أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - القضية الكردية - محمود عباس - الفرق بين اللامركزية السياسية والإدارية من تفويض الوظيفة إلى شراكة القرار














المزيد.....

الفرق بين اللامركزية السياسية والإدارية من تفويض الوظيفة إلى شراكة القرار


محمود عباس

الحوار المتمدن-العدد: 8371 - 2025 / 6 / 12 - 08:38
المحور: القضية الكردية
    


الفرق بين اللامركزية الإدارية واللامركزية السياسية ليس مجرد فارق تقني في أنماط الحكم، بل هو انعكاس عميق لرؤية الدولة لمواطنيها، ولمفهوم السلطة، ولمدى اعترافها بالتعدد والاختلاف داخل نسيجها الوطني. ويمكن فهم هذا الفرق بلغة تحليلية أدبية وسياسية على النحو التالي:
1- اللامركزية الإدارية، سلطة الوكالة لا الشراكة
اللامركزية الإدارية، كما يدلّ اسمها، والتي تتمسك بها الحكومة السورية الانتقالية إما عن قناعة وطموح للسيطرة أو تحت إملاءات خارجية، هي تفويضٌ جزئي للمهام والخدمات من المركز إلى الأطراف، دون أن يتزحزح جوهر القرار السيادي قيد أنملة عن قلب السلطة المركزية.
هي تشبه العلاقة بين ربّ عمل يمنح موظفيه حرية تنظيم الوقت، لكنه يحتفظ لنفسه بكل مفاتيح القرار. في هذا النموذج، تُدار المحافظات والمناطق بقدر من الاستقلال التنفيذي – في التربية، في الصحة، في الطرقات – لكن دون أن يكون لها الحق في صياغة مصيرها، أو تقرير سياساتها العامة.
هي لامركزية وظيفية لا سياسية، تهدف غالبًا إلى تحسين الكفاءة الإدارية، أو تفريغ المركز من عبء التفاصيل اليومية، لا إلى اعتراف حقيقي بحق الجماعات والمكوّنات المختلفة في إدارة شؤونها، وفقاً لرؤاها، وثقافاتها، ومصالحها.
ففي اللامركزية الإدارية، تبقى الدولة واحدة، وصوتها واحد، وعقلها واحد، أما الأطراف فمطالبون بالتنفيذ لا بالمشاركة في التشريع أو رسم السياسات.
2- اللامركزية السياسية، شراكة في السيادة وتعدد في الهوية
أما اللامركزية السياسية، والتي هي مطلب الشعب الكوردي ومعظم مكونات سوريا، لبناء سوريا المستقبل، فهي انتقال من منطق التفويض إلى منطق الشراكة، ومن مركزية الدولة الواحدة إلى تعدد مراكز القرار ضمن وحدة وطنية. وهذه الملامح تشكل جوهر الفيدرالية، حتى وإن لم تُسمَّى بهذا الاسم رسميًا.
إنها ليست مجرّد توزيع للصلاحيات، بل إعادة صياغة للعقد الاجتماعي، يقرّ بأنّ الدولة ليست كيانًا متجانسًا، بل فضاءً يعيش فيه قوميات وطوائف وثقافات متعددة، لكلٍّ منها الحق في أن تكون فاعلًا، لا تابعًا.
في هذا النموذج، تتكوّن الدولة من أقاليم أو كيانات تتمتع ببرلمانات محلية، ودساتير فرعية، وحكومات منتخبة، وتساهم في صنع السياسات المركزية من موقع الندّية.
هنا لا يُنظر إلى الأطراف كخزّان بشري أو جغرافي، بل كركائز سيادية جزئية داخل منظومة سياسية جامعة.
اللامركزية السياسية لا تعني التقسيم، بل تعني أن وحدة الدولة تقوم على التوازن لا على الاحتكار، وعلى التمثيل لا على التذويب.
المعنى الأعمق للفرق بينهما
إذا كانت اللامركزية الإدارية تحاكي الشكل وتخاف من المضمون، فإن اللامركزية السياسية تغوص في عمق الأزمة البنيوية للدولة وتحاول إعادة بنائها من الأساس.
الأولى يمكن أن تكون مسكِّنًا في وجه المطالب القومية أو الجهوية؛
أما الثانية فهي جسرُ اعتراف وكرامة، لأنها تضمن ألا تُصاغ هوية الدولة بلون واحد، أو باسم قومية واحدة، أو بلسان عاصمة واحدة.
اللامركزية السياسية، في السياق السوري مثلًا، ليست ترفًا نظريًا، بل ضرورة تاريخية لإنقاذ وطنٍ منهكٍ بالتسلّط وإنكار التعدد.
فالكورد، والسريان، والآشوريون، وسائر المكوّنات المهمشة، لم يطالبوا يوماً بتفويض صلاحيات، بل بأن يكون لهم صوت في كتابة المصير، والمطالبة هنا ليست تحدّياً للوحدة، بل شرطاً لبقائها.
الدولة التي تكتفي باللامركزية الإدارية، إنما تعيد إنتاج عقل السلطة القديمة بثوب تكنوقراطي.
أما الدولة التي تتبنّى اللامركزية السياسية، فهي دولة تعرف أن الشرعية لا تُمنح من فوق، بل تُنتج من القاعدة، من القبول العام، ومن التمثيل العادل.
هنا لا تعود العاصمة مركز الكون، ولا تعود القومية الأكبر هي وحدها الوطن، بل يصبح الوطن شبكة علاقات سيادية متوازنة، يتقاطع فيها المختلفون لا ليتنازعوا، بل ليتساووا في بناء ما هو مشترك.
اللامركزية السياسية، بما تحمله من توزيعٍ للسلطة، لا تعني تفكيك الدولة، بل إعادة بنائها على أسس التوازن والاعتراف، إنها النظام الذي يمنح الأقاليم والمكوّنات المحلية حقًّا في التشريع والإدارة الذاتية ضمن إطار وطني جامع، دون المساس بوحدة السيادة.
فحين لا تتركز السلطة السيادية في الحكومة المركزية وحدها، بل تتوزع بشكل عقلاني بين المركز والأقاليم، يصبح المواطن أقرب إلى القرار، وأكثر قدرة على مساءلة من يحكمه، وتُصبح الدولة أكثر تماسكًا واستقرارًا.
وهذه الملامح، برلمان محلي، حكم ذاتي، مشاركة في السياسات العامة، هي جوهر الفيدرالية، حتى وإن لم تُسمَّى صراحة بذلك.
والفيدرالية ليست نقيض الوحدة، بل صمّام أمان لها. إنها الصيغة التي تحمي البلاد من النزعات الانفصالية لأنها تعترف بالمكونات بدلاً من إنكارها، وتمنح الجميع شعورًا بالملكية والمشاركة، لا التهميش والارتهان.
فالدول التي تبنّت الفيدرالية، كألمانيا، وسويسرا، وكندا، والعراق، لم تتفكك، بل تجاوزت أزماتها البنيوية، أما الدول التي أصرت على الحكم المركزي الحديدي، فغالبًا ما انفجرت من الداخل أو غرقت في الديكتاتورية والانقسامات.
إن فيدرالية عادلة لا تعني تقسيماً، بل تعني اعترافاً وشراكة. والوحدة القسرية ليست وحدة، بل احتلال ناعم.

د. محمود عباس
الولايات المتحدة الأمريكية
10/6/2025م



#محمود_عباس (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- رابطة الكتّاب السوريين أمام امتحان العدالة، الكورد ليسوا خصو ...
- سياسات الأنظمة السورية البائدة تجاه الكورد من القرارات التشر ...
- الفيدرالية ليست منّة، بل خلاص لوطن أُبتلي بالاستبداد العربي ...
- لو أصاب القناص ترامب هل كانت أمريكا ستغزو العالم بالذكاء وال ...
- إعادة التوازن الديمغرافي في غربي كوردستان ضرورة تاريخية وعدا ...
- سوريا تحت خوذة المتطرفين، الجيش الذي لم يعد وطنيًا
- إعادة التوازن الديمغرافي في غربي كوردستان ضرورة تاريخية وعدا ...
- إعادة التوازن الديمغرافي في غربي كوردستان ضرورة تاريخية وعدا ...
- إعادة التوازن الديمغرافي في غربي كوردستان ضرورة تاريخية وعدا ...
- الرهان على الحراك الكوردي بين النقد الحصيف والدعم الثابت
- لو أصاب القناص ترامب هل كانت أمريكا ستغزو العالم بالذكاء وال ...
- نداء مفتوح إلى سعادة السفير الأمريكي في أنقرة،
- لو أصاب القناص ترامب هل كانت أمريكا ستغزو العالم بالذكاء وال ...
- النظام السوري الانتقالي بين الوصاية التركية وسقوط الأقنعة
- الفيدرالية أو إعادة إنتاج الظلم
- حين تصبح الحقيقة جريمة
- تحوّل عالمي في التعامل مع القضية الكوردية
- قراءة في العداء للكورد في زمن الانهيار الأخلاقي
- لو أصاب القناص ترامب هل كانت أمريكا ستغزو العالم بالذكاء وال ...
- أسعد الشيباني من فقه الإرهاب إلى فقه العنصرية باسم سوريا


المزيد.....




- عراقجي يؤكد ضرورة اتخاذ الأمم المتحدة إجراءات فورية لمواجهة ...
- العفو الدولية: محو إسرائيل بلدة خزاعة دليل على ارتكابها إباد ...
- الأمين العام للأمم المتحدة يدعو لوقف التصعيد إسرائيل وإيران ...
- بعد هجوم إسرائيل على إيران.. تأجيل مؤتمر الأمم المتحدة لحل ا ...
- مندوب روسيا لدى الأمم المتحدة يدين الهجوم الإسرائيلي على إير ...
- ماكرون يعلن تأجيل مؤتمر الأمم المتحدة بشأن حل الدولتين
- السفير الإسرائيلي لدى الأمم المتحدة: إيران كانت تخطط لغزونا ...
- مندوب إسرائيل لدى الأمم المتحدة: الضربات ضد إيران قد تستغرق ...
- بعد أوامر إخلاء لأحياء سكنية في محيطه: المركز يحذر من تبعات ...
- الخارجية الروسية: العمل العسكري الإسرائيلي ضد إيران انتهاك ل ...


المزيد.....

- “رحلة الكورد: من جذور التاريخ إلى نضال الحاضر”. / أزاد فتحي خليل
- رحلة الكورد : من جذور التاريخ إلى نضال الحاضر / أزاد خليل
- سعید بارودو. حیاتي الحزبیة / ابو داستان
- العنصرية في النظرية والممارسة أو حملات مذابح الأنفال في كردس ... / كاظم حبيب
- *الحياة الحزبية السرية في كوردستان – سوريا * *1898- 2008 * / حواس محمود
- افيستا _ الكتاب المقدس للزرداشتيين_ / د. خليل عبدالرحمن
- عفرين نجمة في سماء كردستان - الجزء الأول / بير رستم
- كردستان مستعمرة أم مستعبدة دولية؟ / بير رستم
- الكرد وخارطة الصراعات الإقليمية / بير رستم
- الأحزاب الكردية والصراعات القبلية / بير رستم


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - القضية الكردية - محمود عباس - الفرق بين اللامركزية السياسية والإدارية من تفويض الوظيفة إلى شراكة القرار