أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - محمود عباس - الفيدرالية بين التجربة الكوردية في سورية ودروس الأمم قراءة في التاريخ والسياسة














المزيد.....

الفيدرالية بين التجربة الكوردية في سورية ودروس الأمم قراءة في التاريخ والسياسة


محمود عباس

الحوار المتمدن-العدد: 8434 - 2025 / 8 / 14 - 08:42
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


منذ بدايات الحراك السوري، تظل مسألة اللا مركزية السياسية والفيدرالية حاضرة كخيار موضوعي، وليست فكرة طارئة على المشهد السياسي، هي تنبثق اليوم من رحم الجغرافيا والتاريخ والتنوع الإثني والديني الذي يميز سوريا عن كثير من دول المنطقة. في غربي كوردستان حيث تتشابك الهويات الكوردية والعربية والعلوية والدرزية والسريانية والأرمنية وغيرها، تبرز الفيدرالية كحل يحمي هذا التنوع من الانصهار القسري داخل قوالب الدولة المركزية الصارمة، التي ما تزال تحمل في بنيتها ذهنية البعث الإقصائية، بل ولربما أبشع، علما أن القرآن الكريم يقرر مبدأ الشورى "وأمرهم شورى بينهم" (الشورى: 38)، وهو مبدأ يستدعي مشاركة أوسع في صنع القرار، لا حصره في مركز ضيق.
كما وأن السنة النبوية تُظهر أن النبي ﷺ كان يفوض الأمراء على الأمصار، ويترك لهم مساحة للاجتهاد. والفقهاء فيما بعد وفي عهد الخلافة الأموية والعباسية، فرّقوا بين "الولاية العامة" (الخلافة أو الإمامة) و"الولايات الخاصة" (إمارة إقليم أو ولاية)، وأجازوا تفويضًا واسعًا في الأخيرة.
هذا الطرح لا ينفصل عن التجارب العصرية لأنظمة وشعوب متعددة، فكتالونيا في إسبانيا، والباسك، وإسكتلندا في المملكة المتحدة، وحتى كويبيك في كندا، تجسد اليوم نماذج متباينة لكيفية مواءمة الهوية القومية مع وحدة الدولة من خلال أنظمة حكم ذاتي مرنة أو اتحادية.
التجربة الكوردية في سورية تعكس الآن صراعًا بين رؤيتين، رؤية ترى الفيدرالية إطارًا جامعًا يضمن بقاء سوريا موحدة عبر الاعتراف بحقوق مكوناتها، ورؤية مركزية ما زالت تعتبر أي شكل من أشكال الحكم الذاتي تهديدًا لوحدة الدولة، متجاهلة أن التاريخ الحديث يمتلئ بأمثلة دول تحطمت وحدتها بسبب القمع والإنكار أكثر مما تحطمت بفعل الاعتراف بالتنوع. التجربة الكوردستانية في العراق تقف مثالًا قريبًا من المخيلة الكوردية السورية، حيث تُظهر أن اللا مركزية السياسية تتحول إلى ضمانة للاستقرار إذا اقترنت بإرادة سياسية صادقة، لكنها قد تصبح ساحة نزاع إذا اختُزلت إلى تقاسم نفوذ بين نخب متنازعة.
السياق السوري لا ينفصل عن هذه الدروس، الثورة السورية تكشف اليوم هشاشة البنية الوطنية التي صاغتها السلطة البائدة على مدى عقود، والتي لا تختلف عنها الحكومة السورية الانتقالية، من حيث التمسك بالمركزية والادعاءات، حيث تتلاشى شعارات "الوحدة الوطنية" أمام أول اختبار جدي، وتطفو على السطح نزعات الاستئثار والهيمنة لدى أطراف عديدة، في القوى الإقليمية والداخلية. ومع غياب رؤية جامعة، يجد الكورد أنفسهم أمام خيارين أحلاهما مرّ، العودة إلى المركزية البعثية، أو المضي في مشروع لا مركزي سياسي قد يُتهم بالانفصالية رغم أنه على النقيض منها.
هذه الحالة تتقاطع مع تجارب شعوب أخرى، فإسكتلندا عام 2014 تخوض استفتاءً على الاستقلال في إطار قانوني وديمقراطي، وتظل رغم ذلك جزءًا من المملكة المتحدة. أما كتالونيا عام 2017 فتتعرض لقمع مركزي بعد استفتائها، ما يعيد التوترات إلى الواجهة ويضعف فرص التفاهم. الدرس هنا واضح، التعامل الحكيم مع مطالب الحكم الذاتي يعزز وحدة الدولة بدل أن يهددها، بينما الإقصاء والقمع يفتحان الطريق الأقصر نحو التفكك.
على هذه الخلفية، تتعرض اللا مركزية السياسية أو الفيدرالية في الخطاب الكوردي السوري الآن لحملة تشويه، تقودها أطراف مركزية مدعومة إعلاميًا من قوى إقليمية، تسعى لتصويرها كمدخل للتقسيم، في حين أن جوهرها يقوم على توزيع السلطة والثروة بعدالة بين المكونات، القوى الكوردية، بدلًا من توحيد خطابها ومواجهة هذه الحملة برؤية موحدة، انزلقت في السابق أحيانًا إلى صراعات داخلية غذتها التدخلات الخارجية، مما ضعف موقفها التفاوضي مع المعارضة حينها، وأثرت بشكل ما على مجريات الحوارات مع الحكومة الانتقالية السورية حاليا، وفتح المجال أمام الخصوم لتصوير الانقسام كدليل على عدم نضج المشروع.
التجارب العالمية الراهنة توضح أن نجاح الفيدرالية لا يتوقف على النصوص الدستورية وحدها، بل على ثقافة سياسية قادرة على إدارة التعددية، في كندا، مثلًا، تلعب المؤسسات الديمقراطية دورًا في احتواء النزعات الانفصالية في كيبيك، عبر سياسات لغوية وثقافية واقتصادية تراعي الخصوصية المحلية، أما في العراق، فرغم النجاح الاقتصادي الباهر، بعض الخلافات الحزبية الكوردية لا زالت تعيق، إلى جانب التردد المركزي في بغداد، نجاح النموذج بشكل تام على مستوى العراق كدولة، رغم أنه يمنح الإقليم حماية من الانهيارات التي تجتاح باقي البلاد منذ 2003.
الفيدرالية في السياق السوري بشكل عام، وللشعب الكوردي والمكونات القومية والمذهبية بشكل خاص، ليست حلمًا طوباويًا، بل ضرورة سياسية وتاريخية لضمان التعايش في دولة متعددة الهويات، تحقيقها يتطلب وعيًا استراتيجيًا يتجاوز اللحظة الراهنة، ورؤية متماسكة تقنع الداخل والخارج بأنها ليست مشروعًا للتقسيم، بل إطارًا لإعادة بناء سوريا على أسس العدل والمشاركة، في ضوء تجارب الأمم، ما يعتبره البعض تهديدًا للوحدة قد يكون الضمانة الوحيدة لبقائها.

د. محمود عباس
الولايات المتحدة الأمريكية
13/8/2025



#محمود_عباس (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- خيوط زيارة هاكان فيدان إلى دمشق
- نتائج عبثية الحكومة السورية الانتقالية وتحول مواقف الدول الك ...
- كونفرانس الحسكة ومؤتمر دمشق بين الوطن الجامع والدولة أحادية ...
- الفيدرالية واللامركزية السياسية في سوريا حدود لا تُمس
- رسالة إلى الشعب السوري، وقيادة قسد والإدارة الذاتية والحراك ...
- كوردستان مهد الأديان وتعددية الهوية الروحية 3/3
- كوردستان مهد الأديان وتعددية الهوية الروحية 2/3
- كوردستان مهد الأديان وتعددية الهوية الروحية 1/3
- كيف نُسقط مشروع الإلغاء العنصري ونبني سوريا التعددية؟
- هل هناك فخ في حوارات باريس؟
- الإسلام بريء منكم من داعش إلى الحكومة الانتقالية
- رد سياسي إلى وزارتي الخارجية الأمريكية والفرنسية بشأن المذكر ...
- هندسة الخداع الدبلوماسي في محاولة تحجيم الدور الكوردي بين با ...
- فيدرالية سوريا كابوس أنقرة وذريعتها لإحياء داعش بأسماء أشد ب ...
- الكورد السريان هوية تتجذر لا تذوب - الجزء السادس والأخير
- المبعوث الأمريكي بين التطبيع القسري وتجهيل الواقع السوري
- سوريا بين فيدرالية مأمولة وممثل أمريكي يجهل التاريخ
- نداء شيخ العقل حكمت الهجري ليس خيانة، بل صرخة كرامة
- الكورد السريان هوية تتجذر لا تذوب - الجزء الخامس
- بيان إلى الحكومة الأمريكية واللجان المعنية بالشأن السوري


المزيد.....




- بين التقارب والانزعاج.. تاريخ علاقة ترامب مع بوتين
- لقاء ترامب وبوتين: ماذا نعرف عنه؟
- معدن نيزكي نادر يكسر قواعد انتقال الحرارة ويذهل العلماء
- مصر تدين -ما يسمى بإسرائيل الكبرى- وتطالب الدولة العبرية بإي ...
- حصاد التجويع المنهجي لقطاع غزة
- أي مستقبل لملف السويداء السورية؟
- تقدم في المفاوضات مع إندونيسيا وأرض الصومال لاستقبال الغزيين ...
- زيارة لاريجاني إلى لبنان.. رسائل إيرانية تصطدم بجدار السيادة ...
- اجتاح أوروبا.. -تسونامي الاعتراف- بفلسطين يشعل الجدل الدولي ...
- -أرانب الزومبي- تثير ذعرا في ولاية أميركية


المزيد.....

- الأرملة السوداء على شفا سوريا الجديدة / د. خالد زغريت
- المدخل الى موضوعة الحوكمة والحكم الرشيد / علي عبد الواحد محمد
- شعب الخيام، شهادات من واقع احتجاجات تشرين العراقية / علي الخطيب
- من الأرشيف الألماني -القتال في السودان – ينبغي أن يولي الأل ... / حامد فضل الله
- حيث ال تطير العقبان / عبدالاله السباهي
- حكايات / ترجمه عبدالاله السباهي
- أوالد المهرجان / عبدالاله السباهي
- اللطالطة / عبدالاله السباهي
- ليلة في عش النسر / عبدالاله السباهي
- كشف الاسرار عن سحر الاحجار / عبدالاله السباهي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - محمود عباس - الفيدرالية بين التجربة الكوردية في سورية ودروس الأمم قراءة في التاريخ والسياسة