أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - محمود عباس - السعودية وتركيا في الملف السوري من صراع الخلافة إلى رهبة الفيدرالية الكوردية















المزيد.....

السعودية وتركيا في الملف السوري من صراع الخلافة إلى رهبة الفيدرالية الكوردية


محمود عباس

الحوار المتمدن-العدد: 8436 - 2025 / 8 / 16 - 00:54
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


في الشرق الأوسط، لا تُبنى التحالفات ولا تنفرط الخصومات على أساس اللحظة وحدها، بل هي امتداد لمسارات تاريخية تتشابك فيها المصالح مع الأيديولوجيات، ويتداخل فيها الإرث السياسي مع الحسابات الاقتصادية والأمنية. والمشهد السعودي–التركي في الملف السوري ليس استثناءً، فهو استمرار لصراع ممتد على الزعامة الإقليمية، تتخلله تبدلات في الخطاب، لكن تبقى الجذور على حالها.
العربي ابن الصحراء، عُرف عبر التاريخ بحدّة فراسته وقدرته على قراءة النوايا، غير أن المدهش أن تتجاهل المملكة العربية السعودية عقودًا من التوتر مع تركيا، ومحاولاتها المتكررة للتشكيك في نزاهة المملكة والسعي لإعادة فرض وصايتها على العالم الإسلامي تحت شعار "الخلافة العثمانية"، متناسية الخلافة الراشدية وما تلاها من تحولات عميقة في مفهوم الدولة. واليوم، تتقاطع المملكة مع أنقرة في الملف السوري، متغاضية عن عداء تركي لم ينقطع يومًا، وهو عداء يتجاوز حدود الخلاف السياسي ليغوص في عمق الوعي القومي التركي الذي يرى في الهيمنة على العرب جزءًا من هويته التاريخية.
تركيا تتحرك في سوريا برؤية مركزية استبدادية، تمزج بين سلطة الدولة وسلطة الدين، ليس بغرض ترسيخ القيم الروحية، بل لاستخدام الدين كأداة ضبط اجتماعي وسياسي، مما يتيح لها التحكم بمفاصل الدولة كافة، من الجيش إلى الاقتصاد، ومن الإدارة إلى السياسة الخارجية، ووراء هذه السيطرة يختبئ هدف محدد وواضح، القضاء على أي كيان كوردي مستقل، عبر تفكيك الإدارة الذاتية، وتقزيم الحراك الكوردي في غربي كوردستان، ودفع القضية الكوردية إلى غياهب النسيان لسنوات قادمة. ولتحقيق هذا، تراهن أنقرة على أي حكومة سورية انتقالية تستطيع التأثير عليها، لتدفعها نحو طرد قوات التحالف وعلى رأسها الولايات المتحدة، فتخلو الساحة السورية لمصالحها، وتصبح كل دولة تريد التعامل مع دمشق مضطرة للمرور عبر البوابة التركية.
أما السعودية، فإنها تنطلق من إرث المذهب الوهابي قبل أن ترتكز على القومية العربية أو الإسلام الليبرالي، لكن عهد الأمير محمد بن سلمان شهد انتقالًا واضحًا نحو الانفتاح، وإخراج المجتمع السعودي من دائرة التشدد، دون التفريط بالقيم العربية الأصيلة، المفارقة أن هذا الانفتاح في الداخل لم ينعكس بحذر كافٍ في التعاطي مع الملف السوري، إذ باتت المملكة تدعم، بشكل مباشر أو غير مباشر، حكومة غارقة في الإرهاب، وتتعاطى مع أطراف تضع مصالح منظمات متطرفة فوق مصالح مكونات سوريا الوطنية، وفي مقدمتهم الكورد الذين كانت المملكة يومًا من أحد أبرز المدافعين عن قضيتهم.
المؤسف أن الإعلام السعودي، عبر منصات وازنة كـ "العربية" و"الحدث"، أخذ يتقاطع في بعض خطابه مع البروباغندا التركية، ليضع الشعب الكوردي في خانة الخصومة، وتتغاضى عن تهجمات شريحة من أيتام البعث على الكورد يوميا وبأقذر العبارات وهم في حمايتها وعلى أرضها، وهو ما يكشف عمق التأثير التركي في صياغة الرؤية الإعلامية للمملكة تجاه سوريا، لكن هذه السياسة، وإن بدت في ظاهرها تكتيكًا مرحليًا، تحمل في جوهرها تنازلًا عن أوراق قوة استراتيجية، إذ تمنح أنقرة موقعًا متقدمًا في القرار السوري، وتعيد إنتاج نفوذ "الباب العالي" في صيغة معاصرة.
تركيا تدرك أن مشروعها محفوف بالمخاطر، فقد جرّبت كل التحالفات الممكنة، مع إيران وروسيا، في مواجهة أمريكا، وفي صراع مع مصر والسعودية، وحققت قفزات اقتصادية ملحوظة لكنها قامت على قاعدة هشة، ومع تراجعها اليوم، تحاول إعادة التموضع عبر كسب دعم السعودية ودول الخليج، طمعًا في تحقيق هدفين متداخلين، إخراج القوات الأمريكية من سوريا وكسر شوكة قسد والإدارة الذاتية، وفي نظر أنقرة، كلا الهدفين متساويان في القيمة؛ فالنتيجة واحدة، وهي إحكام قبضتها على سوريا وإقصاء أي حضور كوردي مؤثر.
المعادلة في النهاية ليست مجرد تقاطع مصالح عابر، بل صراع على صياغة ملامح النظام الإقليمي القادم، وتحديد من يملك حق رسم خريطة القوة في سوريا والمنطقة، وإذا مضت السعودية في هذا المسار، فإنها تخاطر بخسارة حليف كوردي استراتيجي كان يمكن أن يشكل رصيدًا في مواجهة النفوذ الإيراني والتركي معًا، بينما تراهن تركيا على أن تبدل التحالفات سيمنحها عمرًا سياسيًا أطول، متجاهلة أن القوى الكبرى التي توظفها اليوم قادرة على قلب الطاولة غدًا كما فعلت مرارًا في تاريخ المنطقة، وهو ما سيحصل لتركيا الحالية كما حصلت في الماضي للإمبراطورية العثماني، عاجلا أم أجلا.
وليس خافيًا أن جميع تحركات أنقرة السابقة كانت من أجل الهيمنة، بعنجهية الإمبراطورية العثمانية، لكن الفارق اليوم أن تحركاتها تُدار على خلفية رهبة من القادم الكوردي، إذ تدرك أن إقامة نظام لا مركزي فيدرالي في سوريا التي تتحكم بها، سيعني انتقال "عدوى الفيدرالية" إلى الداخل التركي، بما يهدد وحدة الدولة من منظورها القومي، هذه الرهبة هي التي تدفعها إلى محاربة قوات قسد، أي محاربة الوجود الأمريكي في سوريا، قبل أن تكون طموحًا توسعيًا بحتًا.
وبالمنطق ذاته، فإن السعودية ودول الخليج، مهما بدت اليوم شريكة في بعض الملفات، ستجد نفسها قريباً في قائمة أعداء أنقرة، التي لن تتردد في إشعال حرب أهلية داخل سوريا إذا لم تحقق أهدافها كاملة، والرهبة ذاتها هي التي دفعت بهاكان فيدان أن يهاجم الإدارة الذاتية وقوات قسد بشكل مباشر ودون تحفظ دبلوماسي، ودفع بوزير خارجية الحكومة السورية الانتقالية، أسعد الشيباني أن ينعت بمكونات سوريا من على منصته في أنقره.
وما يجري اليوم ليس سوى نسخة محدثة من أسلوب الدولة العثمانية في سنواتها الأخيرة، حين كانت تدير بلاد الشام والجزيرة العربية بعقلية الوالي الممسك بخيوط الاقتصاد والدين والجيش، وتغذي الانقسامات بين القبائل والطوائف لتمنع قيام أي مشروع استقلالي أو إدارة ذاتية.
آنذاك، كما اليوم، كان الهدف النهائي ضمان استمرار التبعية لمركز القرار في إسطنبول، ولو على حساب تفريغ المجتمعات من قواها الحية وإشعال الصراعات الداخلية، الفارق أن أنقرة الحديثة تلبس هذا النهج ثوب الخطاب الديمقراطي حين يخدمها، وتتحالف حتى مع خصومها العقائديين إذا كان ذلك يفضي إلى وأد أي مشروع يهدد مركزيتها، وفي مقدمتها المشاريع الكوردية الفيدرالية في سوريا والعراق، إنها ذات المدرسة التي مارست سياسة العصا والجزرة على ولاياتها العربية في مطلع القرن العشرين، وتعيد اليوم إنتاجها بوسائل الإعلام، والاقتصاد، والشبكات الدبلوماسية، مع فارق وحيد، أن التحدي الكوردي، المدعوم بوجود أمريكي ودولي، يجعل المعركة أكثر تعقيدًا، ويضع تركيا أمام احتمال مواجهة استراتيجية تفقد فيها القدرة على التحكم بالحدود الجنوبية، كما فقد أسلافها القدرة على الاحتفاظ بولاياتهم العربية عشية الحرب العالمية الأولى.

د. محمود عباس
الولايات المتحدة الأمريكية
14/8/2025م



#محمود_عباس (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- في لحظة مفصلية كهذه لا مكان للرمادية أو الهروب خلف التفاصيل
- الفيدرالية بين التجربة الكوردية في سورية ودروس الأمم قراءة ف ...
- خيوط زيارة هاكان فيدان إلى دمشق
- نتائج عبثية الحكومة السورية الانتقالية وتحول مواقف الدول الك ...
- كونفرانس الحسكة ومؤتمر دمشق بين الوطن الجامع والدولة أحادية ...
- الفيدرالية واللامركزية السياسية في سوريا حدود لا تُمس
- رسالة إلى الشعب السوري، وقيادة قسد والإدارة الذاتية والحراك ...
- كوردستان مهد الأديان وتعددية الهوية الروحية 3/3
- كوردستان مهد الأديان وتعددية الهوية الروحية 2/3
- كوردستان مهد الأديان وتعددية الهوية الروحية 1/3
- كيف نُسقط مشروع الإلغاء العنصري ونبني سوريا التعددية؟
- هل هناك فخ في حوارات باريس؟
- الإسلام بريء منكم من داعش إلى الحكومة الانتقالية
- رد سياسي إلى وزارتي الخارجية الأمريكية والفرنسية بشأن المذكر ...
- هندسة الخداع الدبلوماسي في محاولة تحجيم الدور الكوردي بين با ...
- فيدرالية سوريا كابوس أنقرة وذريعتها لإحياء داعش بأسماء أشد ب ...
- الكورد السريان هوية تتجذر لا تذوب - الجزء السادس والأخير
- المبعوث الأمريكي بين التطبيع القسري وتجهيل الواقع السوري
- سوريا بين فيدرالية مأمولة وممثل أمريكي يجهل التاريخ
- نداء شيخ العقل حكمت الهجري ليس خيانة، بل صرخة كرامة


المزيد.....




- هل تهزّ التحديات المالية عرش كوداك، أسطورة التصوير منذ 133 ع ...
- كييف تقول إن موسكو أطلقت 85 مسيرة هجومية وصاروخا باليستيا خل ...
- -إضفاء الشرعية-.. خلية استخباراتية إسرائيلية لشرعنة جرائم ال ...
- استشهاد 6 فلسطينيين من عائلة واحدة وقادة جيش الاحتلال يبحثون ...
- بريطانيا تعتزم محاكمة 60 شخصا لدعمهم حركة -فلسطين أكشن-
- -ترامب لم يخسر لكن بوتين انتصر بوضوح-: بولتون يحلل باختصار ق ...
- عظام حيوانات أُكلت وقطع أوانٍ استُخدمت.. ماذا وُجد أيضًا خلا ...
- واشنطن تقاضي ترامب وتتهمه بتقويض الحكم الذاتي
- ترامب: شي جينبينغ أخبرني أن الصين لن تغزو تايوان ما دمت رئيس ...
- تحليل.. بوتين حقق انتصاران كبيران بلقاء ترامب في ألاسكا.. إل ...


المزيد.....

- الأرملة السوداء على شفا سوريا الجديدة / د. خالد زغريت
- المدخل الى موضوعة الحوكمة والحكم الرشيد / علي عبد الواحد محمد
- شعب الخيام، شهادات من واقع احتجاجات تشرين العراقية / علي الخطيب
- من الأرشيف الألماني -القتال في السودان – ينبغي أن يولي الأل ... / حامد فضل الله
- حيث ال تطير العقبان / عبدالاله السباهي
- حكايات / ترجمه عبدالاله السباهي
- أوالد المهرجان / عبدالاله السباهي
- اللطالطة / عبدالاله السباهي
- ليلة في عش النسر / عبدالاله السباهي
- كشف الاسرار عن سحر الاحجار / عبدالاله السباهي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - محمود عباس - السعودية وتركيا في الملف السوري من صراع الخلافة إلى رهبة الفيدرالية الكوردية