أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - أكرم شلغين - بين ديكنز والخلود: حين يشيخ الزمن ولا نزال نحلم بالشباب














المزيد.....

بين ديكنز والخلود: حين يشيخ الزمن ولا نزال نحلم بالشباب


أكرم شلغين

الحوار المتمدن-العدد: 8492 - 2025 / 10 / 11 - 22:50
المحور: قضايا ثقافية
    


تذكرت تشارلز ديكنز، ذلك الساحر الذي كان يعرف كيف يُنصت لخطوات العمر وهي تمضي ببطء داخل الإنسان، ثم يحوّلها إلى حكاية. في أعماله، يبدو الكبار وهم يستعيدون ما مضى كأنهم يمسكون بخيوط الزمن بأطراف أصابعهم المرتعشة، يخافون أن تنفلت منهم اللحظة التي تمنح معنى لما تبقى من حياتهم. يتحدثون وكأنهم يسردون وصايا للبشرية، لكنّهم في العمق يحاولون أن يقنعوا أنفسهم بأن ما عاشوه لم يذهب سدى.
وفي لحظة أخرى، تذكّرت قول والدة أحد الأصدقا: لروحها الرحمة ـ "هنيئا لمن يولد الآن حديثا على هذه الدنيا، سيرى ما حُرمنا نحن منه"، قالتها وهي تهز رأسها بإيماءة يختلط فيها الحنين بالأسى، كأنها تودّع العالم قبل أن يودّعها. كانت عبارتها أشبه بمرآة تعكس خوف الإنسان الأزلي من الزمن، من مرور الأيام دون أن يترك أثرا أو يجدّد شبابه الذي كان يوما وقود أحلامه.
تساءلت بيني وبين نفسي: كم جيلًا قبلنا فكّر الفكرة ذاتها؟ كم إنسانًا وقف على حافة عمره وقال: "لو أنني وُلدت بعد عشرين عاما، لرأيت ما هو أعجب وأجمل"؟ ومع ذلك، مضت الأجيال كما تمضي الأمواج: كل واحدة تحسد التالية، وكل تالية تندم بعد حين.
إنّ البحث عن الخلود، أو على الأقل عن شباب لا يذبل، هو الوهم الأكبر الذي يرافق الإنسان منذ فجر التاريخ. من أسطورة جلجامش إلى مختبرات العلماء اليوم، ما زال الإنسان يحلم بأن يتحدى الموت والزمن معا. لكن هل فكرنا يوما في عالَم لا يشيخ فيه أحد؟ كيف ستكون حال الأرض لو سكنها بشر شبابهم سرمدي، لا يعرفون تعبا ولا فناء؟
ربما ستمتلئ الأرض حتى تختنق، وربما يفقد الحب معناه إذا لم يكن هناك خوف من الفقد، وربما تصبح المغامرة بلا طعم إذا لم يكن فيها رهان على نهاية.
الشيخوخة — رغم قسوتها — هي ما يمنحنا إنسانيتنا. فالمحدودية تجعل كل لحظة ثمينة، وكل ذكرى تستحق أن تروى كما كان يفعل شخوص ديكنز. ولو كان العمر سرمديا، لما كتب أحد رواية، ولا شعر أحد بندم، ولا قال أحد لابنه: عشْ ما استطعت، فالحياة قصيرة.
ربما علينا، بدل أن نفكر لو أننا ولدنا فيما بعد، أن نشكر حقيقة أننا وُجدنا الآن، في هذه اللحظة من التاريخ، نحمل ذاكرة الأجيال التي سبقتنا، ونترك شيئا لمن سيأتي بعدنا. فالخلود الحقيقي — كما أدركه الأدباء الكبار — ليس في أن تبقى أجسادنا شابة، بل في أن تبقى حكاياتنا تروى بعدنا، بصوت يشبه صوت الكبار حين يحكون، وبحسرة دافئة كإيماءة تلك الأم التي قالت عبارتها ومضت.



#أكرم_شلغين (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الماضي بوابة للتأمل… والمستقبل أفق للخلق
- بين الحلم والهيمنة....نحن هنا
- -طلّقني!-
- سألتنا كولا إن كنّا سنعود... فبكى البحر قبلنا
- التعايش والاحترام
- الخير والشر: معادلة الإنسان والكون بين الفطرة والضرورة
- جلنار والفراشة
- السوري… الحلم المؤجل والحرية الغائبة
- النقاء السياسي واللغة
- الاغتراب الجيلي وابتعاد الشباب عن الشأن العام في سوريا
- الروبوت الحامل: بين التحرر من العقم وفقدان قدسية التجربة الإ ...
- مأزق الساحل السوري: جذور وتداعيات
- مومياء الفارس
- اختطاف النساء
- السلطة الحقيقية: الثقة بدلا من الخوف و المساواة بدلا من التف ...
- حين تموت الأحاسيس ببطء
- المثقف المستقل والولاء للحقيقة في عصر الانتماءات الجامدة
- حين تُحرق الكتب وتنجو الأفكار: من ابن رشد إلى فهرنهايت 451
- الحرية والإبداع: ركيزتا التقدم ونهضة الأمم
- التسامح والمصالحة: قوة الأمم في مواجهة أحقاد الماضي


المزيد.....




- برئاسة السيسي وترامب.. مصر تعلن تفاصيل -قمة شرم الشيخ للسلام ...
- العراق يعرب عن أسفه للعقوبات الأميركية على جهات مرتبطة بالحش ...
- نصف مليون فلسطيني يعودون إلى شمال غزة وسط صدمة من حجم الدمار ...
- ما احتياجات القطاع الصحي بغزة بعد وقف إطلاق النار؟
- تركيا: لن نسمح لأي تنظيم -إرهابي- بالعمل في أراضي جيراننا
- الأمن السوري يضبط شحنة صواريخ قبل تهريبها للخارج
- مقتل عسكري إسرائيلي متأثرا بإصابته في معارك غزة قبل أيام
- عاجل | الرئاسة المصرية: قمة دولية في شرم الشيخ الاثنين بمشار ...
- مصر: السيسي وترامب يترأسان -قمة شرم الشيخ للسلام-
- -يمكننا أن نتنفس أخيرًا-.. الفلسطينيون يشقّون طريقهم بين الأ ...


المزيد.....

- في مدى نظريات علم الجمال دراسات تطبيقية في الأدب العربي / د. خالد زغريت
- الحفر على أمواج العاصي / د. خالد زغريت
- التجربة الجمالية / د. خالد زغريت
- الكتابة بالياسمين الشامي دراسات في شعر غادة السمان / د. خالد زغريت
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الساد ... / منذر خدام
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الثال ... / منذر خدام
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الأول ... / منذر خدام
- ازمة البحث العلمي بين الثقافة و البيئة / مضر خليل عمر
- العرب والعولمة( الفصل الرابع) / منذر خدام
- العرب والعولمة( الفصل الثالث) / منذر خدام


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - أكرم شلغين - بين ديكنز والخلود: حين يشيخ الزمن ولا نزال نحلم بالشباب