أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - محمود عباس - تغيير الشعار لا يغيّر القبح بل يعمّق جذور الإقصاء














المزيد.....

تغيير الشعار لا يغيّر القبح بل يعمّق جذور الإقصاء


محمود عباس

الحوار المتمدن-العدد: 8395 - 2025 / 7 / 6 - 08:30
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


منذ لحظة إعلان الحكومة السورية الانتقالية عن "الهوية البصرية الجديدة" للدولة السورية، مرورًا بخطاب الجولاني الذي ترافق مع العرض المهيب لذاك الرمز، تكشّفت نوايا تتجاوز مجرّد التغيير الشكلي، ما قُدّم على أنه تجديد بصري وانبعاث وطني جديد، لم يكن في حقيقته إلا محاولة جديدة لترسيخ سلطة إقصائية، ترتدي قناع الحداثة، بينما تمارس في جوهرها ذات السلوك البعثي الذي خنق سوريا لعقود.
فبدلاً من أن يكون الشعار الجديد تعبيرًا عن تنوّع سوريا وغناها القومي والديني، جاء مسيرة تصميمه وطريقة عرضه، وفرضه من أروقة السلطة التنفيذية دون التشريعية، امتدادًا لثقافة أحادية، تستنسخ منطق الاستبداد نفسه، وتُقصي المكوّنات التي دفعت أثمانًا باهظة في سبيل بقاء سوريا على قيد الحياة.
إزالة أثار النظام المجرم السابق، وهيمنة منظمة قادة منظمة متطرفة تكفيرية، معروفة عالميا بالإرهاب، لا يأتي بتغيير شكل النسر، ولا بوضع هوية جديدة، لقد كان يكفي، إن وُجدت نيّة فعلية للقطع مع الماضي، أن يتم تغيير العلم داخل الشعار فقط، لا أن تُستبدل الهوية كاملة، وأن تُزال كل ما يرمز إلى الذاكرة، مهما كانت متصدّعة، لكن الإصرار على تفكيك الرموز بشكل متعمد، كما حدث لبعض التماثيل في ساحات المدن السورية، يكشف أن الهدف ليس إسقاط رموز نظام الأسد فقط وإزالة أثاره، بل إسقاط مفهوم الشراكة، والذهاب نحو هندسة وطن وهمي جديد، لا مكان فيه للكورد، ولا للعلويين، ولا للدروز، ولا للإيزيديين، ولا حتى للسريان وبقايا الآراميين، هؤلاء الذين يتعم العمل على إذابة ما تبقى منهم في سوريتهم، وبأساليب مروعة ما بين العنف والقتل وتزوير تاريخهم، ومحو لغتهم وأسلمتهم.
إن تصريح الجولاني، في معرض تعليقه على الهوية الجديدة، لم يكن مجرد حديث رمزي، لقد شكّل مؤشراً صارخًا إلى أن السلطة الجديدة، أو بالأحرى الواهمة، تسير على خطى النظام المجرم العنصري القديم، ولكن بملامح مصقولة، وخطاب مُنمّق، وجلباب أفغاني ولحية مغطاة بأقنعة، وتكتيك ناعم يتقن اللعب على الحواف.
فما طرحه الجولاني في كلمته لم يكن حديثًا عن وحدة سوريا، بل عن مركزية السلطة، عن دولة تُدار من خطاب واحد، وشكل واحد، وراية واحدة، ومرجعية واحدة، هي السلطة ذاتها التي لم تنجح الثورة في اقتلاعها من جذورها، بل أعادت إنتاجها عبر أجنحة جديدة، منها من لبس عباءة المعارضة، ومنها من تغذّى على صفقات الميدان والصفحات السوداء من الدعم الإقليمي.
ولعلّ أخطر ما تضمّنه خطاب الجولاني، وإن لم يُصرَّح به مباشرة، أن عرض الهوية الجديد لم يكن موجهًا إلى الشعب السوري عامة، بل إلى الكورد خاصة، كرسالة مشفّرة تتجاوز الشكل البصري إلى مضمون سياسي خطير، مفاده أن لا مكان لأي مشروع لامركزي أو فيدرالي في "سوريا المستقبل" إنها رسالة موجهة إلى الشعب الكوردي الذي يطالب اليوم، بعد عقود من التهميش والإنكار، بسلطة لا مركزية تحفظ له حقه القومي والثقافي، وتضمن شراكته الفعلية في بناء الوطن.
لكن السلطة الجديدة، بما تحمله من رواسب القديم، ترفض هذه الشراكة لأنها لا تعرف سوى منطق السيطرة والهيمنة، وقد حاول الجولاني في خطابه أن يوظف تصريحات المبعوث الأمريكي إلى سوريا، توماس باراك، ليمنح شرعية لموقفه الإقصائي، متجاهلًا أن هذه التصريحات ذاتها تنطوي على تناقضات بنيوية، ولا تعبّر عن سياسة أمريكية متماسكة، بقدر ما تعكس تخبّطًا شبيهًا بما فعله بول بريمر في العراق.
إن المقارنة مع بريمر ليست اعتباطية، فتوماس باراك، الذي عيّنه ترامب، لا يختلف من حيث الوظيفة عن ذاك الحاكم الأمريكي الذي أرسى أسس الطائفية السياسية في العراق، وفتح أبواب الفساد والانقسام على مصراعيها، حين اصطدم بقيادة الرئيس مسعود برزاني، وبالحق الكوردستاني المشروع في تقرير المصير. واليوم، تُستعاد ذات العقلية في سوريا، حيث يحاول الجولاني، مستندًا إلى دعم عرّابه التركي، أن يُسخّر تناقضات الخطاب الأمريكي لتمرير موقف عدائي ضد الإدارة الذاتية وقوات قسد، دون أن يقرأ بدقة ما يجري على الأرض، أو يُدرك أن أمريكا، رغم تصريحاتها، تتحرك وفق مصالح استراتيجية متغيرة، وليس وفق شهوة الجولاني لاحتكار القرار أو رغبة تركيا في طمس المشروع الكوردي.
إن ما فعله الجولاني، وتواطأت معه "الحكومة الانتقالية"، ليس إعادة تشكيل هوية بصرية للدولة، بل إعادة إنتاج منظومة الإقصاء بوجه جديد.
وهكذا نكتشف أن النظام الذي يُراد له أن يكون بديلًا عن سلطة الأسد المجرمة البائدة، لا يختلف عنها في الجوهر، بل يحمل السموم ذاتها في قنينة جديدة. فحين تُبنى السلطة على الإنكار، والتزييف، واستبعاد المكوّنات الأصيلة، عبر فرض مركزية سلطوية شمولية، فإنها تمضي بخطى ثابتة نحو دكتاتورية أكثر فتكًا، مهما تلحفت بعباءة الدين أو ادّعت التغيير. إن الشعب السوري، بكل مكوّناته، لا يطمح إلى تغيير الشعار فحسب، بل إلى تفكيك بنية الدولة القديمة بكل نواتها العنصرية، وإعادة بناء وطن يذكّر بكوردستانيته، وسريانيته، وتعدديته الروحية والقومية والجغرافية؛ وطن لا يُقصي أحدًا، ولا يختزل الهوية بشعار أو علم، بل يحتضن الجميع بعدالة وكرامة.
ولذلك، فإن من يظن أن شعار النسر الجديد بداية لمرحلة وطنية جامعة، لم يفهم شيئًا من تاريخ سوريا، ولا من حقيقة ما يجري، فالشعارات، كما كانت دائمًا، قناع لمشروع سلطوي قادم، لا يختلف عن سابقه سوى بمدى دهائه، ونُعومة قبضته.
د. محمود عباس
الولايات المتحدة الأمريكية
4/7/2025م



#محمود_عباس (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- يالچين كوچوك مفكر النظام التركي العميق في ثوب ماركسي ممزّق
- سطوة التاريخ وازدواج الهيمنة في قلب الشرق
- منابر العار تهاجم مظلوم عبدي، حين يرتجف الحقد أمام الشرف
- لو أصاب القناص ترامب هل كانت أمريكا ستغزو العالم بالذكاء وال ...
- تضخيم قصف إيران يكشف صراع الاستراتيجيات بين ترامب والدولة ال ...
- تضخيم قصف إيران يكشف صراع الاستراتيجيات بين ترامب والدولة ال ...
- تضخيم قصف إيران صراع الاستراتيجيات بين ترامب والدولة العميقة ...
- بين خناجر البعث وأوتار الأمل ملحمة التآلف السوري الذي لن يُد ...
- بين خناجر البعث وأوتار الأمل ملحمة التآلف السوري الذي لن يُد ...
- بين خناجر البعث وأوتار الأمل ملحمة التآلف السوري الذي لن يُد ...
- بين خناجر البعث وأوتار الأمل ملحمة التآلف السوري الذي لن يُد ...
- أمريكا تُنعش سردية العداء مع النظام الإيراني تمهيدًا لمواجهة ...
- إسرائيل وغايتيها في قصف إيران إزالة النظام وتثبيت الذات في خ ...
- ميزان الخسارة إسرائيل كدولة وإيران كسلطة
- حكومة الجولاني من برلمان بلحى إلى مقبرة مشروع الدولة
- هل بدأت نهاية إيران في ظل الاستراتيجية الإسرائيلية الجديدة؟
- الشراكة اللامركزية السياسية هي الطريق لإنقاذ سوريا
- هل يستفيد الشعب الكوردي من تصعيد الصراع في الشرق الأوسط؟
- الفرق بين اللامركزية السياسية والإدارية من تفويض الوظيفة إلى ...
- رابطة الكتّاب السوريين أمام امتحان العدالة، الكورد ليسوا خصو ...


المزيد.....




- زيلينسكي يعلن عن ترشيحات لـ-أكبر تعديل وزاري- تشهده أوكرانيا ...
- ترامب يوضح آخر التطورات بشأن -مفاوضات غزة-
- بعد معركة طويلة.. والدة الناشط علاء عبد الفتاح تنهي إضرابها ...
- إسبانيا تفكك شبكة دولية لتهريب المخدرات بين مدريد وأنقرة
- نشطاء: الدعم السريع قتل حوالي 300 بشمال كردفان منذ السبت
- جيش لبنان يعلن تفكيك أحد أضخم معامل الكبتاغون قرب حدود سوريا ...
- 9 قتلى وعشرات المصابين بحريق مركز رعاية مسنين في أميركا
- مليشيا -الشفتة- الإثيوبية تهاجم وتنهب 3 قرى سودانية حدودية
- خبير عسكري: المقاومة أجبرت الاحتلال على التحول من الهجوم للد ...
- بين -المهمة المستحيلة- و-فورمولا 1?.. توم كروز وبراد بيت في ...


المزيد.....

- من الأرشيف الألماني -القتال في السودان – ينبغي أن يولي الأل ... / حامد فضل الله
- حيث ال تطير العقبان / عبدالاله السباهي
- حكايات / ترجمه عبدالاله السباهي
- أوالد المهرجان / عبدالاله السباهي
- اللطالطة / عبدالاله السباهي
- ليلة في عش النسر / عبدالاله السباهي
- كشف الاسرار عن سحر الاحجار / عبدالاله السباهي
- زمن العزلة / عبدالاله السباهي
- ذكريات تلاحقني / عبدالاله السباهي
- مغامرات منهاوزن / ترجمه عبدالاله السباهي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - محمود عباس - تغيير الشعار لا يغيّر القبح بل يعمّق جذور الإقصاء