أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - القضية الكردية - محمود عباس - الدولة الكوردية من الحلم الثوري إلى الوعي المؤسسي














المزيد.....

الدولة الكوردية من الحلم الثوري إلى الوعي المؤسسي


محمود عباس

الحوار المتمدن-العدد: 8498 - 2025 / 10 / 17 - 22:39
المحور: القضية الكردية
    


لم تعد فكرة بناء الدولة الكوردية حلمًا مؤجلًا، بل أصبحت واجبًا تاريخيًا وضرورة سياسية تمتحن نضج الحراك الكوردي وقدرته على الانتقال من منطق الثورة إلى منطق الدولة، من الحلم إلى الفعل، ومن الشعارات إلى المؤسسات. فالمسألة لم تعد في جوهرها مقاومة ضد الآخر، بل مقاومة ضد العجز عن التحول إلى كيانٍ منظمٍ يمتلك مؤسساته وقوانينه ورؤيته للعالم.
لقد نبهت مرارًا، في الكتابة والإعلام والسياسة، إلى أن على الحراك الكوردي أن يرتقي من منطق التنظيم الحزبي إلى منطق إدارة الدولة، لأن ما تحقق من مكتسباتٍ بفضل دماء الشهداء ودعم التحالف الدولي، لا يمكن أن يبقى رهينة الأساليب القديمة التي أثبتت محدوديتها. فالقضية لم تعد تتعلق بإدارة منطقة جغرافية تكون تابعة لسلطة مركزية متآكلة تتأرجح ما بين الاستبدادين القومي والديني، بل بتأسيس نموذج حكمٍ يعكس نضوج التجربة الكوردية وقدرتها على الإدارة الحديثة، بمنهجية سياسية واقتصادية وأمنية واضحة، وبمنطق الدولة التي تدير، لا القوى الحزبية التي تسيطر.
الإدارة الذاتية في شمال وشرق سوريا، بما راكمته من خبرةٍ تجاوزت العقد، تقف اليوم أمام امتحانٍ مفصلي، أن تكون بذرة دولةٍ حقيقية أو تجربةً عابرة في ذاكرة التحولات السورية. والمطلوب تفعيل مؤسساتٍ معطلة، وتوسيع الموجود، تُدار بعقلٍ حكوميٍّ أوسع ومستقل، تتوزع فيه الصلاحيات، ويُعاد فيه تنظيم القطاعات الاقتصادية والإدارية والقضائية. فالدولة لا تُختصر في سلطةٍ سياسية، بل تُبنى على منظومةٍ من المؤسسات التي تضمن استمرار الحياة العامة وتوازنها.
لقد أدى غياب منطق الدولة، خاصة بعد زوال النظام البائد، وسلطة بشار الأسد المجرم، إلى فراغٍ إداريٍّ واقتصاديٍّ في مراكز متعددة، مئات من القضاة والمحامين والمزارعين والتجار وجدوا أنفسهم خارج نطاق العمل والإنتاج، بعد أن تعطلت المحاكم والبنوك والدوائر الرسمية التي كانت تابعة للمركز ولم تُنشأ بدائل لها. كان بالإمكان تحويل ملفات القضاء إلى المحاكم المحلية، وتفعيل الإدارة المالية عبر البنوك الإقليمية، لتقليل البطالة وترسيخ الثقة في مؤسسات الإدارة الذاتية. لكن غياب الرؤية الحكومية جعل المشهد أقرب إلى إدارةٍ مؤقتة تنتظر تفعيل المركز، لا مشروع دولة، وهو ما يضعف شرعية الحوار مع الحكومة السورية الانتقالية، ويجعل المطالب الكوردية تبدو كأنها مطالب مناطق مهمشة، لا رؤية دولةٍ تسعى إلى نظامٍ فيدراليٍّ ديمقراطيٍّ متكامل.
إن بناء الدولة يتحقق بالمراكمة الهادئة للوعي المؤسساتي، وبالإيمان أن الدولة فعلُ بناءٍ طويل المدى، لا انفعالُ لحظةٍ تاريخية. فالتاريخ لا يرحم الثورات التي لم تُحسن إدارة انتصاراتها، والذاكرة لا تخلّد سوى من حوّل الحلم إلى بنيةٍ قائمةٍ تحكم وتُنظم وتُنتج.
العلاقة مع المركز، أي حاليا بالحكومة السورية الانتقالية، أيًّا كانت طبيعتها، ستبقى علاقةً متوترة بين الوعي بالذات والوعي بالآخر، لكنها، كلما قامت على منطق الدولة لا الحزب، وعلى القانون لا الشعارات، كلما أصبحت أكثر توازنًا واستقرارًا، فالمركز يخشى القوى التي تدير جغرافيتها على أسس الدولة وتعرف ماذا تريد، ويحترمها، لكنه يستهين بالحركات التي لا تعرف ما تريد، ويستغل تشتتها لصالحه.
لذلك، فإن التحول من منطق إدارة المنطقة بذهنية الحزب إلى منطق الدولة هو جوهر المرحلة المقبلة، الحزب يصنع خطابًا، أما الدولة فتصنع واقعًا؛ الحزب يخلق الانقسام، أما الدولة فتبني النظام؛ الحزب يسعى إلى الولاء، أما الدولة فتسعى إلى الكفاءة، ومن هنا يبدأ الاختبار الحقيقي للإدارة الذاتية، بل والحراك الكوردي بشكل عام، إن أرادت أن تكون فاعلًا في مستقبل سوريا، لا هامشًا يُدار بتفاهمات الآخرين.
إن بناء الدولة ليس فعلًا استفزازيًا كما يراه خصومنا، بل فعلُ وعيٍ وضرورةٍ إنسانية، فهو يتطلب نقد الذات قبل نقد الآخر، والقدرة على تجاوز الكراهية التي تُزرع في النفوس بوعيٍ أو بتخطيط. فالدولة لا تُبنى بالحقد، بل بالمنطق، ولا تنمو في الضجيج، بل في الوعي.
لقد أثبت التاريخ أن الأمم لا تُقاس بعدد معاركها، بل بقدرتها على تحويل الثورة إلى نظامٍ مستقرٍّ يعترف به العالم. وإذا كانت غربي كوردستان قد نالت اعترافًا معنويًا في الذاكرة الإنسانية، فإن التحدي اليوم هو أن تنال اعترافًا سياسيًا في وجدان سوريا والقوى الإقليمية المتربصة بالشعب الكوردي، ومن ثم في خرائط الدول، من خلال مؤسساتٍ تُدار بعقل الدولة لا بعاطفة الثورة.
فغربي كوردستان، بل ودولة كوردستان ليست فكرةً خيالية، بل مسؤولية فكرية وأخلاقية وسياسية، على كل كاتبٍ وسياسي ومثقفٍ عربي قبل كوردي أن يتحمل نصيبه منها، إنها ليست نداءً إلى الماضي، بل استدعاءٌ للمستقبل، حين يُدركون أن التحرر الحقيقي لا يكتمل إلا حين يصبحون قادرين على إدراك قيم الحرية، وإدارة ما حرروه.

د. محمود عباس
الولايات المتحدة الأمريكية
16/10/2025م



#محمود_عباس (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الذكاء الاصطناعي سلاح الوعي الكوردي
- الشرق الأوسط في لحظة الحساب الكبرى
- الحكومة السورية الانتقالية تُقصي الكورد وتستدعي الاحتلال
- قسد تفجّر الصراع التركي–الأمريكي على سوريا
- رعب أنقرة من الوعي الكوردي
- بيان التحالف الأمريكي من أجل سوريا الديمقراطية
- إلغاء عيد نوروز تكفير مقنّع وإنكار صريح للقومية الكوردية
- لو أصاب القناص ترامب هل كانت أمريكا ستغزو العالم بالذكاء وال ...
- الشرق الأوسط الجديد بين أوهام سايكس–بيكو وحقائق الكورد المؤج ...
- لو أصاب القناص ترامب هل كانت أمريكا ستغزو العالم بالذكاء وال ...
- من غربي كوردستان إلى البيت الأبيض تجارة ترامب وأوهام أردوغان ...
- فضيحة الألف عام والألفي عام، ترامب يقرأ من كتاب أردوغان
- لو أصاب القناص ترامب هل كانت أمريكا ستغزو العالم بالذكاء وال ...
- من العشيرة إلى الأمة وليس العكس
- الكورد أصل الأرض وأكذوبة الهجرة سلاح البعث والجولاني
- ثلاثة محاور أساسية
- مسرحية القمة العربية والإسلامية وخطاب الجولاني الفارغ
- الجولاني وسط الحوار المرئي، الحقائق تُكشف
- الكتلة الوطنية لماذا تتنكرون للفيدرالية وتعيدون إنتاج خوف ال ...
- قمة قادة العرب في قطر لحظة إعلان نهاية حماس


المزيد.....




- الجامعة العربية تستضيف ندوة حول معاناة الأسرى والمعتقلين في ...
- الضفة الغربية تحت مقصلة التطهير العرقي
- 4 شهداء و66 حالة اعتقال و27 عملية هدم وتجريف في القدس خلال ن ...
- ندوة في الجامعة العربية حول معاناة الأسرى والمعتقلين في السج ...
- 12 منظمة حقوقية إسرائيلية: 2025 العام الأشد فتكا بفلسطين منذ ...
- نادي الأسير الفلسطيني: نحو 21 ألف حالة اعتقال في الضفة بما ف ...
- اعتقال موغيريني بتهمة إساءة استخدام أموال الاتحاد الأوروبي
- الأمم المتحدة : مستوى انعدام الأمن الغذائى فى الدول العربية ...
- وزير الداخلية الليبي: نرفض توطين المهاجرين غير النظاميين في ...
- قضاء إيران يدين عقوبات اميركا على قاضي المحكمة الجنائية الدو ...


المزيد.....

- الى جمهورية كردستان الاشتراكية المتحدة!، الوثيقة 3 - كردستان ... / كوران عبد الله
- “رحلة الكورد: من جذور التاريخ إلى نضال الحاضر”. / أزاد فتحي خليل
- رحلة الكورد : من جذور التاريخ إلى نضال الحاضر / أزاد خليل
- سعید بارودو. حیاتي الحزبیة / ابو داستان
- العنصرية في النظرية والممارسة أو حملات مذابح الأنفال في كردس ... / كاظم حبيب
- *الحياة الحزبية السرية في كوردستان – سوريا * *1898- 2008 * / حواس محمود
- افيستا _ الكتاب المقدس للزرداشتيين_ / د. خليل عبدالرحمن
- عفرين نجمة في سماء كردستان - الجزء الأول / بير رستم
- كردستان مستعمرة أم مستعبدة دولية؟ / بير رستم
- الكرد وخارطة الصراعات الإقليمية / بير رستم


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - القضية الكردية - محمود عباس - الدولة الكوردية من الحلم الثوري إلى الوعي المؤسسي