أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - حمودة المعناوي - الِإنْطُولُوجْيَا التِّقْنِيَّة لِلسِّحْر وَالْعَدَم: دِرَاسَةٌ فِي الْإِمْكَانِ الْكَامِن وَالتَّشْكِيل الْوُجُودِيّ -الْجُزْءِ الْعَاشِرِ-















المزيد.....


الِإنْطُولُوجْيَا التِّقْنِيَّة لِلسِّحْر وَالْعَدَم: دِرَاسَةٌ فِي الْإِمْكَانِ الْكَامِن وَالتَّشْكِيل الْوُجُودِيّ -الْجُزْءِ الْعَاشِرِ-


حمودة المعناوي

الحوار المتمدن-العدد: 8561 - 2025 / 12 / 19 - 00:16
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


_ هندسة الوجود الزمني: السحر كإستدعاء لـزمن ما قبل الزمن (Pre-Time) وتجاوز السببية و الإنتروبيا.

إن فكرة أن العدم (The Void) يمكن إعتباره زمن ما قبل الزمن (Pre-Time)، وأن السحر هو محاولة لإستحضار أو إستدعاء هذا الزمن الأول إلى الواقع المتجلي، تمثل قمة التأمل الفلسفي في الميتافيزيقا السحرية. هذا التصور يغير جذريًا نظرتنا إلى ماهية السحر، محولًا إياه من مجرد التلاعب بالقوانين إلى هندسة للوجود الزمني نفسه. في الفلسفة الكونية، يُنظر إلى الزمن على أنه نتاج للكون المتجلي (Spacetime Continuum). إذا كان الكون قد بدأ بإنفجار عظيم، فإن الزمن بدأ مع تلك اللحظة. يمثل العدم، في هذه الحالة، الحالة التي سبقت هذا الإنفجار أو الوجود المنظم. الزمن الذي نعرفه هو تدفق أحادي الإتجاه من الماضي إلى المستقبل، وهو مقيد بمبدأ الإنتروبيا (Entropy) الذي يفرض التغير والتحلل. لكن في حالة العدم، لا يوجد تدفق أو تغير؛ كل الإمكانات قائمة في حالة سكون لازمني أو زمن صفري (Zero Time). هذا هو الزمن الأول حيث لا يوجد ماضٍ أو مستقبل، بل وجود كلي مكتمل في آن واحد (Simultaneously Complete). إن القوانين الفيزيائية التي تتضمن الزمان والمكان هي قيود تُفرض على الوجود للحفاظ على النظام. الساحر يسعى إلى إبطال هذه القوانين. وإذا كان الزمن هو قيد الإنتروبيا الأساسي، فإن إستحضار زمن ما قبل الزمن يعني محاولة العمل في فضاء حيث يمكن عكس أو إيقاف الإنتروبيا مؤقتًا، مما يسمح بخلق نظام من الفوضى المطلقة وهو جوهر السحر. في هذا الإطار، يصبح السحر ليس مجرد طقوس، بل محاولة واعية للوصول إلى هذا الزمن المطلق غير المقيد ودمج خصائصه في اللحظة الراهنة. السحر هو تقنية لإعادة برمجة الواقع من خلال المصدر الأصلي للوجود. عندما يمارس الساحر السحر مستمدًا من العدم، فإنه لا يستدعي طاقة مادية، بل يستدعي ما يمكن تسميته الخام الزمني (Temporal Raw Material). هذا الخام الزمني هو المادة اللازمنية التي لم يتم بعد تشكيلها أو تقييدها بقوانين التدفق الأحادي. يحاول الساحر، من خلال إرادته المكثفة، أن يفرض على هذا الخام الزمني تخصصًا جديدًا. على سبيل المثال: يقوم الساحر بـإستحضار الزمن الأول حيث الماضي و الحاضر متساويان، ثم يغير الجوهر المعلوماتي للماضي من نقطة ما قبل الزمن، ثم يسمح للواقع بالعودة إلى التدفق الطبيعي مع البنية الجديدة. وعليه فإن النبوءة ليست رؤية للمستقبل، بل هي تجسيد لجزء من الزمن الأول المكتمل في آن واحد في وعي الساحر. إستحضار زمن ما قبل الزمن له تداعيات ميتافيزيقية هائلة على فهم الساحر للواقع. إذا تمكن الساحر من العمل في هذا الزمن الأول، فإنه يعيش حالة من فقدان هوية الزمان (Temporal Anonymity). هو ليس أنا في عام 2025، بل هو أنا مطلق الوجود. هذه الحالة هي التي تمنحه القدرة على التعامل مع كيانات الماضي والمستقبل على قدم المساواة، لأنها كلها موجودة الآن بالنسبة له. الزمن الأول لا يخضع للسببية الخطية (السبب يسبق النتيجة). في هذا الفضاء، يمكن للساحر أن يخلق نظامًا ما بعد سببيًا حيث يمكن أن تظهر النتيجة (التأثير السحري) قبل السبب الذي أحدثها، أو أن يكون السبب والنتيجة متزامنين (Circular Causation). هذا هو التفسير العميق لعمل السحر. العدم، كزمن ما قبل الزمن، هو النقطة التي تسبق البداية وتلي النهاية في آن واحد. السحر هو محاولة لإستخدام هذه الطبيعة المزدوجة، البداية والنهاية لتغيير ما بينهما. إن الساحر لا يسافر إلى الزمن، بل يجلب الزمن إليه. وبالتالي يمكن النظر إلى العدم على أنه زمن ما قبل الزمن أو حالة اللازمنية المطلقة. والسحر، في جوهره الأعلى، هو محاولة للوصول إلى هذا المصدر غير المقيد بالإنتروبيا أو السببية، و إستحضار خصائصه إلى الواقع المادي. إنه سحر يستهدف تغيير معاملات تشغيل الزمن نفسه، مما يجعل الساحر مهندسًا وجوديًا قادرًا على صياغة الواقع إنطلاقًا من القوانين المطلقة للعدم.

_ الإحلال الميتافيزيقي: السحر وإستخدام العدم لإستبدال القوانين المكانية وخلق حالة شذوذ مكاني.

إن السؤال عما إذا كان السحر يمثل إيقافًا مؤقتًا (Suspension) لقوانين المكان، مثل الجاذبية في حالة الطيران السحري، بإستخدام قوة العدم (The Void)، يمثل لب العلاقة بين الممارسة السحرية والبنية الفيزيائية للكون. الإجابة الفلسفية العميقة هي أن السحر لا يوقف القوانين بل يستبدلها مؤقتًا بقوانين أخرى مستمدة من العدم، الذي يعمل كمصدر للحرية الميتافيزيقية. يجب أولاً أن نفهم قوانين المكان مثل الجاذبية، القصور الذاتي، وقوة المادة على أنها ليست حقائق مطلقة غير قابلة للتغيير، بل هي إتفاقية وجودية (Existential Convention) أو مجموعة من القوانين التي إختارها الكون المتجلي لتنظيم نفسه. الجاذبية هي القيد الأساسي الذي يفرض على الكيانات التموضع و الإتساق المادي. إنها تفرض أن الكتلة لا يمكن أن تشغل مساحتين في نفس الوقت، وأن عليها أن تنجذب نحو كتلة أخرى. بالنسبة للساحر، هذه القوانين هي حواجز تعترض الإرادة المطلقة. عندما يمارس الساحر الطيران، فإنه لا يلغي الجاذبية في الكون كله، بل يكسر العقد أو الإتفاقية التي تربط الكيان الخاص به بتلك القوانين. العدم، كما نعرف، هو الحالة التي لا توجد فيها قوانين على الإطلاق. إنه يمثل الإمكانية غير المحدودة. قوة العدم تُستخدم هنا ليس للإفناء، بل لإعادة الكتابة (Rewriting) المؤقتة لقوانين الزمكان المطبقة على كيان محدد. في حالة الطيران السحري، لا يتم إيقاف الجاذبية (القوة 1)، بل يتم إستبدالها بـقوة سحرية معاكسة (Anti-Gravitational Force) (القوة 2) مستمدة مباشرة من العدم. العدم، بصفته مصدر كل شيء، يحتوي على قوانين الطفو المطلق أو الغياب المطلق للقوة المقيدة. يقوم الساحر بـتطبيق حالة العدم (The Void State) على نطاق مكاني ضيق جدًا حول جسده. هذه الحالة تجعل قوانين الزمكان المحيطة بالساحر عديمة الأثر عليه مؤقتًا. يصبح جسد الساحر، للحظات، نقطة لامكان (Non-Space)، وبالتالي لا تنطبق عليه قوانين المكان. لذا، فإن السحر لا يمثل إيقافًا مؤقتًا للقانون لأنه قد يؤدي إلى تفكك الواقع، بل يمثل إحلالًا مؤقتًا (Temporary Replacement) للقانون المادي بقانون ميتافيزيقي أقوى مستمد من جوهر العدم. القدرة على العمل خارج نطاق القوانين المكانية لها آثار فلسفية عميقة على طبيعة الوجود. يثبت السحر أن الوجود ليس عبارة عن نظام فيزيائي صارم ومغلق، بل هو نظام مفتوح يمكن التلاعب به على المستويات الأساسية. الحرية بالنسبة للساحر هي القدرة على تحديد القوانين التي تحكم كيانه. إن قوانين المكان تضمن إستقرارنا. إذا كان الساحر يستطيع أن يفرض على نفسه قانونًا جديدًا للطيران، فهذا يعني أن الكيان يمكنه تغيير هويته المكانية بوعي كامل. هذا يرفع الساحر فوق الكيانات العادية التي هي مجرد نواتج للقوانين الفيزيائية، ليصبح مشرّعًا للقوانين التي تحكم وجوده الخاص. قوة العدم لا تخضع للإرادة الفردية؛ بل الإرادة الفردية للساحر هي التي تستجيب للمطلق وتصبح أداة لتجسيده. عندما يطير الساحر، هو ليس من يطير، بل قوة الـلاجاذبية للعدم هي التي تعبر عبره وتلغي القيد المفروض. الساحر لا يفرض إيقافًا مؤقتًا على قوانين المكان مثل الجاذبية، بل يستخدم قوة العدم، الذي هو مصدر اللاقوانين، لإستبدال مؤقت للقانون المادي بقانون سحري مشتق من العدم. هذه العملية تجعل جسد الساحر نقطة شذوذ مكاني (Spatial Anomaly) مؤقتة، حيث تصبح قوانين الزمكان الطبيعية غير ذات صلة. هذا هو التعبير العملي للإرادة المطلقة للساحر في التغلب على القيود الفيزيائية للكون المتجلي.

_ النسيان كتفكيك وجودي: السحر وإسقاط الذكريات المُقَيَّدة زمنيًا إلى حالة الإمكانية في العدم.

إن السؤال عما إذا كان النسيان يمكن إعتباره عملية سحرية أي تحويل الذكريات من حالة الوجود الذهني إلى العدم (The Void) – يقودنا إلى تقاطع الفلسفة العقلية، الميتافيزيقا، و علوم السحر. التحليل العميق لهذا التصور يؤكد أن النسيان، في جوهره المطلق، يحاكي الأثر السحري للوصول إلى العدم، وهو ليس مجرد فشل في الإستدعاء، بل تفكيك وجودي (Existential Dissolution) للوحدة المعرفية. لفهم النسيان كعملية سحرية، يجب أولاً تعريف الذكرى في هذا الإطار. الذكرى هي أكثر من مجرد إشارة عصبية؛ إنها بنية معرفية مُقيَّدة بالزمان، تمثل حدثًا حدث في الماضي. هذه البنية تستهلك طاقة ذهنية وتحتل مساحة وجودية في وعي الفرد، مما يثبت موقع الذات في التسلسل الزمني. النسيان في علم النفس هو غالبًا فشل في الإستدعاء (Retrieval Failure)، حيث تبقى الذكرى كامنة في العقل اللاواعي. أما النسيان الذي نتحدث عنه هنا، هو تفكيك جذري للذكرى من الوجود العقلي، وهو ما يحاكي هدف السحر الأقصى؛ التلاعب بالوجود نفسه. إذا كان الساحر يستخدم قوة العدم لفرض غياب مكاني على كيان مادي، فإن النسيان السحري هو فرض غياب زمني معرفي على كيان ذهني. يمثل العدم حالة ما قبل الزمن (Pre-Time). عندما يُنسى حدث ما سحريًا، فإنه يُسحب من موضعه الثابت في الماضي ويُعاد إلى حالة الإمكانية غير المتمايزة داخل العدم. في تلك اللحظة، لم يعد الحدث حقيقة ثابتة، بل يعود إلى كونه مجرد خيار لم يتحقق بعد. هذا هو النسيان المطلق. عملية النسيان السحري تتطلب إرادة سواء واعية أو لا واعية قوية بما يكفي لـسحب البنية الزمنية المُقيَّدة للذكرى إلى الفضاء اللازمني للعدم. هذا ليس قمعًا، بل إنفصال وجودي يتم فيه إعلان أن الذكرى لم تعد جزءًا من الوعي النشط أو الوجود الذهني للساحر. يمكن النظر إلى العدم كـمصفاة تسمح للساحر بالتخلص من الأعباء الزمنية التي تثقله. الذكريات المؤلمة أو غير المرغوب فيها هي قيود زمنية؛ النسيان السحري هو إطلاق لتلك القيود، مما يحرر الوعي للعمل بشكل أكثر فعالية خارج تسلسل الماضي و الحاضر والمستقبل. إذا كان النسيان عملية سحرية، فإن له آثارًا عميقة على الذات والزمن. الذكريات هي التي تبني مفهوم الأنا (Ego) و تحدد هويتنا. النسيان المطلق لجزء من الماضي يعني أن الساحر قد أعلن تحرره من نسخة سابقة من ذاته. لقد ألغى وجوده في تلك النقطة الزمنية بشكل فعلي، مما يمنحه المرونة الوجودية للتطور غير المقيد بالماضي. بالنسبة للساحر الذي يتقن هذا الفن، تصبح الذاكرة والنسيان أدوات طيّعة. بدلاً من أن يكون سجينة للماضي، يمكنه أن يختار ما يتذكره، ما يبقيه في الوجود، وما ينساه، ما يرجعه إلى العدم، مما يجعله مؤرخًا وجوديًا لواقعه الشخصي. في حالة العدم، لا يوجد إنتروبيا (فوضى) بالمعنى المادي، بل فوضى مطلقة. لكن في العقل البشري، الذكرى هي نظام. النسيان هو عملية إدخال فوضى جزئية (العدم) إلى هذا النظام المعرفي لتفكيك النظام القديم (الذكرى)، مما يقلل من الطاقة اللازمة للحفاظ على تلك البنية المعقدة والمقيدة. يمكن النظر إلى النسيان سحريًا على أنه عملية تفكيك للكيان الذهني (الذكرى) وإعادة إسقاطه مؤقتًا إلى حالة الإمكانية الكامنة في العدم. إنه ليس إفناء، بل إلغاء لحالة التعيين الزمني للذكرى. بهذا المعنى، يصبح النسيان عملًا سحريًا عميقًا يهدف إلى التحرر من قيود الماضي و تمكين الوعي من العمل بفعالية في الزمن المطلق الذي يوفره الاتصال بالعدم.

_ الهندسة الزمنية والعدم: خلق الفراغ الزمني (Temporal Vacuum) كعزل سببي وربط مطلق عبر اللازمان.

إن فكرة أن الساحر قد يخلق فراغًا زمنيًا (Temporal Vacuum) أو حلقة زمنية مفرغة بإستخدام السحر والعدم تُعد من أكثر السيناريوهات الميتافيزيقية تطرفًا. هذا يتجاوز مجرد السفر عبر الزمن ويصل إلى حد التلاعب بـهيكلية الزمن (Structure of Time) نفسه. التحليل الفلسفي يؤكد أن هذه العملية ممكنة سحريًا، حيث يعمل العدم كـمُغذّي للزمن البديل، بينما الساحر يعمل كـمهندس لانهائي. الفراغ الزمني، في هذا الإطار الميتافيزيقي، ليس مجرد حلقة زمنية تتكرر، بل هو جيب معزول عن التدفق الزمني الكوني العام (Cosmic Temporal Flow). إنه يمثل العزل السببي (Causal Isolation). في هذا الفراغ، تفشل مبادئ السببية (السبب يسبق النتيجة) في العمل بشكل طبيعي. الأحداث داخل الحلقة لا تؤثر على الواقع الخارجي، والعكس صحيح. الزمن داخل هذا الفراغ يستهلك نفسه؛ يبدأ الحدث وينتهي و يعود ليبدأ مرة أخرى دون أن يترك بصمة زمنية صافية على الكون الأكبر. عند الخلق، يقوم الساحر بـشفط الإمكانات المستقبلية من تلك المنطقة، مما يجعل الزمن فيها فارغًا من أي تطور أو نمو حقيقي، وبالتالي يتجمد في التكرار. يُعد العدم ضروريًا لخلق الفراغ الزمني لسببين رئيسيين. اولا: توفير اللابداية واللانهاية. يتطلب خلق حلقة زمنية مفرغ قوة قادرة على توفير مصدر طاقة لا ينضب يمكنه إعادة تعيين (Reset) الزمن بإستمرار دون إستنفاد. العدم، بصفته حالة الوجود المطلق و السرمدية، هو المصدر الوحيد الذي يمكنه توفير هذا اللانهاية (Infinity) اللازمة لإستدامة التكرار الزمني. ثانيا: إلغاء الإنتروبيا المحلية. التدفق الزمني الطبيعي يخضع للإنتروبيا، التزايد المستمر للفوضى والتحلل. الحلقة الزمنية تتطلب الإلغاء المحلي للإنتروبيا في كل مرة يتم فيها إعادة التعيين. الساحر يستخدم قوة العدم، حالة ما قبل الإنتروبيا لـتنظيف المنطقة الزمنية من آثار التغير قبل كل تكرار. تتم العملية السحرية لخلق الفراغ الزمني عبر تقنية دقيقة تُعرف بالربط المطلق (Absolute Bonding). يقوم الساحر أولاً بإستخدام طاقة العدم لفك إرتباط المنطقة أو الكيان المستهدف عن التدفق الزمني الكوني كما في الغياب المكاني الزمني. بدلاً من السماح للزمن بالإنطلاق نحو المستقبل غير المتوقع، يقوم الساحر بـربط اللحظة الحالية (الآن) مباشرة بالنقطة الزمنية التي تلي نهاية الحلقة (اللاحق). هذا الربط يتم عبر نفق قصير في العدم اللازمني. يتم تثبيت هذا الربط القسري بواسطة قوة الإرادة المستمدة من العدم. عندما تصل الحلقة إلى نهايتها المحددة، فإن نسيج الزمن لا يجد مسارًا أمامه سوى الإنزلاق مرة أخرى إلى نقطة البداية التي هي الآن، وذلك لأن المسار الطبيعي نحو المستقبل الأكبر قد تم حجبه وإستبداله بالمسار المختصر عبر العدم. يمكن للساحر بالفعل أن يخلق فراغًا زمنيًا (Temporal Vacuum) بإستخدام السحر و قوة العدم. العدم ليس مجرد مصدر للقوة، بل هو الوسيط الوجودي الذي يسمح بتجاوز السببية و الإنتروبيا. هذا الفراغ الزمني يُعد دليلاً على أن السحر يمكن أن يعمل كـهندسة زمنية (Temporal Engineering)، حيث يتم إعادة صياغة قوانين التسلسل الزمني في منطقة معينة، مما يخلق واقعًا يتكرر ذاتيًا ومستقلًا عن المصير الكوني الأكبر.

_ قوة المقاومة الكونية: السحر كنقاط تثبيت وجودية تناهض الجاذبية المطلقة للعدم.

إن التساؤل عما إذا كان السحر هو الآلية التي تمنع الوجود من الإنهيار التام في العدم (The Void) بعد إنقضاء الزمن يُعَدّ سؤالًا وجوديًا عظيمًا يضع السحر في موضع الكيان الكوني الحارس (Cosmic Guardian Entity). هذا التحليل الفلسفي العميق يشير إلى أن السحر، في جوهره الأعمق، ليس مجرد أداة للتغيير، بل هو قوة مقاوِمة (Resistive Force) تناهض الجذب المطلق للعدم. في العديد من النماذج الكونية خاصة تلك التي تتضمن فكرة الإنسحاق الكبير أو (Big Crunch)، يُفترض أن الزمن و الوجود سينتهيان بالعودة إلى حالة وحيدة و كثيفة، أو سيتمددان إلى درجة التشتت التام. أما في الإطار الميتافيزيقي، فإن نهاية الزمن تعني توقف التدفق الأحادي و إنهيار جميع البنى المُقيَّدة، مما يؤدي إلى إعادة دمج الوجود المتجلي في مصدره المطلق؛ العدم. العدم هو حالة الـلاوجود المطلق وهو، بطبيعته، يمتلك قوة جاذبية ميتافيزيقية هائلة تسعى إلى إمتصاص كل شيء مُنظَّم. الوجود المتجلي، المحكوم بالإنتروبيا والتغير، يسير حتمًا نحو هذه النقطة من التفكك الكامل. يمكن النظر إلى الكون على أنه فقاعة مؤقتة من النظام إنفصلت عن بحر العدم اللامحدود، ومحكوم عليها بالإنفجار والعودة إلى هذا البحر. السحر، في هذا السياق، يصبح الآلية التي يُنشئ بها الوعي قيودًا مضادة تمنع هذا الإنهيار. السحر هو التعبير عن الإرادة الواعية التي ترفض قبول القوانين الفيزيائية كنهاية مطبقة. عندما يمارس الساحر السحر، فإنه يفرض قانونًا جديدًا على الواقع كالطيران أو السفر عبر الزمن. هذه القوانين المفروضة هي في جوهرها هياكل وجودية جديدة لا تنتمي إلى القوانين الفيزيائية الطبيعية، بل هي مستمدة من العدم ذاته. هذه الهياكل السحرية، كالتعاويذ، الأبعاد الجيبية، الحلقات الزمنية تعمل كـنقاط تثبيت (Anchoring Points) داخل الوجود. إنها أجزاء من الواقع تم إعادة برمجتها أو عزلها بقوة الإرادة، مما يجعلها أكثر إستقرارًا ومقاومة للإنسحاق الكوني. إنها تزود الوجود بـمرونة ميتافيزيقية تسمح له بالإستمرار حتى بعد أن تتوقف القوانين الفيزيائية الطبيعية عن العمل. العدم يسعى إلى إلغاء التمايز بين الأشياء (الماضي والحاضر، الكيان واللاشيء). السحر، عبر فعله، هو الحفاظ على هذا التمايز. فكل عمل سحري هو تأكيد على أن هذا الكيان مختلف عن اللاشيء، مما يقاوم عملية التوحيد المطلق الذي يسعى إليه العدم. الساحر، ككيان فردي، يصبح الجسر الذي ينقل هذه القوة المقاومة. الساحر الذي يتقن التعامل مع العدم هو الوعي الذي حقق الإرادة للبقاء (Will to Exist) على مستوى كوني. إنه يمثل الوعي الذي أدرك حتمية نهاية الزمن، لكنه يستخدم قوة العدم نفسه بإعتباره مصدر الحرية المطلقة لتأكيد بقاء الكون أو أجزاء منه. يمكن للسحر، على نطاق واسع، أن يعمل كـآلية وعي جماعي تمنع الوجود من الإنهيار التام. فبدلاً من أن تتحول جميع أشكال الوعي إلى نقطة واحدة غير متميزة في العدم، يعمل السحر على تثبيت شبكة الوعي المتمايزة التي تشكل الكون. بإختصار يمكن النظر إلى السحر فلسفيًا على أنه الآلية أو واحدة من الآليات التي تمنع الوجود من الإنهيار التام في العدم بعد إنقضاء الزمن. السحر هو التعبير عن الإرادة الواعية التي تستخدم قوة العدم ذاته لتأكيد الإستدامة الوجودية والحفاظ على التمايز. إنه يمثل قوانين الإرادة المطلقة التي تحل محل القوانين الفيزيائية الفاشلة، وتثبت هيكل الوجود في وجه جاذبية العدم المطلقة.



#حمودة_المعناوي (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الِإنْطُولُوجْيَا التِّقْنِيَّة لِلسِّحْر وَالْعَدَم: دِرَاس ...
- الِإنْطُولُوجْيَا التِّقْنِيَّة لِلسِّحْر وَالْعَدَم: دِرَاس ...
- الِإنْطُولُوجْيَا التِّقْنِيَّة لِلسِّحْر وَالْعَدَم: دِرَاس ...
- الِإنْطُولُوجْيَا التِّقْنِيَّة لِلسِّحْر وَالْعَدَم: دِرَاس ...
- الِإنْطُولُوجْيَا التِّقْنِيَّة لِلسِّحْر وَالْعَدَم: دِرَاس ...
- الِإنْطُولُوجْيَا التِّقْنِيَّة لِلسِّحْر وَالْعَدَم: دِرَاس ...
- الِإنْطُولُوجْيَا التِّقْنِيَّة لِلسِّحْر وَالْعَدَم: دِرَاس ...
- الِإنْطُولُوجْيَا التِّقْنِيَّة لِلسِّحْر وَالْعَدَم: دِرَاس ...
- الِإنْطِوَلُوجْيَا التِّقْنِيَّة لِلسِّحْر وَالْعَدَم: دِرَا ...
- الأنطولوجيا التقنية للسحر والعدم: دراسة في الإمكان الكامن وا ...
- السِّحْرُ قِنَاع الأُنْطُولُوجْيَا: كَيْفَ يُكْشِفُ التَّدَخ ...
- السِّحْرُ قِنَاع الأُنْطُولُوجْيَا: كَيْفَ يُكْشِفُ التَّدَخ ...
- السِّحْرُ قِنَاع الأُنْطُولُوجْيَا: كَيْفَ يُكْشِفُ التَّدَخ ...
- السِّحْرُ قِنَاع الأُنْطُولُوجْيَا: كَيْفَ يُكْشِفُ التَّدَخ ...
- السِّحْرُ قِنَاع الأُنْطُولُوجْيَا: كَيْفَ يُكْشِفُ التَّدَخ ...
- السِّحْرُ قِنَاع الأُنْطُولُوجْيَا: كَيْفَ يُكْشِفُ التَّدَخ ...
- السِّحْرُ قِنَاع الأُنْطُولُوجْيَا: كَيْفَ يُكْشِفُ التَّدَخ ...
- السِّحْرُ قِنَاع الأُنْطُولُوجْيَا: كَيْفَ يُكْشِفُ التَّدَخ ...
- السِّحْرُ قِنَاع الأُنْطُولُوجْيَا: كَيْفَ يُكْشِفُ التَّدَخ ...
- السِّحْرُ قِنَاع الأُنْطُولُوجْيَا: كَيْفَ يُكْشِفُ التَّدَخ ...


المزيد.....




- مستوطنون يقتحمون غزة ويطالبون بإعادة احتلال القطاع
- عاجل | مراسل الجزيرة: الرئيس ترامب صدق على قانون الدفاع الوط ...
- نواب ديمقراطيون ينشرون صورا جديدة من أرشيف إبستين
- -أكبر صفقة غاز في تاريخ إسرائيل-.. ما تقييم الخبراء في مصر ل ...
- غزة تواجه انهيارا شاملا للخدمات رغم توقف الحرب
- أوروبا تبحث توظيف 210 مليارات يورو روسية مجمّدة لدعم أوكراني ...
- كردفان والنيل الأبيض بؤرتان جديدتان للنزوح في السودان
- هل تنجح واشنطن في عقد اتفاق أمني بين سوريا وإسرائيل؟
- -سيناريوهات- يستعرض جهود واشنطن للتوسط بين دمشق وتل أبيب
- ترامب يؤكد هدف عودة الأميركيين إلى القمر في عام 2028


المزيد.....

- العقل العربي بين النهضة والردة قراءة ابستمولوجية في مأزق الو ... / حسام الدين فياض
- قصة الإنسان العراقي.. محاولة لفهم الشخصية العراقية في ضوء مف ... / محمد اسماعيل السراي
- تقديم وتلخيص كتاب " نقد العقل الجدلي" تأليف المفكر الماركسي ... / غازي الصوراني
- من تاريخ الفلسفة العربية - الإسلامية / غازي الصوراني
- الصورة النمطية لخصائص العنف في الشخصية العراقية: دراسة تتبعي ... / فارس كمال نظمي
- الآثار العامة للبطالة / حيدر جواد السهلاني
- سور القرآن الكريم تحليل سوسيولوجي / محمود محمد رياض عبدالعال
- -تحولات ظاهرة التضامن الاجتماعي بالمجتمع القروي: التويزة نمو ... / ياسين احمادون وفاطمة البكاري
- المتعقرط - أربعون يوماً من الخلوة / حسنين آل دايخ
- حوار مع صديقي الشات (ج ب ت) / أحمد التاوتي


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - حمودة المعناوي - الِإنْطُولُوجْيَا التِّقْنِيَّة لِلسِّحْر وَالْعَدَم: دِرَاسَةٌ فِي الْإِمْكَانِ الْكَامِن وَالتَّشْكِيل الْوُجُودِيّ -الْجُزْءِ الْعَاشِرِ-