أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - أكرم شلغين - الدين لله والوطن للجميع: رؤية في السياق السوري*















المزيد.....

الدين لله والوطن للجميع: رؤية في السياق السوري*


أكرم شلغين

الحوار المتمدن-العدد: 8507 - 2025 / 10 / 26 - 02:48
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


في فضاء الجغرافيا السورية، تلك الأرض التي شهدت أولى شرائع القانون وولدت فيها أقدم أبجدية في العالم، تلتقي عشرات الثقافات والأديان والطوائف لتشكل نسيجا إنسانيا استثنائيا. وسط هذا التنوع، تبرز ضرورة إحياء مبدأ "الدين لله والوطن للجميع" كحجر أساسي لبناء سوريا الوطن والمواطنة، وهو مبدأ يسعى لتحقيق دولة مدنية تحترم التعددية الدينية والمذهبية، وتضمن العدالة والمساواة لجميع المواطنين دون تمييز.
هذه الرؤية ليست مجرد شعار طوباوي، بل ضرورة وجودية لبناء سوريا مستقبلا، مع ضرورة فصل المجال الروحي عن السياسي. هذا المبدأ يدعو إلى التأكيد على أن الانتماء الوطني لا يقاس بالعقيدة، بل بالولاء للتراب والإنسان، وهو تعبير عن هوية وطنية جامعة تضع المصلحة العامة فوق الانتماءات الطائفية. فمنذ فجر التاريخ، كانت سوريا أرضا للتنوع الديني والثقافي، ومثالا حيا على التعايش بين الديانات وكأن التاريخ يهمس: "الاختلاف لا يُفسد في الودّ قضية".

لطالما كانت العلاقة بين الدين والسياسة مصدرا للجدل في سوريا، حيث تداخلت في العديد من المحطات التاريخية، وكان لهذا التداخل تأثيرات كبيرة على النسيج الاجتماعي. فعلى الرغم من التنوع الديني والثقافي في المجتمع السوري، فقد أسهم الدين في السياسة في تفكيك التماسك الوطني وزيادة الانقسامات الطائفية والمذهبية، مما جعل الدولة تتعثر في تحقيق المساواة بين جميع مواطنيها.
هنا يأتي دور مبدأ "الدين لله والوطن للجميع" الذي يدعو إلى تحقيق التوازن بين الانتماء الديني والمواطنة، ليؤكد على أهمية دولة مدنية محايدة دينيا تقوم على المساواة بين جميع المواطنين بغض النظر عن عقائدهم.

لنذكر أنفسنا أن سوريا لم تكن يوما حكرا على دين واحد. عبر العصور، عاشت على أرضها المسيحية بكل طوائفها، والإسلام بكل مذاهبه، واليهودية، والدروز، والإيزيديين وغيرهم من الأديان والمذاهب. هذا التنوع هو جزء من الهوية السورية الأصيلة التي شكلت حوضا حضاريا غنيا بالتفاعل الثقافي والديني. كما أبرز المفكر فراس السواح في كتابه "آرام دمشق وإسرائيل" (1989)، حيث سلط الضوء على التعددية الدينية في سوريا القديمة، مما يشير إلى أن الأرض السورية كانت دوما مسرحا للتفاعل الحضاري، وليست ساحة صراع.

من جانب آخر، تُظهر التجربة السورية الحديثة كيف أسهم التوظيف السياسي للدين في تقويض التماسك الوطني. فالدين الذي كان يمكن أن يكون مصدرا للروحانية والتوجيه الأخلاقي، أصبح في بعض الأحيان أداة للهيمنة السياسية. هذه الهيمنة الدينية في السياسة أسهمت في زيادة الانقسامات الطائفية والمذهبية في المجتمع السوري، مما جعل من الصعب بناء دولة مدنية تقوم على أساس العدالة والمساواة. وهذه لممارسات أصبحت اليوم أكثر خطورة من السابق مع انتهاج سياسة بناء البلد بلون واحد متجانس في الشكل.
يعبر مبدأ "الدين لله والوطن للجميع" عن ضرورة إرساء دولة مدنية محايدة دينيا، تضع مصلحة المواطنين فوق التفرقة الدينية والطائفية. هذا المبدأ يوفر إطارا قانونيا يتعامل مع الجميع كمواطنين متساوين في الحقوق والواجبات، بعيدا عن أي تمييز ديني أو طائفي. وفقا لهذا المبدأ، تبقى الدولة محايدة تجاه الدين، مع احترام حقوق الأفراد في ممارسة شعائرهم الدينية بحرية.

و المبدأ المذكور لم يكن غريبا على الفكر السوري القديم، حيث كان جزءا من الهوية السياسية والثقافية للبلاد. فقد ذكر الفقيه ابن قتيبة الدينوري في القرن التاسع الميلادي: "الدين ما وقر في القلب وصدقه العمل، والوطن ما آواك وآنت له". هذه الفكرة تؤكد أن الوطنية ليست مرتبطة بمذهب ديني، بل بالعدالة والمساواة بين جميع المواطنين. وفي بداية القرن العشرين دعا المفكر السوري عبد الرحمن الكواكبي إلى فكرة الدولة المدنية القائمة على العدالة والمساواة. وكذلك، وفي العقود الأخيرة، تبنّى العديد من الأكاديميين السوريين مبدأ فصل الدين عن السياسة كأساس لمشروع وطني ديمقراطي. من بين هؤلاء المفكرين كان كمال أبو ديب الذي طور رؤية فلسفية عميقة للهوية السورية تقوم على التعددية والانتماء المدني. ومن خلال أعماله النقدية، ويؤكد في "إشكاليات الثقافة العربية المعاصرة" (2000)، أن التعددية الدينية هي أحد أسس المجتمعات الحديثة، ويشدد على ضرورة أن تكون الدولة محايدة دينيا، بما يعزز من المساواة بين المواطنين، وأيضا من خلال كتابه "الفكر النقدي العربي الحديث" (2011) يطرح رؤية نقدية حول العلاقة بين الدين والسياسة في العالم العربي، مُشددا على ضرورة أن تكون الدولة محايدة دينيا، لضمان عدالة اجتماعية تحقق المساواة بين جميع أفراد المجتمع بعيدا عن التدخلات الدينية في السياسة. ويرى أن فصل الدين عن الدولة هو السبيل الوحيد لتحقيق العدالة والمساواة في المجتمع العربي. وفي هذا السياق، يبرز الشاعر والمفكر أدونيس الذي دعا في مشروعه الشعري والنقدي إلى "قراءة النصوص قراءة جديدة"، مؤكدا على أهمية التعددية في بناء الهوية الوطنية.
من الواضح أن التداخل بين الدين والسياسة قد أدى إلى تفاقم الأزمة في سوريا، وضرورة البحث عن حلول تضمن تعزيز العدالة والمساواة وتخفف من الانقسامات الطائفية. إن مبدأ "الدين لله والوطن للجميع" يمثل الحل الأمثل لبناء دولة مدنية تقوم على المساواة بين جميع المواطنين دون تمييز ديني أو طائفي، مع ضرورة وجود إرادة سياسية حقيقية لتطبيق هذا المبدأ في جميع جوانب الحياة السياسية والاجتماعية.

ثمة سؤال يطرح نفسه وبإلحاح إن كان لسوريا أن تحتضن هذا المبدأ؟ وإذا كان التحدي الحقيقي يكمن في تطبيق مبدأ "الدين لله والوطن للجميع" في سوريا، فإن الإجابة تكمن في إرادة الشعب السوري وتفهمه لهذا المبدأ وطلاقه الفكري من السلوكيات والتوجهات السياسية التي لا تخدم البلد وإدراكه أن تماسك الجميع واحترام مبادئهم وعقائدهم وأثنياتهم هو الأساس وأن تجسيد مبدأ "الدين لله والوطن للجميع" يعكس تطلعا لبناء هوية وطنية متجددة، هوية تتسع للجميع بغض النظر عن دينهم أو طائفتهم، وتؤسس لدولة مدنية تحترم حقوق الجميع.

لابديل عن استعادة روح سوريا المتسامحة، برغم كل الجراح، تلك الروح التي عبر عنها مفكروها وأدباؤها عبر العصور. مبدأ "الدين لله والوطن للجميع" ليس غريبا عن تاريخ سوريا، بل هو جزء من تراثها الذي نادى به المثقفون السوريون في مواجهة الاستبداد والطائفية. هذا المبدأ ليس حلما مستحيلا، بل هو سبيل لبناء وطن يتسع للجميع دون تمييز، وينبني على قيم العدالة والمساواة.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(ملاحظة: هذه المقالة هي محاكاة أكاديمية تستند إلى أفكار هؤلاء كما هي معروفة في *
public domain، وليست اقتباساً حرفياً من نص محدد في جميع الحالات).
مراجع:
1. كمال أبو ديب، الفكر النقدي العربي الحديث، 2011.
2. كمال أبو ديب، إشكاليات الثقافة العربية المعاصرة، 2000.
3. كمال أبو ديب، الهوية والاختلاف: نحو فهم جديد للثقافة العربية، 2003.
4. صادق جلال العظم، نقد الفكر الديني.
5. محمد جمال باروت، محاضرة: "الدولة والطائفة في التاريخ السوري". جامعة دمشق، 2010.
6. نزار قباني، قصائد حب وحرب، 1985.
7. أدونيس، الثابت والمتحول: بحث في الإبداع والاتباع عند العرب.
8. فراس السواح، آرام دمشق وإسرائيل: الحدث التوراتي والشرق الأدنى القديم، 1989.
9. عبد الرحمن الكواكبي، أمّ القُرى، 1902.
10. ابن قتيبة الدينوري، عيون الأخبار، تحقيق: أحمد محمد شاكر. القاهرة: دار الكتب المصرية.
11. ميشيل سورا، العلويون: التاريخ والمصير، بيروت: دار الساقي، 1989.
12. فواز طرابلسي، الحرية والمساواة في الفكر العربي المعاصر، بيروت: دار الطليعة، 2004.
13. سامي الجندي، العلمانية والمواطنة في الفكر العربي، دمشق: دار الحوار، 2010.
14. عبد الفتاح ماضي، الهوية الوطنية السورية، دمشق: دار الفكر، 2002.



#أكرم_شلغين (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- العدو الذي لا نعرفه: التأمل في الصراع الداخلي عبر Face/Off-
- سوريا ليست لفئة واحدة، بل تعددية جميلة لا تُستبدل
- ورقة خريفية في مهب الوجود
- بين ديكنز والخلود: حين يشيخ الزمن ولا نزال نحلم بالشباب
- الماضي بوابة للتأمل… والمستقبل أفق للخلق
- بين الحلم والهيمنة....نحن هنا
- -طلّقني!-
- سألتنا كولا إن كنّا سنعود... فبكى البحر قبلنا
- التعايش والاحترام
- الخير والشر: معادلة الإنسان والكون بين الفطرة والضرورة
- جلنار والفراشة
- السوري… الحلم المؤجل والحرية الغائبة
- النقاء السياسي واللغة
- الاغتراب الجيلي وابتعاد الشباب عن الشأن العام في سوريا
- الروبوت الحامل: بين التحرر من العقم وفقدان قدسية التجربة الإ ...
- مأزق الساحل السوري: جذور وتداعيات
- مومياء الفارس
- اختطاف النساء
- السلطة الحقيقية: الثقة بدلا من الخوف و المساواة بدلا من التف ...
- حين تموت الأحاسيس ببطء


المزيد.....




- الكنسية القبطية تعلن ترتيبات تجنيز الأنبا أنطونيوس مرقس مطرا ...
- تثبيت سريع الآن .. تردد قناة طيور الجنة الجديد TOYOUR EL-JAN ...
- شيخ الأزهر يزور إيطاليا ويلتقي بابا الفاتيكان لبحث دعم اتفاق ...
- شيخ الأزهر يزور إيطاليا ويلتقي بابا الفاتيكان لبحث دعم اتفاق ...
- زهران ممداني يتعهد بالتمسك بهويته الإسلامية
- جينيفر لورنس تُعيد تعريف أناقة السجادة الحمراء بكنزة صوفية ب ...
- قوات الاحتلال تعتقل ثلاثة شبان من دير بلوط غرب سلفيت
- أخر تحديث لـ تردد قناة طيور الجنة الجديد TOYOUR EL-JANAH KID ...
- TOYOUR EL-JANAH KIDES TV .. تردد قناة طيور الجنة الجديد للأط ...
- الرمان فاكهة الجنة ودرع المناعة في الشتاء


المزيد.....

- الفقه الوعظى : الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- نشوء الظاهرة الإسلاموية / فارس إيغو
- كتاب تقويم نقدي للفكر الجمهوري في السودان / تاج السر عثمان
- القرآن عمل جماعي مِن كلام العرب ... وجذوره في تراث الشرق الق ... / مُؤْمِن عقلاني حر مستقل
- علي قتل فاطمة الزهراء , جريمة في يترب / حسين العراقي
- المثقف العربي بين النظام و بنية النظام / أحمد التاوتي
- السلطة والاستغلال السياسى للدين / سعيد العليمى
- نشأة الديانات الابراهيمية -قراءة عقلانية / د. لبيب سلطان
- شهداء الحرف والكلمة في الإسلام / المستنير الحازمي
- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - أكرم شلغين - الدين لله والوطن للجميع: رؤية في السياق السوري*