أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أكرم شلغين - حين تموت الأحاسيس ببطء














المزيد.....

حين تموت الأحاسيس ببطء


أكرم شلغين

الحوار المتمدن-العدد: 8427 - 2025 / 8 / 7 - 00:25
المحور: الادب والفن
    


كنت التقطتُ صورة قبل سنوات في زاوية هادئة من شمال برلين ...لم يكن في الصورة شيء "مبهر": مجرد شجر طويل يلتقط آخر أنفاس الشمس وضوء ذهبي في وقت الغروب يتسرب إلى رؤوس الأشجار ومبنى بسيط على طرف الإطار. نشرتها كما ينشر واحدنا لحظة إحساس خاصة ظنا منه أن الآخرين سيشعرون بها كما شعر هو...
لكن صديقة لي رأت الصورة وعلقت بأنها "عادية"، لا شيء فيها يستحق التصوير.
كأنها صفعتني بكلماتها — لا لأنني توقعت مديحا، بل لأن شيئا داخليا فيّ هتف:
"هل نحن ما زلنا نرى؟ هل نحن ما زلنا نشعر؟"
هذه ليست مسألة ذوق. بل مسألة حياة.
تذكرت عندها موقفا قديما في بلدة ساحلية قرب أثينا في اليونان، حيث يصطف الناس من كل جنسيات الأرض عند هضبة "سونيون"، قرب معبد بوسايدون ليشاهدوا غروب الشمس.
كل يتمركز في مكان وفق حظه: من كان في الأعلى تأخر عنده الغروب ومن وقف أو جلس في الأسفل سبقته الشمس إلى الغياب.
غروب واحد... لكن مشاهدين كثر وزوايا متعددة وأحاسيس لا تتشابه.
في تلك اللحظة أدركت أن الجمال ليس في "المشهد" وحده بل في الاستعداد لرؤيته.
الغروب ذاته، ولكن بدرجات إدراك مختلفة.
كنت حدثت صديقتي أيضا عن نافذة مطبخ صديقي في وسط برلين حيث وقفت ذات صباح أراقب الأشجار التي تشبه شجر الحور في منطقتنا، بينها شجرة أطول من جاراتها من الأشجار.
لا شيء "استثنائي" — فقط نسيم خفيف يحرك نصفها ويترك النصف الآخر ساكنا.
لكنني بقيت أراقب هذا المشهد بدهشة طفل يرى فعل الريح لأول مرة وكأن الكون يتحدث همسا وأنا أنصت له بشغف.
قلت لها:
"نحن لا نتوقف عن الإحساس لأن العالم فقد الجمال بل لأننا توقفنا عن رؤيته بأعين طفل. حين لا تعود تستوقفنا الألوان ولا تتأملنا الرياح فلنعلم أن في داخلنا شيئا قد بدأ بالموت."
نعيش في زمن تستيقظ فيه العين ولكن لا تستيقظ فيه الروح.
نرى المشاهد ونمر عليها كما نمر على منشور فيسبوك... بسرعة وبملل ودون توقف و دون إنصات.
نستهلك كل شيء — حتى اللحظات — كما نستهلك الأخبار أو القهوة السريعة.
وهنا تكمن المأساة.
الصورة التي لم ترَ فيها صديقتي شيئا "يُذكر" كانت، بالنسبة لي، مرآة.
مرآة تقول لي إنني ما زلت حيا... ما دمت أرى وأندهش وأتأمل.
وأن الخطر الحقيقي ليس في ألا نلتقط الصور بل في أن نمشي في الحياة دون أن تلتقطنا لحظة ودون أن نندهش و دون أن نقف ولو لثانية أمام شجرة أو غروب أو ضوء.
إنها الأحاسيس، و هي التي تُبقي الإنسان إنسانا.



#أكرم_شلغين (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- المثقف المستقل والولاء للحقيقة في عصر الانتماءات الجامدة
- حين تُحرق الكتب وتنجو الأفكار: من ابن رشد إلى فهرنهايت 451
- الحرية والإبداع: ركيزتا التقدم ونهضة الأمم
- التسامح والمصالحة: قوة الأمم في مواجهة أحقاد الماضي
- الدين: من مصدر للسلام إلى أداة للصراع
- أرض تأكل أبناءها
- بين العنف والعفو: مقاربات أدبية وفلسفية في طبيعة الإنسان
- ونتساءل عن لوطن
- الموت: التأمل في اللايقين الحتمي
- تأمل سريع في مرور الزمن ودروس الحياة
- الحلم بالنهوض بعد الظلم والقمع
- أهمية القاعدة الشعبية في الحكم
- فراق أبدي
- سوريا: ملتقى الشعوب ونموذج للتعايش الثقافي
- أمل سوريا الجديد
- الانتقام والهدم: نحو تجاوز إرث الثأر لبناء سوريا المستقبل
- الخوف: ثقافة عالمثالثية أم تركيب اجتماعي؟
- الخبز والحرية: الاحتياج المادي والكرامة الإنسانية
- من الاستبداد إلى الشتات: حكاية وطن تحت قبضة الطغيان
- سوريا: وطن منهك بين السيادة المزعومة والحقيقة المرة


المزيد.....




- جان بيير فيليو متجنياً على الكرد والعلويين والدروز
- صالة الكندي للسينما: ذاكرة دمشق وصوت جيل كامل
- وزارة الثقافة اللبنانية تنفي وجود أي أسلحة تعود لأحزاب في قل ...
- في النظرية الأدبية: جدل الجمال ونحو-لوجيا النص
- السينما مرآة القلق المعاصر.. لماذا تجذبنا أفلام الاضطرابات ا ...
- فنانون ومشاهير يسعون إلى حشد ضغط شعبي لاتخاذ مزيد من الإجراء ...
- يوجينيو آرياس هيرانز.. حلاق بيكاسو الوفي
- تنامي مقاطعة الفنانين والمشاهير الغربيين لدولة الاحتلال بسبب ...
- من عروض ايام بجاية السينمائية... -سودان ياغالي- ابداع الشباب ...
- أحمد مهنا.. فنان يرسم الجوع والأمل على صناديق المساعدات بغزة ...


المزيد.....

- الرملة 4000 / رانية مرجية
- هبنّقة / كمال التاغوتي
- يوميات رجل متشائل رواية شعرية مكثفة. الجزء الثالث 2025 / السيد حافظ
- للجرح شكل الوتر / د. خالد زغريت
- الثريا في ليالينا نائمة / د. خالد زغريت
- حوار السيد حافظ مع الذكاء الاصطناعي. الجزء الأول / السيد حافظ
- يوميات رجل غير مهزوم. عما يشبه الشعر / السيد حافظ
- نقوش على الجدار الحزين / مأمون أحمد مصطفى زيدان
- مسرحة التراث في التجارب المسرحية العربية - قراءة في مسرح الس ... / ريمة بن عيسى
- يوميات رجل مهزوم - عما يشبه الشعر - رواية شعرية مكثفة - ج1-ط ... / السيد حافظ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أكرم شلغين - حين تموت الأحاسيس ببطء