أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - القضية الكردية - محمود عباس - المبعوث الأمريكي الذي ضلّ الطريق














المزيد.....

المبعوث الأمريكي الذي ضلّ الطريق


محمود عباس

الحوار المتمدن-العدد: 8402 - 2025 / 7 / 13 - 23:39
المحور: القضية الكردية
    


كيف تحوّل توماس باراك إلى أداة تركية لتصفية الكورد؟
في عالم السياسة، لا تُقال الحقائق كلها دفعة واحدة، بل تُمرَّر أحيانًا في طيّات التصريحات، وتُخبَّأ خلف الكلمات المنمّقة، ولعلّ ما قاله توماس باراك مؤخرًا، باسم "الحل السوري" و"وحدة الدولة"، لم يكن مجرّد رأي دبلوماسي، بل إشارة مشفّرة إلى هندسة سياسية تُطبخ في الغرف الخلفية. لم يكن حديثه عن "الحكومة الانتقالية" سوى واجهة لمشروع أعمق، يُراد تمريره بصمت، صفقة متعددة الأطراف، تتداخل فيها مصالح تركيا والنظام السوري، ويُستخدم فيها الطرف الكوردي كورقة ضغط وتنازل.
بل إن باراك، وهو يلوّح بهذه المفردات المستهلكة، بدا كمن يعبّد الطريق لغاية أخرى تمامًا، تسويق التطبيع بين دمشق وتل أبيب، عبر البوابة الكوردية، باعتبارها، من وجهة نظره، الحلقة التي يمكن إخضاعها بسهولة، وتحويلها من شريك استراتيجي إلى وسيط تكتيكي، وهي مقامرة سياسية، إن ثبتت خيوطها، قد تضعه لاحقًا تحت مجهر الكونغرس الأمريكي، وتعرّضه لإدانة بوصفه منحرفًا عن المسار المعلن للإدارة الأمريكية.
تصريحات توماس باراك الأخيرة كشفت بوضوح عن جوهر مهمته الفعلية، فهي لا تنبع من رؤية أمريكية مستقلة لحلّ الأزمة السورية، بل تأتي ضمن مساعٍ ممنهجة لفرض إملاءات تركيا والنظام السوري على الأطراف الكوردية، بدءًا من قوات سوريا الديمقراطية، مرورًا بالإدارة الذاتية، وصولًا إلى الهيئة الكوردية المنبثقة عن كونفرانس قامشلو، ما يسعى إليه باراك ليس حلًا سوريًا عادلًا، بل صفقة سياسية مفروضة، تكون فيها القضية الكوردية الحلقة الأضعف المطلوب تصفيتها سياسيًا.
ويبدو التناقض جليًا بين خط باراك وخط المستشار الأمريكي السابق وليد فارس، الذي صرّح بوضوح في مقابلته مع قناة روداو بأن واشنطن، في عمق استراتيجيتها، تدعم قوات سوريا الديمقراطية، وترى في الشعب الكوردي شريكًا رئيسيًا في محاربة الإرهاب واستقرار المنطقة، أما باراك، فيتنقّل في تصريحاته بين التهديد المبطّن ومحاولات الإقناع الدبلوماسي، وكأن مهمته تحوّلت من رعاية العملية السياسية إلى تسويق نسخة من النظام السوري، تتوافق مع مصالح أنقرة ودمشق، لا مع تطلعات الشعب السوري ومكوناته الحقيقية.
والأخطر من كل ذلك، أن باراك يتبنّى خطابًا مستهلكًا عن "وحدة سوريا" و"الحكومة الانتقالية"، وهو ذات الخطاب الذي استُخدم لعقود لإنكار التعددية القومية والدينية، ولقمع كل صوت يطالب بالاعتراف بالحقوق. إنه يحاول تقزيم القضية القومية الكوردية في سوريا، دون وعي تاريخي أو إدراك سياسي لها، في وقت أصبحت فيه هذه القضية إحدى أهم الملفات المفتوحة في الشرق الأوسط، كان الأحرى به أن يستقرئ ما يجري اليوم في تركيا من صراعات داخلية، ليفهم أن القمع القومي لا يولّد إلا الانفجار، وأن الحلول المفروضة لا تعيش طويلًا.
استسهاله تكرار شعارات مثل "حكومة واحدة، شعب واحد، وجيش واحد" يُعيد إلى الأذهان الميراث البعثي المتعفن، وهو في الوقت ذاته يعكس تأثره العميق بالمنهج التركي القومي، المستمد من الدكتاتورية الكمالية، التي ما زالت تنكر على الكورد حتى لغتهم واسمهم. لقد أصبح باراك، دون أن يدري أو ربما بوعي تام، أداةً لتصدير هذا النموذج التركي إلى الداخل السوري، مستعيرًا المنطق ذاته، ادمج الكورد في الدولة، لا اعترافًا بهم، بل مسخًا لهويتهم.

وهذا بالضبط ما يفسّر استعانته بالمنظور التركي في فهم الجغرافيا السورية، متناسيًا أن سوريا ليست مجتمعًا مهاجرًا كالمجتمع الأمريكي، بل نسيجٌ تاريخي معقّد من القوميات والأديان والمذاهب المتجذرة منذ آلاف السنين. فلو كان صادقًا في رؤيته، لما تجرّأ على طرح مثل هذا النموذج المختزل على سوريا، بينما لا يجرؤ على طرحه في وجه الأوروبيين، مطالبًا إيّاهم بالتخلي عن قومياتهم لصالح "أمة أوروبية موحدة تحت الراية الألمانية"، مثلًا.
هذه الازدواجية تكشف عن جهل دبلوماسي لا يُستهان به، وتدل على انفصال مقلق عن الواقع السوري المركّب، وتجاهلٍ متعمد لعقود من القمع القومي الذي عاشه الكورد وغيرهم من المكونات، وهي أيضًا انعكاس لتأثير اللوبي التركي داخل غرف القرار، بما فيها الدوائر التي تدّعي الحياد. وربما لن يطول الوقت قبل أن يتلقى باراك ردودًا قاسية، إما من داخل المؤسسة الأمريكية ذاتها، أو من أطراف دولية تدرك عمق الملف الكوردي وخطورة تفريغه من مضمونه.
من هنا، فإن مسؤولية الحراك الكوردي، بكل أطيافه السياسية والمدنية والعسكرية، ألا يتهاون مع هذه الطروحات التي تقزّم الوجود الكوردي، وتفرغه من مضمونه، وألا يرضخ لأي مشروع لا يضمن الاعتراف الصريح والفوري بالحقوق القومية والدستورية للكورد. فالصمت الآن ليس حكمة، بل تواطؤ، والردّ يجب أن يكون حاسمًا، سياسيًا وشعبيًا، يعبّر عن وعي جماعي يدرك أن ما لم يُنتزع بالنضال، لن يُمنح على موائد المساومات.
إن منطق الاندماج القسري قد سقط، ومنطق الهيمنة بواجهة التحالفات قد انكشف، ولم يعد أمام الكورد سوى تثبيت حضورهم كفاعل لا كضحية، وكشريك لا كأداة، وإلا فإن ما لم تأخذه الأنظمة بالحرب، ستأخذه بالإملاءات وتواقيع السفراء.

د. محمود عباس
الولايات المتحدة الأمريكية
11/7/2025م



#محمود_عباس (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أوجلان كما لا يراه أنصاره وخصومه، خطابٌ بين الكاريزما والواق ...
- مشهدٌ يتجاوز رمزيته ما بين إلقاء السلاح وولادة مرحلة جديدة
- توماس باراك يجمّل وجه السلطة المركزية ويزوّر حقيقة التحالف ا ...
- توماس باراك يجمّل وجه السلطة المركزية ويزوّر حقيقة التحالف ا ...
- توماس باراك وسرّ الشرق الأوسط المؤجّل 2/2
- توماس باراك وسرّ الشرق الأوسط المؤجّل 1/2
- الكورد السريان هوية تتجذر لا تذوب - الجزء الثاني
- الكورد السريان هوية تتجذر لا تذوب - الجزء الأول
- تغيير الشعار لا يغيّر القبح بل يعمّق جذور الإقصاء
- يالچين كوچوك مفكر النظام التركي العميق في ثوب ماركسي ممزّق
- سطوة التاريخ وازدواج الهيمنة في قلب الشرق
- منابر العار تهاجم مظلوم عبدي، حين يرتجف الحقد أمام الشرف
- لو أصاب القناص ترامب هل كانت أمريكا ستغزو العالم بالذكاء وال ...
- تضخيم قصف إيران يكشف صراع الاستراتيجيات بين ترامب والدولة ال ...
- تضخيم قصف إيران يكشف صراع الاستراتيجيات بين ترامب والدولة ال ...
- تضخيم قصف إيران صراع الاستراتيجيات بين ترامب والدولة العميقة ...
- بين خناجر البعث وأوتار الأمل ملحمة التآلف السوري الذي لن يُد ...
- بين خناجر البعث وأوتار الأمل ملحمة التآلف السوري الذي لن يُد ...
- بين خناجر البعث وأوتار الأمل ملحمة التآلف السوري الذي لن يُد ...
- بين خناجر البعث وأوتار الأمل ملحمة التآلف السوري الذي لن يُد ...


المزيد.....




- رشيد حموني يطلب رأي كل من المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئ ...
- 3850 حالة اعتقال خلال النصف الأول من 2025
- قوات حفظ السلام في الأمم المتحدة تشارك في الاستعراض العسكري ...
- السعودية: الداخلية تعلن إعدام مواطن ارتكب عددا من -الجرائم ا ...
- اليونيسيف يعلن إصابة 5800 طفل بسوء تغذية في غزة
- طريقة اسرائيلية جديدة لتجويع النازحين الفلسطينيين
- 360 من الطواقم الطبية في غزة تعرضت للاعتقال منذ بداية العدوا ...
- الأونروا: الفلسطينيون في غزة يواجهون -خيارات مستحيلة-.. المو ...
- الدكتور حسام أبو صفية يتعرض لتعذيب وحشي داخل سجون الاحتلال
- اعتداءات واعتقالات في الضفة الغربية


المزيد.....

- “رحلة الكورد: من جذور التاريخ إلى نضال الحاضر”. / أزاد فتحي خليل
- رحلة الكورد : من جذور التاريخ إلى نضال الحاضر / أزاد خليل
- سعید بارودو. حیاتي الحزبیة / ابو داستان
- العنصرية في النظرية والممارسة أو حملات مذابح الأنفال في كردس ... / كاظم حبيب
- *الحياة الحزبية السرية في كوردستان – سوريا * *1898- 2008 * / حواس محمود
- افيستا _ الكتاب المقدس للزرداشتيين_ / د. خليل عبدالرحمن
- عفرين نجمة في سماء كردستان - الجزء الأول / بير رستم
- كردستان مستعمرة أم مستعبدة دولية؟ / بير رستم
- الكرد وخارطة الصراعات الإقليمية / بير رستم
- الأحزاب الكردية والصراعات القبلية / بير رستم


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - القضية الكردية - محمود عباس - المبعوث الأمريكي الذي ضلّ الطريق