أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد عبدالله الخولي - تجليات الشعرية في العامية المصرية جدلية الخفاء والتجلي في ديوان -حضرة القهاوي- ل آية حكيم















المزيد.....



تجليات الشعرية في العامية المصرية جدلية الخفاء والتجلي في ديوان -حضرة القهاوي- ل آية حكيم


محمد عبدالله الخولي
كاتب/ ناقد/ باحث

(Mohammed Elkhooly)


الحوار المتمدن-العدد: 8565 - 2025 / 12 / 23 - 16:21
المحور: الادب والفن
    


يمثل النص الشعري الجاد كتلة جمالية مستقلة ومنغلقة، وتكمن جمالية النص الشعري في كونه كليَّة موحّدة مهما تعددت مضامينه وظروفه، وتوسعت رؤيته، واختلفت تمثيلاته، فلابد أن يدور النص الشعري – بوصفه كليَّة موحّدة – حول مبدأ واحدٍ، وهذا المبدأ – الذي نعنيه- أن يكون النص تجلِّيَاً حقيقيا للشعرية، وكلّ ما يعبر عنه النص مرتهن بشروطها؛ فكل نص يمثل تجلِّيَاً جديدا ومغايرا من تجليات الشعرية، ولذا، فكل نص هو بنية/كتلة جمالية مستقلة ومنغلقة على نفسها، تحمل تجربة الذات في بنية لغوية- رمزية تتفجر طاقاتها الجمالية بانغلاقها على نفسها.
وهذا يعني أنّ البنية النصية – التي تحمل أسلوبا خاصا – لا تكون مشتتة بين ما هو شعري وما هو غير شعري، فكل جزء من أجزاء البنية منغمس في معمودية ماء الشعر، "هكذا يقدم الشعر كلَّ ما يعقله في شكل كلية مستقلة ومنغلقة، كلية قد تكون غنية غنى عظيما بالمضامين، وقد تحتوي جملة كثيرة من الظروف والأفراد والأفعال والأحداث والعواطف والتمثلات، غير أنه ملزم بأن يقدم هذه المجموعة الواسعة من الخصوصيات وكأنها تابعة لمبدأ واحد، بحيث لا تعدو هذه الخصوصيات أن تكون تظاهرات له."، وهذا يعني سلسلة من الترابط بين البنيتين: السطحية- العميقة، فالترابط في البنية السطحية يتمثل في تماهي التراكيب اللغوية واتساقها في جملتها، وعلاقة هذه الجملة/التركيب بالسياق النصي الأكبر، واندماغ كل ما سبق مع مستويات النص الجمالية المتعددة من إيقاع ومجازات يرتكز عليها النص في البنية السطحية. أما بالنسبة للبنية العميقة يكون الترابط فيها على مستويين: الأول، يخص البنية العميقة وترابطها على مستوى الفكرة والمضمون. والثاني، ترابط بين البنيتين: السطحية والعميقة، حيث تكون اللغة – بمستوياتها الجمالية المتعددة – موائمة للمضامين والرؤى التي تحتشد بهما البنية العميقة.
ديوان "حضرة القهاوي" لــ آية حكيم – بعد مطالعتنا له – نستطيع أن نصفه -ونصوصه- أنه بنية/ كتلة جمالية مستقلة ومنغلقة على نفسها. هذا الديوان يمثل تجربة جادة تحمل بصمة أسلوبية تخص الشاعرة وحدها. وكل ما في الديوان من تيمات/سمات وبنية أسلوبية يدور حول قطب/مبدأ واحد وهو الشعرية المتغياة من كل نص ينسب نفسه للشعر. لم تصف لنا آية حكيم الواقع ولكنها خلخلت هذا الواقع من خلال جدليات انبنى عليها هذا الديوان نستعرضها لاحقا. فلم تكن غاية آية حكيم وصف الواقع، ولكنها أرادت أن تعبر لا تصف، تفسر ولا تحاكي، فالديوان – في عموميته – ناطق معبر عن تشتت الذات وعذاباتها، "هذه هي الكيفية التي بمقتضاها يتصور الشعر ويمثل ذات طبيعة نظرية إذن. وبالفعل ما مهمة الشعر وغايته إلا أن يصوغ وينطق، لا أن يصف الوجود. وقد بدأ الشعر يوم ساورت الإنسان الحاجة إلى التعبير عن ذات نفسه. فالمعبر عنه لا غاية لوجوده إلا أن يعبر عنه." وهذه الغاية القصوى التي يرجوها ويتوسل بها النص الشعري الحقيقي، أن يتجاوز الشاعر تيمة الوصف إلى تيمة البوح والتعبير عن داخله ورؤيته ومضامينه.
يشتغل ديوان "حضرة القهاوي" بداية من العنوان على الجدليات التي تقوم على تهشيم المنطقي والمعهود – داخل نطاق الشعرية -، فالعنوان يرتكز على مفردتين احتلتا المساحة الكلية للعنوان: (حضرة)، والتي تحمل طابعا صوفيا وملمحا قدسيا، فهي لا تعني الحضور أو الاجتماع بقدر ما توحي بالحضور العلوي/الروحي. أما (القهاوي): فهي تحيل إلى مساحات مكانية محيزة ذات طابع خاص ومشهدية مجتمعية معتادة، فالقهاوي لها سمتها وطبيعتها وجوها، ولكنها – بوصفها مكانا ماديا محيزا – لم تحافظ على معجميتها وتاريخيتها التداولية، وانسخلت من مشهديتها المعتادة إلى مشهدية علوية تشربتها من مفردة "حضرة" التي تنزع نزوعا صوفيا علويا. وهذا يعني أن "القهاوي" التي يرتكز عليها الديوان تقع في ديالكتيك: (الخارج/الداخل). وهنا ينطرح سؤال حول المرتكز المكاني الذي ينشأ عليه/حوله الديوان: هل القهاوي دخلت من الخارج الواقعي إلى الداخل النفسي وتأثرت بقوى الشعرية فتجلت كأنها حضرة صوفية؟ أم تبلورت تلك المضامين والرؤى في الداخل النفسي بعيدة عن المكان/القهاوي؟ وهذا يعني أن العالم الداخلي للشاعرة التقط هذه الرؤى/المضامين وأصبح لها واقع مستقل، ثم تمظهرت هذه الرؤى/ الأفكار على مرايا الواقع من خلال استنطاق القهاوي بوصفها رمزية مكثفة ينطمر في منظومتها الواقع؛ وهذا ما يدفعني إلى القول: أن بنية الديوان بنية مستقلة منغلقة على نفسها، فقد تدامج الذاتي (الشخصي) مع الموضوعي (العام). ليس لنا في مثل هذه البنى أن نحيل النص – بكليته – إلى الذاتي الخاص، فمثل هذه البنى المنغلقة على نفسها تستدعي مقولة "موت المؤلف"، حيث يبقى النص بأنساقه المضمرة هو المرتكز التحليلي الوحيد دون الالتفات إلى الجانب الشخصي للشاعرة، فالأخير يقتل الشعرية وينحيها عن عالم الأدب، فالنص مزيج متدامج بين الذاتي والعام، بحيث يصعب إحالة النص إلى واقع خارجي بعينه، أو أن يرتكز على شخصية بعينها، فالنص – بوصفه كتلة جمالية منغلقة – ينفتح على مسارات متعددة من التأويل، حتى وإن كان القصد (الذاتي) هو الموجّه للنص وبنيته. فالشاعر الجاد هو الذي يغيب نصه عن الخاص ويفتحه على الموضوعي العام، فالنص حر طليق، وهذا ما قصده دعبل الخزاعي في قوله:
إنِّي إذا قلت بيتا مات قائله ***** ومن يقال له، والبيت لم يمتِ
وهذا ما يدفعني إلى التعامل مع هذا الديوان من وجهة نظر بنيوية، حيث ينغلق النص على ذاته، ولا يعتمد على السياقات الخارجية حال تأويله. فليس أمامنا سوى المادة النصية اللغوية المتفجرة بطاقات الشعر الذي رفع اللغة إلى مستوى أعلى، كما في قولها في قصيدة القهوجي:
وينفخ الجوزة يسلكها
تدب فيها الروح
من غير ما يقصد خلق
يشعر بروح موسى
تمتلك بدنه
يتلم شق الحيط على بعضه
ووقت ما يشاور بمعلقته
كل الحيطان تنشق
ويطاوعه كل ما في المكان
طاعة المجذوب لمحبوبه
تسجيب له الكنكة والنار
والجوزة والجمرة
يسكروا الناس باليانسون من إيديه
أكتر ما يسكروا في الحانة
م الخمرة
تحولت المقهى إلى ما يشبه العلوي/الروحي، فقد تخلصت من مشهديتها المعتادة، ولم يبق منها سوى الجانب الروحي الذي تراه آية حكيم وحدها في هذا الحيز المكاني. فهل المقهى أو القهوجي يحيل إلى واقع/شخص بعينه؟ أم تنفتح كلمة "القهوجي" لتشمل كلَّ من يمارس هذه المهنة؟
من هنا نعيد القول: أنّ ديوان "حضرة القهاوي" يقبل التأويل وينفتح على أكثر من جهة، فاللغة الشعرية المكثفة تقف حائلا يمنع إحالة النص إلى واقع بعينه حيث انغمست كل مكونات البنية النصية في ماء الشعر. ولنا هنا أن نوازن بين نمطين من الشعر: الأول، يسهل إحالته إلى واقع خارجي معروف، وهذا النوع ينغلق معه التأويل، فالأخير لا يتعدد مع انفتاح النص على الواقع، بينما تتعدد التأويلات بانغلاق النص على ذاته، ولن يتحقق هذا الانغلاق إلا بمهارة لغوية/أسلوبية يغيب فيها الخاص ويتماهى مع العام، فتصعب الإحالة ويتعدد التأويل. فلسنا ندري – عند عزل المؤلف عن النص – هل الواقع المتمثل في "القهاوي" هو المهيمن على النص؟ أم الداخل (الباطني) تخلّق في رحم الشعرية بمضامينه ورؤاه، ثم اتخذ من "القهاوي" رمزا من خلاله تتمظهر هذه الرؤى مجسدة في واقع القهوجي والمقهى.
عندما ارتقت اللغة إلى مستوى أعلى من الشعرية أصبح النص كتلة جمالية، هذه اللغة هي التي جعلت من المقهى حضرة صوفية، ومن القهوجي وليا عابدا تجري على يديه خوارق العادات، وهذه النظرة الصوفية مهدت لها كلمة "حضرة" التي أشرنا إليها في العنوان بنوازعها الصوفية.
التقطت صوفية "القهاوي" من جملة العنوان بما تحمله كلمة "حضرة" من دلالات صوفية، وهذا ما تأكد لدينا من خلال المتن النصي، لا سيما في المشهد الصوفي السابق، حيث استدعت الشاعرة – بشكل مضمر – معجزة عيسى – عليه السلام – في قولها: "من غير ما يقصد خلق"، ليس هذا فحسب، إذ توغّل المشهد السابق في قدسيته العلوية باستدعاء موسى – عليه السلام – ومعجزة العصا التي تعددت مشاهدها في النص المقدس، فــ "ملعقة" القهوجي تنطاع لها الأشياء، كما انطاعت لموسى من قبل، وهذا في قولها: "يتلم شق الحيط على بعضه/ووقت ما يشاور بمعلقته/ كل الحيطان تنشق"، ليس هذا فحسب، ولكن القهوجي الذي يعاني واقعه المرير تلزمه قوة بدنية غير عادية فيشعر بــ "روح موسى تمتلك بدنه"؛ ليتحول بهذا القهوجي إلى كائن مقدس عندما مسته أنوار الكرامة، وجرت على يديه خوارق العادات، فطاوعته الأشياء في المقهى "طاعة المجذوب لمحبوبه" فاستحالت المقهى إلى حضرة صوفية/مكان علوي مقدس، وأصبح "القهوجي" وليا تنخرق له عادات الأمور، وتستحيل إلى ضدها فأصبح اليانسون أكثر سكرا من الخمر في الحانة.
وهنا يهشم الشعر منطق الأشياء ويخرق قانون العقل ويتعالى على الأسباب، فهكذا، "يقدم الشعر نفسه للجمهور في صورة لا عقلانية، ولعل هذا الفارق الوحيد بين الشعر والسرد، فالأخير يقدم نفسه للمتلقي أنه بنيان يرتكز على علاقات منطقية/عقلية. أما الشعر فهو يرتكز على علاقات تخص مبدأ الشعر ذاته، حيث يرتكز الشعر على الداخل، يبني عوالمه في الباطن الإنساني، ثم تتجسد هذه العوالم في اللغة، ومن هنا تكون الأخيرة الحامل لقوى الشعرية وتجليات الشعر.
من وجهة نظر خاصة يتوزع الشعر على نمطين: (الداخل) حيث المضامين والرؤى التي تتجسد لغة، ثم تنعكس على مرايا الوجود ليتمظهر الداخل من خلال مادتين: اللغة والعالم، وهنا تنولد الشعرية معنى مجردا في الداخل الإنساني. هذه المعاني الشعرية (المجردة) لها عالمها المستقل عن العالم/الواقع، وفي النمط الأول الذي أسميته (الداخل) ينبني الشعر بعلاقاته دون أن يستلهم مادته من الخارج العياني، فيكون الباطن الإنساني – فقط – هو المولد للمعاني دون أن يرتكز على العالم الخارجي، ولكن الشاعر يظل في حاجة إلى الواقع – بوصفه وسيلة – تتجلى عليها المعاني، ليمنح الواقع الأخيرة حق الوجود في العالم. أما النمط الثاني: هو (الخارج)، ويكون فيه الواقع المادة التي يرتكز عليها الشعر، حيث ينسرب (الخارج) إلى (الداخل) فيتهشم الواقع وينطمر تحت رؤى الذات وقوى الشعرية، ويُبنى عالم جديد على حطام آخر تهشَّم في الباطن الإنساني، وهذا ما تدور حوله جدلية ديوان "حضرة المقاهي" فآية حكيم بمهارة شعرية ولغة معجونة بماء الشعر المقدس لا تمنحك الفرصة لتتعرف على ماهية الموضوع/أو المرتكز النصي الذي تنبني عليه القصيدة؛ ولذا ينفتح النص – بوسمه علامة سيميائية كبرى – على مسارات متعددة من التأويلات والإحالات، فالديوان – في عموميته – واقع في ديالكتيك الخارج- الداخل، وهذا ما جعل منه نسقا جماليا متعاليا على المنطق الحياتي والقوانين العقلية، فكل جزء من أجزاء البنية متفجر بطاقات لغوية- شعرية هائلة، فــ "الشعر يقول ما لا يقوله الذهن ولا المنطق ولا النظريات ولا العلوم. وما من قيمة له إلا بقدر ما تبثّ فيه النفس من دفء وصدق وعمق ووجدان، وتلكم هي أبرز مكونات الأصالة الشعرية."، وهذه الشعوريات نلمحها كثيرا ومتلاحظة لدينا في ديوان "حضرة القهاوي" كما في قولها:
يقلع جلابيته، كفنه اللي بجيوب
لكنه لا يملك يعبِّيها
يلم نفسه من نفسه
ويقلع ملامحه
يحطها على الحيط
من غير ما روحه تنكشف
للغيب يعيب فيها
وينام عشان لازم ينام
قبل ما الليل يوجعه
بأحزان كان الزحام يخبيها
ويقوم عشان لازم يقوم
يحرر قهوته
والأغاني
والناس
وروحه
كل يوم."
القصيدة عند آية حكيم ليست مجرد مجموعة من الخواطر أو الصور أو المعلومات، ولكنها بناء متدامج الأجزاء، منظم تنظيما صارما، بحيث لا يحيد جزء منها عن تناسقه مع بقية الأجزاء الأخرى، وتكامله معها تكاملا مقفولا." وبهذا التكامل تتحول القصيدة إلى بنية كلية موحدة."، وهذا لا يتحقق في كثير من النصوص، وتحققه يعني وصول القصيدة إلى أقصى درجة ممكنة من الشعرية. في نص "القهوجي" نرى انتظام البنية بشكل محكم صارم متعمَّد من قبل الشاعرة، وهذا ما يجعلنا نميل إلى أن آية حكيم تكتب بوعي وعن رؤية وهي ملتضمة بنسق تفكيري منتظم، يتجلى في البناء اللغوي للنص، فربما ينتظم الفكر في النفس ويختل عندما يتمظهر في جسد اللغة الشعرية لضعف الموهبة عند الشاعر، ولكن عند آية حكيم ينتظم الفكر الداخلي مع شعوريات النفس واللغة في آن، وكأنّ القصيدة عندها – بل الديوان كله – لوحة من فسيفساء تبدع الشاعرة في تشكيلها، ووضع كل جزء من أجزاء اللوحة في مكانه المنضبط ليتحمل دلالات تتخطى المرئي إلى ما هو مستتر خلف معمارية النص وتشكيله... وأكبر دليل على ذلك، أن النسق القدسي "الموساوي" الذي تشظى داخل البنية النصية، ظل مهيمنا على النص يتجلى ويتخافى، فبعد ظهور النسق الموساوي بصورة جلية، لم تنقطع صلته بالنص مع تخافيه داخل البنية، وهذا يدل على أن "القدسي" الروحي هو المهيمن على النص، فبعد تخافي هذا الجانب "الموساوي"، يتجلى بشكل مقنع في قولها: "
ويخلص اليوم..
زي ما بيخلص العمر
يقفل الراديو
تنحبس بلفة زر
كل الأغاني
يشد الباب الصفيح الأمين
وترجع الأشياء
سيرتها الأولى من تاني."
في نهاية المقطع الشعري السابق، تتناص آية حكيم مع قوله تعالى في سورة (طه): "قال خذها ولا تخف سنعيدها سيرتها الأولى". وهذا يدل على أنّ البنية النصية عند آية حكيم منتظمة إلى حد بعيد ومحكمة بشكل صارم؛ فاستدعاء الآية السابقة يدل على تشظي الجانب الروحي المجسد في شخصية موسى – عليه السلام – في البنية النصية ليس هذا فحسب، ولكن حلول الجانب المقدس مرتهن بفتح الباب الصفيح، فتحدث حالة من التجلي مرتهنة بفتح الباب، وتتلاشى هذه الدرامية المقدسة بغلق الباب الصفيح لتعود الأشياء هامدة في غياب القهوجي الذي منحته الشاعرة درجة من الولاية.
بداية من الإهداء (الشعري) وعن طريق الوميض الخافت تؤسس الشاعرة لعالمها الذي تجلى لنا في المتن النصي، فالإهداء عند آية حكيم ليس إهداءً عاديا، ولكنه الإهداء المانح للنص الشعري ماهيته/كينونته؛ فمن يستغرق – بفعل القراءة الواعي – يجد لكل النصوص تجليات في الإهداء. فـ "الطرق الجانبية في الرحلة= ماوراء الواقع= ما وراء الحياة= ما وراء المكان. و"الحكايات الهامشية عالقهاوي= ما وراء الحكاية= الهامش= التفاصيل المهملة. أما "الأغاني والموسيقى والنغم"= العالم الآخر= العالم الممكن= العالم المعادل، لتكون هذه المكونات: (الإغاني/الموسيقى/ النغم) هي مرتكزات العالم الذي تتغياه أو تفر إليه آية حكيم. و "مقام الصبا في صوت المنشاوي" هو المعادل الرمزي للعالم المقدس الذي تفرغ فيه الشاعرة انكسارات الذات، وتقوم بشحنها نورانيا من هذا المعين المقدس. وعن "السما اللي رفعها في قلبي بلا عمد" تمثل حالة من التوتر بين ما هو علوي وما هو أرضي، بين الواقع والممكن، كما يتجلى ذلك في قصيدة "قهوة الملايكة". و"لإسماعيل كل يوم"= الزمن= الأيام= الامتداد الأفقي للحياة= الحياة نفسها. أما سامح ينفتح به الزمن على الأبدية التي تحدث عنها الراهب "أوغسطين" في بكائياته. فالإهداء يحمل المتن النصي بمضامينه ورؤاه بشكل منتظم ومحكم، كما يشتمل على المكان ومعادله، والزمن وحركيته، ويبني الإهداء على الجدليات نفسها التي انبنى عليها الديوان في صورته الكلية.
تفجير اللغة وشعرية التراكيب:
لا تكتسب اللفظة شعريتها وهي منعزلة عن التركيب الذي يمنحها الشعرية، ويبث فيها طاقة تجعلها قابلة للانفجار محتملة لدلالات لم تعرفها من قبل، وكأنّ الكلمة عند دخولها في التراكيب الشعرية، تنخلق خلقا جديدا مبتعدة عن معجميتها وتاريخها التداولي، ولهذا لم يرتض الباحثون مقولة "شعرية اللغة" التي وفدت إلينا من الغرب؛ ولكننا نعتقد فيما قاله شيخنا الجرجاني، فــ "الألفاظ لا تراد لأنفسها، وإنما تراد لتجعل أدلة على المعاني، وأن تغييرها قد يفقد الكلام طعمه وغرضه. فعبد القاهر الجرجاني لا يؤمن بقيمة اللفظة المفردة، ولا بما يسمى اللغة "الشعرية" وإنما يرى أن كلّ لفظة تصلح للكلام إذا وضعت في موضع يليق بها، وهي تكتسب الشعرية من خلال النظم." فالأخير – بوصفه سياقا جامعا للنص، هو المانح للكلمة قيمتها شريطة اندماغها في البنية النصية والتراكيب التي تتكون منها البنية. فالشاعر، "يستعمل ألفاظ اللغة استعمالا يتفق والمعنى الذي يريد إخراجه، والصورة التي يبغي تلوينها، أي أنه يخلق اللغة الشعرية التي تتجسد فيها فاعلية التنظيم على مستويات متعددة، وأن هذا التنظيم يخلق فجوة: مسافة توتر على درجات مختلفة من السعة والحدة بين اللغة الشعرية واللاشعرية."، فاللغة الشعرية تنبني على التوتر الذي تحدثه في ذهن المتلقي، ولولا هذا التوتر الذي تصنعه اللغة العليا – بوصف جان كوهين – لما وصفت هذه اللغة بالشعرية، "فاللفظة لا تظل أسيرة المعجم وإنما هي طاقة تتفجر معاني وصورا جديدة، وبذلك كان الشعر الأصيل أو الشعرية المتميزة تحطيما للغة لا بمعنى الهدم وتركها ركاما، وإنما ليعيد الشاعر بناءها على مستوى أعلى. ولغة الشاعر لغة شاذة وهذا الشذوذ هو الذي يكسبها جدة وطرافة، أي أن اللغة الشعرية انحراف عن قوانين الكلام، وهي لغة يبدعها الشاعر لأجل أن يقول شيئا لا يمكن قوله بشكل آخر."، وهذا متلاحظ في اللغة الشعرية التي اعتملتها آية حكيم في ديوانها "حضرة القهاوي" حيث تقول في قصيدة "فلاح قهوة الكفر":
الحقيقة..
زي الحق نسبية
إزاي تجيب فلاح
عشيقته الأرض
تعلمه الطيران
وتنسبه لحقيقة وهمية
يعمل إيه
لو ترك فاسه
وركِّب جناح
لمَّا ينده ربنا في الفجر
"حي على الفلاح"
يزرع إزاي في الهوى؟
تطرح إزاي السما؟
كل مفردة أو تركيب في المقطع الشعري السابق عند انتزاعه من السياق النصي، يصبح كلامًا عاديا في مستوى اللغة الطبيعي ولا علاقة له باللغة العليا/الشعرية، فمثلا: (يعمل ايه/لو ترك فاسه/ ركب جناح/ الحقيقة زي الحق نسبية/ يزرع إزاي في الهوى)، كل مفردة أو تركيب – عند انتزاعه من السياق النصي تنسلخ عنه شعريته، بينما تمنح هذه المفردات/التراكيب شعريتها من خلال النظم أو انتظام البنية النصية، فالشعرية عبارة عن شبكة علاقات نصية في سياق أكبر، فلكل مفردة أو تركيب ميلاد جديد في ملكوت الشعرية، شريطة أن تندغم هذه التراكيب والمفردات في بنية نصية متكاملة ومغلقة على نفسها بفعل قوى الشعرية، فتلك التراكيب البسيطة في النص السابق غمرها ماء الشعرية بوجودها في سياق شعري تتحرك بحركته أجزاء النص مجتمعة. ليس هذا فحسب، ولكن آية حكيم استطاعت – بشعريتها المفرطة – أن تصل باللغة إلى حدود الانفجار التأويلي، ففي نصها "فلاح قهوة الكفر" تقول:

ويحكي لعياله حكايات
عن بكره الاخضر
لما رواه بالدمع
عياله النبيهة
من دروس المدرسة
يستنوا درس الجمع
ويقوموا عصبة
يبشروا بشفاعة الفلاح
يوم الموقف الأعظم
علشان في إيده زرعته
وفــ قلبه معنى الشفع."
مع بساطة المفردات والتراكيب في المقطع السابق، بيد أنها -عبر شحنها دلاليا بفعل الشعرية- وصلت إلى درجة الانفجار الدلالي، فبساطة التراكيب لم تكن حائلا أمام آية حكيم لتمنح تراكيبها اللغوية طاقات شعرية مرتكزة على الانزياح اللغوي فــ "الطاقة المتفجرة في الكلام المتميز بقدرته على الانزياح، والتفرد، وخلق حالة من التوتر، ومما قيل في هذا الاتجاه: أنها تجسد في النص لشبكة من العلاقات التي تنمو بين مكونات أولية سمتها الأساسية أن كلًّا منها يمكن أن يقع في سياق آخر دون أن يكون شعريا، لكنه في السياق الذي تنشأ فيه هذه العلاقات وفي حركته المتواشجة مع مكونات أخرى لها السمة الأساسية ذاتها يتحول إلى فاعلية خلق للشعرية ومؤشر على وجودها.

الإيقاع ودلالاته النفسية في "حضرة القهاوي"
لم أكن مقتنعًا – ذات يوم- أن الإيقاع الشعري مرتهن بالوزن العروضي فحسب، فثمة بناءات صوتية تخضع لموسيقية إيقاعية كبرى ينبني عليها النص الشعري، وهذا ما التفت إليه ونبّه عليه الفلاسفة المسلمون فهم "لم يتعاملوا مع الوزن كما تعامل معه العروضيون بل انطلقوا من مفهوم موسيقي، ولذلك نجد فهم الفلاسفة وهم ليسوا عروضيين بالطبع للوزن الشعري يقوم على أساس موسيقي... ولهذا نجد معظم إشاراتهم إلى الوزن الشعري في ثنيايا مؤلفاتهم الموسيقية، لكنهم في الوقت نفسه أخذوا في اعتبارهم الشعر العربي وحاولوا وضع تصورات للوزن من خلاله. وهذا ما أدى إلى انفتاحهم حول النص الشعري والتخلي عن النظرة العروضية التجزيئية المبنية على رصد التفاعيل العروضية، بل كانت هذه النظرة انطلاقة واسعة نحو دراسة موسيقية للشعر تبدأ من الموسيقى وتنتهي عند جماليات البنية الصوتية في النص الشعري." فثمة تراكيب صوتية تندمج مع بنية العروض مشكلة إيقاعية كبرى، فليس الوزن العروضي -وحده- هو المولّد للبنية الإيقاعية، ففي نصها "الجنوب المقدس":
كل الخطاوي بتتولد
من عشقنا لمعنى اللقا
حضن اللقا..
معصور بروح الذكريات
والحنين للماضي..
يمكن واللي جي
أهلك الفايت بلادهم
لم فاتوك."
ارتكزت المقطوعة الشعرية السابقة على تفعيلة واحدة-(مستفعلن-/0/0//0)، ولم تخرج عنها الشاعرة، إلا وفق ما يسمح به قانون العروض، فخروجها عن التفعيلة مرتهن بقانونها العروضي. إنّ التزام الشاعرة بوحدة التفعيلة سرّع من إيقاع النص نظرا لتعاقب التفعيلة. ولكن لم يكن الوزن العروضي وحده هو المولد للبنية الإيقاعية، فقد لاحظنا انتشار حرف المد (الألف) في المقطوعة السابقة:( طا/نا/نى/قا/قا/يا/ما/فا/لا/فا)، فتشظي حرف المد (الألف) ولّد إيقاعًا صوتيا متعاليا مندغما مع الوزن العروضي.
لكل موضوع شعري نغمة موسيقية وبنية إيقاعية مختلفة ولذا، "لا يقف ابن سينا عند الوزن واللحن بل يتعداهما إلى النظر إلى تأليف الأصوات، فهي عنده محاكاة لهذه الهيئات الشعورية المختلفة التي تتمثل في النفس فتؤثر فيها، فإذا ما ازّين تأليف الأصوات، هذا بالنظام الموسيقى حصلت اللذة في النفس لأن سبب اللذة هو الشعور بالمنتظم." فالغضب له نغمة، والحزن له نغمة مغايرة، وللخوف نغمة تناسبه، وللغربة أنغام تتواءم مع طبيعة الحال... في نصها الموسوم بــ " قهاوي القاهرة" تقول:
قلعت كفنها عند أبواب السما
خاف الكفن م الأرض
فاتحوّل سحاب
وقت الحساب
الذنب نفسه بيعترف بالذنب
القلب نفسه بيختفي م القلب
والحقيقة الكامله..
كامله وقتها
فتبان مجرد من وجودك والعدم
وتكون لاشيء
فتكون ساعتها كل شيء."
يتقاطع الوزن العروضي مع البنية الإيقاعية فيشكلان نغمة تتحول إلى بنية رمزية دالة، تحمل البصمة الأسلوبية للشاعر، وتتلون بلون التجربة، ولذا، "يمثل التقاطع بين الوزن والإيقاع خلق فاعلية جديدة لأوزان الشعر العربي، فالوزن الواحد في الشعر ليس إيقاعا واحدا، وكل وزن قادر أن ينتج من الإيقاعات بقدر ما يستطيع الشعراء أن يوظفوه بشكل إبداعي... ولكل شاعر شخصيته الفنية ولغته وعالمه وذوقه وطريقته في توظيف البحور، بما يدخل فيها من تنويعات خصبة عن طريق الزحافات والعلل التي تجعل الإيقاع في النهاية بصمة شخصية، لا يمكن أن تتكرر، وإذا تردد سابقا أن الرجل هو الأسلوب، فبوسعنا أن نقول أيضا أنّ الإيقاع هو الشاعر." فكل نص يحمل إيقاع/توقيع صاحبه، بل تتحول البنية الإيقاعية إلى كتلة رمزية استعارية تتجاوب مع الحالة الشعورية للذات والتجربة معا فــ "الوزن الشعري عند ابن سينا وابن رشد يتجاوز كونه بنية إيقاعية بل عدّاه وسيلة من وسائل التخييل والمحاكاة في الشعر فمثله مثل التشبيه والاستعارة، ومما يثير الانتباه هنا أنّ مثل هذه النظرة للإيقاع أصبحت تشغل الباحثين المحدثين المهتمين بالوزن العروضي في الشعر، ولذلك فقد عدّ بعضهم الإيقاع في الشعر بنية رمزية مشابهة للاستعارة وقدرتها على إثارة خيال المتلقي.
ففي النص السابق لعبت آية حكيم على تنويعات التفعيلة العروضية، واستخدمت نظام التدوير السطري – كما في شعر التفعيلة -، ولكنه هنا استخدم بطريقة مبتكرة، فقد تنوعت المقطوعة في إيقاعها العروضي بين "التدوير" و "القطع"، فعندما تقول: (خلعت كفنها عند أبواب السما/خاف الكفن م الأرض فاتحول سحاب/وقت الحساب الذنب نفسه بيعترف بالذنب)، اتبعت آية حكيم طريقة التدوير؛ لتنقل لنا الصورة المجازية المبتكرة في صورة كلية وبنية إيقاعية متصلة بغية أن يتلقاها القارئ في دفقة إيقاعية واحدة تشبه ارتفاع الجسد إلى السماء وتحرره من القيود الأرضية. بينما اتبعت الشاعرة طريقة "القطع" في نهاية المقطوعة لتدل على تشتت الذات وتمزقها وقت الخلاص.

القافية بين المتوقع واللامتوقع في "حضرة القهاوي"
كسرت آية حكيم نمط المتوقع في بناء القافية في ديوانها "حضرة القهاوي"، ولم تعتمل هذا الأمر لكسر أفق التوقع وإحداث الدهشة فحسب، ولكن القافية – بوصفها جزءًا من بنية الإيقاع الكبرى- والتي تعد حمولة رمزية ذات دلالات وشحونات وجدانية، اختارت الشاعرة قوافيها بما يتناسب وجدانيا مع التجربة والموضوع وبنية النص الكبرى، "ومغزى ذلك أن قضية القافية ترتبط بنائيا بمستوى التوقع واللاتوقع، كما ترتبط في النهاية بمقولة الشعر الجيد والردىء، وهذا يعني جدلية النص مع حاسة الترقب لدى متلقيه، يعني إخضاع المتلقي لنظام فني أغزر دلالة مما تعود عليه." وليس المقصود من هذا العبث بنظام القافية بغية الخروج فحسب، بل كسر أفق التوقع – لا من أجل الدهشة – ولكن خرق نظام المعتاد بما يتناسب مع الجو النفسي للقصيدة والمعاني في آن، "ومع ذلك فإن الإيمان بوظيفة القافية من الناحيتين الإيقاعية والدلالية لا يعني تحولها إلى ظاهرة آلية رتيبة؛ لأن الشعر الجيد – فيما يرى لوتمان – هو الشعر الذي يحمل بلاغا فنيا، وهو لا يستطيع ذلك إلا إذا تواكب فيه المتوقع واللامتوقع، فإذا فقد الأولى فهو عديم المعنى، وإذا فقد الثانية فهو عديم القيمة." ففي نصها: "عرق البلح" تقول:
شمّاسة بالروح والجسد
كانت توحد بالثالوث
فتقسم اللقمة تلاته
تلت ليها
وتلت ليا
وتلت لله في الأعالي
تحدفه في فم الفقير
ستي اللي كانت
لو تئن الأرض تحتيها
ترفعها أنفاس الإله
فتطير."
لم تكن القوافي الداخلية أو التأسيسية في المقطوعة السابقة متوقعة من قبل المتلقي، فقد كسرت الشاعرة بقوافيها أفق التوقع وهشمت نظام التلقي المعتاد، ولكنها لم تفعل هذا بغية التلاعب بالمتلقي وإدهاشه، فقد جاءت القوافي متموسقة مع البنية الإيقاعية الكبرى مندغمة بها، فلم نشعر بتوتر حال قراءة النص، كما جاءت القوافي معبرة عن الحالة الروحانية ونمط التقديس الذي انبنى عليه النص.

انفتاح "حضرة القهاوي" على المقدس الإنساني/العام:
لم تكتفِ آية حكيم باستدعاء المقدس وفق معتقدها، ولكنها فتحت النص على المقدسات الإنسانية دون تحيز منها لمعتقد دون غيره. فقد استدعت من الأنبياء: (موسى/عيسى/محمد)، ومن أرباب الكرامات: (الحسين/الخضر/العبّاد/ الزهاد/ الرهبان/والعدرا/سمعان العمودي)، بل زواجت بين المقدسات – مع اختلاف المعتقد- ففي نصها "الجنوب المقدس" تقول:
زي راهب
قال يمينه للمسيح
وساب فؤاده
محمدي السيرة
السر فيهم كان قلوب
رغم عشقي لأرض بحري
لسه ساكنة
حتى مني في الجنوب."
الجماليات الأسلوبية في "حضرة القهاوي":
المعيار الأول: المتعة الأدبية:
توافقت جميع الرؤى -عربية وغربية – أنّ المتعة الأدبية سمت ملازم للنص الشعري فــ "المتعة الأدبية، أو التلذذ. ولا شكّ أنّ هذا المعيار يشكل القاسم المشترك الأعظم بين النظريات الشعرية التي وصلتنا من التراث العربي أو من النقد الغربي. فابن رشيق يقول في كتاب العمدة: "إنما الشعر ما أطرب وهزَّ النفوس وحرَّك الأطباع". ويقول المبرد في القصائد العظيمة: "أنها تلك التي ترتاح لها القلوب، وتجذل بها النفوس، وتصغي لها الأسماع." أما (ت. س. إليوت) فيقول: "إنّ أولى وظائفه التي نستطيع أن نكون على يقين منها، هي أنّ الشعر يجب أن يمنح المتعة، وهي الوظيفة التي يسميها الناقد البنيوي رولان بات بــ (لذة النص).
قد حقق ديوان "حضرة القهاوي" المتعة الأدبية التي وصلت بنا إلى أقصى درجات الدهشة والتلذذ، فقد استطاعت أن تشكل بنيتها النصية على جدليات ومفارقات مخلخلة عالمها، واستنطقت كلّ شيء حولها، فلم تقف عند حدود الوصف – كما ذكرت آنفا – بل تجاوزته إلى تفسير العالم من حولها، فــ "الفن ليس تعبيرا فحسب، ولكنه تفسير أيضا. وقد ذهب ناقد شهير وهو "بندتو كروتشه" إلى إنكار أن يكون في الحياة أو الطبيعة أي جمال. فالطبيعة بليدة ما لم ينطق الفن بلسانها، وهي خرساء ما لم يتحدث عنها الفنان"، ولكن لا يجدي هذا التفسير الفلسفي للوجود دون ارتعاشات المتلقي في حضرة الشعر، ففي نصها "فلاح قهوة الكفر" تقول:
المجد مش للشجرة
رغم إنها زيتونة
"لا شرقية ولا غربية"
المجد للفلاح
خالق ثمار النور
الخلد للكفين
ولساقيته والتور
والرحمة..
زي الفاس
تقطع مكان ما تحط."

المعيار الثاني: الحساسية والإرهاف:
معيار الحساسية – من وجهة نظر خاصة – هو المعيار الأوحد الذي نزن به درجة الشعرية في كل نص أدبي. فكل أدب لم تنتجه الحساسية لا يعول عليه ولا يلتفت إليه، فكل الشعراء يجيدون اللغة والتصوير، ولكن الشاعر الذي يصل إلى درجة معينة من الحساسية، هو الذي يتمايز نصه على سائر النصوص، "فالحساسية هي والدة الرفعة في كل إنجاز نفيس. وكل أدب لم تنسجه الحساسية الشديدة والإرهاف لا يعدو كونه شيئا من أشباه الأدب وحسب. ولا يمكن الفرق بين كاتب متميز وكاتب عادي إلا في درجة الحساسية التي يتأسس عليها كل منهما. ولا تقتصر الحساسية على الارتعاش في حضرة الألم والشقاء الإنسانيين، ولا على قلق النفس، بل يتعدّى ذلك إلى موضوعتين رئيستين هما موضوعة الجمال، وموضوعة التهجس لأسرار الوجود."، ولن يصل إلى هذه الأسرار إلا من أرهف وجدانه للعالم، وأصغى لذاته وللكائنات من حوله؛ ليستقرئ الوجود ويفسر العالم ويستغور ذاته في حالة الوحدة، كما نرى ذلك في نص"مش صمت الحكيم" وتقول فيه:
أنا كنت بخبز
رغيفي وقسمتي
وكنت بزرع
ورودي ورقتي
وكنت بابني
قصور في أحلام الصحاب
وابني عشة لوحدتي
أنا كنت أبيض
من بياض الحور
وكنت أسمر
من أديم الأرض
وكنت أسعد من يصلي الفرض
وأتعس من أنين الناي."

المعيار الثالث: التوتر الذاتي:
تميل النفس البشرية- وهي تطالع العالم على مرايا الفنون- إلى المأساة دون الملهاة، فالحزن وثيق الصلة بالنفس البشرية، "والشعر الذي يصف توترات الحياة هو صنف شديد الالتصاق بالنفس، جاذب لها. وإن عمق الإحساس بالبعد المأساوي للمعاش الإنساني هو واحدة من أبرز آناء الروح البشري. إذ في المأساة لا غيرها تكشف الروح عن أصالتها الاستثنائية."، ولذا، نجد النصوص الأدبية التي تميل إلى التوغل في النفس البشرية ووصف قلقها وعذاباتها أكثر وقعا على المتلقي من غيرها من الأعمال الأدبية الأخرى. وقد استطاعت آية حكيم أن تفسر لنا هذا التوتر/القلق معبرة عنه بأسلوب جمالي؛ ليجمع نصها الشعري بين جمالية الأسلوب والمأساة بوصفها مرتكزا موضوعيا للقصيدة، وهنا يقع القارئ في جدلية أخرى بين الجمالي والجلالي، ويشير الأخير إلى الحزن الإنساني الذي يصل إلى درجة التقديس، بينما يشير الأول إلى جمالية الأسلوب الفني. ولا بد من الإشارة إلى أن "إدراك الوعي الإبداعي لدلالات هذا الواقع الممزق لا يقع في حدود الواقع المدرك بالحس، أو الوجدان، بوصفه معطى ماديا جاهزًا ومحسوسا، بل ينبثق انطلاقا من زعزعة هذا الواقع، وخلخلة نظمه وخلاياه المجتمعية المعتلة، وإحداث بلبلة من شأنها أن تعيده إلى هيئته الأولى، أي إعادة خلقه باستمرار، تلك هي رؤيوية المبدع الذي يتفحص الواقع، لا لينبئ به، بل بما وراءه، أي الممكن الذي لا يشتمل على تناقض ذاتي، وكأنّ الذي يحرك النفس ليس الواقع، بل ما وراء الواقع." وهذا ما فعلته – تماما – آية حكيم في نصها "قهوة بداية الخلق" حيث تقول:
ولما اغتوى بوهم الخلود
داق هزايمه كلها
والغربة أسوأها
كان فوق احتماله وقتها
يدفن الأخ أخوه
ويعرف لأول مرة
معنى للدم البرئ
والفقد
ومعنى للسفك الدنيء
والحقد
ومعنى للحزن العميق
والشرد
ويشم
ريحة الموت المريعه
إزاي ساعتها استقبله
وإزاي حزن
وحط تعريف للفجيعة."

المعيار الرابع: الخفاء والتجلي:
إن النص الشعري الجاد يخفي عنا أكثر مما يبدي لنا، فــ "معيار النور والظلمة أو الخفاء والتجلي: أسٌّ صميميٌّ في عظمة الشعر. فالشعر الحقيقي يلوّح بمضامينه تلويحا، يخفي شيئا من فحواه ويلمع بالآخر. والجميل أضأل قيمة من العميق، من الخبيء المستور، فالعقل مولع بالاستسراري، أكثر مما هو مولع بالواضح أو المضاء."، وقد وجدنا هذه التيمة الجمالية في ديوان "حضرة القهاوي"، وقد ذكرت – آنفًا – أن الديوان يستعصي على الإحالة إلى واقع بعينه، أو ذات ينبني عليها النص لا يتعداها إلى غيرها، فكل نص في ديوان "حضرة القهاوي" يخفي في بنيته أكثر مما يتبدّى لنا.

المعيار الخامس: المجاز:
لا ينبني نص شعري – يتغيا الجمال موضوعة له – إلا على بنية تخييلية مجازية، "فالمجازي يبرز الكلام -أبدا في صورة مستجدة- ويعطيك الكثير من المعاني باليسير من اللفظ حتى تخرج من الصدفة الواحدة عدة من الدرر، وتجني من الغصن الواحد أنواعا من الثمر، وبها ترى الجماد حيا ناطقا، والأعجم فصيحا، والأجسام الخرس مبينة، وهي تريك المعاني اللطيفة التي هي من خبايا العقل كأنها قد جسمت حتى رأتها العيون."، يحرر الخيال الأشياء من سلطة المادة حتى يصل بها إلى درجة من الروحانية"،فتلطف الأجسام/ المادة حتى تعود إلى روحانية لا تنالها إلا الظنون. وما ذلك إلا بقوى التخييل التي تصنع من الداخل النفسي عالما منوجدا بقوى اللغة الشعرية.،"فالخيال: لا مراء في أنّه برهة ماهوية في كل شعر. فالخيال طفل أسطوري، وهو وطن الحرية، والفاعلية التي بواسطتها يتم إطلاق سراح النفس وتحريرها من الحتمي والمنطقي والمحدود. وأن منجزات الخيال الناضجة هي حوامل لمحمول جوهري تلخصه كلمة (الوجدان) أو الشعور الأصيل الذي قلما يصادفه الإنسان إلا في قصائد الشعراء الكبار. ولكنه لا قيمة له إلا إذا كان موحيا نائيا عن التكلف وبريئا من الاصطناع. على هذا الأساس انبنت العوالم التخييلية في ديوان "حضرة القهاوي"، حتى أصبحت بعض النصوص عالما متخيلا لا يمت إلى الواقع الإنساني بصلة كما في نص "قهوة الملايكة" فقد انبنى النص – في كليته – على عالم متخيل لا وجود له إلا في الباطن النفسي للشاعرة، ومما جاء فيه:
كان فيه قهاوي في السما
شبه القهاوي في حينا
زحمه لكن
يرمح الخيل بين جناح جبريل
دوشه لكن
تقدر تميز بين الصخب ترتيل
تقدر تشوف فوق جدارها
سمعان العمودي يصلي
تقدر تطلب الوحي
مع الشاي
أو بعد ما تحلِّي
تقدر تغني وتنفعل
"يا ملتقى الصحبه يالالالي."
اخترقت "القهاوي" في ديوان آية حكيم – بوصفها منظومة رمزية تتوزع على أنماط وهيئات مختلفة – حدود الأرض، حتى أصبحت مستقرا "للملايكه"، هذا ما يتبدّى لنا من خلال البنية النصية. ولكن هذا العالم المتخيل ينفتح على مسارات متعددة من التأويل، فـ "القهاوي" هي المعادل المكاني الذي يسع الشعراء عندما ضاق بهم الواقع، وقد وصفتهم آية حكيم بــ "الملايكه". ويكون جبريل رمزا للوحي، ولكنه ليس وحي النبوة، بل وحيا يخصّ الشعراء. وربما تكون "القهاوي" هي "الحضرة" الصوفية التي تنوجد فيها الروح متسامية على عالم الجسد الشهواني، ويكون "جبريل" هنا رمزا للفيض العلوي والخواطر اللاهوتية، والرهبان/ العباد هم "الملايكه". ولكن هذه التأويلات ليست هي التصور النهائي للنص، فالأخير يحتمل سلسلة لا متناهية من التأويل، لأنه ملتضم بالخيال في أبعد نقطة ممكنة.
المعيار السادس: البنية اللغوية:
تظل اللغة هي المعيار الأول الذي نزن عليه النص الشعري من حيث القيمة الجمالية، فاللغة هي الحامل لجماليات النص الشعري دون غيرها من المكونات البنيوية، "فإحالة اللغة إلى الجمال، أو نحتها كما تنحت التماثيل الفاتنة، ورفعها إلى أفق السمو هو شأن من اختصاص الشعر قبل سواه. فالشعر إطلاق لاستطاعة اللغة، أو لقدرتها المتعالية. وبذلك فإنّ السمة الأثيرية للغة معيار من أهم معايير الشعر."، ولم يكن ديوان "حضرة القهاوي" بمنأىً عن تلك الجمالية اللغوية، فقد اعتمل الديوان لغة شعرية متعالية/متسامية انبنت على البساطة والترميز في آن، فلم تكن لغة متعسِّفة تتغيا الغلو في عوالم الجمال فحسب، ولكنها لغة تنبع من صميم الروح فتخترق شغاف قلب القارئ، حيث يداعب النص الأخير بلغته التي يستعملها في خطابه اليومي، ومن هنا تتحقق التواصلية بين طرفي المرسلة الشعرية، وتقع لغة الديوان – في عموميتها – في ديالكتيك متصاعد بين لغة حياتية بسيطة، ولكنها محتشدة بالجمال وعوالم الترميز في الوقت نفسه، وهذه مهارة لغوية – جمالية ينماز بها الديوان كله، ولكن قصيدة "الهدنة" تمثل أيقونة لغوية لديوان "حضرة القهاوي" وجاء فيها:
لو نرتب قلب واحد
أو نلصم ضهر واحدة
لسه خارجين من معارك
بس كان خسايرها واحدة
لو تسيب قلبك مخيم
للمشرد ليلة واحدة
أو تفصل من ستايرك
كسوة للعريان في طوبه
الساعة واحدة
لو يغني الكون كورال
البشر جمب البلابل
غنوة واحدة
أو نسيب مزيكا موتزارت
ثورة حرة في نغمة واحدة
كنا شفنا الحزن واحد
كنا دوقنا الفرحة واحدة
لو نخلي الصمت يزحف
واحدة واحدة
ويدخل العالم في هدنة
ساعة واحدة."

المصادر والمراجع
أحمد مطلوب، الشعرية، المجمع العلمي العراقي، ع 4-3، ديسمبر- 1989.
آية حكيم، حضرة القهاوي، دار فهرس للطباعة، ط1، القاهرة، 2022.
عبد العزيز المقالح، الشعر بين الرؤيا والتشكيل، دار طلاس للنشر، ط1، دمشق، 1981.
عبد القادر فيدوح، معارج المعنى، صفحات للنشر، ط1، سورية، 2012.
علاء حسين البدراني، فاعلية الإيقاع في التصوير الشعري، المكتبة الوطنية، ط1، عمان، 2014.
هيغل، فن الشعر، ت: جورج طرابيشي، دار الطليعة، د.ط، بيروت، د.ت.
يوسف اليوسف، ماالشعر العظيم، اتحاد الكتاب العرب، ط1، دمشق، 2013.



#محمد_عبدالله_الخولي (هاشتاغ)       Mohammed_Elkhooly#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الواقع الرقمي وتمثيلاته السردية في فضاء القرية: مقاربة نقدية ...
- تجليات السريالية في الشعر العربي المعاصر: سلطوية اللاوعي وته ...
- تفكيك البنية السردية في رواية -السيدة الكبرى-: ديالكتيك الظا ...
- التمثيل التاريخي في فضاء الرواية العربية الحديثة
- الإبداع السِّيَري الخروج على منطق السِّيرة -التحديق في الشرر ...
- تجليات الشعر وفضاءات التجريب: تحولات الشعرية العربية
- الحضور الشعري واشتغاله البلاغي في فن المقامة
- قصيدة النثر من الحقيقة إلى التحقق -تحولات النص وفضاءات التجر ...
- تيارات الوعي وتفكيك المركزيات حلم الأنا وسلطة الواقع – دراسة ...
- اللُّغَةُ مَوْضُوعَاً شِعرِيَّاً- الشاعرُ مُحَمَّد عبدالسَّت ...
- تجلياتُ السردِ في البناءِ الشعريّ- قصيدة -كُلْ بِعَقْلِي قطع ...
- سردية الذات وقلق الهوية في قصيدة العامية المصرية ديوان- مخطو ...
- شعر الفصحى: ديالكتيك الشكل وماهية الجنس الأدبي -دراسة تطبيقي ...
- قراءة نقديّة في كتاب -النقش على سطوح سائلة: مقالات في الثقاف ...
- تيارات الوعي وتفكيك المركزيات حلم الأنا وسلطة الواقع – دراسة ...
- رؤية نقدية شارحة لكتاب -بلاغة الحواس في الشعر العربي العربي ...
- إيقاع الزمن النفسي ودلالاته الشعورية في رواية -لازورد- ل عبي ...
- القصة القصيرة بناء الشخصية وترميز الواقع وتقنيات ما بعد الكل ...
- القصة القصيرة المتخيل الذاتي والتخييل المرجعي ورصد تحولات ال ...
- تَشَكُّلَاتُ الأنا صُوفِي بين عمق التجربة وسيولة التعبير قرا ...


المزيد.....




- عراقيان يفوزان ضمن أفضل مئة فنان كاريكاتير في العالم
- العربية في اختبار الذكاء الاصطناعي.. من الترجمة العلمية إلى ...
- هل أصبح كريستيانو رونالدو نجم أفلام Fast & Furious؟
- سينتيا صاموئيل.. فنانة لبنانية تعلن خسارتها لدورتها الشهرية ...
- لماذا أثار فيلم -الست- عن حياة أم كلثوم كل هذا الجدل؟
- ما وراء الغلاف.. كيف تصنع دور النشر الغربية نجوم الكتابة؟
- مصر تعيد بث مسلسل -أم كلثوم- وسط عاصفة جدل حول فيلم -الست-
- ترحيل الأفغان من إيران.. ماذا تقول الأرقام والرواية الرسمية؟ ...
- الإعلام الغربي وحرب الرواية بغزة: كيف كسرت مشاهد الإبادة الس ...
- أطروحة دكتوراة عن أدب سناء الشعلان في جامعة الأزهر المصريّة


المزيد.....

- دراسة تفكيك العوالم الدرامية في ثلاثية نواف يونس / السيد حافظ
- مراجعات (الحياة الساكنة المحتضرة في أعمال لورانس داريل: تساؤ ... / عبدالرؤوف بطيخ
- ليلة الخميس. مسرحية. السيد حافظ / السيد حافظ
- زعموا أن / كمال التاغوتي
- خرائط العراقيين الغريبة / ملهم الملائكة
- مقال (حياة غويا وعصره ) بقلم آلان وودز.مجلةدفاعاعن الماركسية ... / عبدالرؤوف بطيخ
- يوميات رجل لا ينكسر رواية شعرية مكثفة. السيد حافظ- الجزء ال ... / السيد حافظ
- ركن هادئ للبنفسج / د. خالد زغريت
- حــوار السيد حافظ مع الذكاء الاصطناعي. الجزء الثاني / السيد حافظ
- رواية "سفر الأمهات الثلاث" / رانية مرجية


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد عبدالله الخولي - تجليات الشعرية في العامية المصرية جدلية الخفاء والتجلي في ديوان -حضرة القهاوي- ل آية حكيم