أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - القضية الكردية - محمود عباس - مشهدٌ يتجاوز رمزيته ما بين إلقاء السلاح وولادة مرحلة جديدة














المزيد.....

مشهدٌ يتجاوز رمزيته ما بين إلقاء السلاح وولادة مرحلة جديدة


محمود عباس

الحوار المتمدن-العدد: 8401 - 2025 / 7 / 12 - 07:10
المحور: القضية الكردية
    


أن يُلقى ثلاثون من مقاتلي حزب العمال الكوردستاني سلاحهم في غرب السليمانية، وتحديدًا عند مدخل كهف جاسني، في موقع يحتضن الذاكرة الكوردية بكل ما فيها من شقاء وكبرياء، حيث وُضعت أولى لبنات الوعي الثقافي الكوردي، وحيث انطلقت أولى الصحف من مطبعة كوردية حملت الحبر والحلم معًا، فالمشهد لا يُمكن أن يُقرأ إلا كأيقونة متشابكة بين التاريخ والنضال، بين الجرح والكرامة.
في ذلك الركن الحجري، المحفور في ذاكرة الوطن، وقف مشهدٌ يفيض بالمفارقة، ثلاثون مقاتلًا ومقاتلة، تُسلم أياديهم ما حملته لسنوات من بندقية ومبدأ، وكانت في مقدمتهم نساء كورديات مناضلات، واجهن طغيان المحتل التركي لعقود، ونسجن بدمائهن وشجاعتهن صورةً ألهمت العالم عن المرأة الكوردية المقاومة، التي لا تقف خلف الرجال، بل تتقدم الصفوف.
المشهد كان مؤلمًا بقدر ما كان فخمًا، لأن فيه انطواء لصفحة دامية، وبداية لمرحلة أكثر تعقيدًا، مرحلة ما بعد البندقية، حيث يتحول النضال إلى خطاب سياسي، والصمت إلى رسالة، والتراجع الظاهري إلى مناورة على رقعة دولية شديدة التشابك.
لحظة لا تُمثّل فقط نهاية مرحلة، بل إعلان بداية جديدة، تتقاطع فيها المأساة مع الأمل، والتكتيك مع الاستراتيجية، والسلاح مع الفكر.
سياسيًا وفكريًا، أرى أن حزب العمال الكوردستاني يدخل مرحلة جديدة من الصراع مع المحتل التركي، ليس من باب التراجع، بل من بوابة التحوّل الاستراتيجي، ورغم تحفظاتنا العميقة على نظرية "الأمة الديمقراطية"، وعلى بعض جوانبها الأيديولوجية، وقضايا أخرى، خاصة في سعيها لصياغة تركيا كدولة "لجميع الشعوب"، إلا أن ما لا يمكن إنكاره أن الحزب يمتلك قدرة لافتة على التكيّف مع المتغيرات، وقراءة اللحظة الدولية والإقليمية بوعي واقعي وسياسي نادر.
كثيرون لا يزالون يُقيّمون الحزب بمنطق التنظيم الكلاسيكي، أو يختزلونه في بُنية حزبية مسلحة، لكن الواقع العملي يُثبت أن حزب العمال الكوردستاني بات يتعامل مع الدول الإقليمية والعالم على سوية الدولة لا الحزب. مؤسساته، خطابه، شبكاته السياسية والإعلامية والاجتماعية، كلها تسير بمنهج دولة لها امتداداتها في الداخل والخارج، وتعمل بمفردات القانون الدولي، لا فقط شعارات الثورة.
من هنا، تبدو تهمة "الارتباط بأجهزة استخباراتية" أو "الارتهان للخارج"، نوعًا من التحليل السطحي، القائم على رؤية حزبية تقليدية، لم تدرك بعد أن الحزب تجاوز منذ زمن هذا التصنيف، ما لا يقرأه بعض الكورد، تدركه بعمق الدول الكبرى، وتركيا نفسها، والدليل، التناقض الفاضح ما بين خطاب أردوغان وأفعاله.
فمن جهة، يعلن أن تركيا "ستتخلّص من الإرهاب"، في خطاب موجّه لاحتواء الرأي العام التركي، المحتقن منذ عقود بفكرة أن "تركيا تحارب الإرهاب لا الكورد"، ومن جهة أخرى، لا يتردد في الجلوس على طاولة مفاوضات غير معلنة مع قيادة الحركة الكوردية، بل ويستقبل وفود حزب المساواة وديمقراطية الشعوب، التي زارت السيد عبدالله أوجلان، كما رأينا سابقًا، ليجتمعوا بعد يومين مع رئيس تركيا، رجب طيب أردوغان، وبحضور مسؤولين رفيعين من الدولة وحزب العدالة والتنمية، وكأننا أمام حوار بين "رأسين" لا بين دولة وحزب.
وهنا، علينا نحن الكورد، سواء كنا مؤيدين أو مختلفين مع حزب العمال الكوردستاني، أن نحلل هذا المشهد الواسع لا بعاطفة، بل بأفق استراتيجي، لا يكفي أن نسأل، هل أُلقي السلاح؟ بل يجب أن نسأل، إلى أين يتجه النضال؟ وما هو الشكل الأمثل للكفاح الكوردي في ظل منظومة دولية تتغير، والدول المحتلة لكوردستان التي تتعفّن من الداخل؟
إن الانتقال من النضال المسلح إلى السياسي، لا يعني الانسحاب، بل الدخول إلى ميدان جديد، أكثر تعقيدًا، وأشد خطورة، فالنظام التركي، الذي يملك قوة عسكرية تعادل اكبر الدول الأوروبية، يراوغ ببراعة في الحروب، سيجد نفسه في مواجهة أكثر صعوبة حين يُجبر على خوض معركة الكلمة والحق أمام مؤسسات دولية، وضمائر حية، وسردية كوردية، رغم ضعفها وكثرة الأعداء، وشبه انعدام للدول التي مصالحها تتقاطع مع مصالح القضية الكوردية، متماسكة تعرّيه أمام العالم، لا مبالغة في القول إن معركة السلاح، بقدر ما كانت دامية، فإن معركة الخطاب السياسي ستكون أكثر كلفة له.
وأرجّح، من خلال قراءة تطورات المشهد، أن حزب العمال الكوردستاني، بجميع منظماته، قد بدأ فعليًا ببناء رصيد جديد من التعاطف والدعم الدولي، خاصة مع اتضاح الوجه الفاشي للنظام التركي، وتزايد الانتقادات الغربية لسياساته القمعية ضد الكورد والمعارضين، وهنا، يتبدى وجه تركيا الحقيقي، كما لم يكن ممكنًا سابقًا في زمن الحرب وحدها.
لهذا، يجب ألا يُنظر إلى هذا التحول كتنازل، بل كذكاء استراتيجي، وإعادة تموضع، ونضج سياسي، يفرض علينا، نحن أبناء هذه القضية، أن نواكب هذا التحوّل بالتحليل، لا بالتشنج، وبالوعي، لا بالانقسام.

د. محمود عباس
الولايات المتحدة الأمريكية
11/7/2025



#محمود_عباس (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- توماس باراك يجمّل وجه السلطة المركزية ويزوّر حقيقة التحالف ا ...
- توماس باراك يجمّل وجه السلطة المركزية ويزوّر حقيقة التحالف ا ...
- توماس باراك وسرّ الشرق الأوسط المؤجّل 2/2
- توماس باراك وسرّ الشرق الأوسط المؤجّل 1/2
- الكورد السريان هوية تتجذر لا تذوب - الجزء الثاني
- الكورد السريان هوية تتجذر لا تذوب - الجزء الأول
- تغيير الشعار لا يغيّر القبح بل يعمّق جذور الإقصاء
- يالچين كوچوك مفكر النظام التركي العميق في ثوب ماركسي ممزّق
- سطوة التاريخ وازدواج الهيمنة في قلب الشرق
- منابر العار تهاجم مظلوم عبدي، حين يرتجف الحقد أمام الشرف
- لو أصاب القناص ترامب هل كانت أمريكا ستغزو العالم بالذكاء وال ...
- تضخيم قصف إيران يكشف صراع الاستراتيجيات بين ترامب والدولة ال ...
- تضخيم قصف إيران يكشف صراع الاستراتيجيات بين ترامب والدولة ال ...
- تضخيم قصف إيران صراع الاستراتيجيات بين ترامب والدولة العميقة ...
- بين خناجر البعث وأوتار الأمل ملحمة التآلف السوري الذي لن يُد ...
- بين خناجر البعث وأوتار الأمل ملحمة التآلف السوري الذي لن يُد ...
- بين خناجر البعث وأوتار الأمل ملحمة التآلف السوري الذي لن يُد ...
- بين خناجر البعث وأوتار الأمل ملحمة التآلف السوري الذي لن يُد ...
- أمريكا تُنعش سردية العداء مع النظام الإيراني تمهيدًا لمواجهة ...
- إسرائيل وغايتيها في قصف إيران إزالة النظام وتثبيت الذات في خ ...


المزيد.....




- الأونروا: تصاعد في حالات سوء التغذية بغزة
- الجنائية الدولية تشير لأدلة على ارتكاب جرائم حرب في دارفور
- إسرائيل تستهدف موقعا لتوزيع المياه بغزة والأونروا ترصد تفاقم ...
- الأونروا: نواصل عملنا لمساعدة أكثر الفئات ضعفاً في غزة
- الأونروا: زيادة في عدد حالات سوء التغذية في غزة
- لماذا يستهدف الاحتلال الأسرى المحررين بغزة؟
- قوات الاحتلال تشن حملة اعتقالات في الضفة الغربية
- نتنياهو: نتوقع التوصل لاتفاق يدوم 60 يوما ويسمح بعودة نصف ال ...
- آلاف الإسرائيليين يتظاهرون للمطالبة بصفقة لإطلاق سراح الرهائ ...
- إسبانيا: إرسال وحدات إغاثة عسكرية إلى سرقسطة بعد فيضانات عني ...


المزيد.....

- “رحلة الكورد: من جذور التاريخ إلى نضال الحاضر”. / أزاد فتحي خليل
- رحلة الكورد : من جذور التاريخ إلى نضال الحاضر / أزاد خليل
- سعید بارودو. حیاتي الحزبیة / ابو داستان
- العنصرية في النظرية والممارسة أو حملات مذابح الأنفال في كردس ... / كاظم حبيب
- *الحياة الحزبية السرية في كوردستان – سوريا * *1898- 2008 * / حواس محمود
- افيستا _ الكتاب المقدس للزرداشتيين_ / د. خليل عبدالرحمن
- عفرين نجمة في سماء كردستان - الجزء الأول / بير رستم
- كردستان مستعمرة أم مستعبدة دولية؟ / بير رستم
- الكرد وخارطة الصراعات الإقليمية / بير رستم
- الأحزاب الكردية والصراعات القبلية / بير رستم


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - القضية الكردية - محمود عباس - مشهدٌ يتجاوز رمزيته ما بين إلقاء السلاح وولادة مرحلة جديدة