|
قراءة نقديّة في كتاب -النقش على سطوح سائلة: مقالات في الثقافة والأدب- لمريم الزرعوني
محمد عبدالله الخولي
كاتب/ ناقد/ باحث
(Mohammed Elkhooly)
الحوار المتمدن-العدد: 8479 - 2025 / 9 / 28 - 01:28
المحور:
الادب والفن
يتوهّم بعضنا أنّ فن المقالة فن مستحدث، لم يستوِ على سوقه إلا في عصر الكتابة والتدوين، بينما يرجع بعض الباحثين تاريخ فن كتابة المقال إلى القرن الثاني الهجري "حيث ظهرت بذور المقالة في أدبنا العربي منذ القرن الثاني للهجرة. وتمثّلت على أحسن صورها في الرسائل، وخاصة الإخوانية والعلمية، فإذا التفتنا إلى الإخوانيات، وما تدور عليه من مسامرات ومناظرات وأوصاف وعتاب، لوجدنا أنها تعكس خصائص المقالة، لا كما عرفت في طورها الأول الذي استمر حتى القرن السادس عشر، بل كما عرفت عند روّادها في فرنسا وانجلترا. هناك نماذج عليا لفن المقالة في أدبنا العربي، مثل رسالة "الحاكم العادل" للحسن البصري، ورسالة عبد الحميد الكاتب إلى الكتاب، والتي تضع دستورا للكتابة الديوانية ولأخلاق الكتاب، وهي قريبة الشبه بالمقالة النقدية الحديثة، من حيث الموضوع والأسلوب. ورسالة "سهل بن هارون" في مدح البخل وذم الإسراف. ورسالة الصحابة لابن المقفع، ورسائل الجاحظ. وأبي حيان التوحيدي في الإمتاع والمؤانسة. اعترض فن كتابة المقال - بعد هذا النضوج الذي وصل إليه في القرنين الثاني والثالث الهجريين- عائق الصنعة اللفظية، فوقعت المقالة في شرك اللفظ وأهمل المعنى فـ "في القرن الرابع الهجري تحجّرت المقالة ووقعت في أسر الصنعة البديعية والأسجاع مما جعلها تبتعد وفق تركيبيتها عن حقيقة أدب المقالة المتغيا، وما يقتضيه أسلوبها من تدفق وحريّة وانطلاق. إذا نظرنا إلى التاريخ الأدبي، ورؤية مؤرخي الأدب إلى أصل كتابة فن المقال، فلن يزعم واحد أن أصلّ كتابة المقال عربيّ النشأة، ولعلّ السبب في ذلك يرجع إلى أنّ العرب قوم رواية ومشافهة، والمقالة شرط تحققها الكتابة، وهذا على خلاف الشعر، الذي اعتمد في تاريخه الأول على الرواية والمشافهة، وقد وردت لفظتا: (مقال/ مقالة) في المعاجم العربية، وما ورد من أشعار عن أجدادنا العرب، فقد ذكر ابن منظور قول الحطيئة مخاطبا عمر بن الخطاب رضي الله عنه: تحنّن عليّ هداك المليكُ فإنّ لكل مقامٍ مقالا ووردت لفظة (مقالة) عند النابغة الجعدي، حيث يقول: مقالة السوء إلى أهلها أسرع من منحدر سائل يتلاحظ في البيتين السابقين، أنّ كلمتيّ: (مقال/ مقالة) لم يستعملا في التاريخ العربي القديم بمعنى المقالة بمفهومها الآني وأشراطها الفنية المعاصرة، ولذا، ومن باب التعسّف أن نقول بعربية هذا الفنِّ من حيث النشأة، وإن كان رواد هذا الفن من العرب في العصر الحديث أحرزوا نتاجا مقاليا في غاية الروعة والتأنق فــ "المقالة في الأدب العربي الحديث يرتبط تاريخها بتاريخ الصحافة، فالمقالة بنوعيها الموضوعي والذاتي، لم تظهر في أدبنا العربي، أول ما ظهرت، على أنها فن مستقل شأنها في فرنسا وانجلترا. بل نشأت في حض الصحافة، واستمدت منها نسمة الحياة وبريق الوجود، حيث تحوّلت المقالة وتحررت من موضوعيتها والتجأت ناحية الذات والعكوف عليها وتجلياتها في الأدب، وتخلّصت من شوائبها، واختطت لنفسها دربا مغايرا حفظ لها ماهيتها وكينونتها الفنية والأدبيّة، فكانت المقالة، ولم تزل بسمتها الذي نعرفه الآن. ذهب بعض الباحثين إلى ربط أصول المقالة بعدد من الفنون القديمة كالخطبة والمقامة والرسائل، ويفنّد الأستاذان/ صالح أبو إصبع، ومحمد عبيدالله في كتابهما: "فن المقالة"- ويرفضان التماس المزعوم بين المقالة والخطبة، إذ الأخيرة فن قولي شفوي يشترط خطيبا ومستمعين وأسلوبا خاصا يختلف اختلافا بيّنًا عن المقالة؛ إذ الأخيرة فن مكتوب له شروطه الخاصة، وكذلك صلتها بالمقامة التي تقترب من القصة القصيرة والفنون السرديّة، وهي بعيدة كلّ البعد عن المقالة وبنائها الفنيّ. بشيء من التجوّز تتجلى الصلة بين فن الرسائل والمقالة، "حيث تتسع الرسائل الأدبيّة التي برز فيها الجاحظ وابن المقفع، وكذلك مقابسات أبي حيان التوحيدي، وتبدو نصوص ابن عبد ربه صاحب (العقد الفريد) في كثير من جوانبها قريبة الشبه بالمقالة، وقد حاول بعض الباحثين- من خلال هذا التجوز – إثبات وجود المقالة قبل عصر الصحافة والكتابة والتدوين، فـ "الحقيقة التي لا يمكن إغفالها أن المنابع الأساسية لفن المقالة في الأدب العربي الحديث إنما هي الصحف والمجلات الدورية... حيث شهدت المقالة في النصف الأول من القرن العشرين اهتمام الصحف والمجلات اليومية بها، وتخصيص أعمدة لكتّابها." فليس هناك فن في الآداب العربية بل العالمية يدين بالفضل للصحافة في انتشاره ورواجه مثل فن المقالة. بالنظر إلى تاريخ المقالة في الآداب العالمية – دون تحيز – نستطيع القول أنّ فن المقالة "اختطّ دربا طويلا ضاربا في عمق التاريخ، شأنها في ذلك- شأن جميع الفنون، حيث يعكس لنا الأدب الصينيّ القديم الذي يدور حول التأملات الفلسفية والدينية مثل هذه المراحل، وخاصة في الأقوال المأثورة التي تنسب إلى "كونفوشيوس" (حوالي 500 ق.م) و "تسي زي" ثم كتابات "منشيوس" (حوالي 300 ق.م)، أكبر أتباع كونفوشيوس، خاصة في تلك الفصول التي كتبها عن الحب الكوني. ثم تعاليم "لاووتس" في أوائل القرن السابع... كما ذهب الكتور/ محمد يوسف نجم أن تباشير المقالة قد ظهرت في آثار بعض كتّاب الإغريق أمثال فيثاغورس وهيرودوتس وابيقور واثينايوس. وقد استوى فن المقالة على سوقه آخذا دربا مغايرا يتمايز به على سائر الفنون الأدبية على يد الكاتب الفرنسي ميشل دي مونتين، ومن بعده تطورت المقالة تطورا هائلا على يد كاتبين برزا في هذه الفترة، هما رتشارد ستيل، وصديقه جوزيف اديسون. المقالة وخصوصية كتابيتها الإبداعيّة: تخلّصت المقالة عبر تاريخيتها من الوقوع في أسر الصنعة والمحسنات البديعية، وتحررت من قيودها الأولى التي كبّلتها ردحا طويلا من الزمن، وتحولت من الموضوعية إلى الذاتية، حيث ترتكز المقالة بوصفها جنسا أدبيّا على الذات ورؤيتها ومعالجتها للقضايا/ الموضوعات، وهي في أبسط تعاريفها، يقول عنها أنيس المقدسي: "هي نوع من التعليق الشخصي على ما يعرض للكاتب من مشاهد الحياة والطبيعة. وهذا التعليق يجب أن يطبع بطابع شخصي يميزه عن سواه." وأظن أنّ هذه التيمة تشترك فيها سائر الفنون الأدبيّة. أما من حيث الكتابة الإبداعية للمقالة فنحن أمام مدرستين:" مدرسة التأنق اللفظي" ومن أعلامها المنفلوطي، الأمير شكيب أرسلان، والرافعي الذين كانوا يرون ضرورة التأنق في العبارة وجودة السبك، وهم يعيبون على المدرسة الثانية سهولة عبارتها وخلوها من المحسنات البديعية، ويتهمونها بالضعف. أما المدرسة الثانية، فمدرسة الأسلوب المرسل المتحرر من التأنق اللفظي والمحسنات البديعية، ويرى أصحاب هذا الاتجاه توصيل الفكرة بعيدا عن الأسلوب المتأنق، مع جودة التأليف والبعد عن الابتذال، فيميل إلى اللغة الحرة البعيدة عن الصنعة، وعن تقليد أساليب القدماء، ومن أنصار هذه المدرسة، أحمد حسن الزيات، طه حسين، جبران خليل جبران، المازني، العقاد." ولعلني أميل إلى المدرسة الثانية وتوجهها إلى تحرير المقالة من أسر الصنعة اللفظية، وشرك المحسنات البديعية، وبناء على هذا الاتجاه أصبحت المقالة بشتى صنوفها جنسا أدبيا له خصوصيته التي تمنحه الوجود في حيز النظرية الأدبيّة، فعمل الرواد على الجمع بين تراثية اللفظ وحداثية المضامين، ومساوقة البنية الفنية وفق شروطها، ووحدة الموضوع، والارتكاز على الذات وحدها، في معالجة القضايا/ الموضوعات. لا يعني التخفف من عملية التأنق اللفظي الابتذال والتحرر من ربقة الجمالية الإبداعيّة، ولكننا نعني بالتخفف أن يتواءم اللفظ مع المضامين والرؤى، دون أن نتحيز للفظ على حساب المعنى، كما انشغل بعض الأوائل بالصنعة حتى ضُيِّع المعنى، وتلاشت الرؤى، في سراب التأنق اللفظي الخادع فــ "المقالة في حقيقتها شأنها شأن سائر الفنون الأدبية الأخرى، تقوم على ملاحظة الحياة وتدبّر ظواهرها وتأمل معانيها، وهذه ظاهرة نفسيّة رافقت الإنسان منذ ظهوره على وجه الأرض، إذ هي مركّبة في طبيعته، بل هي جوهر طبيعته التي فطر عليها." والنفس البشرية لا تتغيا اللغة في ذاتها، بل هي وسيلتها في التعبير عن المعاني والشعوريات الإنسانية فلا نريد من الكاتب أن "يقرع أسماعنا بألفاظ وعبارات فارغة، أو أن يزوّق لنا الكلام بألوان رخيصة، بل يمتعنا بطرافة التصوير، ولطف الأداء، وجمال الفكر فيما اختبره من مجريات الحياة، وسواء أكان الموضوع تأملا فكريا أو وصفا لحادثة أو مشهد، أو نقدا لبعض شوائب الحياة والمجتمع، أو عرضا تهكمياً لبعض العادات والتقاليد، فإنّ المهم أن للكلام فكرة عامة يحاول الكاتب توجيهنا إليها. بعد هذه التطوافة نستطيع الولوج بأريحيّة إلى كتاب " النقش على سطوح سائلة – مقالات في الثقافة والأدب" لـمريم الزرعوني؛ لنكتشف بنيتها الموضوعاتية التي انبت عليها هذه المقالات، وعن نوعية القضايا الثقافية والأدبيّة التي تعرّضت لها الزرعوني، ونلقي الضوء على الشخصيات التي ارتكزت عليها بعض مقالات الكتاب. ثم بالضرورة يلزمنا البحث عن المضامين والمعاني والرؤى الخاصة التي عولجت من خلالها الموضوعات المقالية في طيات هذا الكتاب. تتوزع المقالات في هذا الكتاب على ثلاثة أنماط رئيسية:الأول، قضايا/ موضوعات عامة تجوب بها الزرعوني فضاءات مختلفة من الثقافة والفن والآداب والاجتماع والنقد والفلسفة والتحليل. الثاني: شخصيات تتوزع جغرافيا وتتنوع ما بين العربي وغير العربي. الثالث: رؤى فكرية ونقدية تخص مريم الزرعوني ورؤيتها للأشياء وتحليلها لها. يرتكز الكتاب في كليّته على مجموعة من التأملات في فضاءات مختلفة ومتعددة، تعالجها مريم الزرعوني من وجهة نظرها الخاصة، وتحاول أن تدلي برأيها في قضايا بعينها، وتقبض على مضامين شعورية تلتقطها في بعض الزاواياـ وتنتصر لرأي دون آخر، وتفنّد الآراء ثم تميل إلى ما يتسق مع رؤيتها الثقافية ومرجعيتها الفكرية والأيديولوجية. على أساس من التأمل انبنى هذا الكتاب في عموميته، فبداية من العنوان: "النقش على سطوح سائلة" تضعك الكاتبة بين نقيضين: النقش، والذي يعني الثبات، والسيولة التي تعني التحرك والتدفق. وبين تحركيّة وثبات تتجلى السطوح التي ربما تعني المعاني/ أو الصور الحياتية/ أو القضايا/ أو المرائي الفكرية، وكل ما سبق يتسم بسرعة التدفق وسيولة الحركة، وتحاول الكاتبة أن تقبض على واحد من هذه المعاني، أو صورة من الصور، أو مرئية من المرئيات الحياتية، وتصطفي معنى واحد، أو تستشف مضامين شعورية تسلط الضوء عليها، ومن ثم تنقشها لغة على سطح الورقة الذي يفيض بالدلالات والمعاني والرؤى الذاتية للكاتبة. فلك أن تستبدل مفردة "مقالات" بــ "تأملات" في الثقافة والأدب، وما المقالة سوى تأمليّة في الوجود الإنساني وقضاياه المختلفة. تعددية القضايا وخصوصية المعالجة: تناولت مريم الزرعوني في كتابها قضايا متنوعة ومتعددة، ومن شأن الزرعوني أن تطرح القضية ثم تعالجها من وجهة نظرها الخاصة؛ لتتجلى فرادة الرؤية الذاتية، وتهيمن الكاتبة بفكرها على القضية وكيفية معالجتها، وتحديد بؤرة النظر إليها، ومن أهم القضايا التي تعرضت لها الكاتبة: التراث والحداثة/ التّجذر والاجتثاث: في مقالين في كتابها "النقش على سطوح سائلة" تعالج مريم الزرعوني قضية التراث والحداثة، فأول ما ابتدرت به كتابها مقالها المعنون بــ "القراءات الأولى من العيون إلى القذى" تتحدث فيه الكاتبة عن أثر الأدب العربي في الآداب الغربية، فتقول: "فمنها ما توصّل إلى أن جحيم (دانتي) متأثر برسالة الغفران للمعري، وثمة آراء تشير إلى أثر طوق الحمامة لابن حزم في الشعر الغنائي الإسباني ومثالها قصيدة الحب الطيب للشاعر(خوان رويث)." من خلال هذه المقدمة نستطيع أن نستنبط وجهة نظر الكاتبة في قضية التراث والحداثة، أنها لا تعزي الفضل للغرب وحده، ولكن كما أخذنا منهم، أخذوا عنا، فتراثنا مدعاة فخر لا معرّة يتبرأ منها بعض المثقفين الذين اجتثوا جذورهم، ولفظوا تراثهم ومالوا ميلا عظيما ناحية الغرب وعلومهم ومعارفهم دون أن يفتشوا في تراثهم فتقول: "إنّ نظرة ماسحة لواقع الثقافة في عالمنا العربي تظهر القارئ غير معني بتراثه الأدبي، وأي دعوة للتقريب بين الجيل وعيون الأدب تبدو كطلاسم سحرية غير مفهومة تؤتي عكس ما يُرتجى." تدعو الكاتبة الى الالتفات إلى عيون الأدب العربي، وأن ننقّب فيه عن تاريخنا وإبداعنا وحضارتنا، وألا ننبهر بثقافة الآخر، وهي بذلك لا تدعو إلى القطيعة مع الآخر، بل تحفزنا إلى الأخذ منه، والتموسق معه، وأن نواكب الحياة ومتطلباتها شريطة ألا نغفل تراثنا وحضارتنا القديمة التي أخذ منها وعنها الغرب، كما ألمحت إلى ذلك في بداية المقال، فهي تزدهي بتراثها غير رافضة الأخذ من الآخر، فالمعرفة عند الزرعوني إنسانيّة تتخطّى حدود الجغرافيا، فتقول في مقالها: (أزمة الحداثة بين الانخراط والمقاومة): "لم يسلم الأدب من جدليات الطارئ والمستقر في ظل الحداثة، فلا بد أن أحدنا مرّ بأشكال النصوص العابرة للأجناس أو خلافات قصيدة النثر، وأحد روادها في الغرب (بودلير) يعرّف الحداثة أنها: (العابر، والهارب، والعرضي، وأنها نصف الفن الذي يكون نصفه الآخر الثابت الأبديّ). في هذين المقالين بحرفية وسهولة ومنطقية استطاعت الكاتبة أن تعبر عن رأيها، ليس هذا وحسب، ولكنها قامت بدور الحكيم الذي يحاول إقناع تلميذه فيمنطق له الأمور. التمركز حول الذات ومعرفة ماهيتها: إنّ معرفة الذات والانهمام بها والكشف عن هويتها، وتنقيتها وتخليصها من شوائبها عبر الممارسات الدينية، والغوص داخل الذات للتعرف على حقيقتها؛ بهذه الأمور تتجلى الحقيقة وتنكشف الذات، ويصبح لها سلطة عليا في الوجود، ولكن هذه السلطة تعرف حقوق الآخرين قبل أن تعرف حقوقها، فتقول الزرعوني: "فالتعرف على الذات والانشغال بها لا ينفك البتة عن علاقة الفرد بالمؤسسة المنتمي إليها في صورها المختلفة... وهنا تشكل سلطة الذات رقيبا يمنح الآخر مساحته الكاملة منطلقا من مبدأ اللاهيمنة." عن طريق حوارية وتراسل بين ميشيل فوكو ومريم الزرعوني وبشكل سلس معبر ترشد الكاتبة العالم إلى المبدأ الذي من خلاله يتحقق السلام، وهو التمركز حول الذات والكشف عن هويتها، فالذات إذا تعرفت على حقيقتها أمن العالم من شرها.
الرسائل من الفردانية إلى الجماعية: تتحدث مريم الزرعوني عن أدب الرسائل، وخاصة بين العلماء والأدباء، هذا النوع من الأدب الذي أغفلت الدراسات النقدية الحديث عنه والاهتمام به في العصر الحديث، وهذا النوع مع دخول عوالم الرقمنة وهيمنتها على المراسلات بين الشخوص لم يزل قائما وسيظل أبد الدهر، حتى وإن تحول من المكاتبات والوسيط الورقي إلى وسيط رقمي، فحياتنا ما هي إلا مجموعة من الرسائل نبثها بشكل يومي ومستمر إلى دوائر معارفنا. تسلّط مريم الزرعوني الضوء على مكاتبات/ مراسلات الأدباء والعلماء، وأشارت إلى نموذجين من هذه المراسلات: أحدهما غربي، والآخر عربي، أما النموذج العربي فقد استدعت له تلك المراسلات التي كانت تتم بين الروائيين المغربيين: محمد شكري ومحمد برادة حيث تتحول هذه الرسائل من خصوصيتها الفردانية إلى أيقونة عامة تعد عزاء لنا معشر الكتاب، وعن تلك الحالات الشعورية والوجدانية التي تنتاب الكاتب، فتقول الكاتبة على لسان برّادة وهو يبث همّه إلى شكري: "أشياء كثيرة أكتبها بالخيال أو قبيل النوم، دفعة واحدة بلا ألفاظ، أو بألفاظ جد مكثّفة تعبّر مرة واحدة عن كتلة الإحساس أو تعاريج الفكرة، تتنامى الكتابة إلا أنّ شيئا ما يرجئها" فيرد شكري قائلا: "أنت ترى أنه مزيج يهدِّئ من حدة التوتر. المهم أن تكون في ذهنك زهور لك، حتى لو لم تعرف أسماءها، هذا معنى قولك في رسالتك: أشياء كثيرة أكتبها بالخيال." هذا الموضوع الذي تناولته الزرعوني في مقالها المعنون بــ "أدب الرسائل، ألق خصوصية الذات" يشي بأنها تنقّب بوجدانها عن بواطن الأمور وتستجلي معانيها، وتستنطق خوابيها، فهي تشير إلى إنسانية المعاني السامية في مراسلات الكتاب، وبث لواعجهم، وما ينتابهم من حالات شعورية ووجدانية حال الكتابة، وتكمن أهمية هذه الرسائل، أنها بعد أن تخرج من يراعة الأديب تتحول في نفس اللحظة إلى أيقونة جماعية وتتحول الرسالة من ذاتيتها وخصوصيتها إلى فضاء رحب وتتخطى هذه الرسائل حدود الفردانية وتصبح ملكا/ فضاء واسعا يستقي منه الجميع، وعزاء يجد فيه الكتاب مندوحة لما ينتابهم حال الكتابة، فالهم المُعَبّر عنه جماعي، ولكن الرسالة في أصل كتابتها ذاتيّة تعبر عن هذا الهم الجمعيّ. أما النموذج الغربي الذي ذكرته الزرعوني، كانت تلك المراسلات بين سيجموند فرويد وتلميذه يونج الذي انشق عن أستاذه وتفرّد بنظرية مغايرة تماما لنظرية فرويد في التحليل النفسي، وهذا الاختلاف بينهما في الرأي لما يمنع واحدا منهما أن يمارس إنسانيته مع الآخر، فالأستاذ (فرويد) يعترف بأستاذية تلميذه (يونج) والأخير يرى نفسه دائما تلميذا في حضرة أستاذه، ومن خلال هذه الرسائل تشير الكاتبة إلى معاني الأدب والرقي في التعامل بين العلماء والأدباء، فكلاهما العالم/ الأديب إذا تحقق من ذاته رأى أحقية الآخر عليه، بأنّ يحفظ للآخر مكانته وقيمته مهما كان الاختلاف بينهما، وكأنّ الموضوع السابق: " الانهمام بالذات وجدلية الحرية" الذي استقت فكرته من ميشيل فوكو ينولد مرة أخرى في أدب المراسلات بين الأدباء والعلماء، وهذا يدل على التجانس الموضوعي وتعددية التمثيل لهذه الموضوعات في البنية الكلية لهذا الكتاب، وهذه ميزة تحسب لمريم الزرعوني. اللغة وانبناء العوالم الرمزية: من الموضوعات المركزية في هذا الكتاب، اللغة بوصفها المكون الثقافي الذي يحمل شفرات التواصل بين أفراد المجتمع الواحد، ليس هذا وحسب، بل اللغة هي المرايا التي من خلالها نتعرّف على طبيعة المجتمعات والأفراد، حيث تشكل اللغة – أيّ لغة – النسق الثقافي والطبيعة المجتمعية وطريقة التفكير، بل تحمل اللغة في أنساقها المضمرة تاريخ الشعوب عبر تطورها مفرداتها.. فإلإنسان يعيش في عالم رمزي/ عالم وسيط وهو اللغة التي من خلالها نستقرئ الحياة وغوامض واقعها، ونستخرج من خلال هذه المنظومة الرمزية كوامن الذات البشريّة، وهذا ما استندت إليه وعليه مريم الزرعوني، وهذا – أيضا – ما توصّلت إليه النظريات الغربية بداية من ليفي ستراوس. ولكن ابن جنّي في كتاب الخصائص سبق النظرية الغربية في هذا الصدد، عندما استوقف ابن جني في خصائصه، قول الله تعالى (وعلّم آدم الأسماء كلها)، وبدأ ابن جني في طرح أسئلته حول هذه الآية، وأكثر مفردة اندهش منها ابن جني في سياق الآية مفردة (كلها)، وهنا يطرح ابن جني سؤاله، هل علّم الله آدم الأسماء كلها، وهل المنطق يقبل أنّ العقل الآدمي يستوعب ملايين المفردات بوصفها نسيجا للغة؟ وإن كان ذلك، فبأي لغة تعلّم آدم الأسماء، فكل هذه الفرضيات/ التساؤلات منطقية وفق القواعد الكلية والفكرية لنسقية العقل البشري. فاللغة لم تكن منعدمة بدليل وجود حوار قائم على اللغة ذاتها في الحضرة الأزلية بين الله والملائكة وآدم، فما الذي تعمله آدم وبه وفضّله الله على سائر الملائكة، وظلّت سؤالات ابن جني منطرحةً حتى أحدث النظريات في علم اللغة، أن الأفضلية للإنسان ليست في العقل، بدليل أن الغزالة تعي معنى الخوف من الذئب، فالحيوانات هي الأخرى عاقلة، وفي هذه العقلنة تشترك الكائنات الحيّة مع الإنسان، وترجع أحدث النظريات في فلسفة اللغة الأفضلية للإنسان في لغته لا في عقله، ومن خلال ما سبق نستطيع القول أن الله لم يعلم آدم اللغة، ولكنه أعطاه القدرة على خلق اللغة التي من خلالها يستطيع الآدمي أن يبني عوالمه الرمزية على الأرض بعد نزوله إليها؛ ليكتشف العالم من حوله، فاللغة عند تناولها ومعالجتها ينظر إليها بوصفها وسيطا من خلاله يستقرئ المتلقي الواقع مكتشفا طبيعته وثقافته ونمطية التفكير فيه، بل من خلال اللغة وتحليل مفرداتها نستطيع أن نلج إلى المجتمعات الأخرى دون أن نشتبك معها، فقط عليك أن تتحسس اللغة وتبحث في أنماط تركيبها وميوعة وصلابة مفرداتها لتنكشف لك حقائق الشعوب. هذا الموضوع الذي تعرضت له الزرعوني يرتبط بشكل مباشر مع موضوعات متفرقة في هذا الكتاب، فعند حديثها عن الشعر، والمعلقات، وآليات النقد، وقضية الانتحال في الشعر العربي، وقضية اللفظ والمعنى، قصيدة النثر، كل هذه الموضوعات مهما تنافرت وعولجت من زوايا مختلفة فهي متصلة باللغة لا محالة، وكأنّ موضوع اللغة من المرتكزات الأساسية في كتاب مريم الزرعوني " النقش على سطوح سائلة" ومن خلال الترابطات بين الموضوعات في هذا الكتاب نكاد نجزم أنّ هذا الكتاب ما هو إلا أحاديث عن اللغة متفرقة ومتنوعة وتنشطر بين ما نصت عليه الزرعوني في العنوان: الثقافة والأدب، وما الأدب والثقافة سوى اللغة التي ينبني منها الأدب، وتتشكل منها ثقافة الإنسان، ومن خلال تناولي لهذه الموضوعات أستطيع القول أن هذه المقالات ترتكز على محورين اثنين: الذات واللغة، فالأخيرة انسرب منها موضوعات شتى تدور حول مركزية اللغة في هذا الكتاب. وما نستثنيه من كليّة هذه الموضوعات مثل: الاغتراب، الحنين ينبني على الذات بشتى مستوياتها: الفردي/العربي/ العالمي/ الإنساني، فلم يتخطّ هذا الكتاب على تعددية موضوعاته محوريّ الذات واللغة. الرؤى الفكرية والنقدية لمريم الزرعوني: انمازت بعض المقالات في هذا الكتاب بذاتية الرؤية التي تخص مريم الزرعوني وحدها، حيث عالجت موضوعات بعينها وفق رؤيتها، حيث تهيمن ذات الكاتب على الموضوع، ولا نرى هذه الموضوعات إلا من خلال رؤية الكاتبة، وأظن أن هذه المقالات التي احتشد بها الكتاب هي الأقرب إلى الأدبيّة والشعرية المتغياة من الأجناس الأدبيّة قاطبة، فعندما تتحدث عن قضية قصيدة النثر، والشعر بين النمطية والابتكار، وتبدي رأيها في هاتين القضيتين عن وعي ورؤية، وإن كانت رؤية الكاتبة تتسق مع رؤى أخرى، ولكنها استطاعت بمنطقية التفكير وجمال لغتها وطرائق عرضها أن تقتع المتلقي بهذه الرؤية وهو مغمض العينين، وعندما تنتصف مريم الزعوني لقضية بعينها تعالجها بموضوعية دون تعصب أو هوى ذاتي، كما فعلت تماما في قضيتي: قصيدة النثر، والشعر بين النمطيّة والابتكار. قامت الزرعوني في بعض مقالاتها في "النقش على سطوح سائلة بدور الناقدة، ونركز على مقالين وجدنا فيهما شخصية مريم الزرعوني الناقدة: الأول (سلطة الحكي، بين ألف ليلة وليلة، ولوحة العشاء الأخير) حيث تحدثت مريم الزرعوني عن الحكي وسلطته التي تخطت الرواية والقصة والأمثال الشعبية حتى تمكنت من الفن بشتى أجناسه وطيوفه، فالفن عند الزرعوني قائم في كليّته على سرديات الحكي، ومثلت الزرعوني بــ (لوحة العشاء الأخير) ـلــ (دافنشي) المستوحاة من الكتاب المقدس، وقامت بتحليل هذه اللوحة بوصفها سردية يتشظّى فيها فعل الحكي. أما المقال والذي قامت فيه مريم الزرعوني بدور المحلل الناقد هو: "تأملات في قصيدة (مع جريدة) والرضوخ للمعتاد"حيث تعرّضت الزرعوني لتحليل هذا النص عبر مقالها الذي أعده من المقالات النقدية التي احتشد بها الكتاب هذا الكتاب، ولم تقف عند حدود التحليل النقدي البسيط، ولكنها من خلال عملية التحليل، توصّلت إلى المضمرات الاجتماعية في هذا النص من حيث تعالي النظرة الفحولية/ الذكورية على النسق الأنثوي في مجتمعاتنا العربيّة. من خلال قراءة هذا الكتاب الرائق النقش على سطوح سائلة لمريم الزرعوني، اكتشفت أنّ هذه المقالات على تنوعها واختلافها ترتكز على محوري الذات واللغة، كما ذكرت آنفا، وتوزعت الموضوعات في طيات الكتاب على نمطين: الأول، تتجلى فيه الموضوعات بشكل محايد دون أن تتماس أو تتدخل الكاتبة برؤاها في هذه الموضوعات، ولكنها فقط تقوم بالإشارة إليها، والكشف عنها ووضعها بحيادية على مسرح التلقي. النمط الثاني من المقالات تهيمن عليه الكاتبة برؤيتها، وتخضع القضية المعالجة لسلطة ذات الكاتبة، كما فعلت في مقالها "تأملات في قصيدة (مع جريدة) والرضوخ للمعتاد"، ولكن جلّ الموضوعات/ المقالات تتجانس مكونة كيانا واحدا، وهذا ما يجعلني أميل إلى أن هذا الكتاب ينماز بوحدة موضوعية، فليست مقالاته في عموميتها متباعدة ولا متنافرة ولكنها تدور في رحى الذات الإنسانية واللغة. كما انماز هذا الكتاب بلغة سليمة تميل إلى الشعرية والأسلوب الأدبي الذي يحفظ لهذا الكتاب هويته الأدبيّة، واحتفظ مريم الزرعوني لنفسها بخاصيتي الإقناع والتأثير من خلال منطقية العرض وبلاغة التعبير.
المصادر والمراجع: - صالح أبو إصبع، محمد عبيدالله، فن المقالة، مجدلاوي للنشر والتوزيع، ط1، الأردن، 2008. - طلعت صبحي السيد، المقالة في الأدب العربي، نسخة إلكترونية بي دي إف. - محمد يوسف نجم، فن المقالة، دار الثقافة، ط4، بيروت، 1966.
#محمد_عبدالله_الخولي (هاشتاغ)
Mohammed_Elkhooly#
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
تيارات الوعي وتفكيك المركزيات حلم الأنا وسلطة الواقع – دراسة
...
-
رؤية نقدية شارحة لكتاب -بلاغة الحواس في الشعر العربي العربي
...
-
إيقاع الزمن النفسي ودلالاته الشعورية في رواية -لازورد- ل عبي
...
-
القصة القصيرة بناء الشخصية وترميز الواقع وتقنيات ما بعد الكل
...
-
القصة القصيرة المتخيل الذاتي والتخييل المرجعي ورصد تحولات ال
...
-
تَشَكُّلَاتُ الأنا صُوفِي بين عمق التجربة وسيولة التعبير قرا
...
-
استراتيجيات التناص وآليات الخلاص من أزمة المصطلح -دراسة تحلي
...
-
تَشَظِّي الخطابات وانكشاف النسق المضمر في رواية -حجر نفيسة ب
...
-
سرديات (اللامرئي) بين الواقع والمتخيل في القصة القصيرة قراءة
...
-
الرواية التاريخية: فانتازيا المصطلح وماهية التمثيل
-
سردية الروح في مقامات البوح قراءة نقدية في المجموعة القصصية
...
-
تجليات الذات الأنثوية ومكاشفة الأنساق المضمرة في الوعي الجمع
...
-
شعر العامية المصرية بين إنسانية المعنى ودهشة التصوير ديوان -
...
-
النيرفانا الشعرية وجماليات الانتهاك قراءة نقدية في ديوان -أن
...
-
الشعر بين جمالية التركيب وعمق الرؤية قصيدة -ندبة زرقاء- لوسا
...
-
انشطار الهويَّة بين فلسفة الرؤية وشاعرية البناء قراءة نقدية
...
-
النص الشعري بين هيمنة المبدع وسلطة القارئ ديوان - من أحوالها
...
-
الرواية والواقع وأيديولوجيا المجتمع قراءة نقدية في رواية - س
...
-
السرد الروائي من التاريخ إلى الاستشراف جدلية الزمن واللازمن
...
-
الرواية بين الواقعية والرمزية قراءة نقدية في رواية - بتوقيت
...
المزيد.....
-
في مهرجان سياسي لنجم سينمائي.. تدافع في الهند يخلف عشرات الض
...
-
ماكي صال يُحيّي ذكرى بن عيسى -رجل الدولة- و-خادم الثقافة بل
...
-
الأمير بندر بن سلطان عن بن عيسى: كان خير العضيد ونعم الرفيق
...
-
-للقصة بقية- يحقق أول ترشّح لقناة الجزيرة الإخبارية في جوائز
...
-
الكاتبة السورية الكردية مها حسن تعيد -آن فرانك- إلى الحياة
-
إصفهان، رائعة الفن والثقافة الزاخرة
-
سينمائيون إسبان يوقعون بيانًا لدعم فلسطين ويتظاهرون تنديدا ب
...
-
وفاة الفنانة التركية غُللو بعد سقوطها من شرفة منزلها
-
ديمة قندلفت تتألق بالقفطان الجزائري في مهرجان عنابة السينمائ
...
-
خطيب جمعة طهران: مستوى التمثيل الإيراني العالمي يتحسن
المزيد.....
-
الرملة 4000
/ رانية مرجية
-
هبنّقة
/ كمال التاغوتي
-
يوميات رجل متشائل رواية شعرية مكثفة. الجزء الثالث 2025
/ السيد حافظ
-
للجرح شكل الوتر
/ د. خالد زغريت
-
الثريا في ليالينا نائمة
/ د. خالد زغريت
-
حوار السيد حافظ مع الذكاء الاصطناعي. الجزء الأول
/ السيد حافظ
-
يوميات رجل غير مهزوم. عما يشبه الشعر
/ السيد حافظ
-
نقوش على الجدار الحزين
/ مأمون أحمد مصطفى زيدان
-
مسرحة التراث في التجارب المسرحية العربية - قراءة في مسرح الس
...
/ ريمة بن عيسى
-
يوميات رجل مهزوم - عما يشبه الشعر - رواية شعرية مكثفة - ج1-ط
...
/ السيد حافظ
المزيد.....
|