أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - محمود عباس - لو أصاب القناص ترامب هل كانت أمريكا ستغزو العالم بالذكاء والتعريفة أم بالصواريخ؟ الحلقة السابعة














المزيد.....

لو أصاب القناص ترامب هل كانت أمريكا ستغزو العالم بالذكاء والتعريفة أم بالصواريخ؟ الحلقة السابعة


محمود عباس

الحوار المتمدن-العدد: 8389 - 2025 / 6 / 30 - 22:18
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


لم تعد الإمبراطورية اليوم قوة عسكرية كما عرفناها في الماضي، بل أصبحت إمبراطورية خوارزمية، تتحكم بالعقول قبل أن تُمسك بالأرض، لم تعد تدمر المدن بالجيوش، بل تُعيد برمجتها بالخوارزميات والمصالح والشاشات، إنها لا تحكم الجغرافيا، بل تسود الوعي، لا تُخيف كما كانت تفعل المدافع، بل تُغوي وتُقنع وتُروّض، تحكمها وتديرها الدولة العميقة العصرية التي لا جغرافية لها.
الإمبراطوريات السابقة كنا نقاومها ونحارب جيوشها، أما اليوم فنُدافع عنها ونُحبها، ونطلب بوعيٍ أو بدون وعي أن تبقى، بل ونُلحّ عليها أن توسّع سيطرتها على عقولنا وجغرافيتنا ومجتمعاتنا، لم نعد نراها عدوًا، بل خلاصًا. إنها استعمار ناعم، لا يفرض علينا الاستسلام، بل يجعلنا نُحب الهزيمة.
لم تعد الإمبراطوريات ترسل جيوشها ولا تحاصر المدن بالدبابات والطائرات، بل ترسل الهواتف الذكية والإنترنت والذكاء الاصطناعي. تدخل من نوافذنا لا من حدودنا، تتسلل إلى وعينا لا إلى أراضينا، تُقنعنا بأنها ضرورية، بل محبوبة، حتى ندفع لها طوعًا كي تبقى، وننافح عنها كأنها خلاصنا الوحيد.
كما والسلطة اليوم ليست ذلك الجنرال الجالس خلف مكتب خشبي، ولا الحاكم الذي يعتلي منصة ويخطب في الجماهير، السلطة الحقيقية، كما باتت تُمارس، ترتدي وجه المستخدم، تُشبهك، تخاطبك بأدواتك، تُقنعك أنك تختار، بينما تقودك إلى حيث لا تدري، هذه ليست ديكتاتورية، بل شكل جديد من العبودية، لكنها ناعمة، رقمية، بلا سياط، بلا سجون، تُمارس على مستوى النفس قبل الجسد.
ما بعد الرصاصة التي كادت تقتل ترامب، لم يكن ليظهر نظام ديكتاتوري كما في كتب التاريخ، بل ما هو أكثر تعقيدًا، نظام رقمي شمولي بلا سجون، بلا إعدامات، لكن أيضًا بلا حرية حقيقية، عبودية معولمة، لا يُفرض فيها عليك أن تطيع، بل تُصمَّم فيها لتعتقد أن طاعتك هي حريتك.
لقد كتب جورج أورويل عن “الأخ الأكبر” الذي يراقب كل شيء، أما عالمنا فصار يراقب ذاته بنفسه، يتطوّع فيه الناس لتسجيل حياتهم، توثيق خطواتهم، ومشاركة أفكارهم في خدمة من لا يُرى. لقد تحوّلت الشاشة إلى مرآة، والمرآة إلى قيد، نحن لا نُجبر على شيء، نحن نمنح معلوماتنا طوعًا، وبغبطة، ونبني السجن الذي نعيش فيه بأنفسنا.
العبودية الرقمية لا تحتاج إلى جندي، بل إلى واجهة، ولا إلى قانون طوارئ، بل إلى سياسة الخصوصية. يُطلب منك أن توافق، أن تقرأ “الشروط والأحكام”، وأنت تعرف أنها لا تُقرأ، لكنها تُنفّذ، كل ضغطة، كل كلمة، كل صورة، تصبح حجارة في معمار سجنك الشخصي، الذي يُعاد تشكيله كل يوم، ليشبهك، ويقيّدك، في آن معًا.
في زمن ترامب، كان الصراع لا يزال يُخاض على العلن، انتخابات، محاكم، فضائح. أما في العالم الذي كادت الرصاصة أن تفتحه، فإن الصراع انتقل إلى الداخل، داخل الهاتف، داخل الشبكة، داخل العقل، أنت تُخدع وأنت مستمتع، تُنتهك خصوصيتك وأنت تضحك، تُوجَّه آراءك وأنت تعتقد أنك حر. وكما قالت الفيلسوفة حنة آرندت، “أخطر أشكال السيطرة هي التي لا يشعر فيها الناس أنهم خاضعون لها.”
العبودية الكلاسيكية كانت واضحة، تحمل سوطًا، وتخضع الجسد بالقوة، أما العبودية الرقمية، فهي ترتدي قناع الحرية، تُعيد تشكيل الإنسان من الداخل، وتُخضع العقل قبل الجسد، الأولى كانت تنتهكك علنًا، والثانية تُعيد برمجتك صامتة، ولذلك، فهي الأشد خطرًا، لأنها لا تُواجه، بل تُحتضن، هي الاستعباد الجديد باسم الراحة، وبأدوات نختارها نحن، ونُغرم بها.
المفارقة أن هذا الشكل من العبودية لم يُفرض بالقوة، بل صُمم على هيئة خدمة، وكلما زاد التخصيص، كلما صارت الرقابة أكثر دقة، ما نراه من توصيات، مما نقرأ، نشاهد، نشتري، ليس بريئًا، إنه شكل من أشكال إعادة التشكيل المستمر للذات.
أنت لم تعد تملك بياناتك، بل بياناتك تملكك، لم تعد تسأل، بل يُقترَح عليك، ولم تعد تختار، بل تختار من بين ما تم اختياره لك، وهنا، يُصبح جوهر العبودية الجديد، حرية شكلية، لكن بقيود مبرمجة، لا تُرى، لكنها تحاصر كل فكرة قبل أن تولد.
وبينما تتراكم القوة داخل هذه المنظومات، تتآكل مفاهيم أساسية كانت عماد الحداثة: المواطنة، الإرادة، حتى الحقيقة. لم يعد هناك واقع واحد، بل فقاعات لكل فرد. الحقيقة أصبحت نسبية، تُصاغ حسب الخوارزمية. وهكذا، نعيش جميعًا في زنزانات رقمية أنيقة، نختار جدرانها كل يوم، دون أن ندرك أنها جدران.
السؤال الآن، هل هناك خلاص؟
الجواب ليس بسيطًا، لكنه يبدأ بالإدراك. لا خلاص من عبودية لا نعرف بوجودها. لا مقاومة دون وعي. نحن لا نواجه طاغية، بل بنية. لا ننتفض ضد جنرال، بل ضد نظام بيئي كامل من التطبيقات، والمشاهد، والسرديات. ولهذا، فإن التغيير لا يبدأ من الخارج، بل من الداخل: من تعليم يزرع الشك، من ثقافة تُعيد إحياء المفاهيم، من سياسات تفرض الشفافية لا التسليم.
وقد نحتاج إلى “لحظة ترامب” جديدة، لا من حيث شخصه، بل من حيث ما مثّله من فوضى مكشوفة، كانت على الأقل تُظهر قبح السلطة، بدل أن تخفيه وراء أيقونات الواجهة.
في النهاية، لم تُعد المسألة، من يملك الأرض، بل، من يملك وعي من يسكنها؟ العبودية القديمة كانت تحتاج إلى حرس، أما العبودية الرقمية فلا تحتاج إلا إلى قبولك.

د. محمود عباس
الولايات المتحدة الأمريكية
12/4/2025



#محمود_عباس (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تضخيم قصف إيران يكشف صراع الاستراتيجيات بين ترامب والدولة ال ...
- تضخيم قصف إيران يكشف صراع الاستراتيجيات بين ترامب والدولة ال ...
- تضخيم قصف إيران صراع الاستراتيجيات بين ترامب والدولة العميقة ...
- بين خناجر البعث وأوتار الأمل ملحمة التآلف السوري الذي لن يُد ...
- بين خناجر البعث وأوتار الأمل ملحمة التآلف السوري الذي لن يُد ...
- بين خناجر البعث وأوتار الأمل ملحمة التآلف السوري الذي لن يُد ...
- بين خناجر البعث وأوتار الأمل ملحمة التآلف السوري الذي لن يُد ...
- أمريكا تُنعش سردية العداء مع النظام الإيراني تمهيدًا لمواجهة ...
- إسرائيل وغايتيها في قصف إيران إزالة النظام وتثبيت الذات في خ ...
- ميزان الخسارة إسرائيل كدولة وإيران كسلطة
- حكومة الجولاني من برلمان بلحى إلى مقبرة مشروع الدولة
- هل بدأت نهاية إيران في ظل الاستراتيجية الإسرائيلية الجديدة؟
- الشراكة اللامركزية السياسية هي الطريق لإنقاذ سوريا
- هل يستفيد الشعب الكوردي من تصعيد الصراع في الشرق الأوسط؟
- الفرق بين اللامركزية السياسية والإدارية من تفويض الوظيفة إلى ...
- رابطة الكتّاب السوريين أمام امتحان العدالة، الكورد ليسوا خصو ...
- سياسات الأنظمة السورية البائدة تجاه الكورد من القرارات التشر ...
- الفيدرالية ليست منّة، بل خلاص لوطن أُبتلي بالاستبداد العربي ...
- لو أصاب القناص ترامب هل كانت أمريكا ستغزو العالم بالذكاء وال ...
- إعادة التوازن الديمغرافي في غربي كوردستان ضرورة تاريخية وعدا ...


المزيد.....




- فسيفساء بومبيي الإيروتيكية.. كنز سرقه النازيون قبل 80 عامًا ...
- فرنسا وإسبانيا تكافحان حرائق الغابات وسط ظروف جوية صعبة.. شا ...
- رصاص بالحذاء وطيار واجه الموت.. ما قصة أول اختطاف طائرة في ا ...
- هل مهاجمة ترامب لمؤيديه المطالبين بالكشف عن قائمة -عملاء إبس ...
- -محاولة للسيطرة على الدولة-.. اتهامات جديدة للرئيس الكوري ال ...
- مقتل 32 فلسطينياً بنيران إسرائيلية خلال تواجدهم قرب مركز توز ...
- الكونغو الديمقراطية وحركة -إم23- توقعان اتفاق سلام في الدوحة ...
- غياب العين الأميركية في سيناء.. فجوة رقابية تربك إسرائيل
- مفاجأة بفضيحة كولدبلاي.. زوج السيدة الخائنة -رئيس تنفيذي-
- فيديو..-سيارة مجهولة- تصدم حشدا في لوس أنجلوس


المزيد.....

- شعب الخيام، شهادات من واقع احتجاجات تشرين العراقية / علي الخطيب
- من الأرشيف الألماني -القتال في السودان – ينبغي أن يولي الأل ... / حامد فضل الله
- حيث ال تطير العقبان / عبدالاله السباهي
- حكايات / ترجمه عبدالاله السباهي
- أوالد المهرجان / عبدالاله السباهي
- اللطالطة / عبدالاله السباهي
- ليلة في عش النسر / عبدالاله السباهي
- كشف الاسرار عن سحر الاحجار / عبدالاله السباهي
- زمن العزلة / عبدالاله السباهي
- ذكريات تلاحقني / عبدالاله السباهي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - محمود عباس - لو أصاب القناص ترامب هل كانت أمريكا ستغزو العالم بالذكاء والتعريفة أم بالصواريخ؟ الحلقة السابعة