أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - محمود عباس - حكومة الجولاني من برلمان بلحى إلى مقبرة مشروع الدولة














المزيد.....

حكومة الجولاني من برلمان بلحى إلى مقبرة مشروع الدولة


محمود عباس

الحوار المتمدن-العدد: 8375 - 2025 / 6 / 16 - 08:04
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


ليست المفارقة أن تقوم جماعة ذات طابع تكفيري بصياغة دستور شكلي، ولا أن تحاول من خلاله إضفاء شرعية على سلطة الأمر الواقع، بل في أن يُكرّر السوريون أنفسهم المأساة ذاتها، ولكن هذه المرة بلحية! الحكومة السورية المؤقتة، التي تدور في فلك "هيئة تحرير الشام" بقيادة الجولاني، بدأت تحفر قبرها بيدها، دون أن تدرك أنها تكرر ذات الخطايا التي أطاحت بالأنظمة الاستبدادية التي خرج السوريون ضدها.
كما كانت إيران تتفاخر بأذرعها الممتدة في أربع عواصم عربية، قبل أن تبدأ بالسقوط المتسارع بعد ضربات إسرائيل المتكررة، وكما ظنّ النظام السوري أنه خالد بفضل أجهزته الأمنية وولاءاته الطائفية قبل أن تغرق البلاد في الدم، تسير اليوم حكومة الجولاني إلى ذات النهاية، ولكن بثوب ديني أكثر تشويها من سابقاتها.
فالدستور الذي صيغ مؤخرًا، وأُطلق عبره مشروع انتخابات برلمانية، ليس سوى نسخة مشوهة من دساتير البعث، ولكن أكثر صفاقة، فثلث أعضاء البرلمان تمّ حجزهم مسبقًا من قِبل الهيئة، أي من الشريحة السلفية التكفيرية نفسها التي ترتبط فكريًا وتنظيميًا بالإسلام السياسي المتطرف، ما كان يفعله حافظ الأسد بـ "الجبهة الوطنية التقدمية"، يفعله اليوم الجولاني بحكومة المعارضة المؤقتة، ولكن دون خجل أو تمويه.
المجتمع السوري، الذي يئن تحت أنقاض الخراب، بات أمام مهزلة لا تقل خطورة عن المآسي السابقة، فهل يُعقل أن يخرج السوري من سجن البعث ليقع في زنزانة "الإمارة الإسلامية" بلغة أكثر نفاقًا، ودستورٍ بوجه واحد، وشعبٍ لا رأي له؟ إن ما يحصل اليوم في دمشق، ليس إعادة بناء لسوريا، بل إعادة إنتاج لحكمٍ شمولي على الطريقة الطالبانية، وعلى حدود إسرائيل وليس حدود الصين أو روسيا، وبدعم إقليمي مباشر.
لقد أثبتت ستة أشهر من تجارب هذه الحكومة أنها لا تختلف في جوهرها عن النظام الذي ثار عليه السوريون: تكفير، إقصاء، مركزية مشوّهة، وبرلمان مفصّل على قياس السلطان، وإذا كانت طهران تنهار اليوم لأن مشروعها الطائفي اصطدم بجدار الجغرافيا والتاريخ، وإذا كانت أنقرة على وشك الاصطدام بذات المصير بسبب عنجهيتها وخوفها من الكورد، فماذا ينتظر الجولاني ليقرأ المشهد؟ هل ينتظر أن تدك إسرائيل دمشق والقصر الجمهوري، ثانية وثالثة، لتفهم حكومته أن العالم لن يقبل بكيان تكفيري على حدود دولة يهودية عصرية؟ هل ينتظر أن يُستنسخ الحشد الشعبي السني بعباءة سلفية ليصير الأمراء الجدد أكثر دموية من البعثيين؟
لا، ليس في هذه المهزلة ما يمكن تسويقه كديمقراطية، وليس في هذه الانتخابات سوى احتقار لعقول الناس، سوريا، إن كُتب لها أن تنجو، فلن تكون ببرلمان بلحى، ولا بفتاوى تُسقط نصف الشعب من المواطنة، بل بدستور عصري، يضمن الحقوق المتساوية، ويحمي الأقليات، ويؤسس لدولة لامركزية سياسية، ذات نظام فيدرالي يعترف بالشعب الكوردي وحقوقه كشريك في الوطن.
العروض الكوردية، التي طالما قُوبلت بالتهكم أو التهميش، هي وحدها التي تحمل مشروع إنقاذ فعلي لسوريا: نظام لا مركزي، حكم فيدرالي، مشاركة فعلية، لا وصاية ولا استئثار. الكورد، رغم خيانات المعارضة لهم، لم يديروا ظهورهم للثورة، ولم يسجدوا لبشار، ولم يتحولوا إلى وكلاء إقليميين لتنفيذ أجندات مذهبية، بل حملوا السلاح في وجه داعش والأسد معًا، وطرحوا مشروعًا ديمقراطيًا لكل سوريا.
على الجولاني وعرابيه أن يدركوا أن سوريا لا تحتمل نسخة جديدة من داعش بكلام معسول، ولا إمارة تحكمها النصوص بدل الدساتير، وأن برلمانه، بتركيبته الحالية، سيكون إعلان وفاة للحلم السوري، لا ميلاده، وعليهم أن يدركوا أن أمريكا، وإسرائيل، والعالم المتحضر، لن يسمحوا بقيام كيان سياسي يهدد أمنهم بأفكار تكفيرية. وحتى لو تم التسامح مؤقتًا، فإن ساعة التصفيات قادمة، ومن لا يقرأ إيران، عليه أن ينتظر مصيرًا أسوأ.
إن لم يتراجعوا اليوم عن مشروع الهيمنة السلفية، وإن لم يستجيبوا لصوت العقل القادم من شرق الفرات، ومن كل من لا يزال يؤمن بسوريا تعددية، مدنية، علمانية، فإنهم لا يحفرون قبورهم فحسب، بل يجرّون معهم كامل ما تبقى من ثورة السوريين إلى حتفها، وكأن الثورة لم تكن إلا استراحة بين نظامين دينيين، أحدهما بالعمائم والآخر باللِّحى.



#محمود_عباس (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- هل بدأت نهاية إيران في ظل الاستراتيجية الإسرائيلية الجديدة؟
- الشراكة اللامركزية السياسية هي الطريق لإنقاذ سوريا
- هل يستفيد الشعب الكوردي من تصعيد الصراع في الشرق الأوسط؟
- الفرق بين اللامركزية السياسية والإدارية من تفويض الوظيفة إلى ...
- رابطة الكتّاب السوريين أمام امتحان العدالة، الكورد ليسوا خصو ...
- سياسات الأنظمة السورية البائدة تجاه الكورد من القرارات التشر ...
- الفيدرالية ليست منّة، بل خلاص لوطن أُبتلي بالاستبداد العربي ...
- لو أصاب القناص ترامب هل كانت أمريكا ستغزو العالم بالذكاء وال ...
- إعادة التوازن الديمغرافي في غربي كوردستان ضرورة تاريخية وعدا ...
- سوريا تحت خوذة المتطرفين، الجيش الذي لم يعد وطنيًا
- إعادة التوازن الديمغرافي في غربي كوردستان ضرورة تاريخية وعدا ...
- إعادة التوازن الديمغرافي في غربي كوردستان ضرورة تاريخية وعدا ...
- إعادة التوازن الديمغرافي في غربي كوردستان ضرورة تاريخية وعدا ...
- الرهان على الحراك الكوردي بين النقد الحصيف والدعم الثابت
- لو أصاب القناص ترامب هل كانت أمريكا ستغزو العالم بالذكاء وال ...
- نداء مفتوح إلى سعادة السفير الأمريكي في أنقرة،
- لو أصاب القناص ترامب هل كانت أمريكا ستغزو العالم بالذكاء وال ...
- النظام السوري الانتقالي بين الوصاية التركية وسقوط الأقنعة
- الفيدرالية أو إعادة إنتاج الظلم
- حين تصبح الحقيقة جريمة


المزيد.....




- تحذير لسكان هاواي.. لم يصل تسونامي لكن الخطر لم ينتهِ بعد!
- وزيرا خارجية ودفاع سوريا في أول زيارة لموسكو..ماذا بحثا؟
- السويد: السجن مدى الحياة لجهادي شارك في حرق معاذ الكساسبة
- وزير خارجية ألمانيا: عملية الاعتراف بدولة فلسطينية -يجب أن ت ...
- أوكرانيا: زيلينسكي يطالب العالم بالتحرك -لتغيير النظام- في ر ...
- مقتل ستة أشخاص على الأٌقل بينهم طفل في ضربات روسية على كييف ...
- ما الرسائل التي يمكن استخلاصها من خطاب الرئيس اللبناني الذي ...
- هل يمكن إسقاط المساعدات الإنسانية جوا من دون وقوع ضحايا؟ منظ ...
- إسرائيل تسحب قوات من غزة بالتزامن مع انتهاء -عربات جدعون-
- تايمز: الضفة الغربية في قلب معركة الاعتراف بالدولة الفلسطيني ...


المزيد.....

- شعب الخيام، شهادات من واقع احتجاجات تشرين العراقية / علي الخطيب
- من الأرشيف الألماني -القتال في السودان – ينبغي أن يولي الأل ... / حامد فضل الله
- حيث ال تطير العقبان / عبدالاله السباهي
- حكايات / ترجمه عبدالاله السباهي
- أوالد المهرجان / عبدالاله السباهي
- اللطالطة / عبدالاله السباهي
- ليلة في عش النسر / عبدالاله السباهي
- كشف الاسرار عن سحر الاحجار / عبدالاله السباهي
- زمن العزلة / عبدالاله السباهي
- ذكريات تلاحقني / عبدالاله السباهي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - محمود عباس - حكومة الجولاني من برلمان بلحى إلى مقبرة مشروع الدولة