أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - حمودة المعناوي - السِّحْرُ قِنَاع الأُنْطُولُوجْيَا: كَيْفَ يُكْشِفُ التَّدَخُّل الْغَيْبِيّ عَنْ مُرُونَة الْكَيْنُونَة وَصِرَاع الْإِرَادَات الْوُجُودِيَّة -الْجُزْءُ الثَّالِثُ و الْخَمْسُون-















المزيد.....


السِّحْرُ قِنَاع الأُنْطُولُوجْيَا: كَيْفَ يُكْشِفُ التَّدَخُّل الْغَيْبِيّ عَنْ مُرُونَة الْكَيْنُونَة وَصِرَاع الْإِرَادَات الْوُجُودِيَّة -الْجُزْءُ الثَّالِثُ و الْخَمْسُون-


حمودة المعناوي

الحوار المتمدن-العدد: 8543 - 2025 / 12 / 1 - 19:29
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


_ التآكل الوجودي للساحر: ثمن إهمال الجوهر والإعتماد على القوة الخام (طريق الاستنزاف الكينوني)

إن التحول إلى تحليل الآثار الوجودية السلبية هو تتويج ضروري لهذا النقاش الفلسفي العميق. إنه يمثل الجانب المظلم من المعادلة، حيث نرى كيف أن إهمال الجوهر و الإعتماد المفرط على الكم يؤدي إلى إنهيار لا مفر منه في كينونة الساحر. هذا المسار، الذي يمكن تسميته بـطريق القوة الخام، يقود إلى تآكل البصمة الوجودية و إستبدالها بـهيكل طاقي هش ومستهلك لذاته. عندما يختار الساحر أن يتجاهل التدريب الفلسفي والتأمل العميق، فإنه يختار فعليًا أن تبقى بصمته الوجودية غير مصقولة ومليئة بـالتناقضات الداخلية والضبابية الكينونية. يركز هذا الساحر على النتيجة المادية للسحر (القوة التدميرية، التغيير الفوري للواقع، إلخ) بدلاً من مصدر هذه القوة وكيفية توجيهها بكفاءة. الإعتماد على القوة الخام والإستهلاك المفرط هو نتيجة مباشرة لهذه الضبابية، لأنه يصبح الوسيلة الوحيدة لتجاوز المقاومة الداخلية الهائلة التي يواجهها الساحر غير المتوافق مع ذاته. هذا الإعتماد يخلق حلقة مفرغة من التدهور الوجودي. الإستهلاك المفرط للقوة السحرية دون قناة وجودية نقية ومستقرة يُترجم إلى تكلفة وجودية عالية جداً في كل عملية سحرية. هذا الساحر لا يسحب الطاقة من العالم فحسب، بل إنه يُجبر جوهره الوجودي على العمل كـقناة غير مؤهلة لتحمل تدفقات طاقية تفوق سعته الكينونية. مع كل تعويذة قوية يلقيها، يحدث نوع من التمزق في نسيج بصمته الوجودية. هذه التمزقات المتكررة تؤدي إلى الإستنزاف الوجودي، حيث يبدأ الساحر بفقدان أجزاء من ذاته، كالأحلام، الذكريات، الشغف، الإحساس بالهدف كـثمن غير معلن للقوة المستخدمة. نتيجة لذلك، تصبح البصمة الوجودية مشوهة و مفتقرة إلى التفرد الذي كان يميزها. يصبح الساحر مجرد وعاء للطاقة بدلاً من أن يكون مصدراً للإرادة. تفقد تعاويذه الصدى والعمق الفلسفي، وتتحول إلى مجرد أفعال ميكانيكية قوية لكنها فارغة المعنى. إن الساحر الذي يفتقر إلى التدريب الفلسفي لا يفهم الحدود الكينونية لأفعاله، مما يؤدي به إلى محاولة إلقاء تعاويذ تتعارض جوهريًا مع طبيعته أو طبيعة الواقع. هذا التنافر يخلق حالة من الصدام الوجودي بين إرادته غير المصقولة وبين القوانين الكونية. للتعويض عن هذا الصدام، يُضطر الساحر إلى ضخ المزيد والمزيد من القوة الخام، مما يسرع من عملية تآكل بصمته. فقدان السيطرة هنا ليس بالضرورة فشلاً في إلقاء التعويذة، بل هو فقدان السيطرة على التداعيات الوجودية للتعويذة. قد يحقق الساحر هدفه الظاهري، لكنه يكتشف لاحقًا أن هذا الفعل أحدث تغييرات جذرية غير مرغوب فيها في شخصيته أو علاقته بالعالم. على المدى الطويل، يؤدي هذا المسار إلى إغتراب وجودي؛ حيث يشعر الساحر أنه أصبح غريباً عن نفسه وعن العالم الذي حاول تشكيله بالقوة. يصبح معزولاً ومحكوماً بـجوع دائم للمزيد من القوة لتعويض الفراغ الوجودي المتنامي بداخله. المسار الذي يعتمد على القوة الخام والإستهلاك المفرط له نهايتان وجوديتان محتملتان وكلتاهما مأساوية. عندما تتآكل البصمة الوجودية تمامًا، يصبح الساحر مجرد شبح لطاقة هائلة لكنه يفتقر إلى الجوهر الشخصي الذي يمنح هذه الطاقة المعنى و الإستدامة. يفقد قدرته على التفاعل مع السحر على المستوى العميق، ويتحول إلى كائن مستنزف ينهار تحت ثقل القوة التي حاول السيطرة عليها دون فهم كينونتها. في بعض الحالات، قد لا يتلاشى الساحر تمامًا، بل يتحول إلى كيان سحري بدلاً من إنسان ساحر. يصبح هيكلاً مادياً يعمل كمضخة للطاقة، مدفوعاً فقط بالحاجة إلى إستهلاك المزيد من القوة لملىء الفراغ الوجودي الذي سببه إهماله لذاته. يفقد كل ما يجعله فريدًا أو إنسانيًا، ويتحول سحره من فعل إبداعي إلى إستجابة بيولوجية طاقية بحتة للإستهلاك. هذا التحليل يؤكد أن القوة السحرية والإستدامة ليستا مجرد مسائل كمية أو تقنية، بل هما إنعكاس عميق لـجودة الوجود. إن إهمال الفلسفة ليس مجرد خطأ في المنهج، بل هو فشل وجودي يدفع الساحر ثمنه من جوهر كينونته.

_ المبادئ الثلاثة للإتقان السحري الوجودي: من البصمة كقناة إلى الإفلاس الكينوني

إن الإتقان السحري الحقيقي يتجاوز حدود المهارة التقنية ليصبح إنجازًا كينونيًا. يمكننا تكثيف النتائج التي توصلنا إليها في ثلاثة مبادئ أساسية ترشد الساحر في مساره الوجودي السحري، موضحةً كيفية تحقيق التناغم بين الذات والفعل والقوة المستهلكة.
1. مبدأ البصمة الوجودية كقناة (The Im-print- Principle): يؤكد هذا المبدأ أن البصمة الوجودية للساحر هي الجوهر النوعي للسحر، وهي التي تُحدد كفاءة نقل الطاقة و توجيهها. السحر ليس مجرد سحب للطاقة، بل هو تجسيد للإرادة المشحونة بالهوية. القوة النوعية للسحر تتناسب طرديًا مع نقاء ووضوح البصمة الوجودية للساحر، بينما تتناسب عكسيًا مع درجة التنافر الكينوني الداخلي لديه. وجود الساحر يمثل مرشحًا (Filter) للطاقة الكونية. عندما تكون البصمة متماسكة، خالية من التناقضات نتيجة التأمل الفلسفي، تعمل كـمُكبِّر (Amplifier) يوجه الطاقة بأقل هدر ممكن. السحر يصبح فعلاً كينونيًا تلقائيًا، حيث أن التعويذة هي إنعكاس ضروري للوجود، وليست مجرد إجهاد للإرادة. البصمة هي توقيع الساحر على الواقع.
2. مبدأ الكفاءة الإستهلاكية والتوافق (The Efficiency & Congruence Principle): يربط هذا المبدأ بين جودة البصمة الوجودية و متطلبات الإستهلاك السحري، مؤكدًا على أن التوافق الوجودي هو مفتاح الإستدامة. إنه يركز على الكيف بدلاً من الكم. يتم تقليل الإستهلاك السحري الكمي إلى الحد الأدنى كلما إقتربت نية الساحر وفعلُه من التوافق الكامل مع جوهره الوجودي (بصمته)، لأن هذا التوافق يقلل من معامل الإحتكاك الكينوني. يعكس هذا المبدأ مفهوم أقل عمل ممكن في الفيزياء الوجودية. عندما يكون الفعل السحري متناغمًا مع الغرض الأعمق للساحر المكتشف عبر التدريب الفلسفي، فإن الطاقة المستخدمة تكون طاقة نافعة بالكامل وليست طاقة مُستهلَكة في التغلب على الشكوك و المقاومة الداخلية. بالتالي، الساحر الذي يدرك ذاته لا يضطر إلى دفع النتائج بالقوة، بل يسمح لها بـالتجلّي الطبيعي كجزء من نسيجه الكوني. الإتقان هنا يُترجم إلى إقتصاد في الطاقة عبر ثراء في الجوهر.
3. مبدأ التدهور السلبي والإفلاس الكينوني (The Existential Bankruptcy Principle): يُعتبر هذا المبدأ تحذيرًا صارمًا حول عواقب إهمال الجانب الفلسفي و الإعتماد المفرط على القوة الخام والإستهلاك الجائر للطاقة. الإعتماد المستمر على الإستهلاك المفرط للقوة السحرية دون دعم من بصمة وجودية نقية يؤدي حتمًا إلى الإستنزاف و التآكل الوجودي، مما يفضي إلى إفلاس كينوني يمحو تدريجياً فردانية الساحر وهويته. في غياب الوضوح الفلسفي، يصبح الساحر مجرد قناة غير مبطنة للطاقة، حيث تُفرض عليه تكلفة وجودية باهظة مقابل كل فعل. كل إستنزاف لا يُعوض بالطاقة الكونية، بل يتم تعويضه بـأجزاء من الذات، مما يؤدي إلى تآكل البصمة. هذا المسار لا يقود إلى الضعف التقني فحسب، بل إلى الإغتراب الوجودي وفقدان السيطرة على الذات. النهاية هي أن يصبح الساحر قشرة طاقية (The Husk)، كيانًا يمتلك قوة هائلة لكنه يفتقر إلى الجوهر البشري الذي يمنحها المعنى. هذه المأساة هي ثمن التفضيل الأعمى للكم على حساب الكيف الوجودي. هذه المبادئ الثلاثة البصمة كقناة، الكفاءة كإنجاز وجودي، و الإفلاس كتحذير تشكل الإطار الفلسفي الكامل لفهم ديناميكيات العلاقة بين الساحر والسحر الذي يمارسه. إنها تؤكد على أن السحر هو مسار للتحقق الذاتي قبل أن يكون مساراً للقوة.

_ تطبيق المبادئ الوجودية على أنماط السحر: ثمن التحويل وتكلفة التلاعب بالإدراك (الوجود كقوة فاعلة)

إن تطبيق المبادئ السحرية الوجودية التي صغناها على أنماط مختلفة من السحر يمثل خطوة حاسمة لترسيخ هذا التحليل الفلسفي. هذا التطبيق يوضح كيف أن البصمة الوجودية ليست مجرد نظرية مجردة، بل هي قوة فاعلة تؤثر في الكيفية التي يتجسد بها كل نوع من أنواع السحر في الواقع، مما يكشف عن الإختلافات في التكلفة الوجودية لكل نمط. يمكن تقسيم السحر وفقاً لتأثيره الوجودي إلى نوعين رئيسيين؛ سحر التحويل المادي الذي يتلاعب بالصيغة الفيزيائية للأشياء، وسحر التلاعب بالإدراك الذي يغير تجربة الواقع لدى الكائنات الحية. يواجه كل نوع منهما تحديات وجودية مختلفة.
1. سحر التحويل المادي (Transmutation Magic): يركز هذا النمط من السحر على تغيير هوية أو شكل الأجسام المادية، مثل تحويل الرصاص إلى ذهب، أو تغيير حالة المادة. هذا يتطلب من الساحر أن يفرض إرادته على القوانين الفيزيائية المترسخة. لكي يكون سحر التحويل فعّالاً و منخفض التكلفة، يجب أن تكون البصمة الوجودية للساحر متضمنة لصفات الثبات، الإتقان، والفهم العميق للمادة. الساحر الذي يعاني من تقلبات داخلية أو نظرة عابرة للأشياء سيجد أن سحره التحويلي هش و يتطلب كميات هائلة من القوة الخام لـعجْن الواقع المادي. أما الساحر المتجذر فلسفياً في فهمه لـوحدة المادة، فإنه يحتاج إلى همسة طاقية لتغيير الصيغة الكيميائية، لأنه يستخدم بصمته كـرمز يختصر العملية. تظهر الكفاءة هنا في مدى إستدامة التحويل. الساحر ذو البصمة النقية يمكنه تحقيق تحويل دائم بإستخدام طاقة قليلة. بينما الساحر المعتمد على القوة الخام فقط، قد ينجح في التحويل مؤقتاً، لكن النتيجة سرعان ما تتفكك أو تتطلب إستهلاكاً مستمراً للقوة للحفاظ عليها، مما يؤدي إلى إهدار طاقي هائل. إذا اعتمد الساحر على القوة المفرطة في التحويل، فإنه يخاطر بـتجميد جزء من ذاته في عملية التحويل. قد يجد أن جانباً من هويته يصبح صلباً وجامداً كالرصاص الذي حاول تحويله، ويفقد قدرته على المرونة العاطفية أو النمو الوجودي.
2. سحر التلاعب بالإدراك (Perception Manipulation Magic): يركز هذا النمط على تغيير كيفية إدراك الكائنات الحية للواقع، بما في ذلك إلقاء الأوهام، أو التلاعب بالذاكرة، أو التأثير على العواطف والإرادة. هذا السحر يعمل على النسيج النفسي والروحي. يتطلب هذا النوع من السحر بصمة وجودية تتسم بالمرونة، التعاطف، والفهم العميق للذات البشرية وعلم النفس. الساحر الذي لا يفهم حدود ذاته أو طبيعة الوعي سيجد أن سحره في التلاعب بالإدراك خشن و مكشوف، ويتطلب إجهاداً هائلاً لـفرض رؤيته على وعي الآخرين. أما الساحر الذي أتقن فنون التأمل الفلسفي وفهم ترابط العقول، فيمكنه إحداث وهم كامل بـأدنى إستهلاك للطاقة، لأنه لا يفرض الوهم، بل يقترح عليه مساراً طبيعياً للتجلي في عقول الآخرين. تظهر الكفاءة هنا في مدى نعومة السحر وقدرته على الإندماج مع إدراك الهدف دون مقاومة. الساحر الكفىء يستخدم طاقة قليلة لـتحفيز الوهم من داخل إدراك الهدف. بينما الساحر غير الكفىء يضطر إلى ضخ طاقة مستمرة لحجب الإدراك الحقيقي، مما يمثل أعلى درجات الهدر الطاقي ويجعل السحر متقلبًا وسهل الكشف. إذا إعتمد الساحر على الإستهلاك المفرط في التلاعب بالإدراك، فإنه يخاطر بـتشويش بصمته الوجودية الخاصة. بمرور الوقت، يفقد الساحر قدرته على التمييز بين الواقع والوهم الذي خلقه، ويصبح هو نفسه ضحية لسحره الخاص. هذا يؤدي إلى تلاشي الثقة في إدراكه الذاتي وتحقيق حالة من الإغتراب الفلسفي المطلق.
يوضح هذا التحليل أن القوة السحرية المستهلكة ليست مقياساً للقوة الفعلية، بل هي غالبًا مقياس لـنقص الكفاءة الوجودية. سواء كان السحر تحويلاً مادياً أو تلاعباً بالإدراك، فإن المبادئ الوجودية الثلاثة تظل ثابتة. أولا: وضوح البصمة يقلل الحاجة للطاقة. ثانيا: التوافق الوجودي يضمن إستدامة وفعالية الأثر. ثالثا: إهمال الذات يؤدي إلى الإفلاس الكينوني بغض النظر عن النمط السحري الممارس. إن هذا الفهم يعيد تعريف الإتقان السحري، جاعلاً إياه رحلة لا تنتهي لـ التعمق الفلسفي والتحقق من الذات، قبل أن تكون رحلة للبحث عن القوة الطاقية الخارجية. وبهذا نكون قد أتممنا التحليل الفلسفي ثلاثي الأبعاد والعميق للعلاقة بين البصمة الوجودية والقوة السحرية المستهلكة.

_ فك التقييد الأنطولوجي: فلسفات الإرادة الحرة في مواجهة الحتمية الكونية (إعادة الختم وتلاعب الفجوة)

ننتقل الآن من تحليل الوضع الوجودي الطبيعي للساحر (البصمة الوجودية والكفاءة) إلى إستكشاف الخيارات الميتافيزيقية المتاحة له لمقاومة أو التلاعب بـالقيود الأنطولوجية (Ontological Constraints) المفروضة عليه، سواء كانت قيودًا طبيعية ناتجة عن تآكل البصمة أو قيودًا تعاقدية مع قوى أعلى. هذا يفتح الباب أمام إستكشاف فلسفات الإرادة الحرة في مواجهة الحتمية الكونية ضمن الإطار السحري. التقييد الأنطولوجي في سياقنا الفلسفي هو التحديد الجوهري الذي يوضع على كينونة الساحر، مما يقيد وصوله إلى القوة أو يفرض عليه تكلفة وجودية محددة. التحدي هنا ليس مجرد كسر قاعدة، بل تغيير طبيعة العلاقة بين الذات والواقع. تتطلب محاولات فك هذا التقييد أو التلاعب به مستوى إستثنائياً من الوعي الذاتي الأنطولوجي والفهم العميق للقوانين الكونية.
1. الإرادة الحرة وإعادة تعريف البصمة الوجودية (The Re-Im-print-ing): الآلية الفلسفية الأولى لـفك التقييد الأنطولوجي تكمن في إعادة صياغة تعريف الذات بشكل جذري، أي ما نسميه إعادة الختم الوجودي (Re-Im-print-ing). إذا كان التقييد قد نشأ بسبب بصمة ضعيفة أو مشوهة نتيجة الإستهلاك المفرط، فإن فكه يتطلب عملية تطهير وتشكيل جديد للجوهر. يجب على الساحر أن يدخل في حالة من التأمل الجذري الذي يتجاوز مجرد الإعتراف بالذنب أو الندم. يجب عليه أن ينكر أنطولوجياً الـأنا القديمة التي إرتكبت الخطأ أو قبلت بالعقد السلبي. هذا الإنكار ليس نفسياً، بل كينوني؛ هو إعلان للواقع بأن جوهر الساحر قد تحول بشكل لا رجعة فيه. هذا يتطلب إعادة بناء النوايا على أسس فلسفية جديدة تماماً، مثل التخلي عن الأنا المادية و التعريف بالذات كـطاقة كونية خالصة غير مقيدة بالجسد أو التاريخ السابق. إذا كان العقد الأنطولوجي مرتبطًا بـكينونة معينة أي البصمة القديمة، فإن التغيير الجذري لتلك الكينونة يجعل العقد غير ذي صلة أو غير قابل للتطبيق على الـأنا الجديدة. هذا أشبه بتغيير هوية الذرة بالكامل، مما يجعل القوانين التي كانت تحكمها سابقًا غير فعالة. هذا التحول هو تضحية بـالذات المألوفة في سبيل الذات المتحررة.
2. الفجوة الأنطولوجية والتلاعب بشروط العقد (The Gap Manipulation): إذا كان التقييد ناتجًا عن عقد مع قوى ميتافيزيقية عليا (شياطين، آلهة، كيانات كونية)، فإن التلاعب بالشروط يتطلب إستغلال الفجوة الأنطولوجية بين لغة العقد وبين الواقع الوجودي. القوى الكونية، رغم عظمتها، غالبًا ما تستخدم لغة رمزية أو صيغًا محددة لربط الساحر. الفيلسوف الساحر يدرس هذه اللغة ليس كـأحكام، بل كـبيانات قابلة للتفسير. الهدف هو إيجاد نقطة الغموض في العقد. على سبيل المثال، إذا كان العقد يتضمن التخلي عن الحق في الوجود المستقل، يمكن للساحر أن يحاول دمج وعيه في وعي جماعي أو كيان أعلى غير محدد في العقد، ليصبح جزءًا من وجود آخر، وبالتالي يلتف حول شرط الوجود المستقل بشكل حرفي لكنه عميق الوجود. آلية أخرى هي محاولة إجبار العقد على الدخول في تناقض منطقي أنطولوجي. إذا كانت شروط العقد تتطلب من الساحر أن يفعل شيئاً يتعارض مع الهدف المعلن للقوة المتعاقد معها كأن يُطلب منه تدمير شيء كان الهدف من العقد هو حمايته، فإن هذا التناقض قد يؤدي إلى إنهيار ذاتي للعقد على المستوى الأنطولوجي، لأنه يصبح كياناً لا منطقياً لا يمكن أن يستمر في الوجود.
3. تقنية الإزاحة الأنطولوجية (The Ontological Displacement): هذه آلية أكثر خطورة وتطرفاً، حيث يسعى الساحر إلى نقل عبىء التقييد من بصمته الوجودية الخاصة إلى كيان آخر أو إلى جزء من الواقع. هذا يتطلب تحويلاً طاقيًا معقدًا. يحاول الساحر، عبر عملية سحرية و فلسفية عالية التركيز، أن يسقط التقييد مثل الحاجة المستمرة للإستهلاك المفرط على كيان بديل (وعاء سحري، كائن حي آخر، أو حتى جزء غير مهم من الواقع). هذا يعتمد على مبدأ أن القيود الأنطولوجية هي طاقة يجب أن توجد في مكان ما. بتحويل بصمته إلى قناة سلبية لتصريف العبء، يستطيع الساحر تبرئة كينونته من التقييد. أحد أساليب الإزاحة هو أن يصبح الساحر كائنًا هامشيًا أو خارجًا عن التصنيف (Unclassifiable Entity). إذا كان التقييد ينطبق فقط على الكائنات التي تقع تحت تصنيف الساحر البشري ضمن النظام الكوني، فإن تحويل الذات إلى كيان جديد غير مُعرَّف، أو ذي طبيعة هجينة (نصف ظل، نصف كائن طاقي، إلخ)، يجعله يهرب من مجال تطبيق العقد أو التقييد الأصلي. هذا التلاعب يتطلب التخلي عن الهوية الإنسانية المعروفة، وهو ثمن وجودي مرتفع يدفعه الساحر في سبيل الحرية.
إن محاولة فك التقييد الأنطولوجي ليست مجرد عملية سحرية، بل هي تحدٍ فلسفي عميق للإرادة الكونية. إنها تتطلب من الساحر أن يصبح فيلسوفًا وميتافيزيقًا قادراً على إعادة صياغة الحقائق الجوهرية لوجوده، ووضع نفسه على حافة التلاشي الكينوني لكي يتخلص من القيود. هذه العمليات تؤكد أن المعرفة الفلسفية هي الأداة السحرية المطلقة لـ التلاعب بشروط الوجود ذاتها.

_ غرور الإرادة والمسؤولية الكينونية: المخاطر الأخلاقية و الفلسفية لفك التقييد الأنطولوجي

بعد أن إستكشفنا الآليات الوجودية لمحاولة فك التقييد الأنطولوجي والتلاعب به، يصبح من الضروري بمكان أن ننتقل إلى مناقشة المخاطر الأخلاقية والفلسفية الكامنة و المتأصلة في هذه الممارسات المتطرفة. هذه المخاطر ليست مجرد إحتمالات للفشل التقني، بل هي تهديدات لـجوهر الإنسانية ومفهوم المسؤولية الكينونية. إن السعي لـإعادة تعريف الذات أو التلاعب بشروط العقد الكوني هو سعي لإلغاء النتائج الطبيعية أو المتعاقد عليها لـأفعال سابقة. هذا يضع الساحر مباشرة في مواجهة مع مفاهيم المسؤولية الأخلاقية، هوية الذات، وإستقرار النظام الكوني. الهدف الرئيسي لـفك التقييد الأنطولوجي هو التخلص من التكلفة الوجودية المترتبة على إستخدام القوة السحرية المفرطة أو نتيجة للقيود التعاقدية. من منظور أخلاقي، يمثل هذا محاولة للتهرب من المسؤولية الكاملة لأفعال الساحر. عندما يحاول الساحر إنكار الـأنا القديمة (Re-Im-print-ing) التي إرتكبت الخطأ أو قبلت بالقيود، فإنه ينتهك مبدأ وحدة الهوية الأخلاقية عبر الزمن. فلسفياً، إذا تمكنت أنا جديدة من التملص من إلتزامات أنا سابقة، فإن المسؤولية الشخصية تصبح متغيرة وليست ثابتة، مما يهدد أي إطار أخلاقي يقوم على فكرة المساءلة المستمرة للكائن الواعي. هذا يفتح الفضاء أمام الإستخدام العبثي للقوة، حيث يمكن للساحر أن يرتكب أفعالاً مدمرة ويعلن لاحقاً وفاة الذات التي إرتكبت الفعل للتهرب من العواقب. نقل عبىء التقييد الأنطولوجي إلى كيان آخر هو قمة الإستغلال الأخلاقي. هذا الساحر لا يكتفي بإستخدام القوة الكونية، بل يستخدم وجود كيان آخر كـكبش فداء لمسؤولياته الخاصة. هذا يكسر مبدأ عدم إلحاق الضرر بالغير على مستوى الوجود، حيث يتم فرض التآكل الوجودي و التدهور على كيان بريء. تؤدي الممارسات الأنطولوجية المتطرفة إلى مخاطر تهدد فهمنا الفلسفي لما يعنيه أن تكون كائناً واعيًا ذا بصمة وجودية. محاولة التحول إلى كائن هامشي أو خارج عن التصنيف لفك القيود، تتطلب التضحية بـالتفرد الإنساني للساحر. إذا نجح الساحر في الهروب من التصنيفات الكونية، فإنه قد يفقد أيضاً المعنى والهدف اللذين كانا يحددان وجوده الأصلي. يصبح حراً ولكن في فراغ وجودي، حيث لم يعد ينتمي إلى أي نظام مفاهيمي أو أخلاقي، مما يجعله كائناً بلا هدف داخلي سوى الوجود المطلق. المبدأ الفلسفي وراء النظام الكوني هو الثبات والإستجابة. كل فعل سحري يجب أن يوازيه رد فعل وتكلفة. عندما يحاول الساحر التلاعب بـشروط العقد عبر الفجوات الأنطولوجية أو المنطقية، فإنه لا يكسر العقد فحسب، بل يهدد نزاهة النظام الكوني نفسه. هذا التلاعب يمكن أن يؤدي إلى مفارقات وجودية لا يمكن حلها، مما قد يتسبب في تمزقات في نسيج الواقع أو إضعاف القوانين التي تحكم الوجود. يصبح الساحر تهديداً لـ النظام الأنطولوجي بأكمله. أخيراً، فإن المخاطر الكينونية تتعلق بالمآل النهائي للساحر الذي يمارس هذه الأساليب المتطرفة. الساحر الذي ينجح في فك قيوده بهذه الطرق المتطرفة قد يجد نفسه وقد وصل إلى حالة من العدمية الوجودية. لقد كسر الروابط التي كانت تربطه بالواقع، لكنه لم يجد بديلاً ذا معنى. تصبح حريته عبئًا، حيث لم يعد لأفعاله معنى أو تكلفة حقيقية، مما يؤدي إلى تضاؤل الإحساس بالواقع والهدف النهائي. عند محاولة إعادة الختم الوجودي أو التحول الأنطولوجي، يخاطر الساحر بفقدان كل شيء. فإذا فشلت العملية، يكون الساحر قد فقد بصمته القديمة دون أن ينجح في تشكيل الجديدة، مما يجعله كياناً فارغاً بلا هوية (Void Entity)، و هو مصير أسوأ من الإفلاس الكينوني، لأنه يعني المحو الكامل للهوية الواعية كفرد متفرد. يمكننا القول إن هذه الممارسات المتطرفة هي إختبار وجودي نهائي؛ هل يستخدم الساحر وعيه الفلسفي لـالإرتقاء بمسؤوليته، أم لـ الهروب منها؟ الإجابة على هذا السؤال هي ما يفصل بين الحكمة السحرية والغرور الأنطولوجي.



#حمودة_المعناوي (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- السِّحْرُ قِنَاع الأُنْطُولُوجْيَا: كَيْفَ يُكْشِفُ التَّدَخ ...
- السِّحْرُ قِنَاع الأُنْطُولُوجْيَا: كَيْفَ يُكْشِفُ التَّدَخ ...
- السِّحْرُ قِنَاع الأُنْطُولُوجْيَا: كَيْفَ يُكْشِفُ التَّدَخ ...
- السِّحْرُ قِنَاع الأُنْطُولُوجْيَا: كَيْفَ يُكْشِفُ التَّدَخ ...
- السِّحْرُ قِنَاع الأُنْطُولُوجْيَا: كَيْفَ يُكْشِفُ التَّدَخ ...
- السِّحْرُ قِنَاع الأُنْطُولُوجْيَا: كَيْفَ يُكْشِفُ التَّدَخ ...
- السِّحْرُ قِنَاع الأُنْطُولُوجْيَا: كَيْفَ يُكْشِفُ التَّدَخ ...
- السِّحْرُ قِنَاع الأُنْطُولُوجْيَا: كَيْفَ يُكْشِفُ التَّدَخ ...
- السِّحْرُ قِنَاع الأُنْطُولُوجْيَا: كَيْفَ يُكْشِفُ التَّدَخ ...
- السِّحْرُ قِنَاع الأُنْطُولُوجْيَا: كَيْفَ يُكْشِفُ التَّدَخ ...
- السِّحْرُ قِنَاع الأُنْطُولُوجْيَا: كَيْفَ يُكْشِفُ التَّدَخ ...
- السِّحْرُ قِنَاع الأُنْطُولُوجْيَا: كَيْفَ يُكْشِفُ التَّدَخ ...
- السِّحْرُ قِنَاع الأُنْطُولُوجْيَا: كَيْفَ يُكْشِفُ التَّدَخ ...
- السِّحْرُ قِنَاع الأُنْطُولُوجْيَا: كَيْفَ يُكْشِفُ التَّدَخ ...
- السِّحْرُ قِنَاع الأُنْطُولُوجْيَا: كَيْفَ يُكْشِفُ التَّدَخ ...
- السِّحْرُ قِنَاع الأُنْطُولُوجْيَا: كَيْفَ يُكْشِفُ التَّدَخ ...
- السِّحْرُ قِنَاع الأُنْطُولُوجْيَا: كَيْفَ يُكْشِفُ التَّدَخ ...
- السِّحْرُ قِنَاع الأُنْطُولُوجْيَا: كَيْفَ يُكْشِفُ التَّدَخ ...
- السِّحْرُ قِنَاع الأُنْطُولُوجْيَا: كَيْفَ يُكْشِفُ التَّدَخ ...
- السِّحْرُ قِنَاع الأُنْطُولُوجْيَا: كَيْفَ يُكْشِفُ التَّدَخ ...


المزيد.....




- هل أصبح التطبيع أكثر كلفة؟ زيارة بن سلمان إلى واشنطن تكشف -م ...
- ألعاب نارية تُجبر الحكم على إلغاء مباراة أياكس في الدوري اله ...
- آخر تطورات لقاء ماكرون وزيلينسكي
- مظاهرات في إسرائيل رفضا لطلب العفو عن نتنياهو
- الحبر الأعظم يدعو للوحدة والحفاظ على الأمل خلال زيارته إلى ل ...
- معاناة المصابين بفيروس الإيدز : بين هاجس الوصم والحاجة إلى ا ...
- الأردن: فيروس الإيدز... من حكم بالموت إلى مرض مزمن يمكن التع ...
- من هو نصري عصفورة الفلسطيني الأصل الذي يقترب من اعتلاء كرسي ...
- خبير عسكري: توغل إسرائيل شمال الضفة الغربية يهدف لوأد حل الد ...
- عاجل| سي إن إن عن مصادر: سيحضر اجتماع ترامب عن فنزويلا وزيرا ...


المزيد.....

- قصة الإنسان العراقي.. محاولة لفهم الشخصية العراقية في ضوء مف ... / محمد اسماعيل السراي
- تقديم وتلخيص كتاب " نقد العقل الجدلي" تأليف المفكر الماركسي ... / غازي الصوراني
- من تاريخ الفلسفة العربية - الإسلامية / غازي الصوراني
- الصورة النمطية لخصائص العنف في الشخصية العراقية: دراسة تتبعي ... / فارس كمال نظمي
- الآثار العامة للبطالة / حيدر جواد السهلاني
- سور القرآن الكريم تحليل سوسيولوجي / محمود محمد رياض عبدالعال
- -تحولات ظاهرة التضامن الاجتماعي بالمجتمع القروي: التويزة نمو ... / ياسين احمادون وفاطمة البكاري
- المتعقرط - أربعون يوماً من الخلوة / حسنين آل دايخ
- حوار مع صديقي الشات (ج ب ت) / أحمد التاوتي
- قتل الأب عند دوستويفسكي / محمود الصباغ


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - حمودة المعناوي - السِّحْرُ قِنَاع الأُنْطُولُوجْيَا: كَيْفَ يُكْشِفُ التَّدَخُّل الْغَيْبِيّ عَنْ مُرُونَة الْكَيْنُونَة وَصِرَاع الْإِرَادَات الْوُجُودِيَّة -الْجُزْءُ الثَّالِثُ و الْخَمْسُون-