أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أكرم شلغين - مائدة الحنين














المزيد.....

مائدة الحنين


أكرم شلغين

الحوار المتمدن-العدد: 8551 - 2025 / 12 / 9 - 00:20
المحور: الادب والفن
    


وسط الصمت، جلست على حافة سريري أراقب الضوء وهو يتسلل عبر ستائر مهملة تمزق بعضها بفعل الزمن والريح وبعضها كحت لونه. فكرت بكن جميعا. لم أعد أبحث عن وجوهكن في الظلال، لكن شعوركن كان موجودا، مختبئا بين حكايات لم تُروَ وبين الأشياء الصغيرة التي لم نلحظها من قبل.
أعود دائما إلى ذكرياتنا كعابد يطوف حول محراب طفولته؛ كل لحظة فيها تضيء شيئا في داخلي وتطفئ شيئا آخر. ضحكاتكنّ كانت توقظ الفجر، ونظراتكن تهدئ العاصفة، وكلماتكن تصنع من الصمت لغة أرق من الكلام، وكأن العالم نفسه كان يتنفس من خلال حضوركن.
لكنني أتردد أحيانا: هل أشتاق إليكن حقا، أم إلى الصورة التي رسمها قلبي حين كنا نظن أن الزمن لن يجرؤ على أن يفرق بيننا؟ واعترف أن في داخلي خوفا خفيا لا يسمعه أحد. أخاف أن يعود الحب ذات يوم، فيدخلني في حياة جديدة لا أعرف كيف أتنفس فيها. أخاف أن أفقد عادة الوجع التي علمتني صلابة الروح، فأخون ذكراكن دون قصد. وربما أخاف أكثر أن يحبني قلب جديد ثم يكتشف أن داخلي شظايا كثيرة لم تلتئم تماما.
ومع ذلك، وفي لحظات صدق نادرة، أتخيل أنكن، حيثما تكونن، ما زلتم تتركن لي مكانا صغيرا على مائدة الحنين؛ لا لعودتي، بل لأقول لنفسي إن شيئا في هذا العالم ما يزال نقيا، غير ملوث بضرورات البقاء وصراعاته الصغيرة. وربما، في حلم لم يُكتب بعد، سألتقي بإحداكن على حافة زمن آخر؛ لا تسألني عما فات، ولا تطلب مني أن أنسى، بل تمد يدها بلطف وتقول:
"تعال، احمل ماضيك معي… فلن نجعله قيدا، بل جذورا نزرع فوقها غدا مختلفا."
في وقت آخر، خرجت لأمشي في حاكورة البيت. كل زهرة بدا أنها تحملكن، وكل ظل شجرة يذكرني بكيف كنتن تمسحن ضحكاتي بالصمت، وتعيدن ترتيب الفوضى في قلبي. وفي لحظة شعرت أنني لست وحيدا؛ شيء منكن ظل معي، لا يحتاج لعودة، ولا يطلب جوابا، بل يقيم في داخلي كقصة تنتظر أن تُروى.
رأيت طيفكنّ في مرآة الخزانة القديمة المكسورة والواقفة بميلان عند حائط الغرفة الغربي، وسمعت ضحكاتكنّ في صدى الباب القديم، كما لو أن الجدران نفسها تتذكر. حاولت أن ألمس الهواء لعلي أجد أثر أيديكنّ، لكنه كان مجرد نسيم يمر بلا معنى. هنا أدركت أن كل ما تركتنه لي ليس شيئا ماديا، بل عالم كامل من الذكريات، حارس صامت لكل شيء كنا عليه.
في الطريق، رأيت طفلا يلهو بفرح بسيط، وابتسمت له كما لو كنت أراه من خلال عيونكن. أدركت حينها أن الحياة تستمر رغم الغياب، رغم الرحيل، لكنها تحمل بصمات كل من أحببنا، وتعيدنا إليهن في لحظات صغيرة، صامتة، لكنها صادقة.
عدت إلى الغرفة وجلست أكتب لكن. هذه المرة، لم أحاول أن أستعيد الماضي، ولم أتمنى إعادة الزمن. فقط أكتب لأن الكتابة تحول الغياب إلى حضور، وتحول الذكريات إلى مكان يمكنني أن أزوره كل يوم، دون أن أفقد نفسي، ودون أن أفقدكن.
أحيانا، حين يمر يوم ثقيل أو لحظة وحيدة، أفتح دفتر الكتابة، وأجدكن هناك، بين الكلمات، بين السطور، بين الضوء والظل. يكفيني أن أعرف أنكن كنتم جزءا من موسيقى أيامي، وأن شيئا من تلك الموسيقى ما يزال يتردد في صدري كلما صمت العالم قليلا.
وفي الغروب، حين يميل الضوء إلى البعد، أترك القلم جانبا وأنظر إلى الخارج. أرى الغيوم تتحرك ببطء، وأستمع إلى نسيم الشجر، وأعلم أنكن هنا بطريقة ما، متخفيات، لكن قلوبكن لا تزال تصنع ألحانا لا يسمعها أحد غيري.
ممن لا يزال يرى وجوهكن في كل غروب يمر، ويحملكن بهدوء داخل قلبه



#أكرم_شلغين (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الاقتباس والابداع في الميزان: بين الانفتاح الثقافي واخلاقيات ...
- حارس الإشارة والوادي الصامت: عزلة الوعي في متاهة الحداثة
- رعب التحول: قراءة مع هودجسون*
- حين يتكلم الجمهور: من لوبون إلى شكسبير إلى يومنا
- بين العزلة والنداء: اختبار وجود
- النهر الذي لم نعبره مرتين: قراءة في قصة نجيب محفوظ -نصف يوم-
- وجهان للحرية: صمت المعرفة وضجيج الواقع
- الكلب*… ذلك المخلوق الذي أحبنا أكثر مما نستحق
- الخوف لا يخلق الإنسان السوي: بين الوازع الداخلي وسلطة الخارج
- تبنى المدن وتترك العقول خرابا
- هل نملك الشجاعة لمراجعة ثقافتنا السائدة؟
- مهرجان الحنفية: مسرحيات الفشل في الأنظمة الديكتاتورية
- كلمات من القلب
- ما لا يعود
- بين ناطحات السحاب وسحابات الدم: هل أصبح التقسيم مصيرا محتوما ...
- الدين لله والوطن للجميع: رؤية في السياق السوري*
- العدو الذي لا نعرفه: التأمل في الصراع الداخلي عبر Face/Off-
- سوريا ليست لفئة واحدة، بل تعددية جميلة لا تُستبدل
- ورقة خريفية في مهب الوجود
- بين ديكنز والخلود: حين يشيخ الزمن ولا نزال نحلم بالشباب


المزيد.....




- فيلم -أوسكار: عودة الماموث-.. قفزة نوعية بالسينما المصرية أم ...
- أنغام في حضن الأهرامات والعرض الأول لفيلم -الست- يحظى بأصداء ...
- لعبة التماثيل
- لماذا يا سيدي تجعل النور ظلاماً؟
- نشطاء يريدون حماية -خشب البرازيل-.. لماذا يشعر الموسيقيون با ...
- -ماء ونار-.. ذاكرة الحرب اللبنانية في مواجهة اللغة وأدوات ال ...
- أردوغان يستقبل المخرج الفلسطيني باسل عدرا الفائز بأوسكار
- توقيع اتفاق للتعاون السينمائي بين إيران وتركيا
- تسرب مياه في متحف اللوفر يتلف مئات الكتب بقسم الآثار المصرية ...
- إطلالة على ثقافة الصحة النفسية في مجتمعنا


المزيد.....

- ليلة الخميس. مسرحية. السيد حافظ / السيد حافظ
- زعموا أن / كمال التاغوتي
- خرائط العراقيين الغريبة / ملهم الملائكة
- مقال (حياة غويا وعصره ) بقلم آلان وودز.مجلةدفاعاعن الماركسية ... / عبدالرؤوف بطيخ
- يوميات رجل لا ينكسر رواية شعرية مكثفة. السيد حافظ- الجزء ال ... / السيد حافظ
- ركن هادئ للبنفسج / د. خالد زغريت
- حــوار السيد حافظ مع الذكاء الاصطناعي. الجزء الثاني / السيد حافظ
- رواية "سفر الأمهات الثلاث" / رانية مرجية
- الذين باركوا القتل رواية ... / رانية مرجية
- المسرواية عند توفيق الحكيم والسيد حافظ. دراسة في نقاء الفنون ... / د. محمود محمد حمزة


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أكرم شلغين - مائدة الحنين