أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - القضية الكردية - محمود عباس - كيف صنعت الحكومة الانتقالية أقوى حُجّة لتقسيم سوريا














المزيد.....

كيف صنعت الحكومة الانتقالية أقوى حُجّة لتقسيم سوريا


محمود عباس

الحوار المتمدن-العدد: 8546 - 2025 / 12 / 4 - 09:38
المحور: القضية الكردية
    


من عجائب هذا الخراب السوري، ومن مفارقات التاريخ حين ينقلب على ذاته، أنّ الإخوة السنّة العروبيين فيمن كانوا يسمَّون بالمعارضة السورية، والمنظمات التكفيرية الذين يتبوؤون اليوم الكيان الحاكم باسم الحكومة السورية الانتقالية، ومعهم من استُجلب من أصقاع الدنيا تحت راية «الجهاد» القادم من تخوم الصين وما بينهما، باتوا اليوم، شاءوا أم أبوا، يتجاوزون أشقّائهم الكورد السنّة الذين طالما أنكروهم وجرّدوا وجودهم من شرعيته. فهؤلاء الذين رفعوا لواء «وحدة الأمة» وكفّروا كل حديث عن حقوق القوميات، هم أنفسهم من يدفعون اليوم، وبقوة واقعهم المنهار، نحو تفكيك سوريا عمليًا لا نحو إعادة بنائها، كما يطالب بها أخوتهم الكورد بالنظام الفيدرالي اللامركزي.
لقد اقتنعوا، من فرط ما رأوه من انحدار ودمار، بأن النظام المجرم الذي حكم سوريا عقودًا لم يكتفِ بتمزيق البلاد سياسيًا وجغرافيًا، بل نسف نسيج المجتمع على مستوى أعمق، وضرب الثقة بين أبناء الطائفة الواحدة والقومية الواحدة، حتى بات المسلم السنّي من قوميات مختلفة عاجزًا عن تحمّل أخيه المسلم السنّي إن اختلف معه بلهجة أو انتماء أو موقع.
وإذا كان التمزق قد بلغ هذا الحد داخل المذهب الواحد، فليس ذلك دليلًا على “استحالة التعايش”، بل إدانة صارخة لخطاب ديني وقومي مسموم فشل في إنتاج مفهوم المواطنة، وأصرّ على إعادة إنتاج علاقات الهيمنة بلباس ديني جديد. فإذا كان التصدّع داخل الدين الواحد قد وصل إلى هنا، فكيف يُراد إقناع الناس بأن الحلّ هو مزيد من القهر المركزي لا إعادة بناء الدولة على أسس العدالة والشراكة؟
لقد بات هذا الفصام العروبي مكشوفًا. يصرخون بوحدة التراب، بينما تُظهر سلوكياتهم أنهم عاجزون عن احتمال وحدة المجتمع. يرفضون النظام الفيدرالي واللامركزية السياسية باعتبارها «خطوط تقسيم»، فيما واقعهم العملي يقدّم تشظيًا أبعد وأخطر من أي صيغة دستورية عقلانية. يتوجّسون من دستور يعترف بحقوق جميع الشعوب السورية، لكنهم في الوقت ذاته يقبلون، بالفعل لا بالقول، أن تُدار مناطقهم بمنطق الفصائل والمشيخات والولاءات الخارجية، وكأنهم يستسلمون للتقسيم الذي يخافون اسمه بينما يمارسونه كل يوم.
والأدهى من ذلك أن هذا الانهيار الداخلي داخل البيت السنّي العروبي، واندفاعهم غير الواعي نحو شرعنة واقع الكيانات المتنافرة، تحوّل إلى الدليل العملي الأقوى على أن الفيدرالية ليست خطرًا على سوريا، بل مخرجًا عقلانيًا من الخراب الذي صنعته الدولة المركزية القمعية. فهؤلاء، من حيث لا يريدون، يرسّخون الحجة الكوردية الأكثر تماسكًا، أنّ اللامركزية السياسية ليست مشروعًا انفصاليًا، بل صمّام أمان يحفظ ما تبقّى من وطن مُنهك، ويمنح كل مكوّن القدرة على حماية كرامته دون أن يكون ذلك على حساب الآخر. فإذا كان المسلم السنّي لا يطيق أخاه المسلم السنّي المختلف عنه في الأصل القومي، فكيف يمكنه احتمال دولة مركزية تُدار بعقلية القهر والغلبة؟
إن المفارقة المؤلمة، والمضحكة حدّ السوداوية، أنّ من حاربوا الفيدرالية لسنوات بوصفها مؤامرة، هم أنفسهم من قدّموا اليوم الحجة السياسية والأخلاقية الأقوى لضرورتها. فلو أنّ النظام المجرم دمّر البنية الوطنية إلى هذا الحدّ، ولو أنّ الانقسام بلغ أن العربي السنّي لا يحتمل الكوردي أو التركماني السنّي، فكيف يمكن إعادة بناء سوريا إلا بصيغة جديدة تعترف بالشقوق بدل إنكارها، وتحولها من لعنة تمزيق إلى بنية سياسية تُدار بالعقل لا بالعقيدة، وبالاعتراف لا بالتكفير؟
وما يزيد الصورة قتامة أنّ خطاب الكراهية لم يعد مجرد مواقف سياسية، بل تحوّل إلى موجات تحريض علني، وفيديوهات تهديد، ورسائل حقد ضد الشعب الكوردي بوصفه كيانًا كاملًا، لا بسبب دينه، وهو السنّي في غالبيته، بل لأنه لا ينصاع للهوية العروبية الإقصائية ولا للثقافة الغارقة في الجهل والتكفير. ولو تخيّلنا، للحظة واحدة، أن الكورد ردّوا بالمثل، وهددوا المكوّن العربي أو السنّي بالطريقة ذاتها، لانهار ما تبقّى من المجتمع السوري خلال أيام. فكيف يُطلب من شعب يُهدَّد ويُحقَّر ويُشيطَن أن يسلّم مصيره لنظام يُعاد إنتاجه بالعقلية نفسها التي دمّرت سوريا؟
ما يجري اليوم بحق الكورد، وبحق سائر المكوّنات السورية، ليس تجاوزات فردية ولا انحرافات عابرة، بل ممارسة منهجية لذهنية ترى في التنوّع خطرًا، وفي الاختلاف جريمة، وفي الشراكة خيانة. ذهنية لم تتعلّم من سقوط النظام السابق شيئًا، سوى تقليد أدواته بلغة دينية أكثر فجاجة.
ولهذا لم تعد الفيدرالية هي موضع السؤال الحقيقي، بل هذا الإصرار المرضي على إنتاج دولة بالإكراه، ومجتمع بالقمع، ووطن بالكراهية. فالدولة التي تعجز عن حماية مواطنيها بالقانون، وتستقوي عليهم بالتحريض، لا تحافظ على وحدتها، بل تعلن إفلاسها. والخيار بات واضحًا مهما أنكَرَته الشعارات:
إمّا سوريا جديدة تُبنى بالاعتراف والعدالة والعقل،
أو استمرار هذا الانتحار الجماعي باسم وحدة لم تعد موجودة إلا في الخطب.

د. محمود عباس
الولايات المتحدة الأمريكية
1/12/2025م



#محمود_عباس (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- التلميذ غير النجيب
- في زمن العفن المقدّس
- شكرًا للخلافة على خراب الوطن
- كوردستان الفرصة التي دمّرها الغرب
- في سوريا الحرية جريمة
- كيف صُنِع العدم الكوردي في الوعي العربي؟ تفكيك جذور خطاب الإ ...
- تفكيك خطاب الناشطة الجولانية – الأميركية ميساء قباني
- الديمقراطية فخٌّ قاتل والفيدرالية هي النجاة الوحيدة للكورد
- منتدى ميبس في دهوك عودة الجغرافيا الكوردستانية إلى مركز التا ...
- بين الاستراتيجيات الكبرى ومسارات التغيير السعودية وتركيا وال ...
- على طرفي النقيض بين زيارة محمد بن سلمان والجولاني للبيت الأب ...
- بين ظلام التكفير واغتيال الكلمة دفاع عن حرية الفكر والمثقفين ...
- بين وعي الانتماء وزيف الهوية المصطنعة
- أمريكا بين فخّ الاستراتيجية وضياع البديل في سوريا
- الجولاني من ساحات الإرهاب إلى عتبة البيت الأبيض
- لماذا تُجمّل أمريكا وجه الإرهاب بدعوتها الجولاني إلى البيت ا ...
- من فاتن رمضان إلى عبد العزيز تمو وغيرهما من المرتزقة الكورد ...
- بعض الأخوة المسيحيين يختارون عبودية الماضي على حرية كوردستان
- من مناهج البعث والتكفيريين إلى مناهج كوردستان
- حين عرّى الوعي الكوردستاني الزيف الانتقالي


المزيد.....




- حماس: قصف خيام النازحين بخانيونس جريمة حرب موصوفة
- حماس: عدوان إسرائيل على خيام النازحين بخان يونس استهتار بالا ...
- قطر الخيرية تطلق مشروعا طارئا لمكافحة المجاعة في اليمن
- الإغاثة الإنسانية التركية تقدم مساعدات لضحايا الفيضانات في إ ...
- الإغاثة الإنسانية التركية تقدم مساعدات لضحايا الفيضانات في إ ...
- مفوضية اللاجئين تحصد تعهدات تمويل بأكثر من 1.5 مليار دولار
- حماس تدين قصف الاحتلال لخيام النازحين جنوب غزة: جريمة حرب وا ...
- تحالف «حرية التعبير» يحذّر من تزايد ملاحقة الصحفيين والناشطي ...
- المثول الأول لمدير سجن ليبي متهم بجرائم حرب أمام المحكمة الج ...
- مستشفى الكويت التخصصي: 5 شهداء بينهم طفلان في غارات الاحتلال ...


المزيد.....

- الى جمهورية كردستان الاشتراكية المتحدة!، الوثيقة 3 - كردستان ... / كوران عبد الله
- “رحلة الكورد: من جذور التاريخ إلى نضال الحاضر”. / أزاد فتحي خليل
- رحلة الكورد : من جذور التاريخ إلى نضال الحاضر / أزاد خليل
- سعید بارودو. حیاتي الحزبیة / ابو داستان
- العنصرية في النظرية والممارسة أو حملات مذابح الأنفال في كردس ... / كاظم حبيب
- *الحياة الحزبية السرية في كوردستان – سوريا * *1898- 2008 * / حواس محمود
- افيستا _ الكتاب المقدس للزرداشتيين_ / د. خليل عبدالرحمن
- عفرين نجمة في سماء كردستان - الجزء الأول / بير رستم
- كردستان مستعمرة أم مستعبدة دولية؟ / بير رستم
- الكرد وخارطة الصراعات الإقليمية / بير رستم


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - القضية الكردية - محمود عباس - كيف صنعت الحكومة الانتقالية أقوى حُجّة لتقسيم سوريا