أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - أكرم شلغين - السوري… الحلم المؤجل والحرية الغائبة














المزيد.....

السوري… الحلم المؤجل والحرية الغائبة


أكرم شلغين

الحوار المتمدن-العدد: 8464 - 2025 / 9 / 13 - 22:14
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


لا أكتب عن سوريا كدولة. أو بلد... بل أكتب عنها كجسد مجعد، تنهد في الظلام ويداه مربوطتان خلف ظهره، وعيناه مغلقتان منذ ولادته… لكن قلبه لا يزال ينبض نبضا خافتا.
ليست المآسي في جغرافيتنا استثناء لكنها قاعدة تُنسج خيوطها من حديد ونار؛ لم يكن الماضي مشرقا، ولا يبدو الحاضر أكثر رحمة للسوري. فالتاريخ الذي قرأناه عن الاحتلال العثماني أو الانتداب الفرنسي بدا وكأنه فصل مظلم مضى، لكننا وجدنا أننا نعيش احتلالات أخرى، أشد وطأة وأكثر قسوة، حين يصبح الوطن سجنا لأبنائه، ويُختزل الشعب إلى مجرد أصوات في طوابير الخبز والوقود والدواء.
لم نعش زمن العثماني ولا الفرنسي، لكننا عشنا احتلالا من نوع آخر. احتلالا داخليا جعل من الوطن سجنا كبيرا، تُغلق أبوابه عند المغيب، وتُصفر قضبانه مع كل فجر. لقد ورثنا "الاستقلال" بجسد منقوص الحرية وروحٍ مثقلة بالخوف. بدءا من الأسد الأب، الذي صاغ دولة القبضة الحديدية، وصولا إلى اللحظة الراهنة، حيث لم يتبق سوى أنقاض وطن وشتات شعب.
عشنا سنوات الخوف والانتظار؛ وعرفنا معنى أن يختفي جار فجراً مع "زوار الليل" فلا يعود، ومعنى أن تُفتش البيوت لا بحثاً عن سلاح، بل عن كتاب أو كلمة أو فكرة. سمعنا الشعارات الرنانة التي تملأ الأفق عن القومية والوحدة والحرية، ورأينا في الوقت نفسه شعبا يقف ساعات طوال أمام المؤسسات، ليخرج بحفنة سكر أو أوقية سمن. رأيتُ الناس تتعلق بوعود "زيادة المعاش"، وكأنها معجزة سماوية، فيما الدواء ينقطع عن المريض، والفرح يُسرق من قلب كل بيت.
تكونت أجيال كاملة في سوريا على هذا الإيقاع الموجع؛ أجيال وُلدت وهي تسمع عن فلسطين، لكن فلسطين لم تكن سوى اسم لفرع أمني يثير الرعب. أجيال عاشت حياتها لا تعرف من هو العدو الحقيقي، لكنها عرفت جيداً أن سعادتها مؤجلة، وأن ضحكتها مراقبة، وأن حريتها مقيدة إلى أجل غير مسمى. حتى الطبيعة لم تفتح لها نوافذها: لا ألوان الخريف، ولا زهر الربيع، ولا شمس مطمئنة تشرق على قلوب مطمئنة.
لقد ثار السوريون مرات عدة عبر التاريخ، لكن الثمن كان دوماً باهظاً، والنتيجة أبعد ما تكون عن تطلعاتهم. فالمأساة الأعمق أن الإنسان السوري لم يشعر يوماً أنه يمتلك زمام المبادرة في بلده، أو دفة القيادة في مصيره. وها هو اليوم، بعد عقود من الألم، ما يزال يجر قيوده الثقيلة، مكبلا بين يدي واقع لا يرحم.
السوري هو الإنسان الذي عاش كل أشكال الخسارة: خسارة الوطن والبيت والأمان، خسارة الأحلام الصغيرة قبل الأحلام الكبيرة، وخسارة المعنى في حياة تُساق يوماً بعد يوم إلى الرماد. ومع ذلك، يظل يحمل في داخله ذلك الحلم المؤجل: أن يكون حراً، بسيطاً، عادياً، مواطناً يعرف أن الفرح حق، وأن الحرية ليست ترفاً بل حياة.



#أكرم_شلغين (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- النقاء السياسي واللغة
- الاغتراب الجيلي وابتعاد الشباب عن الشأن العام في سوريا
- الروبوت الحامل: بين التحرر من العقم وفقدان قدسية التجربة الإ ...
- مأزق الساحل السوري: جذور وتداعيات
- مومياء الفارس
- اختطاف النساء
- السلطة الحقيقية: الثقة بدلا من الخوف و المساواة بدلا من التف ...
- حين تموت الأحاسيس ببطء
- المثقف المستقل والولاء للحقيقة في عصر الانتماءات الجامدة
- حين تُحرق الكتب وتنجو الأفكار: من ابن رشد إلى فهرنهايت 451
- الحرية والإبداع: ركيزتا التقدم ونهضة الأمم
- التسامح والمصالحة: قوة الأمم في مواجهة أحقاد الماضي
- الدين: من مصدر للسلام إلى أداة للصراع
- أرض تأكل أبناءها
- بين العنف والعفو: مقاربات أدبية وفلسفية في طبيعة الإنسان
- ونتساءل عن لوطن
- الموت: التأمل في اللايقين الحتمي
- تأمل سريع في مرور الزمن ودروس الحياة
- الحلم بالنهوض بعد الظلم والقمع
- أهمية القاعدة الشعبية في الحكم


المزيد.....




- بعد بولندا.. رومانيا تعترض طائرة مسيّرة دخلت مجالها الجوي أث ...
- ضربة الدوحة -تهزّ الثقة-.. هل تعيش دول الخليج هاجس غياب المظ ...
- عشرات الآلاف يشاركون في مسيرة مناهضة للهجرة في لندن
- نتانياهو يقول إن -التخلص- من قادة حماس -سيزيل العقبة الرئيسي ...
- ترامب يوجه إنذارًا نهائيًا لدول حلف الناتو بشأن فرض عقوبات ع ...
- روبيو: الهجوم على قطر لن يؤثر على العلاقات الأمريكية الإسرائ ...
- مظاهرة حاشدة في برلين من أجل السلام وضد الحرب في غزة
- إسبانيا: إصابة 21 شخصا ثلاثة منهم في حالة خطرة بانفجار في حا ...
- ترامب يضغط على حلف الأطلسي لوقف شراء النفط الروسي
- من نيويورك إلى المحاكم.. محمد رمضان بين لقاء عمدة نيويورك وأ ...


المزيد.....

- الحجز الإلكتروني المسبق لموسم الحنطة المحلية للعام 2025 / كمال الموسوي
- الأرملة السوداء على شفا سوريا الجديدة / د. خالد زغريت
- المدخل الى موضوعة الحوكمة والحكم الرشيد / علي عبد الواحد محمد
- شعب الخيام، شهادات من واقع احتجاجات تشرين العراقية / علي الخطيب
- من الأرشيف الألماني -القتال في السودان – ينبغي أن يولي الأل ... / حامد فضل الله
- حيث ال تطير العقبان / عبدالاله السباهي
- حكايات / ترجمه عبدالاله السباهي
- أوالد المهرجان / عبدالاله السباهي
- اللطالطة / عبدالاله السباهي
- ليلة في عش النسر / عبدالاله السباهي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - أكرم شلغين - السوري… الحلم المؤجل والحرية الغائبة