أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - القومية , المسالة القومية , حقوق الاقليات و حق تقرير المصير - محمود عباس - كوردستان مهد الأديان وتعددية الهوية الروحية 2/3














المزيد.....

كوردستان مهد الأديان وتعددية الهوية الروحية 2/3


محمود عباس

الحوار المتمدن-العدد: 8419 - 2025 / 7 / 30 - 09:13
المحور: القومية , المسالة القومية , حقوق الاقليات و حق تقرير المصير
    


إن كوردستان، في قلب الشرق الأوسط، ليست مجرد منطقة متنازع عليها جغرافياً، بل هي قلب نابض بالحضارات، وموئل لتجربة إنسانية فريدة، تعكس كيف يمكن للهوية القومية أن تتسع للغنى الروحي، دون أن تتفتت. هي نموذج مغاير لما ساد من قسر واحتواء وتوحيد قسري تحت راية واحدة، ولذلك، فإن فهم كوردستان يجب أن ينطلق من هذه الفلسفة التعددية، لا من قراءة إيديولوجية تختزلها في مذهب أو دين أو طائفة، كما كانت عليه سوريا في زمن البعث والأسدين، وما هي عليه الأن في ظل هيمنة حكومة الجولاني ومنظمة هيئة تحرير الشام.
ولعل من الأنسب، كما يذهب بعض المؤرخين المعاصرين مثل "مارتن فان بروينسن" (Martin van Bruinessen) في دراسته حول الكورد والدين، أن نفهم الهوية الكوردية من زاوية تعددية عابرة للتصنيفات الدينية الصلبة، وأن نعيد الاعتبار إلى البعد التاريخي للممارسات الروحية الكوردية التي سبقت ظهور الأديان الإبراهيمية، واستمرت متجذّرة رغم حملات الأسلمة والتعريب والتتريك التي استهدفتها لاحقًا.
وكما قالها السيد الرئيس مسعود برزاني "نحن لا نبني دولة قومية كردية، بل نبني كوردستان كأمة لكل غير الكورد أيضاً، لتكون وطناً للجميع"
لقد امتزجت هذه التعددية مع البنية الاجتماعية في كوردستان، لا كمجرد تعايش، بل كتداخل وجودي. لم تكن الأديان تُفرّق بين الناس بقدر ما كانت تلوّن الحياة اليومية بلون فلسفي مختلف. ففي قرى مثل "آميدي" و"عينكاوه" و"شنكال"، ونصيبين، وقامشلو وعامودا والحسكة، كان المسلم والإيزيدي والمسيحي واليهودي جيرانًا، وأحيانًا من العائلة ذاتها، يختلفون في الطقوس، لكنهم يتشابهون في العادات، ويصطفون في الملمات صفًا واحدًا.
المسيحية، بحضورها المبكر، لم تكن طارئة على الجغرافيا، بل جزء من هوية المكان. من تيرداد الكوردي الذي اعتنق المسيحية في القرن الرابع، إلى مار سابا ومنديل المسيح في الرها، امتدت هذه العقيدة الروحية في كوردستان، وشاركت في بناء الذاكرة الثقافية والمجتمعية. ولئن اندثرت بعض مظاهرها بفعل الحروب والغزوات، فإن بقاياها ظلت حيّة في أسماء القرى، والطقوس، واللهجات، والتقاليد.
أما الإسلام، فحين دخل كوردستان، فالشعب الكوردي الذي أعتنق الإسلام، مثل الذي أعتنق المسيحية قبله، لم يُلغِ التعدد، بل تمثل في صيغة روحية منفتحة، عنوانها التصوف. لقد تبنّى الكورد الإسلام على طريقتهم، فأنشأوا نسقًا صوفيًا خاصًا، اختلطت فيه الميتافيزيقا بالشعر، والزهد بالسياسة، كما في المدرسة النقشبندية القادرية. وكان الحلاج وجلال الدين الرومي وابن الفارض رموزًا لهذه الرؤية المتسامحة، التي رأت أن الإيمان ليس في الشعائر الظاهرة فقط، بل في حضور الله في الوجود كله. ولهذا، لم يعرف تاريخ كوردستان مجازر دينية داخلية، باستثناء ما فرض عليه قسرا من القوة الإمبراطورية التي كانت تهيمن على كوردستان، بل حافظ الكورد على وحدة الشعب رغم اختلاف الأديان، وهي ميزة نادرة في منطقة تعج بالصراعات الطائفية.
وما من دليل أبلغ على ذلك من الحضور المستمر للديانات غير الإبراهيمية، كالإيزيدية، التي صمدت رغم أكثر من 74 حملة إبادة دموية، والكاكائية التي ما تزال تتحدى وصم الجهلاء، والزرادشتية التي تعود اليوم كإرادة هوية، لا كنقيض لدين، بل كصيغة للانتماء إلى روح كوردستان الأصلية.
لكن ما كان يمكن أن يُشكّل نموذجًا عالميًا في التعايش، تحوّل بفعل التدخلات الخارجية إلى أداة للتفتيت. لقد أدركت الأنظمة المحيطة، من الفارسية الصفوية، إلى العثمانية التركية، فالعربية القومية لاحقًا، أن هذا التعدد الروحي الكوردي، بدل أن يكون عامل وحدة، يمكن استثماره لتفتيت الجسم الكوردي من الداخل. هكذا، بدأ مشروع "بناء الشرخ" لا انطلاقًا من الاختلاف الطبيعي، بل من شيطنته وتحويله إلى تناقض قاتل، وهو مما يجري حاليا، وبكراهية مقيته، ضد المجتمع الكوردستاني وإدارتي جنوب وغربي كوردستان.
لقد مارست الأنظمة الفارسية، والتركية، والعربية، سياسات متشابهة رغم اختلاف هوياتها، تفتيت المجتمع الكوردي على أسس دينية، وتحويل التعدد إلى صراع. في إيران، جُعل من الكورد السنة "عنصرًا غريبًا" في دولة شيعية، وحُرِموا من حقهم في التعبير الديني والسياسي معًا. في تركيا، جرى توظيف الانتماء السني للكورد كأداة لإلحاقهم بالهوية التركية، مقابل قمع المكونات الإيزيدية والعلوية. أما في العالم العربي، فقد اعتُبرت الإيزيدية والمسيحية والزرادشتية "بدعًا خارجة عن الملّة"، بينما تم تصوير الكورد الشيعة في الجنوب العراقي كتهديد للهوية القومية العربية.
ولم تكتف تلك الأنظمة بتقسيم الكورد وفق الدين، بل ضخّت ذلك الصراع داخل الحركات السياسية الكوردية نفسها، فبدأت الانشقاقات لا على أساس الرؤية القومية، بل وفق التماهي الديني، أو التبعية المذهبية لهذا الطرف أو ذاك، وهكذا، جرى ضرب المشروع القومي الكوردي من داخله، عبر إدخال "فيروس المذهب" في قلب الحركات التحررية، حتى باتت تتقاتل فصائل كوردية تنتمي للدين ذاته، وتتبنّى الشعارات ذاتها، فقط لأن خلفها دعمًا إقليميًا سنيًا أو شيعيًا أو علمانيًا.

يتبع...



#محمود_عباس (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- كوردستان مهد الأديان وتعددية الهوية الروحية 1/3
- كيف نُسقط مشروع الإلغاء العنصري ونبني سوريا التعددية؟
- هل هناك فخ في حوارات باريس؟
- الإسلام بريء منكم من داعش إلى الحكومة الانتقالية
- رد سياسي إلى وزارتي الخارجية الأمريكية والفرنسية بشأن المذكر ...
- هندسة الخداع الدبلوماسي في محاولة تحجيم الدور الكوردي بين با ...
- فيدرالية سوريا كابوس أنقرة وذريعتها لإحياء داعش بأسماء أشد ب ...
- الكورد السريان هوية تتجذر لا تذوب - الجزء السادس والأخير
- المبعوث الأمريكي بين التطبيع القسري وتجهيل الواقع السوري
- سوريا بين فيدرالية مأمولة وممثل أمريكي يجهل التاريخ
- نداء شيخ العقل حكمت الهجري ليس خيانة، بل صرخة كرامة
- الكورد السريان هوية تتجذر لا تذوب - الجزء الخامس
- بيان إلى الحكومة الأمريكية واللجان المعنية بالشأن السوري
- الكورد السريان هوية تتجذر لا تذوب - الجزء الرابع
- سوريا تُذبح بهوية واحدة، حين تُقصى المكونات ويُفرض الكفر باس ...
- أردوغان بين انهيار الرهانات واعتراف مؤجل بالكورد
- حزب العمال الكوردستاني ما بين القداسة والعداء، جدلية أبعد من ...
- الكورد السريان هوية تتجذر لا تذوب - الجزء الثالث
- المبعوث الأمريكي الذي ضلّ الطريق
- أوجلان كما لا يراه أنصاره وخصومه، خطابٌ بين الكاريزما والواق ...


المزيد.....




- مصر.. هكذا رد علاء مبارك على سؤال عن -سيدة- تدعي أنها ابنة ح ...
- ترامب يستهدف الهند برسوم جمركية نسبتها 25 %
- ترامب يفرض رسوما جمركية بنسبة 25% على الهند بسبب صفقاتها مع ...
- موحا الزياني مغربي أذاق الفرنسيين مرارة الهزيمة
- مجلة أميركية: العنف بغزة ليس حربا بل تطهير عرقي تمهيدا لطرد ...
- مجلس الشيوخ الأميركي يرفض وقف بيع القنابل والبنادق لإسرائيل ...
- تحطم مقاتلة أمريكية -إف- 35- في كاليفورنيا.. وهذا ما حدث للط ...
- وسط طلقات الرصاص والهروب من الموت.. إليك قصة 3 نساء يكافحن ل ...
- الفلسطينيون، بثلاثة مناصب رئاسية، وحكومة، وبلا دولة
- هآرتس: لا تمنحوا نتنياهو صكّ براءة حيال ما يفعله بغزة


المزيد.....

- اشتراكيون ديموقراطيون ام ماركسيون / سعيد العليمى
- الرغبة القومية ومطلب الأوليكارشية / نجم الدين فارس
- ايزيدية شنكال-سنجار / ممتاز حسين سليمان خلو
- في المسألة القومية: قراءة جديدة ورؤى نقدية / عبد الحسين شعبان
- موقف حزب العمال الشيوعى المصرى من قضية القومية العربية / سعيد العليمى
- كراس كوارث ومآسي أتباع الديانات والمذاهب الأخرى في العراق / كاظم حبيب
- التطبيع يسري في دمك / د. عادل سمارة
- كتاب كيف نفذ النظام الإسلاموي فصل جنوب السودان؟ / تاج السر عثمان
- كتاب الجذور التاريخية للتهميش في السودان / تاج السر عثمان
- تأثيل في تنمية الماركسية-اللينينية لمسائل القومية والوطنية و ... / المنصور جعفر


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - القومية , المسالة القومية , حقوق الاقليات و حق تقرير المصير - محمود عباس - كوردستان مهد الأديان وتعددية الهوية الروحية 2/3