غيفارا معو
باحث وناشط سياسي ,واعلامي
(Ghifara Maao)
الحوار المتمدن-العدد: 8563 - 2025 / 12 / 21 - 20:28
المحور:
الادب والفن
في السادسة تمامًا، قبل أن تستيقظ المدينة من نومها الثقيل، أصل إلى المحطة. البرد يعضّ أطراف الصباح، والضباب يعلّق نفسه على زجاج القطار، لكن شيئًا واحدًا يبقى ثابتًا لا يتغيّر: عامل التنظيف.
أراه دائمًا هناك، كأنه جزء من بنية المكان، مثل المقاعد المعدنية أو اللوحات الإلكترونية. يكنس الأرضية بخطوات هادئة، يلتقط الزجاج المكسور كمن يلتقط ذكرى، ويمسح آثار ليلة لم يعشها. لا يشتكي، لا يلعن، لا يرفع صوته على أحد. يعمل وكأن العالم كله يراقبه، أو كأن نظافة المحطة هي رسالته الأخيرة في الحياة.
أحيانًا أتساءل: كيف يستطيع أن يبدأ يومه بما يتركه الآخرون من فوضى؟ أعقاب سجائر، بقايا طعام، زجاجات فارغة، آثار مراهقين ومخمورين ومتسولين. ومع ذلك، لا أراه يومًا إلا وهو يبتسم ابتسامة صغيرة، خجولة، تشبه اعتذارًا لا أعرف لمن يقدّمه.
أراقبه فأرى في إخلاصه مرآة لبلادٍ تمنّيت لو أحبّ أهلها أعمالهم كما يحب هو مكنسته. بلادٍ تركتنا مشرّدين، لا وطن يجمعنا ولا هوية تحمينا، لكن هذا الرجل… هذا الرجل يذكّرني بأن الكرامة ليست جواز سفر، وأن الانتماء قد يكون لمكانٍ تنظفه بيديك، لا لوطنٍ يطردك من حدوده.
في السادسة صباحًا، يبدأ يومه ويبدأ يومي. هو يزيل آثار الليل، وأنا أحاول أن أزيل آثار سنوات طويلة من التيه. وربما، دون أن يدري، يمنحني كل صباح درسًا صغيرًا في أن الإنسان يمكن أن يكون وطنًا لنفسه… إن أخلص لما يفعل.
#غيفارا_معو (هاشتاغ)
Ghifara_Maao#
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟