أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - محمود عباس - كونفرانس الحسكة ومؤتمر دمشق بين الوطن الجامع والدولة أحادية اللون














المزيد.....

كونفرانس الحسكة ومؤتمر دمشق بين الوطن الجامع والدولة أحادية اللون


محمود عباس

الحوار المتمدن-العدد: 8429 - 2025 / 8 / 9 - 07:27
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


في 8 آب/أغسطس 2025، شهدت مدينة الحسكة حدثًا وطنيًا استثنائيًا تمثّل في انعقاد كونفرانس وحدة الصف لمكونات شمال وشرق سوريا، لم يكن مجرد لقاء سياسي أو اجتماع بروتوكولي، بل كان ساحة جامعة عابرة للهويات الضيقة، وصرخة وطنية في وجه كل المشاريع الإقصائية التي تهدد وحدة سوريا ومستقبلها، ومن اللافت أن الحركات والأحزاب السياسية الكوردية لم تحضر بثقلها الحزبي التقليدي، بقدر ما حضرت مع المكونات السورية الأخرى في بعدها الوطني والاجتماعي والثقافي المتنوع، لتجعل من الكونفرانس منصة مفتوحة لكل أصوات سوريا وقد جسّد المجتمع الكوردي في هذا المشهد مدى عمق الوطنية المتجذّرة في ثقافته، تلك الوطنية التي تقوم على قبول الآخر، والاعتزاز بالتنوع، والإيمان بأن قوة الوطن تنبع من تعدديته لا من انغلاقه.
ورغم أنه عُرف باسم "كونفرانس" وليس "مؤتمرًا"، إلا أن مضمونه وأفقه السياسي تجاوزا بكثير سقف المؤتمرات السورية التقليدية؛ إذ احتضن طيفًا واسعًا من المكوّنات القومية والدينية والاجتماعية، مؤكّدًا أن سوريا المستقبل لن تُبنى على لون واحد، بل على تعددية حقيقية تضمن شراكة جميع أبنائها. لقد قدّم كونفرانس الحسكة نموذجًا حيًا لكيفية ترسيخ الوطنية على أرض الواقع، ليس كشعار يُرفع، بل كآلية حكم وممارسة سياسية، تستمد شرعيتها من التنوع، وتبني قوتها على مبدأ التمثيل المتساوي والاحترام المتبادل.
في المقابل، يعود بنا المشهد إلى ما جرى في العاصمة دمشق يوم 17 كانون الثاني/يناير 2025، حين عُقد ما سُمّي بـ "المؤتمر الوطني السوري" ظاهره الدعوة إلى وحدة السوريين، وباطنه تكريس اللون الواحد وفرض مركزية القرار في يد مكوّن ديني–قومي محدد، على حساب بقية المكوّنات، كان مؤتمر دمشق بداية فعلية لشرخ خطير في النسيج الوطني، إذ أفرز مخرجات دستورية وتشريعية مشوّهة، تمثّلت في صياغة دستور أسوأ من دساتير البعث والأسد، يوسّع صلاحيات الرئيس، ويقيم برلمانًا منزوع الصلة بالوطن السوري، ثم يفرض "حكومة انتقالية" لخمس سنوات، تحت سيطرة فعلية لقيادات هيئة تحرير الشام.
ومن رحم هذا النهج الإقصائي، انطلقت سلسلة من السياسات والممارسات التي حملت في طياتها بذور التفكك الوطني، مجازر في الساحل، واضطهاد غير معلن للمكوّن المسيحي توّجته مجزرة كنيسة مار إلياس، تلتها مجازر في السويداء ضد الموحدين الدروز، وتصعيد منهجي لخطاب الكراهية ضد الشعب الكوردي، بأقنعة سياسية ودعائية متعددة. كانت تلك المخرجات، عمليًا، تأسيسًا لسوريا أحادية اللون، تنكر حق التنوع، وتستبدل فكرة الوطن الواحد بمفهوم السلطة الواحدة.
تبرر حكومة الجولاني هذه الممارسات بادعاء أنها "حديثة العهد" في إدارة البلاد، وكأنها لم تحكم إدلب ومحيطها لأكثر من عقد من الزمن، وهي فترة زمنية كافية، لو كانت الوطنية هاجسها، لبناء نموذج حكم جامع، وصياغة دستور شامل، وإشراك جميع المكوّنات في إدارة الدولة وبنائها، لكن التجربة أثبتت أن إدارتها لم تكن سوى إعادة إنتاج لنهج الإقصاء، وإن بأدوات جديدة.
في المقابل، فإن تجربة الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا، التي بدأت في الفترة نفسها تقريبًا، مثّلت نقيضًا لهذا النموذج الإقصائي، فهي، رغم ما تعرضت له من هجمات متكررة وحصار دائم، لا سيما من تركيا وبعض القوى الإقليمية المتربصة، حافظت على روح الثورة السورية الأولى، تلك التي رفعت شعار الحرية والكرامة، وأصرت على أن الوطن لا يمكن أن يُبنى إلا بالشراكة الفعلية بين جميع أبنائه. لقد قدّمت الإدارة الذاتية نموذجًا للحكم التشاركي، حيث تُصان الحقوق، وتُحترم الهويات، وتُبنى مؤسسات الدولة على قاعدة المساواة لا الهيمنة.
كونفرانس الحسكة لم يكن مجرد لقاء محلي، بل رسالة وطنية عميقة إلى الداخل السوري وإلى المجتمعين الإقليمي والدولي، مفادها أن مستقبل سوريا لن يكون آمنًا ومستقرًا إلا إذا تبنت مشروعًا جامعًا، مشروع النظام الفيدرالي اللامركزي، يقيها من الانقسام الذي تدفع نحوه حكومة الجولاني بسياساتها، ويمنع إعادة إنتاج الدولة بلون واحد. فالمنطقة الكوردية، أي منطقة الإدارة الذاتية، قدّمت للعالم برهانًا ملموسًا على أن سوريا يمكن أن تكون وطنًا للجميع، وأن الوطنية ليست خطابًا تجميليًا، بل ممارسة سياسية يومية.
لقد أثبتت تجارب الأمم أن الدول التي تبنى على لون واحد ومكوّن واحد، سرعان ما تتحول إلى كيانات هشة، تنهار أمام أول اختبار داخلي أو خارجي، فالوطن الذي لا يتسع للجميع، لا يحمي أحدًا، والدولة التي تُبنى على الإقصاء، تسقط في فخ التفكك قبل أن تكتمل أركانها، في المقابل، فإن التعددية الحقيقية، كما تجلّت في كونفرانس الحسكة، ليست مجرد خيار سياسي، بل ضمانة تاريخية لوحدة سوريا، وحصنها ضد الانهيار، إن الاختيار بين نموذج الحسكة ونموذج دمشق، ليس خيارًا بين أسلوبين في الحكم، بل هو، في جوهره، قرار بين بقاء سوريا كدولة وطنية بنظام فيدرالي لا مركزي، أو انحدارها إلى كانتونات طائفية وقومية متناحرة.

د. محمود عباس
الولايات المتحدة الأمريكية
8/8/2025م



#محمود_عباس (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الفيدرالية واللامركزية السياسية في سوريا حدود لا تُمس
- رسالة إلى الشعب السوري، وقيادة قسد والإدارة الذاتية والحراك ...
- كوردستان مهد الأديان وتعددية الهوية الروحية 3/3
- كوردستان مهد الأديان وتعددية الهوية الروحية 2/3
- كوردستان مهد الأديان وتعددية الهوية الروحية 1/3
- كيف نُسقط مشروع الإلغاء العنصري ونبني سوريا التعددية؟
- هل هناك فخ في حوارات باريس؟
- الإسلام بريء منكم من داعش إلى الحكومة الانتقالية
- رد سياسي إلى وزارتي الخارجية الأمريكية والفرنسية بشأن المذكر ...
- هندسة الخداع الدبلوماسي في محاولة تحجيم الدور الكوردي بين با ...
- فيدرالية سوريا كابوس أنقرة وذريعتها لإحياء داعش بأسماء أشد ب ...
- الكورد السريان هوية تتجذر لا تذوب - الجزء السادس والأخير
- المبعوث الأمريكي بين التطبيع القسري وتجهيل الواقع السوري
- سوريا بين فيدرالية مأمولة وممثل أمريكي يجهل التاريخ
- نداء شيخ العقل حكمت الهجري ليس خيانة، بل صرخة كرامة
- الكورد السريان هوية تتجذر لا تذوب - الجزء الخامس
- بيان إلى الحكومة الأمريكية واللجان المعنية بالشأن السوري
- الكورد السريان هوية تتجذر لا تذوب - الجزء الرابع
- سوريا تُذبح بهوية واحدة، حين تُقصى المكونات ويُفرض الكفر باس ...
- أردوغان بين انهيار الرهانات واعتراف مؤجل بالكورد


المزيد.....




- مصر.. لمحة سريعة عن الإسماعيلية ومهرجان المانغو -الأكثر ثراء ...
- ترامب عن إنهاء حرب روسيا وأوكرانيا: أعتقد أن -لدينا فرصة- لت ...
- السعودية تنشر فيديو كيف أحبطت تهريب كمية مخدرات ضخمة وأسلوب ...
- لأجل غزة.. احتجاج ضخم في أستراليا يُفسّر بأنه -مدّ يتغير-
- السودان ـ سكان مدينة الفاشر تحت وطأة الجوع والحصار.. فمن ينق ...
- عن 97 عاما...رحيل جيم لوفيل منقذ مهمة -أبولو 13- من كارثة فض ...
- مقتل شرطي ومسلح بإطلاق نار بمحيط جامعة إيموري بولاية جورجيا ...
- إسرائيل في عزلة علمية.. كيف تعيد غزة تشكيل المزاج الأكاديمي ...
- ترامب يطالب جامعة كاليفورنيا بدفع مليار دولار بتهمة معاداة ا ...
- ترامب يطالب جامعة كاليفورنيا بدفع غرامة قدرها مليار دولار


المزيد.....

- المدخل الى موضوعة الحوكمة والحكم الرشيد / علي عبد الواحد محمد
- شعب الخيام، شهادات من واقع احتجاجات تشرين العراقية / علي الخطيب
- من الأرشيف الألماني -القتال في السودان – ينبغي أن يولي الأل ... / حامد فضل الله
- حيث ال تطير العقبان / عبدالاله السباهي
- حكايات / ترجمه عبدالاله السباهي
- أوالد المهرجان / عبدالاله السباهي
- اللطالطة / عبدالاله السباهي
- ليلة في عش النسر / عبدالاله السباهي
- كشف الاسرار عن سحر الاحجار / عبدالاله السباهي
- زمن العزلة / عبدالاله السباهي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - محمود عباس - كونفرانس الحسكة ومؤتمر دمشق بين الوطن الجامع والدولة أحادية اللون