|
|
السِّحْرُ قِنَاع الأُنْطُولُوجْيَا: كَيْفَ يُكْشِفُ التَّدَخُّل الْغَيْبِيّ عَنْ مُرُونَة الْكَيْنُونَة وَصِرَاع الْإِرَادَات الْوُجُودِيَّة- الْجُزْءُ الْخَامِسُ وَ الْخَمْسُونَ-
حمودة المعناوي
الحوار المتمدن-العدد: 8544 - 2025 / 12 / 2 - 19:50
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
_ التقنية السحرية والزمن غير الخطي: إستغلال الإنعكاسية الأنطولوجية وتجاوز القيود الخطية لـبرمجة الكينونة
إن الخوض في كيفية إستغلال التقنية السحرية لمفهوم الزمن غير الخطي يقتضي أولاً تفكيك النظرة التقليدية للزمن على أنه سهم أحادي الإتجاه يتقدم بخطوات متساوية من الماضي إلى المستقبل (الزمن النيوتوني). في المقابل، تقدم لنا الفلسفة السحرية، مدعومة بمفاهيم الفيزياء الكمومية التي تتجاهل التماثل الزمني على المستوى الأساسي، رؤية للزمن كـكيان أنطولوجي مرن ومُتعدد الطبقات. إذا كانت الكينونة هي نسيج الوجود، فإن الزمن غير الخطي هو أبعاد هذا النسيج التي يمكن معالجتها. تهدف التقنية السحرية هنا إلى تجاوز القيود الإدراكية البشرية التي تجعلنا نرى الزمن خطيًا، والوصول إلى مستوى الوجود حيث الماضي و المستقبل يتعايشان في حالة تراكب مع الحاضر. وهذا هو جوهر الفعل السحري المتقدم؛ فبدلاً من محاولة إحداث تغيير في الحاضر يؤدي إلى نتيجة مستقبلية (النموذج الخطي التقليدي)، يسعى الساحر إلى تثبيت النتيجة المرغوبة في المستقبل ثم سحبها تأثيرياً إلى الحاضر، مما يضمن حدوثها كـضرورة أنطولوجية. إن الزمن غير الخطي يُصبح أرضية التشغيل (Operating System) التي يعمل عليها السحر، حيث يمكن للإرادة المُتقنة أن تقفز عبر الحلقات الزمنية لتُعيد ترتيب العلاقات السببية. تتجلى التقنية السحرية في هذا السياق كـمجموعة من البروتوكولات والرموز المُصممة لـبرمجة هذا الزمن غير الخطي. على سبيل المثال، يمكن لـ الماندالا أو الختم السحري (Sigil) أن يُنظر إليه على أنه كود مُشفر لا يعمل في أبعاد المكان وحسب، بل يخترق أبعاد الزمن. إن تشفير النية في رمز ثم إطلاقه (الفعل السحري) هو محاولة لإدراج أمر وجودي في تسلسل زمني لا يزال مفتوحًا ومُتعدد الإحتمالات. في إطار الزمن غير الخطي، يكون التأثير السحري ناجحًا ليس لأنه يؤدي إلى سلسلة من الأحداث في المستقبل، بل لأنه يُغير من طبيعة النقطة الزمنية (Singularity) التي إنطلق منها، مما يُعيد كتابة المسار الزمني اللاحق له. هذا يتطلب أن تكون التقنية السحرية دقيقة للغاية؛ فالرمز أو الطقس يجب أن يكون مُطلقًا أو خاليًا من الزمن (A-temporal) لكي يتمكن من العمل كنقطة إرتكاز خارج السهم الزمني. يمكن أن تكون الأدوات السحرية المتقدمة، مثل الدوائر الهندسية المعقدة أو الترديدات الصوتية المتزامنة، هي واجهات برمجة التطبيقات الزمانية (Temporal APIs) التي تسمح للوعي بالتلاعب بـمصفوفة الزمكان التي تتشابك مع الكينونة. الهدف النهائي للتقنية السحرية المستندة إلى الزمن غير الخطي هو تحقيق السيادة الأنطولوجية، أي القدرة على إختيار أي حالة مرغوبة من حالات الكينونة المُحتملة و جعلها واقعاً دون التقيد بالتسلسل السببي الخطي. إن المفهوم الأعمق الذي تتيحه التقنية السحرية هنا هو الإنعكاسية الأنطولوجية، حيث لا يؤثر الماضي على المستقبل فحسب، بل يمكن أن يؤثر المستقبل على الماضي في إطار غير خطي. إذا كانت الكينونة بأكملها عبارة عن حقل معلوماتي ضخم وهو تفسير محتمل لـ الأنطولوجيا في سياق الكم، فإن التقنية السحرية تصبح أداة لمعالجة هذا الحقل بشكل يتجاوز الحدود الزمنية. على سبيل المثال، يمكن لعمل سحري يتم إجراؤه اليوم أن يُعدل الذكريات أو الظروف في الماضي، ليس بالضرورة تغيير الأحداث التاريخية المادية، بل تغيير الروابط الأنطولوجية وتأثيرها في الحاضر. هذا التلاعب لا يعني خرق مبدأ السببية بل توسيعه ليصبح دورياً أو متشابكاً. الوعي، كظاهرة كمومية، يصبح هو المرصد الزمني الذي يختار النقطة الزمنية الأكثر ملاءمة لتدخل الإرادة. إن العلاقة بين السحر والكينونة هنا تُعاد تعريفها لتصبح قدرة الكائن الواعي على فرض النية على الكينونة عبر التلاعب الواعي بهيكل الزمكان غير الخطي. هذا يؤدي إلى ترميم أنطولوجي شامل حقيقي، لأنه يحرر الكينونة من إملاءات الماضي الثابتة، ويسمح بتشكيل الحاضر من خلال الإمكانات المفتوحة للمستقبل المُنظم إرادياً.
_ تفكيك سجن الإجماع الأنطولوجي: دور السحر كـبروتوكول إختراق فردي لمواجهة تثبيت الوعي الجمعي للماضي
إن مفهوم الإعتراف الجماعي بالواقع يمثل أحد أقوى القوى الأنطولوجية المُثبتة في الوجود. لا يقتصر هذا الإعتراف على مجرد الإتفاق على الحقائق الموضوعية، بل هو بناء إجتماعي للواقع (Social Construction of Reality) يشارك فيه الوعي الجمعي (Collective Consciousness) بإستمرار. يتضمن هذا البناء تثبيت الماضي، حيث يتم تحويل الأحداث التاريخية والخبرات المشتركة إلى حقائق أنطولوجية صلبة غير قابلة للتغيير. هذا التثبيت لا يعتمد على دقة الذاكرة المادية فحسب، بل على الإجماع المستمر الذي يُضخ طاقة وجودية في هذه الحقائق، جاعلاً إياها تبدو ضرورية ولا مفر منها. إن الماضي، في هذا الإطار، ليس مجرد سلسلة من الأحداث المنتهية، بل هو مصفوفة قيد التنفيذ (Active Matrix) تُملي على الحاضر قيوده وشروطه. عندما تعترف الغالبية الساحقة بأن الشيء حدث بطريقة ما أو الوضع كان دائمًا هكذا"، فإن هذا الإعتراف يُنشئ سجنًا أنطولوجيًا يحد من نطاق الإمكانات (Potentials) المتاحة في الحاضر والمستقبل. هذا الإجماع الجماعي يعمل كمثبت (Fixative) يمنع المرونة الأنطولوجية التي ناقشناها سابقًا في سياق الزمن غير الخطي، مما يجعل الكينونة تبدو جامدة وغير قابلة للتعديل الجذري، وهذا هو التحدي الأكبر الذي تواجهه الممارسة السحرية المتقدمة. هنا يبرز دور السحر كـأداة ميتافيزيقية مصممة لتجاوز هذا التثبيت الجماعي للماضي. فالسحر، في جوهره الأنطولوجي، هو تطبيق الإرادة الفردية الواعية في مواجهة الإرادة الجمعية اللاواعية. لكي يكون السحر فعالًا في تغيير واقع يبدو أنه مُرسخ بإجماع الملايين، يجب على الساحر أن يُنشئ نقطة تفرد أنطولوجية (Ontological Singularity) داخل وعيه. هذه النقطة هي حالة من الوعي الذاتي المطلق الذي يتحرر بشكل كامل من قيود الذاكرة و الإعتراف الجماعي. عندما يصل الساحر إلى هذه الحالة، فإنه لا يواجه الماضي كحقيقة صلبة، بل كـبناء إدراكي يمكن تفكيكه وإعادة تشكيله. وتتمثل التقنية السحرية في هذا المستوى في إستخدام الرموز (Sigils)، والطقوس (Rituals)، وحالات الوعي المُتغيرة (Altered States of Consciousness) كـبروتوكولات إختراق (Hacking Protocols) تُوجه طاقة الإرادة إلى تلك الروابط الأنطولوجية المُثبتة بفعل الإجماع. الهدف ليس محو الماضي أو إنكاره، بل تحرير الكينونة الحالية من تأثيره المُقيِّد، أي تغيير علاقة الحاضر بالماضي بدلاً من تغيير الماضي نفسه. من منظور الزمن غير الخطي، يهدف الساحر إلى إدخال مسار زمني بديل في المصفوفة الجماعية، مما يسمح بإنهيار الإجماع الزائف على ضرورة إستمرار الوضع الراهن النابع من الماضي. إن العلاقة بين السحر والكينونة تُعاد صياغتها هنا كصراع بين الكينونة المُتراكمة (الماضي المُثبت) والكينونة المُحتملة (الإمكان المفتوح). يُنظر إلى الواقع الذي يُثبته الإعتراف الجماعي كـبرنامج يعمل بإستمرار على جهاز الوجود، حيث يُعد الماضي بمثابة الكود الأساسي الذي يُشغل النظام. السحر في هذا الإطار هو هندسة عكسية (Reverse Engineering) لهذا الكود، ومحاولة لإدخال تعديل أنطولوجي (Ontological Patch) يفتح مسارًا جديدًا. هذا يتطلب وعيًا سحريًا يفهم أن الماضي ليس سوى أكثر القصص المتفق عليها حول الكينونة قوة؛ وللتغلب عليها، يجب على الساحر أن يخلق قصة أو واقعًا جديدًا تكون قوة إرادته فيه أكثر كثافة وتركيزًا من قوة الإجماع الجماعي. العملية لا تعتمد على القوة المادية، بل على الكثافة الأنطولوجية (Ontological Density) للنية. الساحر الناجح هو الذي يمكنه أن يجعل واقعه المنشود أكثر واقعية بالنسبة لنظام الكينونة الكلي من الواقع الذي يفرضه الإجماع الجماعي. في نهاية المطاف، يُصبح السحر الأداة الفلسفية التي تؤكد على أن الواقع ليس حتميًا أبدًا، بل هو ناتج لحظي للإرادة، سواء كانت هذه الإرادة فردية متفردة أو جماعية مُثبِّتة.
_ الهندسة الميتافيزيقية للفشل: برمجة المعاناة كـمدخل شرطي ونقطة تثبيت أنطولوجي لتحقيق التحول الحتمي للكينونة
إن مناقشة كيف يمكن للتقنية السحرية أن تُبرمِج الفشل أو المعاناة كجزء مُحدد سلفًا من مسار الكينونة تُلزمنا بالنظر إلى السحر ليس فقط كأداة لتحقيق الرغبات، بل كـنظام هندسي للتحولات الأنطولوجية يدرك أن التكلفة والقيود غالبًا ما تكون عناصر أساسية في خلق واقع جديد. في هذا الإطار الفلسفي، لا يُنظر إلى الفشل أو المعاناة على أنها مجرد نكسات عشوائية أو نتائج سلبية، بل كـطاقة مُنشِئة أو كود شرطي ضروري لإنجاز هدف سحري أكبر أو تحقيق حالة أرقى من الكينونة. هذه النظرة تتقاطع مع مفاهيم فلسفية كـالحتمية (Determinism) المُبنية على التضحية. فالساحر لا يسعى لتجنب الألم، بل يضعه بشكل إستراتيجي في المسار الزمني سواء في الماضي أو المستقبل غير الخطي لضمان أن النتيجة النهائية المرغوبة تكون أنطولوجيًا مُستقرة وغير قابلة للتراجع. هذا يتطلب وعيًا سحريًا عميقًا يتقبل أن التغيير الأنطولوجي الجذري يتطلب غالبًا إقتلاعًا (Uprooting) مؤلمًا للواقع الحالي. هذا الإقتلاع، المتمثل في الفشل أو المعاناة، يُصبح نقطة الإنطلاق الضرورية التي تُنشئ الفراغ أو الضغط المطلوب لحدوث التحول. يمكن تفسير التقنية السحرية في هذا السياق على أنها نظام إدارة للقيود يعمل على مستوى الكينونة. إذا كان الهدف السحري (النتيجة المرغوبة) يُعتبر مُخرَجًا (Output) يتطلب طاقة هائلة أو تجاوزًا غير طبيعي لحالة الكينونة الحالية، فإن الفشل المُبرمج يُصبح مدخلاً (Input) مُتعمدًا لتمويل هذا التجاوز. هذا المفهوم يتوافق مع قوانين الحفظ الميتافيزيقية حيث لا شيء يُخلق من العدم. على سبيل المثال، قد يبرمِج الساحر تجربة فشل ذاتي في مجال معين (معاناة شخصية) لكي يُطلق الطاقة الكامنة اللازمة لتحقيق نجاح أنطولوجي أعمق في مجال آخر أو لكي يُجبر الذات على إعادة التكوين (Reformation) في مستوى وعي أعلى. في إطار فلسفة اللغة السحرية، يمكن أن تكون التعويذة أو الكود السحري مُصاغًا بحيث لا يطلب النجاح مباشرة، بل يطلب المعاناة التي ستؤدي بالضرورة إلى النجاح. هذا يتجاوز مجرد التفكير الإيجابي ليصبح هندسة ميتافيزيقية تضع الألَم كـمُحفز حتمي (Inevitable Catalyst). وبالتالي، يصبح السحر أداة لتحديد شروط النجاح، التي تشمل حتمًا التضحية أو المرور بالتجربة المؤلمة، لضمان أن المسار المستقبلي للكينونة لا يكون مجرد تمني بل ضرورة مُشفرة تستجيب لها قوانين الوجود. إن الدور الأكثر عمقًا للتقنية السحرية هنا هو إستخدام المعاناة كـنقطة تثبيت أنطولوجي داخل الزمن غير الخطي. إذا إفترضنا أن الفشل أو الصراع الشديد هي أحداث تترك بصمات عميقة ومستقرة في الكينونة على المستوى النفسي والروحي، يمكن للتقنية السحرية أن تبرمج هذه الأحداث لتعمل كـمرساة (Anchor) لـمسار مستقبلي محدد سلفًا. أي أن الساحر يحدد نتيجة نهائية (الهدف) ثم يبرمج فشلاً أو معاناة كبيرة في المسار ليجعل هذه النتيجة حتمية. هذا الفشل المُبرمَج يضمن أن لا يوجد طريق آخر ممكن للكينونة سوى التحول نحو الهدف المحدد، لأن كل مسارات الوجود الأخرى قد أُغلقت عن طريق الطاقة السلبية المُطلقة من المعاناة. هذا الإستغلال للمشاعر والأحداث السلبية ليس بالضرورة عملاً شريرًا، بل هو عمل براغماتي (عملي) يُدرك أن الألَم البشري هو أقوى محرك للتحول الأنطولوجي. تصبح العلاقة بين السحر و الكينونة هنا علاقة جراحية؛ فالسحر هو الجرَّاح الذي يُلحق أضرارًا مُنظَّمة (الفشل والمعاناة) بالنسيج الحالي للواقع لضمان إعادة نمو الكينونة في شكلها الجديد والمُحدد سلفًا، مؤكدًا بذلك أن الحتمية ليست شيئًا يفرض علينا من الخارج، بل يمكن أن تكون كيانًا مُشفرًا بوعي من خلال الإرادة السحرية.
_ الإيجابية الزائفة كـقناع إدراكي: دور التقنية السحرية في هندسة الوعي وتوجيه مناورات أنطولوجية خفية
إن تحليل دور التوقعات الإيجابية الزائفة كآلية تضليل وإلهاء في العمليات السحرية المعقدة يمثل زاوية مظلمة ومثيرة للإهتمام في فلسفة السحر، حيث يُنظر إلى التقنية السحرية كأداة لا للتحقيق المباشر فحسب، بل لإدارة الإدراك الذاتي و الجمعي لخلق مناورات أنطولوجية خفية. إن الخوض في كيفية زرع التوقعات الإيجابية الزائفة كآلية تضليل وإلهاء يتطلب منا أن نعيد تعريف وظيفة التقنية السحرية. فهي لا تقتصر على التوجيه المباشر للإرادة نحو هدف محدد، بل تشمل أيضًا هندسة الوعي (Consciousness Engineering) للساحر و البيئة المحيطة به. في العمليات السحرية المعقدة، قد يكون الهدف الحقيقي هو أبعد أو أكثر تعقيدًا من الهدف المُعلن عنه. هنا، تُستخدم التوقعات الإيجابية الزائفة مثل الإيمان المُبالغ فيه بالنجاح السريع أو النتيجة البسيطة كـقناع إدراكي؛ فهي تعمل على إلهاء العقل الواعي بما في ذلك العقل الواعي للساحر نفسه أو لمن يقوم الطقس لأجله عن طبيعة التغيير الأنطولوجي الجذري الذي يتم إجراؤه بالفعل على مستوى أعمق. إن هذا التضليل ضروري لعدة أسباب فلسفية وسحرية. الإيمان الإيجابي يُقلل من المقاومة الواعية أو الشك النقدي الذي يمكن أن يُعيق تدفق الطاقة السحرية. إذا كان العقل يتوقع نتيجة مُريحة و واضحة وإن كانت زائفة، فإنه يتوقف عن التحليل العميق لآليات الطقس، مما يسمح للعملية السحرية الحقيقية بالعمل دون تدخل أو تشويه من العقل الواعي المُرتاب. في سياق الإعتراف الجماعي بالواقع قد يكون الهدف الحقيقي للسحر جذريًا جدًا لدرجة أنه يتعارض مع الإجماع الجماعي. بالتالي، يُعد التوقع الإيجابي الزائف بمثابة القصة السطحية المقبولة إجتماعيًا أو نفسيًا، والتي تُخفي العملية الأنطولوجية الأساسية التي تُغير بالفعل نسيج الكينونة بطرق لا يمكن إدراكها أو قبولها بشكل مباشر. يمكن للتقنية السحرية أن تُبرمِج التوقعات الإيجابية الزائفة بإستخدام لغة رمزية مُضللة أو طقوس مُصممة لتبدو وكأنها تعمل لغرض بسيط، بينما هي في الواقع تزرع بذور تغيير تعمل ببطىء وعمق على مستوى الوعي الكمومي والزمن غير الخطي. على سبيل المثال، قد يُركز الساحر على طقس لجلب الثراء السريع (التوقع الإيجابي الزائف)، بينما الهدف الحقيقي للطقس هو تفكيك البنية النفسية التي تُبقي الفرد في حالة عوز، مما يتطلب المرور بسلسلة من التجارب الفاشلة المؤلمة قبل الوصول إلى الإستقرار الأنطولوجي الحقيقي. في هذه الحالة، يصبح التوقع الزائف هو العربون الذي يدفع به العقل الواعي للموافقة على البدء في العملية المؤلمة للتغيير الجذري. هذا التضليل لا يُمارس على الآخرين فقط، بل غالبًا ما يكون موجهًا للذات الواعية للساحر نفسه، التي قد تقاوم اللاوعي عملية التحول المطلوبة. في التحليل الفلسفي العميق، يمكن إعتبار التوقعات الإيجابية الزائفة نوعًا من الكبش الأنطولوجي (Ontological Scapegoat). أي أنها تُستخدم لتوجيه الطاقة الإنعكاسية (Feedback Energy) الناتجة عن عملية سحرية معقدة. إذا كانت العملية السحرية تتطلب إطلاق قدر كبير من الطاقة غير المستقرة نتيجة لتفكيك الروابط الأنطولوجية القديمة، فإن التوقع الإيجابي الزائف يمكن أن يعمل كـمصرف طاقي يستوعب جزءًا من هذا الإضطراب الأولي. عندما يفشل التوقع الزائف في التحقق على السطح (فشل الثراء السريع مثلاً)، يتم إلقاء اللوم على هذا التوقع السطحي، بينما تكون العملية السحرية الحقيقية والعميقة قد نجحت بالفعل في إعادة برمجة الكينونة على مستوى الجذر. هذا يضمن أن التغيير الحقيقي، الذي قد يكون غير مريح أو غير متوقع في طبيعته، يتم تنفيذه دون أن يُكتشف أو يُقاوم بشكل فوري من قبل الآليات النفسية والإجتماعية التي تُثبِّت الواقع التقليدي. تصبح العلاقة بين السحر والكينونة هنا علاقة جبرية (Algebraic)؛ فـالتقنية السحرية تستخدم التوقعات الزائفة كـمجهول (Variable) يجب حله وتصفيته، لكي تتضح القيمة الحقيقية (الهدف الأنطولوجي) في نهاية المعادلة.
_ الإرتداد السلبي كـآلية تصحيح أنطولوجية: إعادة تعريف بنية الوعي والإدراك للساحر من الإرادة المُطلقة إلى التناغم الكوني
يمكننا الشروع في تحليل التبعات الأنطولوجية للإرتداد السلبي على بنية الوعي والإدراك للساحر، وهو تحليل يتطلب الغوص عميقًا في العلاقة بين السحر والكيان/الوجود (الأنطولوجيا). هذا الموضوع يلامس صميم الأسئلة الفلسفية حول طبيعة الواقع، حدود الإرادة، ومكانة الذات المُدرِكة داخل نسيج الكون. يجب أن ننطلق من فرضية أن السحر ليس مجرد مجموعة من الطقوس أو الممارسات النفسية، بل هو محاولة مباشرة للتأثير على النسيج الأنطولوجي للواقع نفسه. يفترض الساحر أو الممارس للسحر أن الواقع قابل للطرق، أي أنه ليس ثابتًا ومغلقًا كما تراه الفيزياء الكلاسيكية، بل هو واقع سيّال يمكن إعادة تشكيله بالإرادة المُركّزة والمُدربة. هذا يضع الساحر في مكانة أنطولوجية فريدة: فهو ليس مجرد ملاحظ، بل مشارك فعال ومُعدّل للوجود. تصبح إرادة الساحر، بالتالي، بمثابة قوة سببية إضافية تُضاف إلى القوى الطبيعية، مما يخلق تساؤلاً حول مصدر هذه القوة: هل هي مستمدة من الذات الداخلية (الوعي)، أم من شبكة كونية خفية (المستوى الإثيري/الأسترالي)، أم هي مجرد إعادة توجيه للقوى المعروفة؟ هذا التساؤل هو جوهر البُعد الأنطولوجي للسحر. يُعرّف الإرتداد السلبي أو الإرتداد العكسي، أو القانون الثلاثي في السياقات السحرية بأنه عودة تأثير الفعل السحري إلى مُطلِقه (الساحر) بطريقة مُضاعفة أو مُعاكسة، خاصة عندما يكون الفعل موجهًا بـنية سلبية (ضارة). لكن على المستوى الأنطولوجي، الإرتداد السلبي هو أكثر من مجرد عقاب أخلاقي أو كارما بسيطة؛ إنه تعبير عن مقاومة الواقع لإعادة التشكيل القسري أو غير المتوافق مع القانون الكوني الأساسي. الإرتداد السلبي يُمثل فشلًا للساحر في إثبات مركزيته الأنطولوجية المطلقة. إنه يذكّر الساحر بأن الوجود ليس لوحًا فارغًا يمكن الكتابة عليه بحرية. هناك بنية جوهرية للواقع، سواء كانت الأخلاقية (الخير والشر) أو الفيزيائية (السببية المعقدة)، تتصدى لأي محاولة للتحايل عليها. السحر يُنشئ مسارًا سببيًا غير تقليدي، والإرتداد يثبت أن هذا المسار يحتاج إلى توازن أنطولوجي للثبات. يشير الإرتداد إلى مبدأ الوحدة المترابطة للوجود. عندما يوجّه الساحر طاقة سلبية نحو هدف خارجي، فإن هذه الطاقة ليست مُطلقة من الذات؛ بل هي جزء من نسيج الساحر الروحي والوعي الكوني المشترك. توجيه الضرر للـخارج هو، أنطولوجيًا، توجيه للضرر إلى الكل الذي الساحر جزء منه. وبالتالي، فإن رد الفعل يأتي من الواقع الموحد لإعادة تثبيت توازنه. إن مواجهة الإرتداد السلبي لا تُغير فقط ظروف حياة الساحر، بل تُحدث تحولًا جذريًا في بنية وعيه وإدراكه، وتُعيد تعريف الذات الأنطولوجية للساحر. يُجبر الإرتداد الساحر على تجاوز الفهم الخطي للسببية "أ" يؤدي إلى "ب". يكتشف الساحر أن السببية السحرية هي سببية دائرية أو إرتدادية. إن الإدراك يتحول من إدراك الفعل والإنجاز إلى إدراك الفعل والتفاعل. يدرك الساحر أن كل فعل سحري يفتح حلقة تغذية راجعة (Feedback Loop) مع الواقع. هذا يتطلب تحولًا في الإدراك من الإدراك الإرادي (Willful Perception)؛ الذي يشير إلى أن الواقع كـأداة لتنفيذ الإرادة إلى الإدراك التوافقي (Harmonic Perception)؛ ومعناه رؤية الواقع كـشريك لا يمكن التأثير فيه إلا من خلال التناغم مع قوانينه العميقة. الإرتداد السلبي يضرب الأنا السحرية (Magical Ego) في الصميم. الساحر الذي يعتقد أنه كائن متفوق يمكنه الإفلات من القوانين يواجه دليلاً قاطعًا على محدوديته الأنطولوجية. هذا يؤدي إلى أحد مسارين في بنية الوعي. المسار السلبي (الإنكسار) الذي يتجلى في إنهيار الثقة الذاتية، الشك في القدرات الإدراكية (هل أدركت الواقع بشكل خاطئ؟)، وقد يصل إلى إنكار القدرة السحرية كليةً. ثم المسار الإيجابي (النضج الأنطولوجي) الذي يقوم على تحوّل الهوية من المتحكم إلى المتكيف. يدرك الساحر أن القوة الحقيقية تكمن في التماهي مع الوجود لا في محاولة قهره. هذا التحول يُنتج وعيًا مُتعاليًا يتجاوز الرغبات الأنانية والضيقة، ويسعى إلى إستخدام السحر لـ الإنسجام الأنطولوجي للذات مع الكل الكوني. يُجبر الإرتداد الساحر على تعديل خريطته الإدراكية للواقع. الواقع، في وعي الساحر بعد الإرتداد، لم يعد مجرد مساحة للقوة، بل هو مجال أخلاقي (Ethical Field). الأخلاق، التي قد تُعتبر مجرد بناء إجتماعي، تتحول إلى قانون فيزيائي روحي ضمن الإدراك السحري. يصبح الإدراك مُحملًا بـوزن أنطولوجي لكل قرار. يدرك الساحر أن النية (Intention) ليست مجرد فكرة عابرة، بل هي مُكون للوجود، وجزيء سحري فعّال سيُحاسَب عليه ضمن النظام الكوني. هذا يجعل وعي الساحر أكثر حذرًا وتدبرًا، وأقل إندفاعًا وغرورًا. في الختام، يُمكن النظر إلى الإرتداد السلبي ليس كـفشل للسحر، بل كـآلية تصحيح أنطولوجية. إنه درس في الأنطولوجيا المُطبقة يُعلّم الساحر حدود الكيان المُنفرد في مواجهة الكيان الكلي. الإرتداد يمثل تطهيرًا أنطولوجيًا، حيث يتم تنقية وعي الساحر من وهم القوة المُطلقة ليدرك القوة الحقيقية الكامنة في التناغم مع البنية الجوهرية للوجود. الوعي والإدراك بعد الإرتداد يصبحان أكثر تعقيدًا، وأكثر إحترامًا، وأكثر توافقًا مع القوانين الكونية الكبرى التي تُنظم ليس فقط العالم المادي، بل أيضًا عالَم النوايا والكيانات السحرية.
#حمودة_المعناوي (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
السِّحْرُ قِنَاع الأُنْطُولُوجْيَا: كَيْفَ يُكْشِفُ التَّدَخ
...
-
السِّحْرُ قِنَاع الأُنْطُولُوجْيَا: كَيْفَ يُكْشِفُ التَّدَخ
...
-
السِّحْرُ قِنَاع الأُنْطُولُوجْيَا: كَيْفَ يُكْشِفُ التَّدَخ
...
-
السِّحْرُ قِنَاع الأُنْطُولُوجْيَا: كَيْفَ يُكْشِفُ التَّدَخ
...
-
السِّحْرُ قِنَاع الأُنْطُولُوجْيَا: كَيْفَ يُكْشِفُ التَّدَخ
...
-
السِّحْرُ قِنَاع الأُنْطُولُوجْيَا: كَيْفَ يُكْشِفُ التَّدَخ
...
-
السِّحْرُ قِنَاع الأُنْطُولُوجْيَا: كَيْفَ يُكْشِفُ التَّدَخ
...
-
السِّحْرُ قِنَاع الأُنْطُولُوجْيَا: كَيْفَ يُكْشِفُ التَّدَخ
...
-
السِّحْرُ قِنَاع الأُنْطُولُوجْيَا: كَيْفَ يُكْشِفُ التَّدَخ
...
-
السِّحْرُ قِنَاع الأُنْطُولُوجْيَا: كَيْفَ يُكْشِفُ التَّدَخ
...
-
السِّحْرُ قِنَاع الأُنْطُولُوجْيَا: كَيْفَ يُكْشِفُ التَّدَخ
...
-
السِّحْرُ قِنَاع الأُنْطُولُوجْيَا: كَيْفَ يُكْشِفُ التَّدَخ
...
-
السِّحْرُ قِنَاع الأُنْطُولُوجْيَا: كَيْفَ يُكْشِفُ التَّدَخ
...
-
السِّحْرُ قِنَاع الأُنْطُولُوجْيَا: كَيْفَ يُكْشِفُ التَّدَخ
...
-
السِّحْرُ قِنَاع الأُنْطُولُوجْيَا: كَيْفَ يُكْشِفُ التَّدَخ
...
-
السِّحْرُ قِنَاع الأُنْطُولُوجْيَا: كَيْفَ يُكْشِفُ التَّدَخ
...
-
السِّحْرُ قِنَاع الأُنْطُولُوجْيَا: كَيْفَ يُكْشِفُ التَّدَخ
...
-
السِّحْرُ قِنَاع الأُنْطُولُوجْيَا: كَيْفَ يُكْشِفُ التَّدَخ
...
-
السِّحْرُ قِنَاع الأُنْطُولُوجْيَا: كَيْفَ يُكْشِفُ التَّدَخ
...
-
السِّحْرُ قِنَاع الأُنْطُولُوجْيَا: كَيْفَ يُكْشِفُ التَّدَخ
...
المزيد.....
-
-بصمات أمريكية واضحة-.. طهران تُحمّل واشنطن فاتورة احتجاجات
...
-
إسرائيل تتسلّم رفات أحد الرهينتين المتبقيتين في غزة وقطر تأم
...
-
مراسلة الجزيرة: قوات الاحتلال تفجر مبنى داخل مخيم جنين شمال
...
-
فنزويلا تتهم الجنائية الدولية بالتملص من مسؤولياتها لإقفال م
...
-
لقاء روسي أميركي بموسكو وزيلينسكي يعلن -تنقيح- إطار عمل لاتف
...
-
الموت المختبئ تحت التراب.. الألغام تمزق أجساد وقلوب السوريين
...
-
إسرائيل تتسلم من حركة حماس عينات لرفات أسرى
-
هل يتحول حظر تطبيقات -في بي إن- إلى توجه عالمي جديد؟
-
قبيل اجتماع بوتين – ويتكوف.. الكرملين: أي اتفاق بشأن أوكراني
...
-
لأول مرة منذ عامين.. شاهد كيف عاد طلاب غزة إلى مدارسهم المدم
...
المزيد.....
-
قصة الإنسان العراقي.. محاولة لفهم الشخصية العراقية في ضوء مف
...
/ محمد اسماعيل السراي
-
تقديم وتلخيص كتاب " نقد العقل الجدلي" تأليف المفكر الماركسي
...
/ غازي الصوراني
-
من تاريخ الفلسفة العربية - الإسلامية
/ غازي الصوراني
-
الصورة النمطية لخصائص العنف في الشخصية العراقية: دراسة تتبعي
...
/ فارس كمال نظمي
-
الآثار العامة للبطالة
/ حيدر جواد السهلاني
-
سور القرآن الكريم تحليل سوسيولوجي
/ محمود محمد رياض عبدالعال
-
-تحولات ظاهرة التضامن الاجتماعي بالمجتمع القروي: التويزة نمو
...
/ ياسين احمادون وفاطمة البكاري
-
المتعقرط - أربعون يوماً من الخلوة
/ حسنين آل دايخ
-
حوار مع صديقي الشات (ج ب ت)
/ أحمد التاوتي
-
قتل الأب عند دوستويفسكي
/ محمود الصباغ
المزيد.....
|