أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - أكرم شلغين - الاغتراب الجيلي وابتعاد الشباب عن الشأن العام في سوريا














المزيد.....

الاغتراب الجيلي وابتعاد الشباب عن الشأن العام في سوريا


أكرم شلغين

الحوار المتمدن-العدد: 8458 - 2025 / 9 / 7 - 04:57
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
    


تمثل ظاهرة ابتعاد الشباب السوري، خاصة جيل ما بعد 2011، عن الانخراط في الشأن الوطني العام، أو اغترابهم عن الشأن العام، واحدة من أكثر الإشكاليات تعقيدا وإيلاما في الواقع السوري الراهن. إنها معضلة تتطلب مقاربة تتجاوز التفسيرات السطحية أو الأحكام الأخلاقية، لتغوص في أعماق السياق التراكمي الذي صاغ وعي جيل كامل. هذا النص هو محاولة متواضعة لتفكيك عناصر هذه الإشكالية، وهو لا يزعم تقديم إجابات شافية، بقدر ما يسعى إلى طرح الأسئلة المتعلقة بالأمر وإضاءة زوايا من حالة مركبة، تستعصي على أي توصيف مُطلق.
لا يمكن فهم اغتراب الشباب دون وضعهم في الإطار التاريخي الذي تشكلوا فيه. لقد ولد هذا الجيل وعاش طفولته في ظل نظام استبدادي أحادي، ثم وجد نفسه فجأة في قلب ثورة عارمة حلقت بآمالها إلى عنان السماء، قبل أن تسحقها آلة عنف لا هوادة لها. هذا المسار من "الصدمة المزدوجة" – صدمة الاستبداد الطويل، تليها صدمة العنف المفرط – خلقت لدى الكثيرين ما يمكن تسميته "صدمة الوراثة". لقد ورثوا وطنا مثقلا بجراح لم يسببوها هم، وتاريخا من النضال لم يشاركوا في صنع مجده الأول، ليُطلب منهم اليوم تحمل تبعاته. هذا الشعور الثقيل بالدين التاريخي والمسؤولية عن إرث لم يختاروه، يدفع بشكل طبيعي نحو الرغبة في التحرر من هذه الأعباء، والبحث عن حياة فردية بعيدا عن صخب الجماعة المنهكة في بلد فقد كل شيء.
صحيح أن هناك قوى ديمقراطية معارضة قضى أفرادها سنوات في السجون ولها تاريخها النضالي المشهود، وهو تاريخ يستحق كل التقدير. إلا أن شرعية الماضي لا تكفي وحدها لضمان شرعية الحاضر أو المستقبل. يبدو أن هناك "فجوة تمثيلية" عميقة بين هذه النخب وجيل الشباب. لقد فشلت هذه القوى، لأسباب موضوعية ذاتية، في تطوير خطاب وسياسات قادرة على "استمالة" الشباب، أي على مخاطبة همومهم الوجودية المباشرة: البحث عن لقمة العيش، الهجرة، الأمان الشخصي، والتطلع إلى هوية فردية خارج إطار الصراع الكلي.
الأمر هنا ليس إخفاقا أخلاقيا، بل هو "قطيعة جيلية" في الأولويات واللغات. بينما تركز النخب القديمة على خطاب الحقوق والسيادة والحرية بمفهومها المجرد والكلي، ينشغل الجيل الجديد بـ"حرية" الحركة، "حق" العيش بكرامة، و"سيادة" الفرد على مصيره الشخصي. هذا الاختلاف في سلم الأولويات يولّد انفصالا يشعر معه الشباب أن هذه النخب لا تتحدث باسمهم ولا تفهم مشاكلهم الحقيقية.

تجدر الإشارة هنا إلى أن هذه القراءة هي محاولة لتشريح مسؤولية الجيل الأكبر (النخب السياسية والتقليدية) في فشل استقطاب جيل الشباب واستمالتهم، من خلال عجزه عن تجديد خطابه وآليات عمله. وهي تقر بأن هذا العامل، رغم أهميته، ليس الوحيد في المعادلة. فهناك أسباب أخرى عميقة وجوهرية تتعلق بـبنية العقل السوري ذاته، والذي تشكّل وتقولب في ظل منظومة استبدادية طويلة الأمد، خلقت ما يمكن تسميته، باستعارة مفهوم ميشيل فوكو، "جسدا خاضعا" (Docile Body) وثقافة من الخوف متجذرة، حيث يظل خطر المعتقل والاختفاء قابعا في اللاوعي الجمعي حتى بعد زوال آليته المباشرة في بعض المناطق. إلا أن تحليل هذا العامل الأنثروبولوجي-السلطوي العميق، يحتاج إلى مساحة أخرى مستقلة، وهو ما لا يتسع له نطاق هذا المقال الذي يركز على الجانب الجيلي والسياسي داخليا.

عندما يُسأل: "أهي ـ أي فئة الشباب ـ تريد أن تعيش فقط؟"، فإن السؤال نفسه يحمل في طياته إجابة. نعم، يريد هذا الجيل أن "يعيش" بالمعنى الوجودي الكامل للكلمة. بعد أن أصبح "العيش" نفسه في الوطن مجرد "بقاء" على قيد الحياة تحت وطأة انهيار اقتصادي واجتماعي، لم تعد الهروب إلى الخارج ترفا أو خيانة، بل تحول إلى "خيار وجودي" مشروع. إنه بحث عن إمكانية لبناء حياة، وليس مجرد الهرب من الموت. في هذا السياق، يصبح الابتعاد عن "السياسة" ليس موقفا أيديولوجيا معاديا لها، بل هو رد فعل وقائي للنجاة، وتحول في الطاقة من الهم العام المستحيل إلى الهم الخاص الملح.
إن استمالة هذا الجيل لا تمر عبر تذكيره بتاريخ نضالي مجيد أو عبر خطابات وطنية لم تعد تلقى صدى في وجدانه. الطريق الوحيد يبدأ بالاعتراف بشرعية أسئلته وهمومه المختلفة. يتطلب الأمر:
تغيير اللغة: من الخطاب السياسي الأيديولوجي التقليدي إلى خطاب الخدمات والحلول العملية (كيف نؤمن الكهرباء؟ كيف نخلق فرص عمل؟ كيف نسهل التعليم؟). بالرغم من صعوبة تطبيق أيا منها ضمن الواقع السوري حاليا
تغيير الممارسة: بناء مؤسسات مجتمع مدني حقيقية، لا سياسية، تركز على تمكين الشباب اقتصاديا واجتماعيا وتمنحهم شعوراً ملموساً بالتأثير والفاعلية.
الاعتراف بالهزيمة: الاعتراف الجماعي بأن المشروع السياسي بصورته التقليدية قد فشل في جذب الجيل الجديد، وأن المطلوب هو إعادة تخيل فكرة "الوطن" و"المواطنة" نفسها بشكل يتسع لأحلامهم المختلفة.
خلاصة القول، إن ابتعاد الشباب ليس مؤامرة أو دليلا على اللامبالاة، بل هو عرض مرضي لاختلال بنيوي عميق في العلاقة بين الفرد والمجتمع، بين الحلم والواقع، بين الأجيال. فهم هذا الاغتراب هو الخطوة الأولى، وربما الأصعب، نحو أي محاولة جادة لاستعادة الثقة وبناء مستقبل لا يستبعد أحدا.



#أكرم_شلغين (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الروبوت الحامل: بين التحرر من العقم وفقدان قدسية التجربة الإ ...
- مأزق الساحل السوري: جذور وتداعيات
- مومياء الفارس
- اختطاف النساء
- السلطة الحقيقية: الثقة بدلا من الخوف و المساواة بدلا من التف ...
- حين تموت الأحاسيس ببطء
- المثقف المستقل والولاء للحقيقة في عصر الانتماءات الجامدة
- حين تُحرق الكتب وتنجو الأفكار: من ابن رشد إلى فهرنهايت 451
- الحرية والإبداع: ركيزتا التقدم ونهضة الأمم
- التسامح والمصالحة: قوة الأمم في مواجهة أحقاد الماضي
- الدين: من مصدر للسلام إلى أداة للصراع
- أرض تأكل أبناءها
- بين العنف والعفو: مقاربات أدبية وفلسفية في طبيعة الإنسان
- ونتساءل عن لوطن
- الموت: التأمل في اللايقين الحتمي
- تأمل سريع في مرور الزمن ودروس الحياة
- الحلم بالنهوض بعد الظلم والقمع
- أهمية القاعدة الشعبية في الحكم
- فراق أبدي
- سوريا: ملتقى الشعوب ونموذج للتعايش الثقافي


المزيد.....




- بجانب زوجة ماكرون.. فيديو رد فعل الأمير السعودي تركي الفيصل ...
- ترامب يشعل قلقا بعد تدوينة -شيكاغو ستعرف سبب تسمية وزارة الح ...
- الأزهر يحذر ويدعو الآباء لـ-تحصين- أبنائهم من لعبة إلكترونية ...
- 12 صورة من بين الأبرز خلال عام 2025
- هجوم روسي على كييف يتسبب بقتلى وانقطاع الكهرباء
- الاحتلال يقتحم رام الله ونابلس ومستوطنون يضرمون النار بمساحا ...
- زلزال الحوز.. كارثة طبيعية تضرر منها نحو 2.8 مليون مغربي
- شهداء بقصف مدرسة وخيمة تؤوي نازحين بغزة والاحتلال يصعّد نسف ...
- تورط رئيس سابق للشاباك بقضية خطف في ألمانيا
- مظاهرات في عواصم أوروبية دعما لفلسطين ومطالبة بمعاقبة إسرائي ...


المزيد.....

- المسألة الإسرائيلية كمسألة عربية / ياسين الحاج صالح
- قيم الحرية والتعددية في الشرق العربي / رائد قاسم
- اللّاحرّية: العرب كبروليتاريا سياسية مثلّثة التبعية / ياسين الحاج صالح
- جدل ألوطنية والشيوعية في العراق / لبيب سلطان
- حل الدولتين..بحث في القوى والمصالح المانعة والممانعة / لبيب سلطان
- موقع الماركسية والماركسيين العرب اليوم حوار نقدي / لبيب سلطان
- الاغتراب في الثقافة العربية المعاصرة : قراءة في المظاهر الثق ... / علي أسعد وطفة
- في نقد العقلية العربية / علي أسعد وطفة
- نظام الانفعالات وتاريخية الأفكار / ياسين الحاج صالح
- في العنف: نظرات في أوجه العنف وأشكاله في سورية خلال عقد / ياسين الحاج صالح


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - أكرم شلغين - الاغتراب الجيلي وابتعاد الشباب عن الشأن العام في سوريا