غيفارا معو
باحث وناشط سياسي ,واعلامي
(Ghifara Maao)
الحوار المتمدن-العدد: 8563 - 2025 / 12 / 21 - 11:31
المحور:
الادب والفن
في كل زمن، يظهر أولئك الذين يحيطون أنفسهم بهالة مصطنعة، يرفعونها فوق رؤوسهم كما لو كانت تاجًا من نور، بينما هي في الحقيقة مجرد فقاعة هواء. يتحدثون كثيرًا عن عظمتهم، يملؤون الدنيا ضجيجًا عن إنجازاتهم، ويظنون أن الناس سيصدقون أن الوهج الذي يحيط بهم حقيقي. لكن الحقيقة أن هذا الوهج لا يصدر إلا عن نار الغرور، نار تأكل صاحبها قبل أن تضيء لغيره.
إن أخطر ما يفعله هؤلاء ليس ادعاءهم العظمة، بل محاولتهم إقناع الناس بأن البساطة ضعف، وأن الصدق سذاجة، وأن التواضع نقص. يشيّدون لأنفسهم منصّات من الوهم، ويقفون عليها كأنهم فوق البشر، بينما هم في الحقيقة أكثر هشاشة من ورقة في مهب الريح.
لكن الزمن لا يجامل أحدًا. الزمن لا يحترم الضجيج، ولا يركع أمام الهالات المصنوعة. الزمن يملك حسًّا نقديًا لا يخطئ: يترك الزائف يسقط وحده، ويُبقي الصادقين في الذاكرة.
لهذا بقي جبران ونعيمة، لا لأنهما ادّعيا الحكمة، بل لأنهما عاشاها. وبقي بدرخان لأنه لم يكتب ليُصفّق له أحد، بل ليحفظ ذاكرة شعب. وبقي غوركي واستروفسكي لأنهما لم يكتبَا من برج عاجي، بل من قلب الشارع. وبقي همنغواي وتشيخوف وتولستوي لأنهم لم يختبئوا خلف لغة متعالية، بل واجهوا الحياة كما هي.وبقي ناظم حكمت لأنه لم يساوم على الحرية، ويلماز غوني لأنه لم يجمّل الفقر، بل فضحه. وبقي الجزري لأنه صنع العلم بيديه، وجكرخوين لأنه حمل لغته كمن يحمل وطنًا. وبقي رشيد كورد لأنه لم يكتب ليُرضي أحدًا، وبابلو نيرودا لأنه جعل الشعر سلاحًا. وبقي غاندي وغيفارا لأنهما لم يطلبا سلطة، بل فكرة. وبقي عبدالرحمن منيف ونجيب محفوظ لأنهما لم يكتبَا من أجل الجوائز، بل من أجل الإنسان.
كل هؤلاء لم يحتاجوا إلى هالة. لم يرفعوا أصواتهم. لم يطالبوا الناس بأن يروهم كبارًا. كانوا كبارًا لأنهم لم يحاولوا أن يكونوا كذلك.
أما أولئك الذين يصنعون حول أنفسهم هالات من الغرور، فيمضون كما يمضي الدخان: كثير الحركة، قليل الأثر. يختفون بمجرد أن تهبّ أول نسمة نقد حقيقي.
العظمة ليست في أن تصنع لنفسك صورة، بل في أن تترك أثرًا. ليست في أن تتصدر المشهد، بل في أن تبقى بعد أن ينطفئ المشهد. ليست في أن يراك الناس فوقهم، بل في أن يروك واحدًا منهم.
وهكذا، حين يطوي الزمن صفحاته، لا يبقى إلا من عاش بصدق، لا من عاش باستعراض. ولا يظل في الذاكرة إلا من كان بسيطًا بما يكفي ليكون عظيمًا.
#غيفارا_معو (هاشتاغ)
Ghifara_Maao#
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟