أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - محمود عباس - لو أصاب القناص ترامب هل كانت أمريكا ستغزو العالم بالذكاء والتعريفة أم بالصواريخ؟ الحلقة الحادية عشرة














المزيد.....

لو أصاب القناص ترامب هل كانت أمريكا ستغزو العالم بالذكاء والتعريفة أم بالصواريخ؟ الحلقة الحادية عشرة


محمود عباس

الحوار المتمدن-العدد: 8478 - 2025 / 9 / 27 - 01:44
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


لم يكن وصول دونالد ترامب إلى البيت الأبيض حدثًا سياسيًا عابرًا في تاريخ الولايات المتحدة، بل كان انعطافة فجّرت سؤالًا أكبر، إلى أين تتجه البشرية؟ هل ما زال مصير العالم يتحدد عبر الحروب العسكرية الكلاسيكية وصواريخ الردع، أم أننا انتقلنا إلى عصر الحروب الاقتصادية والخوارزميات حيث تدار المعارك في الأسواق والمنصات الرقمية بدل ساحات القتال؟ وهل كان ترامب سوى واجهة معلنة لصراعٍ خفي بين الدولة العميقة الكلاسيكية والدولة العميقة العصرية التي تنسج خيوطها عبر الاقتصاد الرقمي والشركات العملاقة؟
لكن الأخطر مما يجري اليوم أن تتحول الشعوب نفسها إلى أدوات في حربٍ صامتة بين هذين النظامين، نظام كلاسيكي يعيش على منطق الدولة والجيوش، ونظام عصري يبني سلطته عبر تدفق البيانات وتوجيه الوعي. شعوب تُستَخدم دون أن تُستشار، وتُستثمر دون أن تُحمى. في الأمس كانت الديمقراطية تعني أن صوتك يُحدث فرقًا؛ أما اليوم، في زمن تسليع الوعي، صار الصوت يُقاس بمدى قابليته للتحليل والاستهداف وإعادة البرمجة.
لم تعد الانتخابات التعبير الأسمى عن الإرادة الشعبية، بل غدت ميدان اختبار لمن يضخ رسالته بأكثر فاعلية عبر خوارزميات المنصات الرقمية، في السابق كانت الشعوب تُقاد ذهنيًا وعلنيًا عبر الأديان والإيديولوجيات السياسية، وتُباد جسديًا في الحروب الكلاسيكية، أما اليوم وغدًا، فيُعاد إنتاج ذلك تحت غطاء "الحرية الاقتصادية" وزوال الحواجز الجغرافية، الديمقراطية تحوّلت تدريجيًا إلى واجهة أنيقة لنظام بلا مركز، لكنه يفرض سيطرة مطلقة، حيث لم تعد الأحزاب ممثلة للأفكار، بل علامات تجارية تتنافس في ساحة رقمية، تقرر فيها المنصات من يصل ومن يُحجب.
المواطن لم يعد مواطنًا بقدر ما صار منتجًا للبيانات؛ كل ما ينتجه يُباع ويُعاد ضخه إليه على شكل رأي، أو دعاية، أو خوف ممنهج، في هذا النظام الجديد، تُفرغ الحرية من مضمونها وتُحقن بإحساس زائف بالسيطرة، يُخيَّل للناس أنهم يختارون، لكن اختياراتهم تحددت سلفًا عبر تنبؤات الخوارزميات، وكما تساءل أحد المفكرين المعاصرين، هل ما زلنا نعيش في ديمقراطية إذا كانت المنصات التي نكتب عليها لا تعترف إلا بما يخدم أرباحها؟
إن مستقبل الديمقراطية لم يعد يُختبر في صناديق الاقتراع، بل في معايير خوارزميات الترويج والتهميش، وفي قدرة الأفراد على الوصول المتكافئ إلى الساحات الرقمية، وفي الشفافية التي تحكم صناعة "الحقيقة" نفسها، وهنا يكمن جوهر الصراع داخل الإدارة الأمريكية، وفي قلب الإمبراطورية التي تعيد تعريف ذاتها، هل ستتخلى عن الحروب الكلاسيكية لتعتنق الخوارزميات والتعريفات الاقتصادية كسلاح الغزو الجديد، أم أنها ستعود إلى صواريخها وجيوشها لتفرض هيمنتها بالطريقة القديمة؟
في القرون السابقة، كان للسلطة وجه يُرى، الملك، الإمبراطور، الزعيم، ثم صارت مؤسسات، الدولة، الحزب، النظام، أما اليوم فقد تحوّلت إلى منظومات؛ كأنها قررت أن تتوارى، أن تسدل على نفسها قناع "اللا وجه" ما نعيشه ليس تحديثًا في أدوات الحكم، بل انزياحًا كاملًا في طبيعة السيطرة، فالمنظومات ليست هرمية ولا خاضعة لهيكل واحد، بل شبكات تتكرر وتتشابك وتعيد إنتاج ذاتها بلا نهاية.
فكر في غوغل، أمازون، تسلا، البنتاغون، تويتر، وكالة الأمن القومي، صندوق النقد الدولي، وادي السيليكون، ميتا، مجلس الأمن، هذه ليست كيانات متنافسة، بل عقد في نسيج واحد من تدفقات السلطة، كل منها يمارس سلطة على مجال، الاقتصاد، البيانات، القانون، الحرب، الوعي، لكنها جميعًا تتكامل ضمن منظومة واحدة غير معلنة، نظام بلا عاصمة.
السلطة الجديدة لا تحكم بالأوامر، بل بالمقاييس، لا تُصدر قوانين، بل تحدد الشروط الخفية لما هو ممكن، من يتحكم في تدفق المحتوى، في الخوارزمية، في شروط الوصول، يتحكم في الحقيقة ذاتها، ومن يملك الحقيقة، لا يحتاج أن يواجه، إنها سلطة تعمل في الخلفية بصمت، مثل نظام تشغيل أو نبض كهربائي يدير الجهاز دون أن يُرى.
والأخطر أن هذه المنظومات لا تحتاج إلى شرعية جماهيرية، ولا إلى كاريزما سياسية، لأنها لا تخاطبك مباشرة، إنها تندمج في حياتك اليومية حتى تنسى أنها موجودة أصلاً، ومع ازدياد هذا الاندماج، نصبح عاجزين عن التمييز بين ما هو طبيعي وما هو مفروض، بين ما نريد وما تم اقتراحه لنا سلفًا.
إن أخطر ما في هذه المنظومات أنها لا تموت، الدولة قد تنهار، النظام السياسي قد يسقط، لكن المنظومة تعيد إنتاج نفسها بمسميات أخرى، بأدوات جديدة، وربما بوجوه بشرية "منتخبة" ظاهرًا، نحن لا نعيش في ظل نظام عالمي، بل داخل شبكة بلا مركز ولا مخرج واضح، وكما كتب إيتالو كالفينو: "في المدن غير المرئية، هناك مدن لا يُعرف من بنى جدرانها، لكن الجميع يسكنها" وكأننا اليوم نسكن جميعًا مدينة اسمها، المنظومة.
من هنا يصبح التمرد مختلفًا، لم يعد مجرد مظاهرة أو ثورة تسقط رئيسًا، بل تمرينًا على الوعي النقدي، على كسر الإيقاع العام، على الانفصال عن السلاسة التي تخدّر الفكر، أن تتمرد اليوم يعني أن تسأل عن الخريطة بدل أن تصرخ في الفراغ.
ويبقى السؤال، لو أصاب القناص ترامب، هل كانت هذه المسيرة ستتوقف؟ أم أن بديله كان سيظهر بالثقل ذاته ليواصل اندفاع المنظومة؟ هل كان ترامب مجرد واجهة مؤقتة في صراعٍ أكبر من رجل واحد، أم أنه بالفعل كان الشرارة التي سرعت هذا الانتقال من الصاروخ إلى الخوارزمية؟



#محمود_عباس (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- من العشيرة إلى الأمة وليس العكس
- الكورد أصل الأرض وأكذوبة الهجرة سلاح البعث والجولاني
- ثلاثة محاور أساسية
- مسرحية القمة العربية والإسلامية وخطاب الجولاني الفارغ
- الجولاني وسط الحوار المرئي، الحقائق تُكشف
- الكتلة الوطنية لماذا تتنكرون للفيدرالية وتعيدون إنتاج خوف ال ...
- قمة قادة العرب في قطر لحظة إعلان نهاية حماس
- لو أصاب القناص ترامب هل كانت أمريكا ستغزو العالم بالذكاء وال ...
- يُمنح الإرهابيون المنابر ويُحرم الكورد من مقعدهم في هيئة الأ ...
- تراجع شعبية إسرائيل وصعود المأزق الفلسطيني
- منطق القوة لا يرحم الكورد بين عجز المجلس الوطني وهيمنة الإدا ...
- منطق القوة لا يرحم الكورد بين عجز المجلس الوطني وهيمنة الإدا ...
- منطق القوة لا يرحم الكورد بين عجز المجلس الوطني وهيمنة الإدا ...
- هل تعطّلت مخرجات مؤتمر قامشلو؟ 2/2
- هل تعطّلت مخرجات مؤتمر قامشلو؟ 1/2
- الحكومة السورية الانتقالية بين خطاب الوحدة وممارسة التجزئة
- كوردستان وقادم الشرق الأوسط تحولات كبرى وصراع على المستقبل
- قسد بوابة خلاص سوريا من الاستبداد والإرهاب
- برلمان الجولاني شرعنة للتقسيم تحت قناع الديمقراطية
- لو أصاب القناص ترامب هل كانت أمريكا ستغزو العالم بالذكاء وال ...


المزيد.....




- الحرب على غزة مباشر.. استمرار الوفيات بالجوع وحماس تفند أكاذ ...
- مزاعم الهجرة تجبر اليابان على إلغاء برنامج ثقافي مع أفريقيا ...
- سجال في مجلس الأمن بعد رفض مساعي روسيا والصين لتأجيل العقوبا ...
- العدوان على الدوحة يُعيد تعريف أمن المنطقة
- العراق يرفض تهديدات نتنياهو باستهداف أراضيه
- مجلس الأمن يرفض مشروع قرار روسيًا صينيًا لتأجيل عقوبات إيران ...
- وول ستريت جورنال: بلير سيتولى منصب الحاكم المؤقت لغزة
- شاهد..أسباب تفوق النصر على الإتحاد في جدة
- الخبر السار في رسالة ماكرون لنتنياهو
- تقارير: توني بلير قد يقود -السلطة الانتقالية الدولية- في غزة ...


المزيد.....

- التاريخ يكتبنا بسبابته / د. خالد زغريت
- التاريخ يكتبنا بسبابته / د. خالد زغريت
- جسد الطوائف / رانية مرجية
- الحجز الإلكتروني المسبق لموسم الحنطة المحلية للعام 2025 / كمال الموسوي
- الأرملة السوداء على شفا سوريا الجديدة / د. خالد زغريت
- المدخل الى موضوعة الحوكمة والحكم الرشيد / علي عبد الواحد محمد
- شعب الخيام، شهادات من واقع احتجاجات تشرين العراقية / علي الخطيب
- من الأرشيف الألماني -القتال في السودان – ينبغي أن يولي الأل ... / حامد فضل الله
- حيث ال تطير العقبان / عبدالاله السباهي
- حكايات / ترجمه عبدالاله السباهي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - محمود عباس - لو أصاب القناص ترامب هل كانت أمريكا ستغزو العالم بالذكاء والتعريفة أم بالصواريخ؟ الحلقة الحادية عشرة