أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - أكرم شلغين - أحلام تتقلص...وأوطان تتلاشى














المزيد.....

أحلام تتقلص...وأوطان تتلاشى


أكرم شلغين

الحوار المتمدن-العدد: 8561 - 2025 / 12 / 19 - 18:13
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


إنه وجع جيل لم يُهزم دفعة واحدة، بل تآكل على مهل.
كبرنا ونحن نحفظ القصيدة قبل ان نفهم معناها، نرددها كما تردد التعاويذ: بلاد العرب اوطاني، وكان التكرار كفيل بان يصنع وطنا. صدقنا ان الجغرافيا قلب واحد، وان لسان الضاد جسر لا يهدم، وان التاريخ حين ينشد يصبح حقيقة. لكننا ما ان حاولنا ان نخطو خطوة واحدة خارج الخط المرسوم لنا، حتى اكتشفنا ان الوطن ليس نشيدا، بل ختم على جواز، وان الحدود ليست خطوطا على الخريطة، بل جدران في الروح قبل الارض. عندها فقط بدا الامتحان، وسقطت الكلمات امام التجربة.
قيل لنا: لا حد يباعدنا ولا دين يفرقنا. ثم نظرنا حولنا فرأينا الدم يسفك باسم الدين، والحدود تغلق باسم السيادة، والانسان يطرد لأنه ولد في الجهة الخطأ من الخريطة. سوريا لم تكن استثناء، بل كانت المرآة الاكثر صفاء للفاجعة. هناك تكسر الشعار، وانفضح الكذب القديم: لسنا واحدا، ولا نعامل كواحد، ولا يراد لنا ان نكون واحدا. ومع ذلك ظللنا نغني، كان الغناء تعويضا عن العجز، وكان الصوت العالي يخفي الصمت الداخلي.
ثم بدأت الاحلام تنكمش. من حلم الامة، الى حلم الارض، الى حلم البقاء. كنا نغني الارض بتتكلم عربي، وفي الوقت ذاته كنا نصطف طوابير طويلة امام سفارات لا تتكلم العربية، نرجو تأشيره، اي تأشيرة، الى اي مكان لا يشبهنا. كرهنا الرأسمالية في الخطب، واحتسينا رموزها في المقاهي والاجتماعات. رفعنا شعارات كبيرة، وعشنا تناقضات أصغر لكنها اشد قسوة. لم نعد نطلب العدالة، بل الامان؛ لم نعد نطالب بالحرية، بل بلقمة لا تذلنا.
واليوم، تقلص الحلم أكثر. لم نعد نسأل: لمن هذه الارض؟ بل: هل يسمحون لنا ان نعيش عليها؟ نسمع من يتحدث عن وهب الاراضي، عن اراض ثمنها تريليونات الدولارات فهي تقاس بالأرقام لا بالبشر، عن ثروات تهب لمن يريد، عن صفقات تعقد والناس نيام، نحن نيام. ننام على احلام متفتتة، على اوطان تتلاشى، على هوية تتداعى. وكأننا أصبحنا غرباء في ارضنا، مشردين في اوطاننا، متسولين على ابواب العالم. الناس نيام لا لأنهم لا يفهمون، بل لان التعب غلبهم. المأساة ليست اننا خدعنا يوما، بل اننا نعرف الحقيقة الان، ومع ذلك نواصل العيش كأننا لم نر شيئا. وهذا، وحده، أقسى اشكال الخسارة.
نحن اليوم في قلب صراع لا يرى بالسلاح، بل يعاش في التفاصيل اليومية: صراع بين البقاء الذي نستمده من لقمة العيش، وبين حلم أكبر يطالبنا بان نكون أكثر من ناجين. صراع بين ان نعيش فقط، او ان نعيش ومعنى الوطن في داخلنا. السؤال لم يعد من سينتصر في المعارك الكبرى، بل من سينتصر في داخلنا: الخوف ام الوعي، الجوع ام الكرامة، الصمت ام الحلم. لست متفائلا في أننا سنستيقظ قبل فوات الاوان، ونسترد للوطن معناه، وللأخوة روحها، وللحلم روعته؟ بل سنواصل النوم الطويل، بينما يهب الاخرون ارضنا وتاريخنا ومستقبل ابنائنا، ونحن سنكتفي بالنجاة؟



#أكرم_شلغين (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مائدة الحنين
- الاقتباس والابداع في الميزان: بين الانفتاح الثقافي واخلاقيات ...
- حارس الإشارة والوادي الصامت: عزلة الوعي في متاهة الحداثة
- رعب التحول: قراءة مع هودجسون*
- حين يتكلم الجمهور: من لوبون إلى شكسبير إلى يومنا
- بين العزلة والنداء: اختبار وجود
- النهر الذي لم نعبره مرتين: قراءة في قصة نجيب محفوظ -نصف يوم-
- وجهان للحرية: صمت المعرفة وضجيج الواقع
- الكلب*… ذلك المخلوق الذي أحبنا أكثر مما نستحق
- الخوف لا يخلق الإنسان السوي: بين الوازع الداخلي وسلطة الخارج
- تبنى المدن وتترك العقول خرابا
- هل نملك الشجاعة لمراجعة ثقافتنا السائدة؟
- مهرجان الحنفية: مسرحيات الفشل في الأنظمة الديكتاتورية
- كلمات من القلب
- ما لا يعود
- بين ناطحات السحاب وسحابات الدم: هل أصبح التقسيم مصيرا محتوما ...
- الدين لله والوطن للجميع: رؤية في السياق السوري*
- العدو الذي لا نعرفه: التأمل في الصراع الداخلي عبر Face/Off-
- سوريا ليست لفئة واحدة، بل تعددية جميلة لا تُستبدل
- ورقة خريفية في مهب الوجود


المزيد.....




- اليونسكو تعترف بالمطبخ الإيطالي كتراث ثقافي غير مادي.. وهكذا ...
- ظهور بيل كلينتون ومايكل جاكسون في صور جديدة ضمن وثائق إبستين ...
- باختبار لحصار ترامب.. ناقلة نفط تدخل مياه فنزويلا رغم خضوعها ...
- بوتين يتعهد بعدم شنّ حروب أخرى إذا عامل الغرب روسيا باحترام ...
- قتلى وجرحى في استهداف إسرائيلي مدرسة للنازحين وروبيو يحدد سق ...
- بين الاحتجاز والترحيل: وثيقة تكشف ما يواجهه أطفال مهاجرون عن ...
- الإدارة الأمريكية تبدأ نشر ملف إبستين والديمقراطيون ينددون ب ...
- أمطار وثلوج وغبار.. تقلبات جوية في عدة دول عربية
- قوات إسرائيلية تتوغل في ريف القنيطرة وتنصب حاجزا لتفتيش الما ...
- -عملية عين الصقر-.. الجيش الأميركي يقصف -داعش- في سوريا


المزيد.....

- الوثيقة التصحيحية المنهجية التأسيسية في النهج التشكيكي النقد ... / علي طبله
- الطبقة، الطائفة، والتبعية قراءة تحليلية منهجية في بلاغ المجل ... / علي طبله
- قراءة في تاريخ الاسلام المبكر / محمد جعفر ال عيسى
- اليسار الثوري في القرن الواحد والعشرين: الثوابت والمتحركات، ... / رياض الشرايطي
- رواية / رانية مرجية
- ثوبها الأسود ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ / غنية ولهي- - - سمية حملاوي
- شيوعيون على مر الزمان ...الجزء الأول شيوعيون على مر الزمان ... / غيفارا معو
- حكمة الشاعر عندما يصير حوذي الريح دراسات في شعر محمود درويش / د. خالد زغريت
- التاريخ يكتبنا بسبابته / د. خالد زغريت


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - أكرم شلغين - أحلام تتقلص...وأوطان تتلاشى