أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد عبدالله الخولي - الإبداع السِّيَري الخروج على منطق السِّيرة -التحديق في الشرر نموذجًا-















المزيد.....



الإبداع السِّيَري الخروج على منطق السِّيرة -التحديق في الشرر نموذجًا-


محمد عبدالله الخولي
كاتب/ ناقد/ باحث

(Mohammed Elkhooly)


الحوار المتمدن-العدد: 8514 - 2025 / 11 / 2 - 22:52
المحور: الادب والفن
    


الملخص:
تتطلّب كتابة السيرة الذاتية – بوصفها جنسا أدبيًّا– شروطًا تضمن لها وجودها المستقل وفق شروط النظرية الأدبيّة، حيث تتخذ لنفسها مسارا مغايرا عن الأجناس السردية الأخرى، وإن كانت السيرة الذاتية (الأدبية) تشتبك مع جميع السرود ولكنها لا تتماهى معها. فطبيعة الكتابة السير-ذاتية، تسمح بعملية التداخل الأجناسي مع الأنواع الأدبية الأخرى سردا وشعرا، ولكنها تظل متسقة مع بنيتها التي تضمن لها وجودها المستقل، الذي يتأبّى على فكرة التلاشي في البناءات الأدبية الأخرى. وفي الآن نفسه تطمح الكتابة السير-ذاتية إلى الجنوح إلى (المرجع) الذي تتمايز به عن اليوميات وفكرة الرصد الماضوي لحياة الشخصية.
تقع الذات – وهي تحاول التعرف على جوهرها الوجودي – في إشكاليات متعددة تتمظهر في الزمن واللغة وحقيقة الذات المغيّبة في عالمها المتخافي عن الرؤية الظاهرية المسيّجة بقانون الخارج؛ فعند استغوار النفس البشرية في الداخل بحثا عن حقيقتها؛ تنشطر بين واقعها المحاصر بالشرط والقيد وعالمها الباطني الذي يتعالى بسلطته على الخارج، وهنا تتأزم الذات في طريقها المعرفي وهي تجاهد بغية الوصول إلى الحقيقة. لا تمتلك الذات -في رحلتها المعرفية- سوى اللغة بوصفها الوسيلة الوحيدة التي يدرك بها الإنسان العالم من حوله، ولكن اللغة مع ما تحمله من ذاكرات معجمية وتاريخية وتداولية تعجز عن إدراك حقيقة الذات واكتشاف جوهرها، وهنا تقع الذات في إشكاليّة أخرى مع اللغة، حيث يتوجّب على الذات/المؤلف أن يصل بلغته إلى أقصى درجة ممكنة من الشعريّة ليتجلّى وميض الحقيقة على مرايا التخييل (الشعري)، بوصف الأخير ضرورة يقتضيها الخطاب (السير-ذاتي)، الذي يعيد كتابة الحياة وفق نسقها العلاماتي المتخيّل.


كانت السيرة الذاتية (التحديق في الشرر- الفراشات)، لأيمن تعيلب نموذجًا واضحًا، ومغايرًا لفن كتابة السيرة الذاتية، واستخلاص شروطها الأدبيّة، والخروج بها من الفوضى/ العبثية التي انتابت هذا الفن الأدبي. من خلال هذه المدونة استطاع الباحث أن يعيد تعريف فن كتابة السيرة الذاتية مستخلصًا شروطها التي تضمن لها خصوصيتها.
الكلمات المفتاحية:
السيرة، الذاتية، الذات، السِّيري، التحديق، الشرر، تعيلب، السرد، المرجع، الفضاء، الخولي.

Abstract:
Autobiography, as a literary genre, constitutes a unique framework that guarantees its independent existence according to the requirements of literary theory. It takes a different path from other narrative genres, even though (literary) autobiography intertwines with all narratives, but it does not identify with them. The nature of autobiographical writing allows for a process of genre overlap with other literary genres, both narrative and poetry. However, it remains consistent with its structure, which guarantees its gendered existence, rejecting the idea of ​​fading into other literary structures. At the same time, autobiographical writing aspires to lean toward the "reference," which distinguishes it from diaries and the idea of ​​observing the past of a character s life
Keywords: Biography, autobiography, self, system, discourse, narration, reference, space, elkhooly.







البحث:
كنت أبحث منذ زمن – وأنا أطالع كتاب "المواقف والمخاطبات" للنّفّري – عن نموذج آخر أعضّد به فكرتي عن سيمياء تواصلية تخص الباطن الإنساني (سيميو-تواصلية الذات)؛ حيث طرح كتاب "المواقف والمخاطبات" سؤالا يخصّ القراءة والنقد على حدّ السواء، فالقراءة تطمح إلى نمط تواصلي مع الذات الكاتبة، وانصبّ اهتمام المدارس النقدية بمستوييها: السياقي والنسقي على آليات التواصل – بوصفها الغاية الأسمى- في عالم الكتابة الإبداعية، وفي خضم احتكاك النظريات النقدية، انطرح على الساحة الأدبية مصطلح "موت المؤلف، ولعلّ هذا المصطلح يصدق – بقدر ما – على بعض النصوص الأدبيّة، التي تتحمل فيها اللغة المهمة التواصلية المنشودة من النص ذاته.
تبنّت المناهج النقدية النسقية – وعلى رأسها البنيوية- فكرة عزل النص، وفصله عن المؤلف تماشيا مع منهجيتها، ولكن هذه الدعوة سرعان ما انطمست معالمها، عندما أعاد "موريس" السياقات الخارجية- بوصفها شرطا لتمام عملية التأويل- وحفظ لـ (المؤول) الخارجي مكانته بغية استجلاء غوامض النص، كما توسعت السيميائية (البيرسية) وفتحت النص عبر موضوعه الدينامي على (المرجع) الخارجي
في فضاءاته السديمية المتعالية. وبين رؤية (موريس) ومرجعية (بيرس) تجلّى الحضور الفعلي للمؤلف في عملية التأويل، فإذا كان حضور المتلقي والسياق الخارجي شرطين لدى (موريس) لتمام عملية القراءة/ التأويل، فمن المنطقي أن يكون حضور (المؤلف) ضرورة؛ بغية الكشف عن قصدياته من خلال انفتاح النص على مرجعه الخارجي من وجهة نظر سيميائية.
كان السؤال المحيّر والمنطرح بقوة – وأنا أطالع النفريَّ في مواقفه ومخاطباته: لمن يكتب النفريّ؟ وهؤلاء القوم - من المتحققين في مقامات المكاشفات الروحية – يلتزمون الصمت، حيث تصل هذه المكاشفات إلى مقامات عرفانية تستعلي بنورانيتها على اللغة ذاتها، فحديثهم صمت، وصمتهم لغة، حيث يشكّل الصمت منظومة إشارية لا يستبطن معانيها إلا المجرّب الصوفي، بيد أنّ دأب هؤلاء القوم مبنيٌّ على السر، حيث لا إعلان، فالبوح محرم، ويستدعي الأخير القتل والحرمان، وهذه الحالة نجدها متشظية في أشعارهم:
بالسر إن باحوا تباح دماؤهم ... وكذا دماء البائحين تباح
فكل من هتك ستر الحقيقة، ودخل خدر ليلى المقدس، أمرته بالصمت، وأن تغنيه الإشارة عن العبارة، ويغنيه التلميح عن التصريح.



هل خرق "النفريّ" هذه القيود متجاوزا أسرارها ناقضا لعهودها بغية أن يبوح؟ أو أن يكاشف غيره بتجربته الروحية؟ فكل ما سبق يشير إلى أنّ النفري خرج عن نسق (السر الصوفي) ومقتضياته العرفانية.
يتبادر إلى الذهن مؤلفات بعينها- يخيَّل للقارئ – أنها تتموسق مع خطاب النفريّ، ومنها: الفتوحات المكية لــ "ابن عربي"، والمناظر الإلهية لـ "عبدالكريم الجيلي" على سبيل التمثيل لا الحصر، وكلا المُؤَلَّفَين يشكلان خطابا مغايرا لنسق الكتابة النفريّة، فالأخير يرصد لنا مقاماته الكشفية وأحواله الروحانية، وهو بذلك يكشف عن نسق تجربته، وهذا غير مباح في عقيدة القوم. أما ابن عربي والجيلي – وفق غاية ما – تحوّلت مؤلفاتهما إلى نسق كشفي (صوفي) يخص التجربة المطلقة (العامة) للعالم الصوفي دون التورط في الكشف عن خصوصية التجربة.
إذن، خرج كتاب "المواقف والمخاطبات" من هذا الحيّز السريّ إلى العلن، متخطيّا بذلك أشراط الطريقة العرفانية السريّة، وبعد سؤالات تدور كلها في هيكل سؤال واحد: لماذا كشف النفريُّ عن تجربته من خلال الكتابة؟ وهنا – وبعد مراس ومطالعة – انسابت الإجابة في قلبي وميض نور، ليتفكك إلغاز السؤال عندي.
إنّ الذي اضطّر النفريّ إلى الكتابة محاولة القبض على اللحظة المكاشفاتية (الروحانية)، واستعادة ما وقرّ في الذات العرفانية في لحظة المشاهدة. حالة من التحقق الـ (بَعْدِي) بعد فرار اللحظة الصوفية حال المشاهدة، وكأنّ الذات المجربة تريد استعادة الحال عبر اللغة تحققا وتلذذا؛ وكأنّ الكتابة تعيد اكتشاف الذات لنفسها في اللحظة التي غرقت الذات بكليتها في بحر المشاهدة، فتحاول الذات استرجاع لحظتها اللازمنية من خلال الكتابة، لتصل الذات إلى مرحلة من الوعي بكنه التجربة.
بعد هذه الرحلة مع النفريّ، بحثت عن نسق مخاتل ومغاير لــ "سيميو-تواصلية الخارج – ونعني به المنظومة العلاماتية (السيميائية) التي من خلال تفكيكها تنولد حالة من التواصل بين الذات المستعلية بفعل الكتابة، مع ذات أخرى تمارس فعل القراءة لاكتناه الذات الأولى، وهذا لا يتسق مع فكرة "النفريّ" وغايته التي تحدثت عنها – آنفا -، وكان علي أن أبحث عن منهجية سيميائية أخرى – أسميتها: "سيميو- تواصلية الباطن" وتكون الأخيرة حالما تتواصل الذات مع عالمها الباطني/ الأنا الأعلى من خلال اللغة.
كنت في أمس الحاجة لنموذج آخر، أعضد به فكرتي حول كتاب "النفري"، وعندما طالعت الجزء الأول من التحديق في الشرر: (الفراشات) – بوصف المؤَلف سيرة ذاتية – وجدت المؤلف يخرج خروجا منطقيا عن نسق الكتابة السيرية (الذاتية)، فالذات – هنا – لا تكتب عن نفسها، غير راصدة لحياتها،



ولكنها، تحاول القبض على ماهية الذات والغوص في عوالمها. لم تكن السيرة في التحديق في الشرر كتابة عن الحياة، ولكنها كتابة الحياة وإعادة تشكيلها وفق رؤية المؤلف ومخيلته.
إذن، - ومما لا شكَّ فيه – أنّ هناك أعمالا أدبيّة لا تتغيا التواصل مع الآخر بقدر ما تطمح إلى التواصل مع الذات والعوالم الباطنية للمؤلف، "ويمكن لنا أن نصف العمل أو النصَّ الأدبيَّ بأنّه رسالة تؤكد على ذاتها. وأعتقد أنّ هذا التعريف يتيح لنا بحق أن نفهم كيف أن الأدب قضية لا تنحصر بالوظيفة الاتصالية." وهذا ما ألمحت إليه – آنفًا – أنّ ثمة نصوصا أدبية لا تجنح بطبيعتها إلى التواصل مع الآخر؛ إذ ينبني النص في كليته على نواة التواصل مع العوالم الباطنية/ المتخافية للمؤلف بغية اكتنناه حقيقة الذات وتشكلاتها وتحققها بعد تجاربها الحياتية والإنسانية.
هذا ما وجدناه في النسق (السير ذاتي) عند أيمن تعيلب، الذي خرج بنمطه السيري عن المألوف العائم على السطح خروجا منطقيا هادئا، فكأنه يعيد تعريف كتابة السيرة الذاتية بما يتماس مع حقيقتها وجوهرها، فالسيرة الذاتية – وفق رؤيته – ليست رصدًا لليوميات الحياتية، ولا ترتكز على كتابة السيرة بوصفها تاريخا للذات، بل حالة من التواصل بين الــ (أنا) المتحقق والــ (ذات) التي يتم اكتشافها – مرة أخرى – بعد تحقق الـ (أنا) من وجودها في هذا العالم "ويمكن القول أن السيرة الذاتية هي قراءة ثانية لتجربة حياتية يصبح فيها الكاتب بحكم العمر، وبحكم البعد زمانيا ومكانيا عن التجربة أكثر قدرة على فهم الذات". وهذا ما تعنيه – حقيقة – السيرة الذاتية وفق منطق أدبي منضبط ورؤية فلسفية جادة.
إنّ الخروج عن نسق الكتابات السير-ذاتية، أبدى أسباب خروجه مبررا للقارئ، أنّ عملية الخروج لم تكن ترفا، ولا مغايرة للمألوف، ولكن الخروج هنا يعني: الوصول إلى الحقيقة الغائبة، التي لم يستوعبها الخطاب النقدي حال مساءلته للخطاب السيري (الذاتي). هل الذات تعي حقيقتها لتكتب عنها؟ هل تعي الذات حقيقة الحياة/ العالم/ الوجود لتعيد تشكيلهم – مرة أخرى – في العالم النصيّ؟ أم انصبت الكتابات الذاتية – كلها – وتقافزت على سطح الأنا (الوعي) المحاصر بأشراط الزمان والمكان واللغة؟ فهم إذن، يكتبون عن غثاء لا عن حقيقة، وفي هذا يقول: "ربما يكون ما أكتبه حالة من حالة الوجد الذاتي، أو التخييل الذاتي لحياتي، وليس سيرة ذاتية حقيقية، خاصة أن حياتي الظاهرة ليست حياتي الحقيقية كلها، فحياتي المجهولة هي التي حرّكت معظم حياتي المعلومة، الحقيقة يا صديقي، أنا لا أقنع بمسميات علماء السيرة الذاتية، عندما يشترطون في كتابتها الصدق والوضوح والصراحة، ولعل أول ما ينقض هذا الكلام أنهم يصنفون مجرى حياتنا إلى حياة شعورية وأخرى لا شعورية، ويقسمون الزمن بين ماض


وحاضر ومستقبل، والضمائر إلى متكلم وغائب، كلها تصانيف لغوية منطقية لا علاقة لها بحقيقة الحياة أصلا، الحياة تثب وثبا وتطفر طفرا، ولا علاقة لها بالتصنيف والتأطير والحدود والسدود، أنا أزعم أن مسمى اللاشعور مسمى خطأ، لأنّ حرف النفي السابق هنا على كلمة الشعور ينفي ما تثبته الحياة في الشعور، فما نطلق عليه لا شعور هو الوعي التحتي العميق لحياتي وحياتك، تيارنا التحتي الغائر هو جذوع حياتي العميقة التي يتفرع منها شجر منطق الحياة نفسها، فمثلا ما نظنه تسلسلا زمنيا بين ماض وحاضر ومستقبل مجرد تصور وهمي للزمن، مجرد تصنيف بشري مجرد لا أكثر ولا أقل، لابد إذن من إعادة النظر بصورة جذرية بين باطني وظاهري(...) لأن حياتي اليومية الطبيعية كتلة عضوية نامية تترامى في اللحظة الواحدة بين ماضي الماضي وحاضر الماضي وحاضر الحاضر وحاضر المستقبل دفعة واحدة، وما نظنه حياة اللاشعور الباطني هي الحياة اليومية، حيث يتدفق زمننا المعيش الحسي اليومي في ديمومات تجاورية كثيفة معقدة تجسد حقيقة لحظتنا اليومية."

انشطار الذات في فضاءات الأزمنة:
تتجلى لنا رؤية المؤلف حول كتابة السيرة الذاتية وحقيقتها، التي تتجافى عن فكرتي التسجيل- الرصد، فالسيرة الذاتية الجادة لا تعيد التاريخ الشخصي بسطحيته العائمة على مرايا الذات، ولكنها – وفق تجارب بعينها – تحاول الولوج إلى الداخل لإعادة تشكيله بعد عملية تفكيك للذات والواقع والتاريخ، وهذا لن نتحصّل عليه فيما يسمى بــ (اليوميات)، وهذا يعود لسببين، الأول: اختلاف القصد بين الجنسين، والثاني: عمق التجربة التي يهيمن عليها (الزمن) بسطوته التي ينطوي تحتها كم هائل من التجارب تمنح المؤلف حق الخلق وإعادة التشكيل فــ "المساحة الزمنية التي تفصل بين زمن الكتابة وزمن التجربة تكون في السيرة الذاتية أوسع منها في اليوميات. كما يعد التعامل مع (المرجع) وجها من وجوه الاختلاف بين الجنسين الأدبيين، فالإحالة المرجعية في اليوميات تمتاز بالدقة نظرا لقرب لحظة التدوين من لحظة التجربة في حين تتعرض الإحالة المرجعية في السيرة الذاتيّة إلى ضرب من التشويش والاضطراب فلا سلاح لكاتب السيرة الذاتية سوى ذاكراته، والذاكرة معرضة لآفة النسيان وهو غربال لا يمر من ثقوبه إلا ما هو جوهري وفق ما قاله جوليان قرين(Julien Green)". وهذا ما يلمح إليه أيمن تعيلب في قوله: "كانت حاجتي لأن استغور مجاهيل نفسي ومجاهيل العالم من حولي ملحة جامحة، ظللت أعاني طوال زمن الكتابة حالة من التآكل المتبادل بين زمنين جد مختلفين لأعرفني أكثر أو حتى لأعرف: هل كنت أعرف نفسي وما يدور حولي في العالم بصورة معقولة؟، لكن يبدو أنّ حبكة الزمن في قصة حياتي كانت شديدة


القسوة والسخرية معا، الزمن مثل شرنقة محكمة شفافة تلفنا على أنفسنا من جميع جهاتنا فلا نرى شيئا فينا أو من حولنا إلا مشوشا مبلولا بماء الحياة، كان لابد لي من الإيغال بعيدا في الزمن لأتمكن من استرداد ذاتي فأرى حقيقة حياتي.
الزمن له بعد نفسي مخاتل في تجربة المؤلف يتجلى في أسلوبيته التي ترتكز -في كليتها- على محور الزمن بتشظياته المختلفة وأبعاده النفسية المتنافرة والمتجاذبة في آن، إذن، هناك وعي مغاير للزمن يفتح مآلات الوجود أمام الذات الرائية، بل يتحول الزمن – وفق تصور المؤلف – إلى أزمة حقيقية، حيث تنشطر الذات بين زمنين: التاريخي (الاستعادي) بكتلته المتحققة في الواقع، والزمن النفسي المُتَصَوّر في المخيال الباطني، والذي من خلاله يحاول المؤلف استرجاع اللحظة الماضوية مندغمة في اللحظة الآنية في محاولة دائبة منه للقبض على الحقيقة حال التحديق المستمر في الجوهر الذاتي، فيقول: "عندما ننظر إلى الخلف من عمرنا تبدو حياتنا بالغة الدهشة والغرابة، حياة غارقة في لحم الزمن تضج بألوان الصخب وتلاوين العجب تعجننا الحياة عجنا في أفرانها اللاهبة المشتعلة، تصهرنا ونصهرها ترتشفنا حتى آخر
قطرة ونرتشفها حتى الثمالة دفع حيوي غلاب يعتصرنا في تيار الحياة، لكننا نصحو فجأة بعد فوات العمر فنرانا بعيدين عنا بعد المشرق عن المغرب وهنا موضع الدهش وموطن العجب. لأنّ حياتنا كانت تسير وفق منطقها هي لا وفق منطقنا نحن. ونقع فجأة فريسة منطق اللامنطق. فأراني بعيدا قريبا، ساطعا غائما، حتى أتمكن من أحياني مرتين: مرة في واقعي، ومرة في خيالي. كأني فنان لا يستطيع إدراك لوحاته الفنية إلا إذا ابتعد عنها مسافات معقولة تمكنه من انفصال ذاته الفنانة الفتانة عن ذاته الإنسانة الأسيانة. القرب اللصيق من اللوحة يفقدها كثيرا من جمالها. إذا فلأراني بعيدا قريبا، واهما صادقًا."
يحاول المؤلف القبض على حقيقة الذات واستقراء تشكلاتها من خلال عملية الانشطار الذَّري بين الأزمنة، حيث يولّد هذا الانشطار زمنا مغايرا (معادلا) تنوجد فيه مرايا تتقافز عليها الحقيقة ويسطع عليها وميض الجوهر المتخافي، ولذا استدعى "تعيلب" جميع أنواع السرود الزمنية: السابق، اللاحق، الآني، المقحم، بغية أن تتقاطع هذه المحكيات الزمنية في حيز الذات، فتولّد هذه التقاطعات حالة انفجارية يعيد من خلالها المؤلف استعادة التاريخ/ الزمن وهو منقهر بسلطة الذات الرائية- في طور تحققها- فيستدعي في البداية – عن طريق السرد السابق – لحظة الميلاد بتاريخيتها التي سرعان ما تتلاشى مندمجة في الزمن النفسي المسيطر على البنية وتشكلاتها، فيقول: "كان ميلادي منبئًا بحياة متقلبة هوجاء تتعاورها عواصف لا تهدأ ولا تقر، لم تكن حياتي هادئة ولا مطمئنة، فعشت متمردا موغلا في حرائقي، معلقا دوما


على مفترق طرق البروق، روحي صخّابة بالأمل والألم (...) أرتعش مقرورا بين برد ورعد وبرق أتلقى الدرس الأول لكينونتي وسر وجودي. ليتني كنت قادرا على قراءة مشاعر أمي وقتها،، بالتأكيد كانت فرحانة، لكنه الفرح المشوب بالقلق والخوف."
بعد استدعاء اللحظة الزمنية الأولى – التي تؤسس لوجود الذات – يُغَيِّبُ المؤلف الزمن (الطبيعي) ووسيلته (السرد السابق)، مستدخلا ثلاث طرائق للحكي الزمني:(اللاحق، الآني، المقحم)، تلتحم جميعها مع الزمن بوصفه تاريخا؛ ليتشكّل فضاء زمني نفسي يحاول المؤلف من خلاله أن يستوعب الذات ويستجلي حقيقتها، وهو يعيد استقراء اللحظة الأولى، فيقول: [أرتعش مقرورا بين برد ورعد وبرق أتلقى الدرس الأول لكينونتي وسر وجودي.]
يستدعي الفعل المضارع (أرتعش) نمطا حكائيا آنيًا يحول اللحظة الأولى من ماضويتها إلى الزمن الآني عن طريق التبئير على لحظة الارتعاش الحاضرة بحركيتها، والتي تعني حضور الذات – في مرحلة التحقق – لاستجلاء غوامض لحظة الميلاد، ولذا ارتكز الحكي وتطور من السرد السابق إلى السرد الآني، والذي يتحدد من خلال "استعمال صيغة الحاضر، وهي تقنية تثمنها السرديات المعاصرة، لكونها توهم بأنّ الراوي يكتب في نفس اللحظة التي يقع فيها الفعل."، وبهذه التصاعدية الحكائية ينغمس المتلقي في لحظة (الارتعاش) التي تتموسق مع اضطراب الذات فتتحول المشهدية السردية إلى فعل درامي يتحقق وجوده من خلال منظومة خطية تتسم بحركية مفرطة تتنامى/ تتصاعد من خلالها درامية المشهد، وتتشكل هذه الخطية الحركية من الفعلين: [أرتعش/أتلقى] وما يقع بينهما من أسماء تحمل في طياتها حركية متصاعدة لا تتوقف، وتتمثل هذه الحركية في: [مقرورا/ برد/ رعد/ برق].
لا تتوقف حركية الزمن وتشظياته عند هذا الحد فيستدعي المؤلف عن طريق السرد اللاحق قلق الأمومة، والتي تستشعره الذات حال استرجاعها التاريخي للحظة الميلاد، فيقول: [ليتني كنت قادرا على قراءة مشاعر أمي وقتها، بالتأكيد كانت فرحانة، لكنه الفرح المشوب بالقلق والخوف.] تحيل مفردتا:[ليتني/ وقتها] إلى زمن الحادثة وهو متلبس بتاريخيته مرتكز على ماضوية السرد بتقنية الحكي السابق المندغم في اللحظة، ثم يتحرك فعل الحكي- منسلخًا من الماضي والآني- تجاه فعل الحكي (اللاحق) حيث " يروي المؤلف أحداثا بعد وقوعها. إنها الحالة الأكثر تواترا. ويقدم الحكي نفسه، في صيغة الماضي، كمحكي سابق على الأحداث المروية." حيث يستطيع السارد أن يستعيد اللحظة الماضوية السابقة – وبعد التحقق منها – يستشرف مآلات المستقبل، الذي كان يجهله وقتها، وهذا ما نعنيه من قراءة الذات لتاريخها من خلال تقاطعات الأزمنة التي تولد انفجارات زمنية تشكل عالمها الخاص حيث تنوجد

الحقيقة فيه، ولذا، عمل المؤلف على تداخل هذه الأزمنة واختلاف طرائق الحكي الزمني بين السابق والآني واللاحق، وهذا ما يسمى بالسرد (المقحم) فــ" هو عبارة عن مزيج من السرد اللاحق والآني: بحيث يتوقف المحكي بصيغة الماضي من حين لآخر بهدف التعليق الاستعادي بصيغة الحاضر." وعند هذا التداخل ينشطر الزمن وتتجلى فضاءاته التي تتيح للسارد أن يطرح سؤال الوجود، فيقول: "لكن يظل السؤال الأبدي الذي يمر به جميع الناس: هل نحن صنيعة أقدارنا أم نحن الذين نختار؟ سؤال الأبد المكرور ورغم ذلك تراه جديدا كل الجدة مع كل ولادة."

فضاءات المكان وتشكلات الهوية:
تقاطعت الأمكنة في البنية السردية (السيرية)، كما تقاطعت الأزمنة، ولكن تقاطع الأمكنة بطابعها المحيز يختلف أيما اختلاف عن تقاطعات الأزمنة بطبيعتها السائلة، ومن هذه التقاطعات المكانية تنولد فضاءات أخرى وتتشكل أبعاد مكانية (معادلة) تبحث فيها الذات عن حقيقتها وتشكلات هويتها.
تنوجد هذه التقاطعات المكانية في البنية النصية، على مستوى العنوان – بوصفه من المتعاليات النصية التي تتسم بطابع طوبوغرافي-، وعلى مستوى المتن النصي. ففي المستوى الأول (العنواني) تتمثل هذه التقاطعات بتداخل/ تناوب الزمان والمكان على الحيز العنواني للفصول، فقد وقع فصل (بيوت قريتي) بين فصلي: (يوم الميلاد/ الختان)، وهذا التناوب على الحيز العنواني يسمح بدخول الزمن بحمولاته، ويفسح المجال لدخول المكان بأبعاده ودلالاته. وبين هذا وذاك تتشكل الهوية التي تستدعي -بالضرورة- مكانا تنوجد فيه وزمانا تمارس من خلاله فاعليتها. وبهذا الفعل يستخدم المؤلف تقنية (التقطيع السردي)، ونعني به: "تقطيع الخطاب وفق معايير محددة وملائمة مرتبطة بالخطاب تؤدي إلى كشف دلالة الخطاب، لأن هذه المعايير تتعلق بمكونات خطابية مثل توزيع الفضاء الذي يقترحه السارد، مثل الزمن والفضاء المكاني والشخصيات."، وهذه الممارسة/ التقنية واضحة جلية في البنية السردية السيرية التي يخطها المؤلف بدراية وعناية فائقتين.
أما على مستوى المتن النصي (السردي) تتقاطع الأمكنة بطابعها المحيز مع المكان (المعادل) الذي يمارس المؤلف من خلاله عملية التحديق (التحقق)، ويمزج بين العالمين بحرفية تجعل من كلا العالمين عالما واحدا منوجدا من عملية التداخل/ التقاطع ذاتها، فحين يتعرض بالوصف السردي - المضمخ

بماء الشعر- لبيوت القرية فيقول: "كانت معظم سقوف بيوت قريتي تتقوى بأحزمة الحطب الناشف المقدد نفرش عليها بلح النخيل المرطب بعد جنيه من النخيل، نرصه فوق أحزمة الحطب فوق السطوح حتى نعرضه لشمس الصيف المتقدة التي تتولى طبخه، وتجفيفه بفرن الصيف القائظ،ن يظل التمر يضمر ويضمر تحت جمرات الشمس الملتهبة حتى ينحل رويدًا رويدًا ثم تلتف التمرة حول نفسها متكرمشة كأنها دودة حرير تتهيأ للتحول إلى فراشة، وقد تعتّقت في جوفها الحلاوة، في هذه اللحظة يكون التمر أزكى رائحة وأطيب مذاقا. كان مطعمنا ما تجود به الحقول والحيوانات والنباتات، ومشربنا ما تتكرم به صنابير المياه المنبطحة في العراء تقف على آخر البلدة مثل ناسك متبتل يفيض بالدموع."
انغرست الفقرة السردية السابقة في أرض الشعرية؛ ليتمكن المؤلف من توسيع أفق المكان من خلال اللغة الشعرية الواجبة الحضور، فهي الوسيلة الوحيدة التي يتوسع بها أفق المكان وتتجلى فضاءاته. تمارس الذات – هنا – سلطة الاسترجاع المكاني لتعيد قراءته مرة أخرى، وتقنية الاسترجاع المتعمدة من قبل المؤلف تنكشف من خلالها عملية التكون الهووي وتشكلاتها وهي منغرسة في مكانها الذي لا تتحقق الهوية إلا به. وبعد استنطاق الهوية وهي تمارس فعل الحكي الخفي لسيرة المكان تطرح إجابتها المرضية عن سؤال الوجود -الذي طرحته آنفا - فتقول: "أدركت أنه مهما سجنتني ظروفي القاسية فلن تسجن روحي، إلا أن يتنازل الإنسان راضيا مرضيا عن إرادته ناسيا طاقاته الروحية العميقة ليذوب في رتل القطيع العام خاطما نفسه في حبال عجزها عندئذ تسيره القوى الخارجية، فيغرق في أشياء العالم، ويكون هو المسئول الأول والأخير عنن التفريط في حق ذاته ووجوده."
تقع الذات هنا في عالم من التناقضات التي تتجلى بين قسوة المكان ورقة الذات، بين القيد والحرية، بين أكون أو لا أكون. يتمظهر هذا التناقض عند تفكيك البنية النصية، حيث تحيل السردية الحكائية إلى المكان بحمولاته ودلالاته التي تفرض قيودا وأشراطا على الذات، وترفض الأخيرة الخضوع لسلطة المكان، ويصل التناقض أقصاه عندما تحتك البنية السردية- التي تحيل وفق حكايتها إلى القسوة – بالعالم الشعري الذي تحتمي به الذات ليحدث نوع من التناقض بين ما تحيل إليه السردية وبين لغتها الشعرية، التي تضمن وجود الذات في عالمها الممكن (اللامرئي)، الذي تتغياه وتطمح إليه الذات. فلم تكن السردية السيرية في كليتها سوى عالم من التناقضات تنبني في أفقها الحكاية، حيث "تقع أفكارنا في مجموعة من التناقضات، هذه التناقضات هي أوجه التضارب المتعلقة بالتجربة، والتي لا نستطيع حلها. كما أننا، على أي حال، لسنا عاجزين كليا عن التعامل معها؛ فبوسعنا أن نخفف القيود التي تخضع لها

بصيرتنا وقوَّتنا؛ ومن ثم في تعاملاتنا مع الطبيعة/ العالم/ الواقع/ الذات بإعادة ترسيخ نسخة باهتة من المعرفة العميقة والأكثر كمالًا التي يمكننا اكتسابها من عالمنا الخاص." وكأنّ تلك التناقضات الداخلية المحتشدة بذات المؤلف كانت الباعث الوحيد للبحث عن الحقيقة بين هذا الركام من المتناقضات التي تموج بها وتتلظى ذات المؤلف.
تمارس الذات فعل التّبصر على المكان؛ لتتمكن من خلق فضاءات يتجلى فيها وهج الحرية، حيث الأخيرة هي النبع الصافي، والمورد الأوحد لنشوء الكيان الهووي للذات. والحرية المتغياة مختنقة في حيز المكان فتبحث لها الذات عن فضاءات أخرى منخلقة من ذات المكان، وهذا فعل ضروري لتشكلات الهوية فــ "إن أردنا أن نصبح أكثر حرية، بما في ذلك كوننا أكثر حرية بما يكفي لمسح الحقيقة ككل، مع الإفلات من تخوم عالمنا الأشد قربا، فلن نستطيع عمل ذلك إلا باكتساب الحرية الكبرى للتبصر والفعل في هذا العالم. وتبرر هذه الحقيقة تصنيفا للمواقف الفلسفية يميزها بعضها عن بعض وفقا لتأثيرها، بمعنى آخر، من أجل إعادة صنع المجتمع والثقافة". وكأن بفعلي: التبصّر والحرية ينخلق العالم وفق رؤية الذات له، وهنا نجد (أنا) أخرى باطنية تتآزر مع (أنا) السارد ليتمكن من فعل التبصر الذي يعيد تشكيل المكان والتاريخ والعالم "فهناك (أنا) أخرى، (أنا) غير مرئية تحيل الراوي/ السارد، أي الشخصية الشعرية التي ندركها عبر الخطاب."، إذن، تتوزع البنية السيرية للمؤلف بين (أنا) السارد الذي تحيل إلى الواقع، وبين (أنا) الشاعر الذي يخلق من المكان فضاء/ عالما معادلا تتنفس فيه الذات، محاولة تهشيم الممكن بالواقع. ولا يرتكز الأمر على حتمية الوصول، ولكنها المحاولة الدؤوب لممارسة فعل الحياة بالتحديق (التحقق) من الهوية، وتشكلاتها في فضاءات متباينة حيث؛ "لا يتعلق الأمر بأن تصبح نفسك موضوعا للمعرفة، وحقلا للوعي أو اللاوعي، بل موضوعا لانتباه دائم ومستمر." ولذا، ينفلت المؤلف من ربقة المكان وسلطته إلى فضائه المتعالي في ملكوتات اللغة خالقا منها العالم المثالي، فيقول:
"كلما رميت ببصري صوب سماء الصور اللعوبة تفلتت مني الصور عند حدود بصري وتركيزي موغلة في معراج الألوان، كلما حدقت فيها البصر انقلب مني البصر خاسئا وهو حسير. كانت طيور الصور تغرب في أفق الغموض الشفيف ولم أجد لهذا الملكوت البهي ملكا فيما سمعت وقرأت فقررت أن أسأل خالي الأستاذ محمد شلبي أحد مدرسي اللغة العربية في قريتي، لكن للأسف لم أجد عنده لمنظر الغروي سميا... قررت في طفولتي أن أشتق له اسما بنفسي شريطة أن أستننسغه من عصارات الألوان تشكيلات


الجمال المبللة بماء البهاء الكوني المديد... فقلت في نفسي فلأطلق على ملكوت حدائق الألوان اسم الملك (لونائيل)."
ربما لا ينتبه القارئ لعملية الاشتقاق اللغوي التي مارسها المؤلف في الفقرة السابقة، حيث تمثل هذه العملية ترميزا/ إشارة لعملية خلق كبرى تتوارى خلف لعبة الاشتقاق اللغوي التي يمازحنا بها المؤلف، فقد استطاع أن يخلق من أفق المكان مكانا معادلا تمارس فيه الذات وجودها المتحقق من خلال رحلة البحث عن العالم والذات والوجود. ربما يتجلى جوهر الحقيقة في المحاولة لا في الوصول، حيث تضمن هذه المحاولات للذات وجودها الفاعل في العالم، فالحقيقة لا يبدو منها سوى وميضها المتخافي "فالحقيقة لا تعطى للذات بشكل كامل. حيث تسلم "الروحانية" بأنّ الذات بوصفها ذاتا لا تملك الحق، ولا القدرة ولا الاستطاعة على بلوغ الحقيقة(...)، إنها تسلم بأنّ على الذات أن تتحول وتتغير وتنتقل وتصبح وتصير شيئا مغايرا لذاتها من أجل أن تتمكن من بلوغ الحقيقة." وهذا ما تحاوله ذات المؤلف من خلال نمطية الكتابة الجادة التي تتوسّل بها الذات للقبض على سؤالاتها في مرائي (التحديق).
استعادة اللحظة وإعادة التشكيل:
كما حاول النفريُّ استعادة اللحظة الروحانية؛ ليكتشف كنه التجربة تحققا وتلذذا، يعيد أيمن تعيلب كتابة الذات عبر أيقونات حياتية معينة، وغايته القصوى: القبض على ماهية الذات، والاقتراب- بقدر- من جوهر العالم وحقيقة الوجود. فالتواصل هنا ليس مع الآخر، ولكنه تواصل الذات مع صورتها العميقة في الأنا الأعلى المحتشد بأسرار الذات وعوالمها الباطنية، حيث تمثل الكتابة الذاتية عند أيمن تعيلب حالة من التلاشي/ التماهي بين الـ (أنا) والـ (هو) والـ (الأنا الأعلى)؛ لتتجلى حقيقة الإنسان دون فصل بين عوالمه الظاهرية والباطنية. إذن، نحن أمام نسق سيري يبحث عن الحقيقة الغائبة (المقدسة) التي أغفلها الخطاب النقدي حال مطالعته الأدب السيري (الذاتي).
تفترض هذه السيرة (الذاتية) نمطا تواصليا خاصا يستدعي الخارج (العالم) إلى الداخل (الذات)، وبهذا تتحقق مقصدية الذات التي انتوت حلّ التشفير الكوني داخل عوالمها الباطنية، وبعد عملية التحقق تلك، ينبعث الداخل إلى الخارج النصي- مرة أخرى- لتتواصل الذات مع الآخر ليؤدي النص السيري مهمته التواصلية المنوطة به.
ولكي تتحقق هذه المعادلة الصعبة بين الذات المحدّقة (المتحققة) والعالم، تنسلخ الذات رويدا رويدا من قيود الواقع وشروطه "فالنظرة الحداثية – وما بعدها – لجميع الفنون السردية تتعمد إرخاء العلاقة


التقليدية الوثيقة بين الشكل والواقع، وترفض الشكل التقليدي الذي يهدف إلى إعادة التوازن للحياة، وتسلبه القدرة على أن يكون انعكاسا للحياة، وتؤكد فيه على إمكانات النص بوصفه نتاجا للفكر ومولدا للفكر، ويستخدم في ذلك التجريد والإغراق في الخيال في مواجهة الواقع، ولكنه يصمد بوصفه بناء فكريا مستقلا (...) وهو بذلك يقدم احتمالا أكثر لعالمنا، سواء كانت هذه الاحتمالات ممكنة لأنها تخالف قوانين الواقع، أو أنها تندرج تحت غير الممكن نتيجة استغراقها في الخيال." وتظل الذات بعد عملية الإرجاء تلك في حالة اندهاش مستمرة وهي تتقلب بين مرائي الذات ومرايا الوجود وهي تحاول الخلاص من جسدانية الواقع إلى فضاءات اشتعالها بالمعرفة، وبقدر انسلاخها من الجسد/ الواقع يتحقق خلاصها وهي تحاول الوصول إلى ملكوتات العرفان المغيبة في عوالمها، وهذه الرحلة التي تقطعها الذات لا تنال منها إلا شرف البحث
عن الحقيقة، إذ الأخيرة مغيبة بسلطة الروح ومحتجبة بظلامية الجسد "فنحن لا نصادف هذا العالم بصورة مباشرة؛ لأننا لسنا روحا كونية متحررة من الجسد؛ فنحن لا نصادفه سوى ضمن العالم المتألق لمدركاتنا؛ وبالتالي، فإنَّ الفلسفة تناقش ما إن كانت عملية تحرير الإدراك تمثّل علامات موثوقة على الطبيعة الحقيقية للعالم أم أنها مجرد هلوسة، تمارس سلطتها بموجب وزن اتساقها الخاص." وهذا ما نجده – تماما – في "التحديق في الشرر" بنسقها المتعالي وأسلوبيتها التي تبلور لنا معاناة الذات ومراحل توهجها وتراتبية تحققها وفق وعي الذات بماهيتها.
إنّ الذات التي تحاول ممارسة فعل الخلق، وتعمل على إعادة تكوينها في كيان إنساني متحقق- تتطلّب شروطا خاصة، أظنها لا تتوفر إلا لثلة من المصطفين الأخيار، الذين تعمّقوا في تجاربهم، ونظروا إلى دواخلهم، وبتروا ذواتهم عن جميع التعالقات المادية، وليست عملية البتر/ الاجتثات بالأمر اليسير، حيث تنقطع الذات المتحققة عن كل ما يتصل بها من موروثات ثقافية وأيديولوجية وسياسية وعقائدية، وكل السلطات المبرمجة للذات في ماضويتها، وتحتمي بوعيها وحسب. هنا فقط تستطيع الذات أن تمارس فعل الخلق وإعادة التكون الأنوي لها "وهذا ما نجده بعمق معرفي عند أحد أقطاب الحداثة الشعرية وهو الشاعر يوسف الخال الذي يقرر أنّ الحداثة: انقطاع عن النقل أيّا كان مصدره، وممارسة الخلق، وأن يصدر الخلق عن الذات الواقعية الحية، التي تمتلك وعيا لفرادتها وخصوصيتها في العالم، وينبغي أن تكون الذات المبدعة على مستوى من الثقافة يداني خلاصة التجربة الإنسانية كلها، بما يجعلها ذات موقف كياني من الإنسان والوجود، وتنتج إبداعًا خاصا في بيئته وعلاماته". وهذا ما ارتكز عليه الخطاب السيري في "التحديق في الشرر"، فعندما تتأمل المنظومة المعرفية للوجود الإنساني – من وجهة نظر المؤلف – يُتَلَاحظ لديك مدى عمقه وتحققه من تجربته الإنسانية المتعالية والمغايرة، فعلى سبيل التمثيل
لا الحصر، نراه يقول:

"كنت أظن طوال حياتي أنّ الخطّ الخلّاق الأصيل في الكون هو القوس لا الخط المستقيم، فالعمر قوس مستدير ملتف، يبدأ بالطفولة، فالشباب، فالشيخوخة، ثم الانتقال من حياة قصيرة إلى حياة الخلود الطويلة. يصطف جمع الشوق في أقواس مستديرة حانية ترتمي رءوسهم إلى اليمين تارة وإلى اليسار تارة أخرى، كأنهم طيور تستعد للإقلاع البعيد، تنخلع أرواحهم عن أجسادهم رويدا رويدا في حركات لولبية روحية متدفقة كلما علا صوت الشيخ بالغناء المصهلل متنقلا من النشيد إلى النشيج، تصخب حركة الأجساد الذاكرة اللاهثة، كأنها السيل المنسكب، تكاد أجسادهم المتطوحة في الهواء أن تنكبّ منهم على تراب الأرض، أو تنفلت من أجسادهم مرفرفة في أجواز الفضاء القصي،ن يرتمون كالبرق المشع الخاطف يمنة ويسرة لا تكاد تستبين ملامح أجسادهم الفوّارة في هيئة محددة واضحة، هم أرواح لا أشباح تتطوح ما بين شفوف وغموض، انجلاء وانحجاب، حضور وغياب."

إشكالية اللغة إحاطة وإدراكا:
ربما تحيط اللغة بمستوياتها المختلفة بالواقع، وربما بالذات من منظور الوعي المحاصر بشرطي الزمان والمكان، ولكنها لا تستطيع بأي حال من الأحوال الإحاطة بحقيقة الذات في مستوييها: الشعوري واللاشعوري، وتتأبّى على اللغة عملية الإدراك لحقيقة الذات وكنه وجودها، فتقف اللغة عاجزة عن الإحاطة بالشعوريات الوجدانية والبنية التحتية العميقة لعوالم اللاشعور المحتشدة بالكتل الرمزية فتتحول اللغة إلى اهتزازات بسيطة حول ملكوت الذات الإنسانية، وكأنها جرم صغير يتلمس الحياة من كوكب دري.
إنّ استدعاء الذات في النص – هنا – يتطلب لغة تنماز بأقصى درجة من الشعرية؛ لتتحول اللغة – بعد أن منحتها الشعرية الحياة – إلى كائنات حيّة تحاول أن تسترق السمع وتخاتل المعنى وتتماس مع أقرب نقطة ممكنة مع اللاشعور؛ فهي لن تدركه حقيقة، وكأنّ هذا التماس – الذي تم عبر عملية التخييل – شحن اللغة بطاقات هائلة من الشعرية. ومن ثم تبدأ عملية التمثيل النصي بلغة، تحاول جاهدة أن تعبر عن مكنونات الذات وشعورياتها الوجدانية وعوالمها الباطنية، ولكنها في الحقيقة لن تصل إلى فكرة الأيقونية (التماثل) بين الباطن التخييلي (اللامرئي) وبين عملية التمثيل النصي (المرئية)، وستظل اللفظة في جدلية دائمة مع المعاني في أبعادها المختلفة، وستظل الفكرة قابعة في ملكوتها السديمي.
وهنا نستطيع القول أنّ اللغة – بوصفها كونا وسيطا نتعرف بها إلى العالم – تحولت إلى حالة من الوهم المتخيل نعبّر به عن وهم آخر؛ إذ الذات الإنسانية تدرك ولا تُدَرك، تعي، وتستعلي بخصوصيتها على الفهم والإدراك، فتظل اللغة في حالة جهاد بغية الوصول إلى أكبر درجة ممكنة من التماس بينها وبين الكون التخييلي.

بناء على ما سبق كانت لغة "التحديق في الشرر" منغمسة ومندغمة مع كون شعري خالص، وحاول المؤلف أن يصل إلى أعلى درجة ممكنة من الشعرية؛ ليحقق أكبر قدر من التواصل مع الذات الباطنية بغية التعرف إليها، فيقول:
"اللغة قريبة وجسدي بعيد، وأنا متأكد أنّ روحي القديمة التي تلبست جسدي مازالت حية لكنها منسية، تنبت هناك كالعشب الملتف على أقصى أطراف جوارحي، لكنها غامضة مجهولة، والسفر للمجهول لا تكفيه وسيلة نقل واحدة، لابد من وسائل نقل متعددة وجهات سفر متداخلة متشابكة، حتى أتمكن من الوصول إلى جسدي ونفسي، لكن للأسف كلما همت لغتي للوصول إلى جسدي انتفض المجهول كأشواك القنفذ المسننة حول لغتي فزادت عتمة كلماتي، حاجتي ممضة إلى لغة بكر نضناضة تتقافز في جوارحي فتبرق باللمح والكشف، لغة صامتة بلا حروف ولا تراكيب، تصل مباشرة من الروح للروح، تكون اللفظة فيها بحجم الكون تتكوكب فيها كل صور الدنيا أكوانا شتى سابحة في أكوان شتى. لغة تتولى قيعاني الغريقة، فتنسرب إلى محار أسرارها البعيدة، ثم تعرج بي سابحة صوب لججي المرئية واللامرئية، ثلاثة أرباعي غارقة في ذاتي، ولغة واحدة لا تكفي للتعبير عن ربعي الطافي فوق سطح جليد التعبير الوقور."
هذه اللغة التي يريدها المؤلف، تثب وتتقافز حول العقل الشعري (الإبداعي) لتعيد خلق نفسها بتراكيب وصور وأخيلة وأنماط تمثيلية متعالية يحاول الكاتب من خلالها القبض على ماهية المعاني، وأن يستدعي بها المنظومة التخييلية القابعة في اللاوعي الإنساني. وهكذا كانت لغة أيمن تعيلب في " التحديق في الشرر" ولم يكن أمامه بد من الاستغراق بلغته في العوالم الشعرية البكر، فهي الوحيدة التي تمكنه من الاقتراب من عالم الذات الباطني، وقد تفوق المؤلف على نفسه، حيث تحولت لغته إلى لغة شعرية ممغنطة بالعرفانية الكشفية، وحلّق بها في ملكوتات الرؤية، لتتكشّف له الذات وحقيقتها.
توزعت اللغة في "التحديق في الشرر" على مستويين: (الشعري) عندما يريد الكاتب أن يعبر عن شعورياته وهو يكابد عملية استعادة الذات من جديد. الحكائية (السردية)، تلك التي كان يستخدمها وهو يقوم بعملية الرصد لتاريخه الملتضم بالوعي المحايث، وتكون اللغة أكثر كشفا وتناولا وبساطة عندما يحكي سيرة المكان، ويسرد لنا مشاهد القرية؛ لينوجد نوع من التموسق بين اللغة والسرد الحكائي.
تواجه الذات إشكالية كبيرة مع اللغة وتمثلاتها الأدائية في البنية النصية، حيث تطمح الذات – وفق غايتها – إلى القبض على الحقيقة المغيب جوهرها في عوالمها البعيدة، فتحاول الذات الاقتراب منها – بقدر- وتظل الحقيقة مستعلية بسلطتها على الذات، وكل ما تفعله الأخيرة محاولات متكررة من خلال


(التحديق) لتحدث حالة من التماس المتوهم بين الذات وحقيقتها. هنا تكمن إشكالية الذات مع اللغة، فالحقيقة أكبر من محيط الذات ومدركاتها، واللغة وسيط بينهما، فكيف تقبض اللغة على الحقيقة وهي أكبر من إمكاناتها "فاللغة والفكر لا يشتركان في حدودهما. وفي أفضل الأحوال، لا يمكن للغة سوى أن تكون الوجه الخارجي للفكر في أرقى مستويات التعبير الرمزي وأكثرها تعميما." وهنا تتجلى قدرة الذات في عملية الخلق اللغوي الذي من الضروري أن يتسق مع خيالات الحقيقة التي تتمرأى على جدار الذات، وهذه معادلة صعبة تحتاج إلى ذات تنفخ في مادة اللغة فتتحول الأخيرة طيورا تحلق حول العالم المتمظهر على مرايا النفس البشرية "فحدس الفنان إذا استخدمنا مصطلح (كروتشه) – هو إبطال للطراز السائد في التجربة الإنسانية التعميمية – فكرا ووجدانا – التي تشكّل تجربته الفرديّة انتقاءً شخصانيا عاليا منها. فليس لعلاقات الفكر في هذا المستوى الأعمى كساء لغوي خاص، حيث تكون الإيقاعات حرة وغير مقيدة." ولذا، كان المؤلف في حالة خلق لتراكيب لغوية تناهض حركية الذات وهي تحاول القبض على الحقيقة، وتكتشف كينونتها الوجودية في آن.
هذا ما جعل اللغة في "التحديق في الشرر" تشكل عالما استعاريا يضمن لمرائي الحقيقة وجودا معادلا في عالم اللغة، فكانت الأخيرة منشطرة في ديالكتيك متصاعد بين الغياب والحضور، الواقع والممكن، الأنا والأنا الأعلى، الجسد والروح، هلامية الفكرية وجسدانية اللغة "فاللغة فكرية وماديّة في الوقت نفسه، ولا يمكن اختزالها بمجموعة من العلامات الاصطلاحية، بل هي رمز الحياة الإلهية المحيطة بنا، ويرى (هامان) في اللغة مكانا للكشف وسوء التفاهم في الوقت نفسه، ليس لأن القدرة على التفكير كلها تقوم على اللغة فحسب، بل لأنّ اللغة وسيلة العقل في خذلان نفسه بنفسه أيضا." ولعلنا بعد هذه التطوافة نستدعي من "التحديق في الشرر" نموذجا تحاول فيه اللغة أن تحقق طموحات الذات وهي تكتشف الوجود من حولها، فيقول:
"نتحلّق حول المسحراتي جميعا كعناقيد النجوم المعلقة في رقبة السماء القصيّة، نجوم مبعثرة فرّت من أفق السماء، تمشي فوق تراب الأرض، يهرول المسحراتي في سكك الليل، كأنه يخوض في غمائم المجهول البعيد، ونهرول وراءه مع صمت الليل ورائحة البراري البعيدة، وصدى الكائنات السابحة في عتمة أسرار الليل، تذوب بعض الشموع فتنطفئ بعض الفوانيس فيتخلف أصحابها عن الركب المهيب في صمت وخفاء كأطياف تسبح في بحر الظلام راجعين إلى بيوتهم آسفين، لكني عمر شمعتي كانن أطول، ظللت أهرول أنا وفانوسي وشمعتي والليل وراء المسحراتي."



المقام الصوفي بداية التأسيس:
ارتكز أيمن تعيلب في كتابه "التحديق في الشرر" على الفكر الصوفي ومقامات العارفين، في عملية التأسيس الفكري، فكأن كل عنوان من عناوين الكتاب يحمل في طياته مقاما عرفانيا أو حالة صوفية، ليس على مستوى العناوين، وحسب، ولكن على مستوى المشهدية الواصفة لأحوال الذات. أول مقام ابتدر به المؤلف عملية التأسيس العرفاني: "مقام الذات في ذاتها" ويعني به مقام التحقق، فالذات لن تستطيع اكتشاف العالم وجوهر الوجود إلا باكتشاف نفسها والتغلغل في جوانياتها؛ لينكشف الحق أمامها، فترى الوجود على صورته الحقيقية، وأظن أن الجزء الأول من السيرة "التحديق في الشرر" ارتكز في كليته على مقام "الذات في ذاتها" بغية الوقوف على مشارف الحقيقة، والكتاب في كليته تستطيع أن تصفه بأنه مجموعة من المقامات العرفانية الصوفية المنبثقة من تجربة إنسانية متحققة، لتتحول الـ (أنا) إلى أنا استغواري تبحث عن حقيقتها، باعتبار البحث عن الذات عبادة من أـرقى العبادات، وهي انصياع كلي للأمر الإلهي: "وَفِي أَنفُسِكُمْ ۚ أَفَلَا تُبْصِرُونَ" 

الكتابة السيرية بين المحو والإثبات:
مارست اللغة (الكتابة) الصوفية سلطتها على هذا المؤَلف، وتوزعت هذه السلطة بين محو وإثبات، فالذات وهي في مرحلة (الاستعادة) تطّهرت من أنانيتها، فاستدعت أنواتٍ كثيرة: أنا(الأم)، أنا (الأب)، أنا (الجد)، أنا (المكان)، أنا (الزمان)، أنا (القرية)، أنا (المعلم)، أنا (القبيلة)، وتمثل هذه الأنوات حال التضامها الـ أنا (كلي)/ الـ أنا (واحد) الذي تشكل من تداخل هذه الأنوات.
قد اعتدنا في السير الذاتية أن هذه الأنوات تذكر عَرَضَا دون التبئير عليها، ولكن هذه الأنوات تجلى حضورها المكثّف في "التحديق في الشرر" – خاصة – أنا (الأم/ الأب) عن طريق الكتابة/ الإثبات، وهذا نوع من التطهر من الأنانية، حيث تتخافى أنا/ المؤلف حال الحديث عن أنا الأم أو الأب، لينفسح لهما النص/ باعتباره حيزا مكانيا معادلا للمكان الحقيقي في سردية الحكاية، وانسحاب أنا/ المؤلف تشير إلى الولاء التام والطاعة المقدسة لـ أنا الأمومة والأبوة، هذا الأخير الذي مُحيَ أثره في العالم، ولكن (أنا) المؤلف أوجدته ليظل حيا باقيا في الحيز النصي. فالكتابة الخطية هنا واقعة في ديالكتيك المحو والإثبات، تثبت ما تم محوه، وتمحو ما كان مركوزا في الواقع المخاتل؛ بغية التحقق من الجوهر الحقيقي، والقرب من ملكوتات الذات.



تلك التطوافة في "التحديق في الشرر" قراءة نستشرف من خلالها أيقونية التمثيل النصي المغاير لكتابة السيرة الذاتية (المعتادة)؛ ليتنبّه النقد حال معالجته النص السيري إلى هذه الطفرة التي أحدثها "التحديق في الشرر" في الكتابة الذاتية، وخروجه المنطقي عن نسق الخطاب وسلطة النقد، وشروط التلقي. كما توصي الدراسة بتوسيع منهجية التواصل السيميائي ليشمل الخارج والداخل معا، فكما تتواصل الذات مع غيرها وفق علامات سيميائية، تجنح الذات – أحيانا – للتواصل مع باطنها المتخافي في عوالم اللاشعور.



#محمد_عبدالله_الخولي (هاشتاغ)       Mohammed_Elkhooly#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تجليات الشعر وفضاءات التجريب: تحولات الشعرية العربية
- الحضور الشعري واشتغاله البلاغي في فن المقامة
- قصيدة النثر من الحقيقة إلى التحقق -تحولات النص وفضاءات التجر ...
- تيارات الوعي وتفكيك المركزيات حلم الأنا وسلطة الواقع – دراسة ...
- اللُّغَةُ مَوْضُوعَاً شِعرِيَّاً- الشاعرُ مُحَمَّد عبدالسَّت ...
- تجلياتُ السردِ في البناءِ الشعريّ- قصيدة -كُلْ بِعَقْلِي قطع ...
- سردية الذات وقلق الهوية في قصيدة العامية المصرية ديوان- مخطو ...
- شعر الفصحى: ديالكتيك الشكل وماهية الجنس الأدبي -دراسة تطبيقي ...
- قراءة نقديّة في كتاب -النقش على سطوح سائلة: مقالات في الثقاف ...
- تيارات الوعي وتفكيك المركزيات حلم الأنا وسلطة الواقع – دراسة ...
- رؤية نقدية شارحة لكتاب -بلاغة الحواس في الشعر العربي العربي ...
- إيقاع الزمن النفسي ودلالاته الشعورية في رواية -لازورد- ل عبي ...
- القصة القصيرة بناء الشخصية وترميز الواقع وتقنيات ما بعد الكل ...
- القصة القصيرة المتخيل الذاتي والتخييل المرجعي ورصد تحولات ال ...
- تَشَكُّلَاتُ الأنا صُوفِي بين عمق التجربة وسيولة التعبير قرا ...
- استراتيجيات التناص وآليات الخلاص من أزمة المصطلح -دراسة تحلي ...
- تَشَظِّي الخطابات وانكشاف النسق المضمر في رواية -حجر نفيسة ب ...
- سرديات (اللامرئي) بين الواقع والمتخيل في القصة القصيرة قراءة ...
- الرواية التاريخية: فانتازيا المصطلح وماهية التمثيل
- سردية الروح في مقامات البوح قراءة نقدية في المجموعة القصصية ...


المزيد.....




- إشهار كتاب دم على أوراق الذاكرة
- مثنى طليع يستعرض رؤيته الفنية في معرضه الثاني على قاعة أكد ل ...
- المتحف البريطاني والمتحف المصري الكبير: مواجهة ناعمة في سرد ...
- مليشيات الثقافة العربية: عن -الكولونيل بن داود- و-أبو شباب- ...
- مليشيات الثقافة العربية: عن -الكولونيل بن داود- و-أبو شباب- ...
- شيرين أحمد طارق.. فنانون تألقّوا في افتتاح المتحف المصري الك ...
- بين المال والسياسة.. رؤساء أميركيون سابقون -يتذكرون-
- ثقافة السلام بالقوة
- هل غياب العقل شرط للحب؟
- الجوائز العربية.. والثقافة التي تضيء أفق المستقبل


المزيد.....

- إخترنالك:مقال (الثقافة والاشتراكية) ليون تروتسكي. مجلة دفاعا ... / عبدالرؤوف بطيخ
- المرجان في سلة خوص كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- بيبي أمّ الجواريب الطويلة / استريد ليندجرين- ترجمة حميد كشكولي
- قصائد الشاعرة السويدية كارين بوي / كارين بوي
- ترجعين نرجسة تخسرين أندلسا / د. خالد زغريت
- الممالك السبع / محمد عبد المرضي منصور
- الذين لا يحتفلون كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- شهريار / كمال التاغوتي
- مختارات عالمية من القصة القصيرة جدا / حسين جداونه
- شهريار / كمال التاغوتي


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد عبدالله الخولي - الإبداع السِّيَري الخروج على منطق السِّيرة -التحديق في الشرر نموذجًا-