أكرم شلغين
الحوار المتمدن-العدد: 8516 - 2025 / 11 / 4 - 00:47
المحور:
الادب والفن
حين وضعت زوجته مولودهما الأول، تسلل إلى قلبه الشك كدخان خبيث لا يرى في البداية. راح يراقب وجه الطفل، يبحث في ملامحه عما يُطمئنه، فلم يجد سوى هواجس تزداد كل يوم. كان يهمس لنفسه: “هذا الطفل لا يشبهني… وجهه أقرب إلى الإيطاليين منه إلي أنا أبيه العربي.”
ومن يومها لم يعرف قلبه الراحة.
بدأ يتهم زوجته بالخيانة، يسألها ويكرر سؤاله، كأن الحقيقة ستتبدل مع كثرة الإلحاح.
كانت هي تبكي وتقول له:
“لم أخنك، وليس في قلبي ما يدفعني لذلك. ولو شعرت يوما أني لا أريدك، لكنت تركتك بشرف لا بخيانة.”
لكنه لم يسمع سوى صوته الداخلي المليء بالهواجس.
وحين بلغ بها الحزن واليأس حد الانكسار، قالت له بصوت موجوع ساكن:
“إذا كنت مقتنعا أنني خنتك، فلنفترق... لأن العيش في ظل الشك موت بطيء لي ولك.”
وهكذا افترقا، وغادر كل منهما حياة الآخر، والولد كبر بعيدا عن أبيه، لا يعرف وجهه إلا من الصور القديمة.
مضت سنوات طويلة، والندم غائب، حتى جاءه يوم غير كل شيء.
اتصل به صديق قديم ليخبره أن طليقته تبحث عنه لأمر عاجل. تردد، ثم قرر أن يراها.
وحين وقف أمامها، رأى امرأة أنهكها المرض، وقالت له بصوت خافت يحمل بقايا الحياة:
“أنا مصابة بالسرطان... أيامي معدودة. لكن قبل أن أرحل، أريد أن أطلب منك شيئا واحدا: أجر فحصا لك ولمن قلت إنه ليس ابنك. أريد أن أرحل وأنا بريئة أمام الله، حتى لو تأخر اعتذارك.”
تجمد قلبه، ووافق.
وعندما التقى ابنه بعد كل تلك السنين، نظر إليه طويلا… رأى نفسه فيه، رأى عينيه، ملامحه، وندمه كله.
ثم جاءت النتيجة: الطفل ابنه، لم يكن في الأمر خيانة، بل كانت الخيانة في ظنونه.
لكن الزمن لا يعود.
زوجته ماتت مرتاحة من المرض، ومن التهمة التي ألصقها بها،
أما هو، فبقي أسير وجعه، يردد بحرقة كلما ذكرها:
“ماتت بريئة... ومات ضميري حيا.”
#أكرم_شلغين (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟