أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - محمود عباس - خدم السلطان بلباس المثقف والمحلل السياسي














المزيد.....

خدم السلطان بلباس المثقف والمحلل السياسي


محمود عباس

الحوار المتمدن-العدد: 8507 - 2025 / 10 / 26 - 12:03
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


قال نيتشه (ليس أخطر من المثقف الذي يخدم الطغاة وهو يظن أنه يكتب للحقيقة).
تُضيء هذه العبارة بحدة مشهدًا مألوفًا في حاضرنا العربي، ولا سيما في السوري المستترك، حين ترى شرائح من المكوّن المستعرب باللسان، وقد غيّروا نسبهم القومي ليُلصقوه زورًا بالإيغور أو بالأتراك، يتصدرون المنابر الإعلامية بوقاحة تفوق مثقفي أنقرة أنفسهم.
إنهم موالٍ جدد، يخدمون أسيادهم العثمانيين أكثر مما يفعل أبناء الدولة التركية ذاتها، ناسين أو متناسين أن حكّام أنقرة الحاليين لا يمتّون إلى القومية التركية بصلةٍ صافية، بل يستغلونها غطاءً لسلطةٍ توسعيةٍ مريضة.
فهل يدافع هؤلاء حقًا عن تركيا بوصفها “دولة للجميع” كما يدّعي أردوغان الأستيني وهاكان فيدان الكوردي الأصل، أم عن العرق الطوراني وميراث السلطنة العثمانية التي تاقت دومًا لإحياء عبودياتها القديمة؟ إنهم أقرب إلى عبيدٍ جدد، مسحوا ذاكرتهم القومية، وخلعوا انتماءهم لصالح أحلامٍ زائفة، يلهثون وراء رضا أسيادٍ يرون فيهم أدوات لا أكثر.
وما يزيد المشهد قبحًا أن هؤلاء يملأون الفضاء الإلكتروني السوري والعربي ضجيجًا وصخبًا، وكأنهم أوصياء على الوعي الجمعي، لا نتحدث هنا عن مثقفي النظام البعثي الأسدي البائد الذين باعوا ضمائرهم منذ عقود، فهؤلاء نُبشوا وانتهى زمنهم، بل عن الجيل الجديد من المثقفين المتأنقين بشعارات الحرية والوطن، بينما أقلامهم تخدم أجندة أنقرة، وتمجّد أدواتها في سوريا، من هيئة تحرير الشام إلى بقايا داعش، وتصبّ جامَ حقدها على الشعب الكوردي تحت ستار “النقد الوطني”.
إنها الطبقة الأخطر، مثقفون بلا روح، يكتبون بلغاتٍ متعددة لكن بأفكارٍ مستنسخة من غرف المخابرات، يهاجمون المظلوم باسم الوطنية، ويخدمون المستبد باسم الحقيقة، فيجسّدون بالضبط ما قصده نيتشه حين وصف المثقف الذي يظن نفسه ضمير الأمة، بينما هو في الواقع سكينها المغروس في الظهر.
تراهم يوزّعون التهم على الكورد، ويزايدون على وطنيتهم، ويختبئون خلف مفردات زائفة كالوحدة والسيادة، فيما أقلامهم تخدم مشاريع الاحتلال التركي، وتبرّر جرائم التنظيمات الإرهابية بحق الأبرياء، إنهم يهاجمون ضحاياهم باسم الدين، ويطعنون نضال الكورد باسم الوطنية، وينكرون تاريخهم باسم “العقلانية السياسية”. هؤلاء لا يكتبون للحقيقة، بل للسلطة التي تشتري أقلامهم بالوهم أو الخوف أو المكاسب.
الشعب الكوردي يعيش اليوم مأساة مضاعفة، بين من ينكر وجوده علنًا، ومن يزوّر تاريخه بثقافة خبيثة، ومن يدّعي صداقته ثم يطعنه بخنجرٍ مغلفٍ بعباراتٍ منمّقة عن الوطن والمواطنة. الأخطر من كل هؤلاء هم من يحاولون احتكار الحقيقة، فيدّعون أنهم “يحذرون” الكورد من الانفصال، بينما يعملون على محوهم من الذاكرة السورية ذاتها.
لقد جُيّشت أقلامٌ وأبواق لتقويض كل ما بنته الحركة الكوردية من قيم الوطنية والمواطنة، فصارت الأخوّة عندهم تهمة، والفيدرالية خيانة، والمطالبة بالحقوق مشروع تقسيم، وهؤلاء المثقفون الزائفون لا يدركون أنهم، من حيث لا يشعرون، أصبحوا وقودًا في ماكينة الطغيان، يُعاد إنتاجهم مع كل مرحلة بأسماء وشعارات جديدة.
إن أخطر ما تواجهه سوريا اليوم ليس فقط الاستبداد المسلح، بل الاستبداد الفكري الذي يمارسه هؤلاء باسم الوعي، وهم في الحقيقة عبيدٌ لفكرٍ استعماري جديد، فالقلم الذي يُسخَّر للطغاة لا يكتب الحقيقة، بل يكتب نهايتها، والقضية الكوردية لن تُهزم ما دام فيها من يكشف زيف الأقلام التي تبيع الضمير بثمن الخيانة.
لهذا أقول، أن كوردستان قادمة، ليس كحلمٍ عابر، بل كإرادة لا تُقهر، ومع كل سخافةٍ ثقافيةٍ تخدم الاحتلال وتُذكي الفرقة، فإنها في المقابل تسرع من مسيرة الحرية والمواجهة الصريحة، تلك الشرائح الفاسدة التي تروج لنظرياتٍ واهية عن «وحدةٍ» تُبنى على محو الآخر، أو تدّعي أن مطالب الكورد هي «مطالب هوية فقط»، هي في واقعها تُحرّك النضال الكوردي من حالة المطالبة بالحقوق، وكتابة دستور نقي، إلى إعلان المطالبة بالحرية الكاملة.
اليوم لم تعد الدعوة الكوردية مجرّدةً من الطموح السياسي؛ فقد دفعتنا الوقائع إلى أن تتجاوز مطالبنا حدود الفيدرالية الشكلية والصيغ التجميلية التي تُرضي طرفًا وتُقصي آخر، لتصبح الكلمة الأوضح في الشارع ووجدان الناس: كوردستان حرة.
سواء بدا ذلك صائبًا أو سابقًا لأوانه في نظر القوى الكبرى أو الإقليمية، إلا أنه يعكس حقيقة ثابتة: ما دام الشعب الكوردي تحت احتلالٍ أو ضغطٍ خارجي، فلن يكون هناك سلام حقيقي في المنطقة، بل مجرد هدنةٍ هشةٍ تنكسر عند أول امتحان.
ولا خلاص للمنطقة إلا باعتماد نظامٍ فيدراليٍّ لا مركزيٍّ يضمن العدالة والمشاركة، أو بالمضيّ في المطالبة بالحقوق الكاملة وإنهاء الاحتلال بكل أشكاله، عبر نضالٍ واضح من أجل حرية تقرير المصير في إطارٍ من العيش المشترك والحقوق المتبادلة.
أما الخطابات التي تُقدَّم اليوم باسم “الوطنية” وهي تخدم المحتل وتُكفّر الكورد وحراكهم، فإنها لا تُضعف القضية، بل تُسرّع إعادة صياغة العلاقة الوطنية بين الكورد والحكومة السورية الانتقالية، وتزيد إرادة الشعب الكوردي صلابةً نحو الحرية.

د. محمود عباس
الولايات المتحدة الأمريكية
25/10/2025م



#محمود_عباس (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- إلى الأخت الكاتبة (نسرين تيلو) حكاية الغياب والذاكرة.
- قامشلو البوابة السياسية لوطنٍ يُعاد بناؤه
- حين يُقصى الكورد تموت فكرة سوريا
- أيّ سوريا نريد؟
- الدولة الكوردية من الحلم الثوري إلى الوعي المؤسسي
- الذكاء الاصطناعي سلاح الوعي الكوردي
- الشرق الأوسط في لحظة الحساب الكبرى
- الحكومة السورية الانتقالية تُقصي الكورد وتستدعي الاحتلال
- قسد تفجّر الصراع التركي–الأمريكي على سوريا
- رعب أنقرة من الوعي الكوردي
- بيان التحالف الأمريكي من أجل سوريا الديمقراطية
- إلغاء عيد نوروز تكفير مقنّع وإنكار صريح للقومية الكوردية
- لو أصاب القناص ترامب هل كانت أمريكا ستغزو العالم بالذكاء وال ...
- الشرق الأوسط الجديد بين أوهام سايكس–بيكو وحقائق الكورد المؤج ...
- لو أصاب القناص ترامب هل كانت أمريكا ستغزو العالم بالذكاء وال ...
- من غربي كوردستان إلى البيت الأبيض تجارة ترامب وأوهام أردوغان ...
- فضيحة الألف عام والألفي عام، ترامب يقرأ من كتاب أردوغان
- لو أصاب القناص ترامب هل كانت أمريكا ستغزو العالم بالذكاء وال ...
- من العشيرة إلى الأمة وليس العكس
- الكورد أصل الأرض وأكذوبة الهجرة سلاح البعث والجولاني


المزيد.....




- بإشراف ترامب.. تايلاند وكمبوديا توقعان اتفاقية سلام في ماليز ...
- أحمد الجنايني يعلن زواجه رسميًا من منة شلبي بصورة مع نجمة ال ...
- -ايه الوقاحة دي-.. ضجة يثيرها إعلامي مصري حول سلاح حماس وإسر ...
- ترامب ـ جولة أسيوية بثلاث محطات بحثاً عن النفوذ والتوازن
- بيان صادر عن الحملة الوطنيّة الأردنيّة لإسقاط اتفاقيّة الغاز ...
- بيان سياسي صادر عن اللجنة التحضيرية للجبهة الوطنية الشعبية ت ...
- مسيّرات أمريكية تحلق فوق غزة لمراقبة وقف إطلاق النار
- الحرب في أوكرانيا: ترامب يحدد شروط اللقاء بفلاديمير بوتين
- ترقب لنتائج الانتخابات الرئاسية في ساحل العاج
- الأرجنتين: الرئيس ميلي يحشد أنصاره في الانتخابات النصفية للك ...


المزيد.....

- تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ / غنية ولهي- - - سمية حملاوي
- شيوعيون على مر الزمان ...الجزء الأول شيوعيون على مر الزمان ... / غيفارا معو
- حكمة الشاعر عندما يصير حوذي الريح دراسات في شعر محمود درويش / د. خالد زغريت
- التاريخ يكتبنا بسبابته / د. خالد زغريت
- التاريخ يكتبنا بسبابته / د. خالد زغريت
- جسد الطوائف / رانية مرجية
- الحجز الإلكتروني المسبق لموسم الحنطة المحلية للعام 2025 / كمال الموسوي
- الأرملة السوداء على شفا سوريا الجديدة / د. خالد زغريت
- المدخل الى موضوعة الحوكمة والحكم الرشيد / علي عبد الواحد محمد
- شعب الخيام، شهادات من واقع احتجاجات تشرين العراقية / علي الخطيب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - محمود عباس - خدم السلطان بلباس المثقف والمحلل السياسي