أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - القومية , المسالة القومية , حقوق الاقليات و حق تقرير المصير - محمود عباس - كوردستان مهد الأديان وتعددية الهوية الروحية 3/3














المزيد.....

كوردستان مهد الأديان وتعددية الهوية الروحية 3/3


محمود عباس

الحوار المتمدن-العدد: 8421 - 2025 / 8 / 1 - 00:32
المحور: القومية , المسالة القومية , حقوق الاقليات و حق تقرير المصير
    


إن تفكيك النسيج الديني الكوردي لم يكن عارضًا، بل سياسة ممنهجة، تكررت في القرن العشرين عبر بثّ الفُرقة داخل الحركات السياسية الكوردية نفسها، وتحويل الانتماء المذهبي إلى أداة صراع، وهكذا، تقاتلت فصائل كوردية متقاربة في الأهداف، متناحرة في الدعم الإقليمي، بسبب استغلال الدين كأداة أيديولوجية.
واليوم، أمام محاولات إعلامية وثقافية متجددة تهدف إلى الطعن في أصالة القضية الكوردية، وتشويه تعدديتها، وتصوير الكورد على أنهم شعب بلا تاريخ روحي خاص، يصبح الدفاع عن هذا التنوع ليس ترفًا فكريًا، بل حاجزًا ضروريًا ضد مشاريع الإلغاء.
هذا التآكل الداخلي، الذي انطلق من مكر الجغرافيا السياسية، لم يكن مصادفة، بل كان ثمرة تخطيط ممنهج لإضعاف أي نهوض كوردي موحد. وقد صاغ المفكر الفرنسي ميشيل فوكو (في كتابه المراقبة والمعاقبة) مفهوم "تفتيت السلطة عبر الانقسام المجتمعي"، وهو ما ينطبق تمامًا على الحالة الكوردية، حيث حُوِّلت التعددية من فرصة وجودية إلى أداة هيمنة.
إن المهمة الكبرى اليوم أمام المشروع القومي الكوردي ليست في العودة إلى أصول دينية واحدة، بل في ترسيخ هوية سياسية قومية تستوعب كل هذا التنوع. فالتعددية ليست نقيضًا للوحدة، بل هي جوهرها في الفلسفة الكوردية، التي ترى في كل دين طريقًا نحو المعنى، لا أداة لفرضه. وكما قال المتصوف محيي الدين بن عربي،
"قلبي صار قابلاً كل صورة، فمرعى لغزلانٍ وديرٌ لرهبان، وبيتٌ لأوثان، وكعبةُ طائف."
بهذه الروح، وحدها، يمكن أن تنهض كوردستان كأمة لا تتفكك أمام خطوط المذاهب، بل تنصهر في هوية جامعة، تحميها من التشظي، وتؤسس لمستقبل لا تنكسر فيه الجماعة تحت وطأة الخديعة السياسية المتلبسة بلبوس الدين.
في زمن الأصوليات المتعالية، وتيارات الإلغاء المتخفية بأقنعة الوطنية أو الإيديولوجيا، تبرز كوردستان كصوت مخالف، يذكّر العالم بأن التعدد ليس نقيضًا للانتماء، بل جوهره. ومن أراد أن يفهم القضية الكوردية، عليه أن يبدأ من هذه الأرض التي عبدت الشمس، ورفعت راية التوحيد، واحتضنت الأنبياء، وجميع الأديان التوحيدية، وخلقت من الألم قصائد للحب الإلهي. كوردستان ليست مجرد قضية سياسية، بل روح تتعدد، ولا تنكسر. التعددية فيها ليست خيارًا، بل قدر تاريخي يجب صونه، لأنه صمام الأمان ضد التمزق، وبوابة التحرر من الهيمنة.
والدين في كوردستان هوية روحية لا قيد سياسي، فرغم موجات القهر ومحاولات التعريب والتتريك والتفريس، لم تفلح القوى الغازية في محو التعدد الديني أو إذابة الهويات، بل ظل الكورد، في سرهم وعلنهم، يعتزون بجذورهم الدينية القديمة، ويحتفون بتنوعهم كقيمة وجودية، حتى حين اعتنقوا الإسلام، ظلوا يحتفظون بملامح من دياناتهم السابقة، وابتكروا مذاهب صوفية خاصة بهم، ترفض التشدد وتحتضن الجميع.
ورغم التجربة القصيرة زمنيا لغربي كوردستان، وللإقليم الكوردستاني الفيدرالي، إلا انهم أثبتوا على أن الشعب الكوردي كقومية واحدة متعددة الأديان، وعلى أنها ليس فقط مجرد تجربة اجتماعية، بل تحول إلى جزء من البنية القانونية والسياسية في كوردستان المعاصرة. في إقليم كوردستان العراق اليوم، هناك ثماني ديانات ومعتقدات دينية رسمية، لكل منها معابدها وكنائسها ومراكزها، وتحظى جميعها بالحماية القانونية والرعاية الحكومية.
يوجد في الإقليم أكثر من 5800 مسجد وجامع، و145 كنيسة، و400 معبد ديني لمختلف الأديان.
هناك مديرية خاصة للتعايش الديني ضمن وزارة الأوقاف والشؤون الدينية، تشرف على شؤون جميع الأديان وتدير الحوار بينها.
الحكومة الكوردية ترمم الأماكن المقدسة لكل الأديان، وتدعم بناء الكنائس والمعابد، وتحرص على إشراك ممثلي جميع المكونات الدينية في الحياة العامة.
ربما لا يدرك المتربصون بالكورد أن الحكمة التالية "الدين لله والوطن للجميع" تتردد في وجدان الكورد، ليست شعارًا سياسيًا فقط، بل هي خلاصة تجربة روحية وفكرية عميقة، فالكوردي، في جوهره، يرى في كل إنسان أخًا في الخلق، وشريكًا في الأرض، مهما اختلف الدين أو الأصل. لهذا، لم يعرف تاريخ كوردستان مجازر دينية داخلية، بل كانت الصراعات دائمًا بفعل تدخلات خارجية أو سلطات إمبراطورية، كالإمبراطورية العثمانية والقجارية الصفوية، سعت لتفريق الشعب الواحد.
في زمن الانغلاق والتعصب، وفي عالم يمزقه الصراع الطائفي، تقدم كوردستان نموذجًا فلسفيًا وإنسانيًا نادرًا، أن وحدة الشعب لا تعني وحدة الدين، وأن التعدد ليس ضعفًا، بل مصدر قوة وثراء، وكما يقول أحد حكماء الصوفية:
"كل الأديان أنهار تصب في بحر الحقيقة، ومن ظن أن بحره وحده هو البحر فقد جهل سر الماء."
وإن أُريد لهذا الشعب أن يُكسر، فلن يكون ذلك من الخارج، بل حين ينسى جوهره الروحي، ويتخلى عن تعدديته التي جعلته منيعًا، عبر آلاف السنين، أمام كل حملات الإنكار والمحو، ولهذا تجند الأنظمة المحتلة لكوردستان بين حين وأخر، خبثائها، وأيتام البعث وفلول داعش، كأحد أساليب صد الكورد وتهميش القضية الكوردستانية.
كوردستان اليوم، بين أن تكون فلسفة روحية جامعة، أو تتحول إلى ساحة جديدة لصراع الهويات القاتل، والخيار لنا، ككورد، أن نُعيد صياغة وجودنا بروح الأديان التي سكنت أرضنا، لا بإيديولوجيات الغزاة الذين مرّوا واندثروا، ومثلهم الأنظمة العنصرية، وبقيت كوردستان.
كأحد أركان القوة الحضارية، وفي مواجهة محاولات تشويه التاريخ، وبها يصبح الدفاع عن هذا التنوع ليس ترفاً فكرياً، بل ضرورة سياسية وأخلاقية.

د. محمود عباس
الولايات المتحدة الأمريكية
4/7/2025م



#محمود_عباس (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- كوردستان مهد الأديان وتعددية الهوية الروحية 2/3
- كوردستان مهد الأديان وتعددية الهوية الروحية 1/3
- كيف نُسقط مشروع الإلغاء العنصري ونبني سوريا التعددية؟
- هل هناك فخ في حوارات باريس؟
- الإسلام بريء منكم من داعش إلى الحكومة الانتقالية
- رد سياسي إلى وزارتي الخارجية الأمريكية والفرنسية بشأن المذكر ...
- هندسة الخداع الدبلوماسي في محاولة تحجيم الدور الكوردي بين با ...
- فيدرالية سوريا كابوس أنقرة وذريعتها لإحياء داعش بأسماء أشد ب ...
- الكورد السريان هوية تتجذر لا تذوب - الجزء السادس والأخير
- المبعوث الأمريكي بين التطبيع القسري وتجهيل الواقع السوري
- سوريا بين فيدرالية مأمولة وممثل أمريكي يجهل التاريخ
- نداء شيخ العقل حكمت الهجري ليس خيانة، بل صرخة كرامة
- الكورد السريان هوية تتجذر لا تذوب - الجزء الخامس
- بيان إلى الحكومة الأمريكية واللجان المعنية بالشأن السوري
- الكورد السريان هوية تتجذر لا تذوب - الجزء الرابع
- سوريا تُذبح بهوية واحدة، حين تُقصى المكونات ويُفرض الكفر باس ...
- أردوغان بين انهيار الرهانات واعتراف مؤجل بالكورد
- حزب العمال الكوردستاني ما بين القداسة والعداء، جدلية أبعد من ...
- الكورد السريان هوية تتجذر لا تذوب - الجزء الثالث
- المبعوث الأمريكي الذي ضلّ الطريق


المزيد.....




- أفيخاي أدرعي في قرى درزية بجبل الشيخ، فإلى أي مدى اقترب من ا ...
- جدل كبار السن والتيك توك في المغرب ومشروع قرار مرتقب
- قانون أوروبا الأخضر في مهبّ الغاز القطري
- بوتين: نريد سلاماً دائماً ومستقراً في أوكرانيا
- الغارديان: إسرائيل تدير الجوع في غزة عبر -حسابات بسيطة-
- العلماء يحلون لغزًا عمره ملايين السنين... هل يعود أصل البطاط ...
- -خمس ساعات في غزة-.. تفاصيل زيارة ستيف ويتكوف إلى القطاع
- رغم تحذيرات.. إسرائيل تؤكد مواصلة عمل سفارتها وقنصليتها في ا ...
- الكاتب الإسرائيلي ديفيد غروسمان يصف الحرب في غزة بـ-الإبادة ...
- -يأكلون مما نأكل-.. القسام تبث مشاهد أسير إسرائيلي بجسد هزيل ...


المزيد.....

- اشتراكيون ديموقراطيون ام ماركسيون / سعيد العليمى
- الرغبة القومية ومطلب الأوليكارشية / نجم الدين فارس
- ايزيدية شنكال-سنجار / ممتاز حسين سليمان خلو
- في المسألة القومية: قراءة جديدة ورؤى نقدية / عبد الحسين شعبان
- موقف حزب العمال الشيوعى المصرى من قضية القومية العربية / سعيد العليمى
- كراس كوارث ومآسي أتباع الديانات والمذاهب الأخرى في العراق / كاظم حبيب
- التطبيع يسري في دمك / د. عادل سمارة
- كتاب كيف نفذ النظام الإسلاموي فصل جنوب السودان؟ / تاج السر عثمان
- كتاب الجذور التاريخية للتهميش في السودان / تاج السر عثمان
- تأثيل في تنمية الماركسية-اللينينية لمسائل القومية والوطنية و ... / المنصور جعفر


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - القومية , المسالة القومية , حقوق الاقليات و حق تقرير المصير - محمود عباس - كوردستان مهد الأديان وتعددية الهوية الروحية 3/3