة سقوط صاروخ روسي بجان ...
- متظاهرون يواجهون السلطات عقب مداهمات دائرة الهجرة والجمارك ا ...
- -إجراء عنصري-.. إيران تندد بقرار ترامب حظر دخول مواطنيها للو ...
- -الكوليرا في زمن الحرب-.. ألف حالة يوميا بالخرطوم وتحذيراتٌ ...
- إغلاق مخيم الركبان: متى يطوي السوريون صفحة اللجوء والنزوح؟
- حظر السفر.. ما تأثير قرار ترامب على المونديل والألمبياد؟
- لبنان.. حريق في منطقة البداوي بطرابلس يلتهم 4 حافلات (فيديو) ...
- اعتراف رسمي بريطاني بوجود حالة حرب غير معلنة مع روسيا
- -الدوما-: ميرتس مستعد لإرسال ألمانيا إلى جحيم المواجهة مع رو ...
- روسيا تدعو أوكرانيا لاستلام جثث 6000 عسكري والالتزام باتفاق ...


المزيد.....

- الازدواجية والإغتراب الذاتي أزمة الهوية السياسية عند المهاجر ... / عبدو اللهبي
- في فوضى العالم، ما اليقينيات، وما الشكوك / عبد الرحمان النوضة
- الشباب في سوريا.. حين تنعدم الحلول / رسلان جادالله عامر
- أرض النفاق الكتاب الثاني من ثلاثية ورقات من دفاتر ناظم العرب ... / بشير الحامدي
- الحرب الأهليةحرب على الدولة / محمد علي مقلد
- خشب الجميز :مؤامرة الإمبريالية لتدمير سورية / احمد صالح سلوم
- دونالد ترامب - النص الكامل / جيلاني الهمامي
- حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 3/4 / عبد الرحمان النوضة
- فهم حضارة العالم المعاصر / د. لبيب سلطان
- حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 1/3 / عبد الرحمان النوضة


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - محمود عباس - لو أصاب القناص ترامب هل كانت أمريكا ستغزو العالم بالذكاء والتعريفة أم بالصواريخ؟ - الحلقة السادسة