أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد عبدالله الخولي - تيارات الوعي وتفكيك المركزيات حلم الأنا وسلطة الواقع – دراسة تحليلية لرواية -سيتا زينب- –















المزيد.....

تيارات الوعي وتفكيك المركزيات حلم الأنا وسلطة الواقع – دراسة تحليلية لرواية -سيتا زينب- –


محمد عبدالله الخولي
كاتب/ ناقد/ باحث

(Mohammed Elkhooly)


الحوار المتمدن-العدد: 8478 - 2025 / 9 / 27 - 09:35
المحور: الادب والفن
    


رواية سيتا زينب لــ "زيب السندي"، تنقل واقعا حيًّا يخص محيطها الطوبوغرافي من حيث خصوصية الأحداث، أما ما تنطوي عليه الرواية من مضامين يتجاوز حدود واقعها، فهي تعرض لنا صراع الذات أو الأنا الإنساني مع الواقع المكبل بالقيود الطبقية والعقائدية. تلك القيود تتغير وفق طبيعة الواقع وسياقات المكان، فليست الطبقية أو العقائدية ما يقيد الواقع أو يعرقل مسيرة الذات الإنسانية -في رحلة تحررها - فحسب، فثمة قيود كثيرة تعرقل الواقع وتحاول تهميش الوعي الإنساني.
فإن كان "زيب السندي" يسرد لنا في هذه الرواية صراع الأنا/ الذات مع الطبقية المجتمعية أو سلطة اللاهوت الديني في محيطه الجغرافي، فالرواية تستبطن – في عموميتها – جنوح الذات الإنسانية إلى الحرية باختلاف أنماطها؛ فالرواية مع ارتكازها على واقعها المكاني، فهي تتخطاه إلى فضاء الإنسانية الأرحب.

تطرح الرواية سؤالات كثيرة، ترتكز على واقعها المحايث، وتنطلق منه إلى فضاءات بعيدة، فإن كانت الطبقية أو العقائدية محل صراع الشخصيات في هذه الرواية، فهذا يستدعي تزاحم الشخصيات/ الأصوات في بنية الرواية، ونعني بالصوت هنا (الوعي)، فلا نتعرَّف على الأخير إلا من خلال آخره، أي الوعي المقابل/ المناقض له في البنية المجتمعية، فوعي الأنا لا يُعرف إلا من خلال وعي الآخر، والتقاء الوعيين في بنية الرواية يجيب عن سؤالاتها المنطرحة في عالم السرد، فانفراد وعي – قائم بذاته – في عالم الرواية دليل نقصان فيها، فلا تكتمل بنية سردية إلا بتعدد الأصوات أو تيارات الوعي في بنيتها؛ إذ كل رواية ترتكز على أساس أيديولوجي يحفزه السارد في عالم الرواية يقلل من شأنها، ويحد من انتشارها على المستوى الإنساني، فهيمنة فكر واحد، أو سيطرة وعي بعينه يخصص الرواية، ويجعلها خطابا خاصا موجها لفئة بعينها في مجتمع ما، وهذا الانحياز الفكري يجعل مضامين الرواية ورؤية المؤلف محل نظر، وهذا ما أكد عليها ميخائيل باختين في المبدأ الحواري.
تصل الرواية إلى العالمية إذا استطاع الروائي إنجاز أمرين: الأول، ألَّا تحمل الرواية فكرا (وعيا) أحاديا، وأن يفتح الروائي مسارب في عالمه السردي يستطيع المتلقي من خلالها أن يتواصل مع شخصيات الرواية، ويتعايش معها شعوريا، إذن، تحمل الرواية نمطين من التواصل، الأول: أن يستطيع الروائي/ المؤلف عبر عملية التمثيل أن يصنع أفقا تواصليا بينه وبين القارئ، وهذا متحقق بنسبة كبيرة في معظم الروايات، أما النمط التواصلي – الأهم – أن يسمح المؤلف – عبر تقنياته الفنية – بعبور القارئ إلى عالم الشخصيات التي يتصعَّد من خلالها العمل دراماتيكيا- فتتحقق تواصلية أخرى بين القارئ – الذي يتمثل الشخصية في عالمها بفعل القراءة شعوريا – مع الشخصية الروائية، وربما تهمين الأخيرة على القارئ وتغير مساره في الحياة، أو تفضح أمامه المضمرات المجتمعية، فيتخذ فعلا مضادا ضد واقعه، ويتحقق هذا عند التقاء الوعي (الداخلي) للشخصية الورقية بوعي القارئ بوصفه منتجا للنص، وهذا متلاحظ – لدينا – ومتحقق في رواية "سيتا زينب" للروائي زيب السندي.
فقد استطاع المؤلف أن يخلق نمطه التواصلي (العام) بينه وبين القارئ، من خلال تسليط الضوء على واقع بعينه ومكاشفته، ولكن، تكمن أهمية الرواية – على المستوى الإنساني، عندما استطاع المؤلف أن يخلق أنماطا تواصلية (خاصة) أقحمت القارئ في العالم المأساوي للشخصيات في الرواية، وأقول، الشخصيات لا الشخصية، فــ (سيتا – زينب) ليست وحدها البطل المأساوي داخل الرواية، فــ (عابد علي) – من وجهة نظري الخاصة – بطل مأساوي تتجاوز عقدته في الرواية عقدة (سيتا – زينب)، فالأخيرة تحدد مسارها وتحولت محنتها إلى منحة سماوية بزاوجها من (سلمان)، بينما فقد عابد حياته وزوجه وبينه، فهو بالنسبة لي بطل الرواية المأساوي.

فإذا كانت سيتا – زينب شخصية محورية ينبني عليها الصراع، وتتحرك من خلالها تيارات الوعي في الرواية، فلنا أن نقول: إذا كان موضوع الرواية يرتكز على صراع الأنا مع الطبقية المجتمعية وسلطة اللاهوت الديني، وكانت (سيتا – زينب) مرآة يتجلى عليها هذا الصراع، فهذا لا يمنحها دور البطولة المطلق في الرواية، ففي انكساراتها النفسية، وقلقها الدائم، لاذت بعابد علي – بوصفه محطة من محطاتها في الرواية – ثم التجأت لبيت صديقتها (ألماس) وزوجها (رفيق)، ولكنها لم تسبب لهما ما سببته لعابد علي، الذي فقد زوجه بسبب غيرتها من زينب، ومن ثم عانى البطل المأساوي/ عابد على انكسارات نفسية، تفوق تلك الانكسارات التي تعرضت لها زينب أو تضاهيها، ولعلّ هذا ينتج لنا نمطا جديدا من أنماط البطولة في عالم الرواية، ربما نطلق عليه: " الشخصية من الهامش إلى المتن" أو "تحولات البطولة والمأساة في عالم الرواية." فبعد أن حفّز العنوان القارئَ، وحصر مسار البطولة في زينب، بوسمها شخصية محورية تتصعد على نواتها الأحداث، يتحول عابد علي – وفق تراتبية الحدث – إلى شخصية مأساوية يعادل وجودها وجود الشخصية الأساس سيتا- زينب، فإذا – حاولنا انتزاع شخصية عابد علي من عالم الرواية تفككت بنيتها، واتخذت مسارا مغايرا لما آلت إليه نهايتها، التي تفككت فيها عقدة الشخصية المحورية " زينب"، وظلت عقدة البطل المأساوي مفتوحة على مستويات متعددة من التحفيز والتوقع.

محفزات الصراع وتحولات الشخصية:

تتحرك الشخصيات – في رواية سيتا زينب – وفق محفزات طارئة تغير مسار الشخصية في العالم، ولكن هذه الحركات المضادة التي تقوم بها الشخصيات – عن طريق التحفيز – لا تمثل دراماتيكية الأحداث التي تنشأ عليها الرواية فحسب، بل تمثل تيارات الوعي المتناحرة في بنية الرواية. فحب سيتا لسلمان، كان محفزًا لها أنْ تحطم سلطة اللاهوت الديني وتدخل– وفق إرادتها – لدين جديد، فلم يكن سلمان غاية بل وسيلة، فميلها ناحية دين جديد أتى عن طريق محفز خارجي، تمثَّل في حبها لسلمان، ولذا، عندما تخلّى سلمان عنها لم تتراجع عن فكرة اعتناقها للدين الإسلامي، بل ظلت تدافع عن هويتها الدينية وعن اسمها الجديد رغم تخلي حبيبها عنها، وواصلت طريقها حتى النهاية، ولم تنكسر أمام جبروت أخيها "شنكر"

أما عابد علي الذي أصبح – وفق قدرية الأحداث – بطلا وشخصية محورية، فكان محفزه لمساعدة سيتا، محفزا دينيا- إنسانيا، ولذا، أصرَّ على حمايتها، مع علمه بسطوة أخيها "شنكر" وما يستطيع فعله بكل من تسوّل له نفسه إيواء سيتا، وهذا – بالنسبة لي – خروج عن السلطة الطبقية وسياقات الواقع، حيث تكون الأنا – إنسان في مواجهة أنا المجتمع وسلطة الواقع، وهذا ما جعل عابد علي في مواجهة حقيقية مع سياقات واقعه.
ولكن، من المسكوت عنه أو المضمر في عالم الرواية: تغلّب العاطفة على الطابع اللاهوتي للدين، حيث سمح لنفسه – وفق شعورياته القلبية، التي خرجت عن حدود الشرع – أن يمسح خدَّ زينب، عندما تسرب إليه صوت نحيبها ليلا، فدخل غرفتها مواسيا لها، وهذه الإشكالية تطرح سؤالات كثيرة تعترض القارئ حال مكاشفته لبنية النص العميقة، خاصةً، عندما غادرت زينب منزل عابد – وفق ما حدث بينه وبين خديجة – ظل يهرول في الطرقات والأزِّقة باحثا عنها، هنا يتطور السؤال: هل كان سعيه وراءها بسبب المحفز الديني؟ أمْ كان سعيه وراءها ولهفته عليها بسبب وقوعه في حبها؟ أظن هذه السؤالات المنطرحة حقا مشروعا للقارئ، وما يبرر هذا السؤال، وقوع الطلاق بشكل مفاجىء غير مبرر، وإن كان الأمر كذلك، وليس هناك محفّز عاطفي يدفع عابد علي أن يقدم على الطلاق، فهذا يعدُّ تصاعدا دراميا غير مبرر في عالم الرواية؛ فليس من المتعارف عليه، أن ينفصل زوجان بمجرد الشك في لحظة السؤال والمكاشفة، ولكن أن ينفصلا بمجرد غيرة عابرة اختلجت قلب خديجة، فهذا أمر لا مبرر له. ويؤكد هذا المضمر تكرار خديجة لسؤالها عن زينب أين هي؟ وكأنَّ خديجة رأت من عارف أشياء تؤكد شكها فيه، وهذا ما أضمره الروائي زيب السندي، ليصبح هذا السؤال من مضمرات الرواية، التي تجعل القارئ في صراع دائم بغية الوصول إلى إجابة مثل هذه السؤالات.
أما "شنكر" الذي لعب دورا مهما في تصاعدية الأحداث، فكان محفزه محفزا طبقيا لا دينيا، فمن قبل، قتل أخته "جيتا" التي تزوجت هندوسيا، ولكنه أقلَّ في الرتبة الطبقية، إذن، ليس الدين هو المحفز، ولكنها الرتبة الطبقية. فــ "زينب" بفعلها خرقت ثلاثة نواميس، لم تعتد الفتيات مثلها أن تخرقها: خرقت سلطة الذكورية، حينما خرجت من البيت دون علم أخيها. تجاوزت حدود طبقتها الاجتماعية، وارتبطت بمن هو أقلَّ منها رتبة ومقاما في السياق المجتمعي. خرجت على سلطة اللاهوت الديني، واستعلت بقوى إيمانها الداخلي على سلطة الدين القديم، وأكملت طريقها حتى النهاية. فــ "شنكر" – وفق ما سبق – كان يدافع عن فحولته الذكورية، ومستواه الطبقي وغلَّف هذا وذاك بقماشة الدين الهندوسي.
أما "جانكي" فالمحفز لها "تكرار الألم" مرتين في ابنتيها:[سيتا،، وجيتا]، فقد تحملت قتل "جيتا"، ونازعتها عاطفة الأمومة بين حسرتها على ابنتها المقتولة وضياع ابنها القاتل إن أبلغت عنه الشرطة. ولكن لما أوشك الأمر أن يتكرر انتصفت لسيتا، وكأنها في ذات اللحظة تأخذ حق "جيتا" الذي فرطت فيه مخافة على ابنها، فلم يكن الدين سببا ولا الرتبة الطبقية محفزا لتترك "شنكر" يكرر فعلته الشنعاء مع سيتا، حيث علا صوت الأمومة على لاهوتية الدين، واستعلى صوتها على نعرة الطبقية الكاذبة، وانتصفت "جانكي" لعاطفة الأمومة، حيث تتخذ الأخيرة مسارا مغايرا لكل سلطة تحاول كبح جماح عاطفة الأمومة.
كانت الغيرة محفزا ضروريا غير مسار أحداث الرواية، فعندما اختلجت الغيرة قلب خديجة – دون مبرر منطقي لهذه الغيرة – انفصلت عن زوجها، ولعلَّ هذا الانفصال ما جعل منه شخصية محورية وبطلا مأساويا في عالم الحكاية. كما غيرّ محفز "الغيرة" مسار خديجة و سيتا على حد السواء.
قلق الشخصية وتفريغ الأماكن من دلالاتها:

رصد الروائي زيب السندي – في أكثر من موضع – قلق الشخصيتين المحوريتين: عابد علي، وسيتا- زينب، ليس هذا فحسب، ولكنه رصد قلق الشخصيات الثانوية في الرواية مثل: [جانكي/ خديجة/ ألماس]، وهذا الرصد المتعمد – توصيفا – من قبل الروائي يرصد لنا قلق هذه الشخصيات وتوترها الدائم في عالم الحكاية، وهذا التوتر يجعل القارئ متوترا هو الآخر، حيث نجح الروائي في خلق أنماطٍ تواصلية (خاصة)، جعلت القارئ يندمج شعوريا مع الشخصيات بل يتوتر بتوترها، وهذا يدل على مدى الصراع النفسي، الذي تعانيه الشخصية في سبيل تحققها وتحررها، أو وصف حالتها من الداخل وهي تواجه مصيرا جديدا، وقد ركّز الروائي على الشخصية المحورية سيتا – زينب، في أكثر من موضع راصدا توترها وتمزقها من الداخل،ن فيقول: هز عابد رأسه قائلا:
-إذا لم تعودي إلى بيتك، فأين ستذهبين؟
تحولت ملامحها إلى لوحة من الألم ولم تستطع الرد.
-أخبريني!
أصرّ عابد علي قائلا:
-إلى أين ستذهبين الآن؟
وضعت كوعها على الطاولة وأسندت جبهتها بيدها.. نظر إليها عابد علي بتمعن بعد لحظة من التفكير، ثم سأل بصوت ملؤه الرأفة:
-على وعد من تركت بيتك؟
ثم يقول بعد إعلان إسلامها:
وفي تلك اللحظة تماما، سمع طرق على الباب الخارجي فتفاجأت سيتا.
نظر عابد على نحو خديجة بقلق وقال:
-من يمكن أن يكون في هذا الوقت؟
شعرت خديجة أيضا بالقلق، ولم تجد إجابة على سؤاله..
نهض عابد علي بهدوء وخرج ليرى من الطارق. أما سيتا فتركت كلّ شيء بيد الله، وبدأت تردد بصوت خافت:
لا إله إلا الله ... لا إله إلا الله ... لا إله إلا الله.
بعد قليل عاد عابد علي إلى الغرفة، رفعت سيتا عينيها لتنظر إليه وجلست مستقيمة.
قال عابد علي مستضحكا وهو يجلس:
-ألم أقل لك أن عبدالله ذكي جدا؟ لم يخبر شنكر بأي شيء.
في مواضع كثيرة في الرواية،، يتعمد زيب السندي رصد قلق الشخصية وتوترها على المستويين: الخارجي/ الداخلي ليعبِّر من خلال تلك المشاهد الدرامية عن تهشم الأنا وهي تصارع تيارات الوعي المجتمعي من حولها، ولكن هذه الذات مع محاولات تحطيمها وتهشيمها تواصل مسيرتها دون تردد، مع كل ما ينتابها من ترصد وانكسارات ووساوس، فها هي "سيتا" تنسلخ من طقوس المعبد الهندوسي، ومن بين جموع الناس، لتنفرد بنفسها أمام البحيرة وتناجي ربها بصوت هامس/ خافت، وهي بذلك تفرغ المعبد الهندوسي من رمزيته وشحوناته الدينية، وكأنها بهذا الصوت المتردد – داخلها – تهشم مركزية المكان وتمارس حريتها داخل أسواره.
صراع النفوذ والفوضي ضد النظام:
إذا كانت رواية "سيتا زينب" تبرز من خلالها تيارات الوعي التي تتناحر في البنية النصية، في محاولة – دائمة – من الذات الإنسانية بغية وصولها إلى الحرية، ورصدت الرواية هذه المحاولات في شكل صراع متصاعد بين الذات وتلك القوى التي تحاول انتهاكها، ولم تقف الرواية عند هذا الحد، ولكنها رصدت الصراعات الكبرى بين النفوذ والفوضى والسلطة والنظام، فــ "شنكر" يمثل القطاع الطبقي الذي يملك نفوذا ينتهك من خلالها المجتمع، ولكن عند التدقيق في الأحداث، تجلت بعض المفارقات في هذا الصراع. فـ "شنكر" مارس عنفه على المكان بسبب سلطته ونفوذه، وهذا ما سبب قلقا شديدا لعابد علي وأسرته، نظرا، للمستوى الطبقي والتعليمي المهيمن على طبيعة المكان، حيث تصعب المواجهة بين عابد علي ومن على شاكلته مع شنكر، بينما في "كراتشي" تغير الوضع – تماما – حيث هدد "رفيق" زوج "ألماس" باعتقال شنكر؛ نظرا لطبيعة المكان وتعادل النفوذ مع الدرجة الوظيفية العليا (الدبلوماسية) لرفيق، إذن، تتفاوت درجة الصراع بين الأنوات في الطبقات المجتمعية، وهذا جانب آخر من الصراعات ترصده الرواية.

يحتاج النفوذ المادي إلى نفوذ آخر يحتمي به، وهو نفوذ الفوضى أو العمليات الإجرامية، التي يمارسها الفوضويون، على كل (أنا) تحاول الوقوف أو الخروج عن سلطة النفوذ المادي، ولذا، استعان "شنكر: بــ "دل مراد" المجرم/الفوضوي ليمارس عنفه على الـ (أنا) التي تحاول تدمير سلطة النفوذ، حتى، وإن كانت هذه الـ (أنا) أخته الوحيدة، فكل خروج يدمر سلطة النفوذ مصيره القتل والإبادة، وفي المقابل يظل النظام الأكبر (السلطة الحاكمة) الميزان الذي تنعدل وتنضبط به الأمور، فتتقازم هذه الصراعات وتتلاشى في السلطة العليا، التي تهشم أي محاولة للخروج على سلطة القانون.

القلق المشهدي في رواية "سيتا زينب" بين الخاص والعام:

ارتكزت الرواية على مشاهد/ أحداث تخص بيئة الحكاية وسياقها المجتمعي الخاص، وهذا ما يعركل حركيّة الرواية ويقف حاجزا بينها وبين تقبلها في الجانب الإنساني العام، حيث رصد الروائي زيب السندي مشاهد تتموسق في مضمونيتها مع السياق المجتمعي الخاص بها، ولكنها – من ناحية أخرى – لا تتسق مع رؤية الآخر، الذي يطالع هذه الرواية متجردا من أي أيديولوجيات عقائدية أو فكرية، وهذا، ما يجعل أيَّ قارئٍ يتكهن أو يدعي أنّ هذه الرواية ينحاز فيها المؤلف لعقيدته، وسياقه المجتمعي، ومن هذه الأحداث: ظهور تجليات العقيدة الإسلامية وطقوسها في عالم الحكاية/الرواية، وهذا مردود عليه بالدليل: فكما ذكرت المساجد، ذكر المعبد الهندوسي، وكما ظهرت الطقوس الإسلامية، تجلت الطقوس الهندوسية، شعور المسلم بارتياحه وهو يمارس طقسه الديني أو توجهه إلى الله، كان له معادل في الحكاية، فطالما ركّز المؤلف على "جانكي" وهي تمارس طقسها الديني، وتلوذ بآلهتها، وكانت تشعر جراء هذه الطقوس بالراحة النفسية، فكل مقدس ديني له معادله في هذه الرواية، لتخرج الأخيرة من حيزها الخاص إلى الحيز الإنساني العام.

ربما يستهجن القارئ – غير الواعي بالسياق المجتمعي للحكاية – بحث عابد علي عن زوج لخديجة بعد انفصالها عنه، بسبب غيرتها من زينب، هذا الأمر، سيكون مستهجنا عند بعض القراء، لا سيما عند العرب، فلم يكن مستساغا – ذات يوم – أن يبحث زوج لطليقته عن زوج آخر، بسبب خوفه عليها من تقلب الحدثان، ليس هذا فحسب، ولكن يعقد القران في بيته، ويحمل حقيبتها حتى محطة القطار، وهي تمسك بيد زوجها الجديد، ويهبها – هدية – علبة الذهب التي اشتراها من ماله وعمله، هذا ليس متقبلا عند بعضنا، وربما يُتقبل عند آخرين، ولعله نوع من الوفاء، لا يدركه البشر في العالم الحقيقي، ولكن تعيه الشخصيات الورقية في عالم الرواية، فكما انكفأت خديجة تقبل قدم عابد علي، عندما حانت لحظة الفراق، كان هو الآخر يضع يده على أثر قدمها، وهي تركب القطار مع زوجها الجديد، فليست عبودية أو فحولة ذكورية، ولكنه الوفاء المتبادل بين عابد علي وخديجة.

النهاية المفتوحة واستمرارية الصراع في ذهن المتلقي:

ليس شرطا، أن تكون النهاية مرضية للجمهور، فثمة نهايات يعمد إليها المؤلف، ليظل أثر الرواية باقيا، بل مشتعلا في ذهن المتلقي، فزواج زينب من سلمان، مع تعمد تغييب بعض الأحداث، التي تسبق عملية الزواج، يجعلهما على محك الخطورة والمواجهة المستمرة مع شنكر والنفوذ الطبقي.

غيبت خديجة في القطار – مع زوجها الجديد – ولا ندري عن مآلات حياتها الجديدة شيئا، بينما، يواجه عابد علي انكسارا نفسيا مضاعفا، بسبب فقدانه خديجة، وربما ضياع زينب التي – يتوقع القارئ – أنه حلم بها، فيتضاعف انكساره النفسي عندما ظهرت أمامه مع سلمان، فقد تحقق حلمها، ودفع هو ضريبة حمايته لها، غادرت خديجة مع عبد الرحيم، وزينب مع سلمان، غادره القطار، وظلت المحطة كما هي بضوئها الأصفر الخافت، وظل عابد علي مشدوها، انعكس الداخل النفسي فرأى المكان غائما/ غامضا لا يحمل تنبوءات ولا إشارات، استقر المكان تحول/ تغير المكين، وتوقف الزمن، على ثلاث نهايات مفتوحة، ولذا سيظل أثر الرواية باقيا مشتعلا في ذهن القارئ.



#محمد_عبدالله_الخولي (هاشتاغ)       Mohammed_Elkhooly#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- رؤية نقدية شارحة لكتاب -بلاغة الحواس في الشعر العربي العربي ...
- إيقاع الزمن النفسي ودلالاته الشعورية في رواية -لازورد- ل عبي ...
- القصة القصيرة بناء الشخصية وترميز الواقع وتقنيات ما بعد الكل ...
- القصة القصيرة المتخيل الذاتي والتخييل المرجعي ورصد تحولات ال ...
- تَشَكُّلَاتُ الأنا صُوفِي بين عمق التجربة وسيولة التعبير قرا ...
- استراتيجيات التناص وآليات الخلاص من أزمة المصطلح -دراسة تحلي ...
- تَشَظِّي الخطابات وانكشاف النسق المضمر في رواية -حجر نفيسة ب ...
- سرديات (اللامرئي) بين الواقع والمتخيل في القصة القصيرة قراءة ...
- الرواية التاريخية: فانتازيا المصطلح وماهية التمثيل
- سردية الروح في مقامات البوح قراءة نقدية في المجموعة القصصية ...
- تجليات الذات الأنثوية ومكاشفة الأنساق المضمرة في الوعي الجمع ...
- شعر العامية المصرية بين إنسانية المعنى ودهشة التصوير ديوان - ...
- النيرفانا الشعرية وجماليات الانتهاك قراءة نقدية في ديوان -أن ...
- الشعر بين جمالية التركيب وعمق الرؤية قصيدة -ندبة زرقاء- لوسا ...
- انشطار الهويَّة بين فلسفة الرؤية وشاعرية البناء قراءة نقدية ...
- النص الشعري بين هيمنة المبدع وسلطة القارئ ديوان - من أحوالها ...
- الرواية والواقع وأيديولوجيا المجتمع قراءة نقدية في رواية - س ...
- السرد الروائي من التاريخ إلى الاستشراف جدلية الزمن واللازمن ...
- الرواية بين الواقعية والرمزية قراءة نقدية في رواية - بتوقيت ...
- ملائكيّة الرؤيةِ وفنيّةُ التشكيلِ – قراءةٌ نقديّةٌ في أعمالِ ...


المزيد.....




- سينمائيون إسبان يوقعون بيانًا لدعم فلسطين ويتظاهرون تنديدا ب ...
- وفاة الفنانة التركية غُللو بعد سقوطها من شرفة منزلها
- ديمة قندلفت تتألق بالقفطان الجزائري في مهرجان عنابة السينمائ ...
- خطيب جمعة طهران: مستوى التمثيل الإيراني العالمي يتحسن
- أعداء الظاهر وشركاء الخفاء.. حكاية تحالفات الشركات العالمية ...
- طريق الحرير.. القصة الكاملة لأروع فصل في تاريخ الثقافة العال ...
- جواد غلوم: ابنة أوروك
- مظاهرة بإقليم الباسك شمالي إسبانيا تزامنا مع عرض فيلم -صوت ه ...
- ابتكار غير مسبوق في عالم الفن.. قناع يرمّم اللوحات المتضررة ...
- طبيبة تمنح مسنة لحظة حنين بنغمةٍ عربية، فهل تُكمل الموسيقى م ...


المزيد.....

- الرملة 4000 / رانية مرجية
- هبنّقة / كمال التاغوتي
- يوميات رجل متشائل رواية شعرية مكثفة. الجزء الثالث 2025 / السيد حافظ
- للجرح شكل الوتر / د. خالد زغريت
- الثريا في ليالينا نائمة / د. خالد زغريت
- حوار السيد حافظ مع الذكاء الاصطناعي. الجزء الأول / السيد حافظ
- يوميات رجل غير مهزوم. عما يشبه الشعر / السيد حافظ
- نقوش على الجدار الحزين / مأمون أحمد مصطفى زيدان
- مسرحة التراث في التجارب المسرحية العربية - قراءة في مسرح الس ... / ريمة بن عيسى
- يوميات رجل مهزوم - عما يشبه الشعر - رواية شعرية مكثفة - ج1-ط ... / السيد حافظ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد عبدالله الخولي - تيارات الوعي وتفكيك المركزيات حلم الأنا وسلطة الواقع – دراسة تحليلية لرواية -سيتا زينب- –