أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - القضية الكردية - محمود عباس - هل هناك فخ في حوارات باريس؟














المزيد.....

هل هناك فخ في حوارات باريس؟


محمود عباس

الحوار المتمدن-العدد: 8415 - 2025 / 7 / 26 - 22:42
المحور: القضية الكردية
    


بين قناع الدبلوماسية وخنجر الهيمنة.
لست بصدد الخوض في دوافع انعقاد الحوارات في باريس، ولا في المسرح الخلفي الذي دفع بالأطراف المختلفة إلى طاولات التفاوض. ما يعنيني هنا هو الأهم، بل الأخطر، لماذا لم تبدأ الحوارات حتى الآن، رغم مرور أيام على وصول الوفود إلى باريس؟
الإجابة لا تتعلق بجدول المواعيد، بل بطبيعة الإهانة السياسية والدبلوماسية التي كُشفت منذ اللحظة الأولى، وفد الإدارة الذاتية، برئاسة السيدة (فوزة يوسف) قوبل بتعامل فظّ، واستقبال بارد، وتجاهل مُتعمّد يعكس عقلية ذكورية متعالية، لا تزال ترى المرأة، حتى في موقع القرار السياسي، كجسم غريب في ساحة القرار، وكأننا في زمن ما قبل الدولة.
وما هو أخطر من الشكل، هو المضمون، الشروط فُرضت بلهجة فوقية، والأسلوب خرج عن الأعراف الدبلوماسية، لا تفاوض، بل أوامر، لا شراكة، بل وصاية، والأدهى أن وفد "حكومة الجولاني" أي الحكومة السورية المؤقتة، لا يزال يرفض الاعتراف بأي مكون سوري خارج منظومة دمشق، متمسكًا بوهم أحادية التمثيل، وكأن سوريا لم تُكسر، ولم تُبع، ولم تُحتل.
أما الكارثة الأكبر، فهي في سلوك المبعوث الأمريكي إلى سوريا، الذي يُفترض أنه الضامن للتوازن، فإذا به يتحول إلى أداة للانحياز، خاضعًا للإملاءات التركية، ومتأثرًا بالضغوط الخليجية، وناقلًا لوصفات مفروضة لا تشبه تطلعات السوريين في شيء.
وهنا تبدأ خيوط الفخ بالظهور…
إن توقف الحوارات بين قائد قوات قسد، الجنرال مظلوم عبدي، وممثلة الإدارة الذاتية في الخارج، إلهام أحمد، من جهة، وممثل ما يُعرف بحكومة الجولاني، وزير الخارجية أسعد الشيباني، من جهة أخرى، لا يعود، كما يُروَّج، إلى ضغوط تركية مباشرة على حكومة الجولاني، بحجة أن الحوار مع قسد في باريس سيُعتبر حوارًا بين "دولتين"، بل الحقيقة أعمق وأكثر التباسًا.
الواقع أن تركيا وحكومة الجولاني ترفضان بالكامل شروط الإدارة الذاتية وقائد قوات قسد، والتي طُرحت سابقًا كأساس لأي حوار، وتطالبان بتنازلات واضحة تمس جوهر مشروع الفيدرالية والتمثيل المتوازن للمكونات السورية. وعلى الرغم من الضغوط الأمريكية، ظلّ الطرف الكوردي متمسكًا بموقفه، مستندًا إلى دعم فرنسي يتّسم بقدر من الاستقلالية السياسية.
لكن خلف الكواليس، ثمة سيناريو أكثر تعقيدًا، إذ يُرجّح أن وفد حكومة الجولاني يتحضّر فعليًا لحوارٍ من نوع آخر، لا مع قسد فقط، بل مع الوفد الإسرائيلي الذي استقدمه المبعوث الأمريكي ذاته، في محاولة لتجميع كافة الأطراف، من حكومة الجولاني، إلى الإدارة الذاتية، إلى ممثلي قوات قسد، إلى وفد يمثل الموحدين الدروز، في ساحة واحدة، يَخلق عبرها حالة من الفوضى التكتيكية المنظمة، تُسهل عليه فرض رؤيته وشروطه على الجميع.

بهذا الترتيب المسرحي، يُفرغ الحوار من مضمونه التفاوضي المتكافئ، ليتحوّل إلى منصة تسيير أمريكية، تُمكّن واشنطن من ضبط الإيقاع السياسي لكل طرف، والتحكم بمفاصل الخلاف، لا بهدف الحل، بل بغرض تثبيت النفوذ، وتقوية من يستجيب لأجنداتها.
وهنا تكمن الخطورة، فكلما تمسكت الإدارة الذاتية وقوات قسد بشروطها السيادية، التي تقوم على الاعتراف بحقوق المكونات وضمان النظام الفيدرالي اللامركزي، كلما صعّبوا على هذا المخطط اختراق موقفهم، أما أي تراجع أو تنازل، فسيُمهّد لهيمنة مشروع الجولاني ومن خلفه، وهو ما سيعيد تطبيع التكفيريين على أنهم جزء من الحل، بدل أن يُنظر إليهم كامتداد مموّه لداعش.
وحينها، لن يكون ما يُعمّر على الأرض من بنى تحتية أو مشاريع اقتصادية كافيًا لإنقاذ سوريا، لأن ما سيُدمَّر هو البنية الثقافية، والوعي الإنساني، والهوية المجتمعية. وهذه أعمدة، إن انهارت، فلا تعاد بكراسي إسمنت ولا بمشاريع استثمار، بل تحتاج إلى عقود طويلة من الألم، والانغلاق، والتخبط في متاهات ما بعد الخراب الفكري.
فالمدة الانتقالية التي فرضتها حكومة الجولاني، والمحددة بخمس سنوات، ليست سوى المهلة الزمنية المطلوبة لتفريغ ما تبقى من وعي، وتجريف ما خلّفه النظام البعثي من خراب، لإعادة توظيفه في نسخته التكفيرية، إنها السنوات الخمس التي يراهنون عليها لطمس المعنى، وتشويه اللغة، وتشريع الجهل تحت لافتات التدين المسلّح. خمس سنوات لا لبناء دولة، بل لهدم الإنسان السوري من الداخل.
وبعد انقضاء هذه المدة، لن تكون سوريا قد دخلت طور التعافي، بل ستكون قد انحدرت إلى عصر ظلمات جديد، لا يُرفع فيه كتاب، ولا يُحترم فيه عقل، وتُغطى المدارس والمراكز الثقافية برداء السواد، وتُنتج مؤسسات الجهل مجتمعًا أعمى، أصمّ، ممسوخ الذهن، ميت الوعي، غارقًا في فتاوى القتل، ومسلوبًا من أي قدرة على النهوض.
ما يبدو كحوار في باريس، قد لا يكون سوى واجهة لبناء معادلات جديدة، تُفرغ النضال من مضمونه، وتُشرعن ما لا يُشرعن. فحين يُستدرج الجميع إلى طاولة واحدة، من قاتل، ومقتول، ومُستهدف، ومن كان شريكًا في دم السوريين، يصبح السؤال ضروريًا، ما هو الثمن؟
نعم، لا يستبعد أن يحمل حوار باريس فخًا مركّبًا:
يُطبّع وجود القوى التكفيرية، ويضغط على المشروع الديمقراطي الكوردي، ويفتح للدول الراعية بابًا واسعًا لفرض حلّ مشوّه، لا يقيم للعدالة وزنًا، بل يُكرّس النفوذ، ويفرض التوازنات على حساب القيم، ويعيد رسم سوريا لا كما يريدها شعبها، بل كما ترتضيها غرف الاستخبارات.

د. محمود عباس
الولايات المتحدة الأمريكية
25/4/2025م



#محمود_عباس (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الإسلام بريء منكم من داعش إلى الحكومة الانتقالية
- رد سياسي إلى وزارتي الخارجية الأمريكية والفرنسية بشأن المذكر ...
- هندسة الخداع الدبلوماسي في محاولة تحجيم الدور الكوردي بين با ...
- فيدرالية سوريا كابوس أنقرة وذريعتها لإحياء داعش بأسماء أشد ب ...
- الكورد السريان هوية تتجذر لا تذوب - الجزء السادس والأخير
- المبعوث الأمريكي بين التطبيع القسري وتجهيل الواقع السوري
- سوريا بين فيدرالية مأمولة وممثل أمريكي يجهل التاريخ
- نداء شيخ العقل حكمت الهجري ليس خيانة، بل صرخة كرامة
- الكورد السريان هوية تتجذر لا تذوب - الجزء الخامس
- بيان إلى الحكومة الأمريكية واللجان المعنية بالشأن السوري
- الكورد السريان هوية تتجذر لا تذوب - الجزء الرابع
- سوريا تُذبح بهوية واحدة، حين تُقصى المكونات ويُفرض الكفر باس ...
- أردوغان بين انهيار الرهانات واعتراف مؤجل بالكورد
- حزب العمال الكوردستاني ما بين القداسة والعداء، جدلية أبعد من ...
- الكورد السريان هوية تتجذر لا تذوب - الجزء الثالث
- المبعوث الأمريكي الذي ضلّ الطريق
- أوجلان كما لا يراه أنصاره وخصومه، خطابٌ بين الكاريزما والواق ...
- مشهدٌ يتجاوز رمزيته ما بين إلقاء السلاح وولادة مرحلة جديدة
- توماس باراك يجمّل وجه السلطة المركزية ويزوّر حقيقة التحالف ا ...
- توماس باراك يجمّل وجه السلطة المركزية ويزوّر حقيقة التحالف ا ...


المزيد.....




- الآلاف يتظاهرون بتل أبيب للمطالبة بإعادة الأسرى
- مراسل الجزيرة يناشد منظمات إنسانية للتدخل لإطلاق ركاب حنظلة ...
- الداخلية السورية تعلن اعتقال قائد -غرفة عمليات الساحل- وإسرا ...
- آلاف الإسرائيليين يطالبون بإعادة الأسرى حتى لو توقفت الحرب
- آلاف الإسرائيليين يطالبون بإعادة الأسرى حتى لو توقفت الحرب
- -الوضع يائس-.. بريطانيا تدعو إسرائيل لإنهاء المجاعة في غزة
- تونس.. احتجاجات أمام السفارة الأمريكية تنديدا بحرب التجويع ف ...
- مراسل الجزيرة يناشد منظمات إنسانية للتدخل لإطلاق ركاب حنظلة ...
- اعتقال الاحتلال الأطفال خلال محاولتهم الحصول على الطعام وتعذ ...
- إسرائيل: إسقاط المساعدات في غزة يبدأ الليلة.. وإنشاء ممرات إ ...


المزيد.....

- “رحلة الكورد: من جذور التاريخ إلى نضال الحاضر”. / أزاد فتحي خليل
- رحلة الكورد : من جذور التاريخ إلى نضال الحاضر / أزاد خليل
- سعید بارودو. حیاتي الحزبیة / ابو داستان
- العنصرية في النظرية والممارسة أو حملات مذابح الأنفال في كردس ... / كاظم حبيب
- *الحياة الحزبية السرية في كوردستان – سوريا * *1898- 2008 * / حواس محمود
- افيستا _ الكتاب المقدس للزرداشتيين_ / د. خليل عبدالرحمن
- عفرين نجمة في سماء كردستان - الجزء الأول / بير رستم
- كردستان مستعمرة أم مستعبدة دولية؟ / بير رستم
- الكرد وخارطة الصراعات الإقليمية / بير رستم
- الأحزاب الكردية والصراعات القبلية / بير رستم


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - القضية الكردية - محمود عباس - هل هناك فخ في حوارات باريس؟