أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - محمد علي محيي الدين - عبد الحسين الجنابي شاعرٌ يسقي القوافي من جدول الفصحى














المزيد.....

عبد الحسين الجنابي شاعرٌ يسقي القوافي من جدول الفصحى


محمد علي محيي الدين
كاتب وباحث


الحوار المتمدن-العدد: 8566 - 2025 / 12 / 24 - 13:40
المحور: سيرة ذاتية
    


في قرية "المعيميرة" الوادعة، المتربعة عند أطراف مدينة الحلة، ولد الشاعر عبد الحسين كاظم حسن زامل الجنابي عام 1941، لا كمولود عابر، بل كصوت سيأتي لاحقًا ليُعيد إلى اللغة العربية جلالها، ويُغذّي جذورها التي كادت تُصاب بالعطش في أرضٍ غبراء. ومنذ خطواته الأولى في مدارج الحلة، كان أشبه بمن يُهيئ نفسه لرحلة طويلة مع الكلمة، فشقّ طريقه في الدراسة حتى بلغ كلية الشريعة، ومنها تخرّج حاملاً في يده شهادة امتياز، وفي قلبه بستانٌ من اللغة والفقه والبلاغة.
لكنه لم يكن فقيهًا تقليديًا ولا لغويًا متحفيًا، بل روحًا شاعرةً تمزج الشريعة بالأدب، والحكمة بالوجدان، والتاريخ بنبض القصيدة. ومنذ ستينيات القرن الماضي، أخذ الجنابي يسكب نفسه شعرًا، فتوزّعت قصائده بين العمود الأصيل والتفعيلة المجددة، يكتب بلسانٍ فصيح لا يخالطه عامي، حتى في حديثه اليومي، وكأنه يحمل اللغة في صوته لا في قلمه فقط.
كان معلمًا للغة العربية، لكنه في الحقيقة كان يُدرّسها بروح الشاعر لا بمنهج المعلم. ومن مقاعد الدراسة إلى المنابر الثقافية، ظل الجنابي وفياً لحرفه، حتى حين تقاعد عن التدريس في تسعينيات القرن الماضي، لم يتقاعد عن الشعر، ولم تتعب منه القوافي، بل ظلت تنبت على أطراف كلماته كزهورٍ برّية نمت في حقول اللغة.
في دواوينه المتعددة، مثل "من سفر اللاءات" و"الشعر دوح أخضر" و "من فيوض الوجدان"، تتجلى بصمته الأسلوبية الفريدة؛ لغة متينة، جزلة، مترعة بالمفردات الغريبة التي تحرج حتى القواميس، لكنها بين يديه تصبح نضرة، حيّة، كأنها خرجت لتوها من فم امرئ القيس أو طرفة بن العبد. لا يهاب الغريب من الألفاظ، بل يحتفي به، ويُطعّمه في جسد القصيدة دون أن يشوّه موسيقاها أو يعكّر صفوها.
وقد تنبّه النقاد لهذه السمة الفريدة في شعره، فكتب محمد جودة العميدي مقالة بعنوان "انتقاء المفردة والبناء الفني للقصيدة", وصف فيها طريقة الجنابي في اصطياد الكلمة النادرة وصهرها في بوتقة شعرية لا يشوبها تعقيد ولا تكلّف، بل يخرج منها المعنى أكثر تألقًا وأوسع دلالة.
أما علي عبيس المعموري، فدرس تجربته في بحثٍ أسلوبي منشور في مجلة القانون والعلوم البينية، وسلّط الضوء على أدوات الجنابي الفنية التي تتراوح بين الانسياب الموسيقي والصرامة اللغوية، وبين الإيحاء الديني والرمز الإنساني، مؤكدًا على عمق تجربته وتمكّنه من أدواته.
ولأن الشعر عند عبد الحسين الجنابي ليس غاية للزينة، بل وسيلة للبعث والتذكير والحكمة، فإن قصائده كثيرًا ما تستحضر الموروث وتنفخ فيه روحًا معاصرة. فيقرأ القارئ فيها ملامح التاريخ العربي، ويشتمّ فيها عبق التراث، لكنه لا يشعر بأنه يقرأ شيئًا منسيًا، بل شيئًا ينبض بالحياة، كأن القصيدة عنده ماضٍ حاضر، أو حاضرٌ ينهل من ماضٍ عريق.
كتب عنه عدد من الباحثين والأدباء، أبرزهم د. صباح نوري المرزوك الذي أدرجه في كتابه "تكملة شعراء الحلة" و"النهضة الفكرية في الحلة"، مؤكداً على مساهمته في إثراء الساحة الأدبية، لا سيما وهو أحد من ارتبط اسمه بالجيل المحافظ على العمود العربي، والمجدد في إطار أصوله لا خارجها.
ولم تغب مكانته عن المؤسسات الثقافية، فقد كرّمه اتحاد أدباء وكتاب بابل، واحتفت به جمعية الرواد الثقافية التي هو أحد أعضائها، وأحنت له جامعة بابل هامات التقدير في يوم المعلم، عرفانًا لما غرسه من حبّ اللغة ووعي الشعر في نفوس طلابه.
أما ديوانه "صرير اليراع وهزيز الرياح"، فيكاد يكون عنوانًا مكثّفًا لمسيرته كلها: صوت القلم حين يكتب، وصوت الريح حين تهب من بوادي الحنين، ومن صحارى الغربة. إنه الشاعر الذي لم تغره ضوضاء الحداثة المفتعلة، ولا فتنة السهولة، بل آثر الصعب الجميل، والجزيل العذب، فكتب بلغةٍ لا تصالح، ولا تهادن، ولا تتنازل عن شموخها.
عبد الحسين الجنابي ليس فقط شاعرًا من المعيميرة، بل شاعر من تلك الضفة النقية التي ما زالت تؤمن أن العربية ليست مجرد لغة، بل وطنٌ قائم بذاته. هو حارس من حراس الفصحى، ومزارع يزرع القوافي في تربة الثقافة، ويسقيها من نهر الشعر، لعلّها تبقى خضراء في زمن الجفاف.



#محمد_علي_محيي_الدين (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- القاص والروائي علي غازي غواية القصّ بعيون ناقدة
- عماد الحاج حسن باحث ينقّب في تراب المعنى ويجلو غبار النسيان
- علي أبو بكر شاعر العبور من الجمر إلى الغيم
- محمد كاظم جواد شاعر يغمس ريشته في دهشة الطفولة وحنين الإنسان
- علي تاج الدين شاعر الأسطورة والمجازات العالية
- عبود المهنا الناقد الذي نسج المسرح بالفكر، وقرأ الجسد بعيون ...
- كامل الدليمي رجلٌ عبرَ الحياة بين القصيدة والقلق
- علي عبد الأمير عجام الشاعر الذي سكنه الإعلام، والناقد الذي أ ...
- علاء مظلوم... الشاعر الذي أنصتَ لجلنار الوجود
- عباس بغدادي قلم الحلة المتفرد بين دفء التراث ونبض الحداثة
- علاء الكتبي رجل الذاكرة الحيّة، وسادن الثقافة في مدن الفرات
- عباس السلامي: غيم القصيدة وظلال الذات
- صلاح عباس العين التي أرّخت الجمال، والريشة التي كتبت بالنقد ...
- جواد كاظم محسن رحّالة في دروب الذاكرة والتراث
- زهير الجبوري ناقد يلتقط تحولات النص وتقلّبات العصر
- صباح شاكر العكام... سارد الذاكرة وراوي التمردات الصغيرة
- شاكر هادي غضب فنان الحروف، وباحث الذاكرة الشعبية
- محمد عبد الجليل شعابث سادن الذاكرة الشعبية وباحث الضوء الخاف ...
- سعد خليل الكبيسي كاتبُ الذاكرة ومحفوظاتُ الوجدان المحلي
- يحيى الربيعي شاعر المنتهى وإشراقات الأزل


المزيد.....




- الحرس الثوري يعلن اعتراض سفينة نفط محمّلة بأربعة ملايين ليتر ...
- خلال العقد المقبل.. إسرائيل تخطط لاستثمار بقيمة 110 مليارات ...
- تهديدات أوروبية بالرد على فرض واشنطن عقوبات على شخصيات أوروب ...
- كأس أمم أفريقيا: ديالو يقود منتخب ساحل العاج حامل اللقب إلى ...
- الشيباني في روسيا وتأكيد على أهمية العلاقات بين دمشق وموسكو ...
- الاستعمار وأزمة القضاء في تونس
- شهيد ومصابون بجباليا والاحتلال ينسف مباني في خان يونس
- فايزر تعلن وفاة مريض بعد تلقيه دواء لعلاج سيولة الدم في تجرب ...
- دراسة: دواء فالاسيكلوفير قد يزيد تفاقم التدهور المعرفي لدى م ...
- خبراء أمميون: الحصار البحري الأميركي على فنزويلا ينتهك القان ...


المزيد.....

- كراسات شيوعية (مذكرات شيوعى ناجٍ من الفاشية.أسباب هزيمة البر ... / عبدالرؤوف بطيخ
- أعلام شيوعية فلسطينية(جبرا نقولا)استراتيجية تروتسكية لفلسطين ... / عبدالرؤوف بطيخ
- كتاب طمى الاتبراوى محطات في دروب الحياة / تاج السر عثمان
- سيرة القيد والقلم / نبهان خريشة
- سيرة الضوء... صفحات من حياة الشيخ خطاب صالح الضامن / خطاب عمران الضامن
- على أطلال جيلنا - وأيام كانت معهم / سعيد العليمى
- الجاسوسية بنكهة مغربية / جدو جبريل
- رواية سيدي قنصل بابل / نبيل نوري لگزار موحان
- الناس في صعيد مصر: ذكريات الطفولة / أيمن زهري
- يوميات الحرب والحب والخوف / حسين علي الحمداني


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - محمد علي محيي الدين - عبد الحسين الجنابي شاعرٌ يسقي القوافي من جدول الفصحى