أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - حمودة المعناوي - السِّحْرُ قِنَاع الأُنْطُولُوجْيَا: كَيْفَ يُكْشِفُ التَّدَخُّل الْغَيْبِيّ عَنْ مُرُونَة الْكَيْنُونَة وَصِرَاع الْإِرَادَات الْوُجُودِيَّة -الْجُزْءُ الثَّالِثُ و الْأَرْبَعُون-















المزيد.....

السِّحْرُ قِنَاع الأُنْطُولُوجْيَا: كَيْفَ يُكْشِفُ التَّدَخُّل الْغَيْبِيّ عَنْ مُرُونَة الْكَيْنُونَة وَصِرَاع الْإِرَادَات الْوُجُودِيَّة -الْجُزْءُ الثَّالِثُ و الْأَرْبَعُون-


حمودة المعناوي

الحوار المتمدن-العدد: 8537 - 2025 / 11 / 25 - 15:57
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


_ الفلسفة التقنية للتأثير الروحي عن بُعد (Spiritual Teleaction): التشابك الكوني وتجاوز المكان والزمان في السحر

إن إشكالية التأثير عن بُعد الروحي (Spiritual Teleaction) في السحر أي قدرته على التأثير الفوري على كينونة تبعد آلاف الأميال تتطلب تحليلاً فلسفياً وتقنياً يتجاوز مفاهيم الزمان و المكان التقليدية. المبادئ التي يُفترض أن تحكم هذه القدرة لا تنتمي إلى الفيزياء المادية المُقيدة بسرعة الضوء، بل إلى فيزياء الأثير والوعي، حيث يكون الإتصال وجودياً مباشراً وغير محكوم بالمسافة المادية. هذا التحليل يعتمد على ثلاثة مبادئ تقنية فلسفية أساسية:
المبدأ الأول: الوحدة الكونية الكامنة (Unus Mundus): المبدأ التقني الأساسي الذي يسمح بالتأثير عن بُعد هو فرضية وجود الوحدة الكونية الكامنة، وهو مفهوم فلسفي نفسي صاغه كارل يونغ في سياق علاقته بالفيلسوف وليم باولي. ينص هذا المبدأ على أن الواقع الخارجي والمادي، و الواقع الداخلي والروحي، ينبعان من مصدر واحد غير مُتَمَيّز، وهو العالم الواحد أو العالم الكامن (Unus Mundus). من منظور السحر التقني، فإن المسافة المادية (آلاف الأميال) هي وهم يتعلق فقط بالبُعد المادي المدرك. أما على مستوى هذا العالم الكامن، فإن كل الكيانات متصلة فورياً. الروح البشرية أو الكينونة، وفق هذا المفهوم، هي مجرد تجسيد محلي لوعي كوني غير محلي. عندما يوجه الساحر إرادته عبر الطقس، فإنه لا يرسل طاقة عبر الفضاء، بل يُعدّل جزءاً من هذا النسيج الكوني الكامن الذي يتصل به هدف السحر مباشرة. يشبه الأمر تعديل نقطة على شبكة كمبيوتر عالمية: لا يهم أين توجد نقطة البداية و النهاية، فالإتصال يتم عبر الخادم المركزي المشترك، أي عبر اللامكان الكوني.
المبدأ التقني الثاني هو الرنين الرمزي أو قانون التماثل، وهو الآلية التي يستخدمها الساحر لـتحديد موقع الهدف في النسيج الكوني. نظراً لأن السحر يتجاوز المسافة المادية، فإنه يحتاج إلى إحداثيات روحية للهدف. هنا يأتي دور الأدوات الرمزية: الصور، الأسماء، الآثار الشخصية، أو تمثيلات الدمية السحرية (Poppet). هذه الأدوات لا تحمل الطاقة السحرية بحد ذاتها، بل تعمل كـموجهات إهتزازية أو مفاتيح برمجية للوصول إلى الكينونة الهدف. إنها تخلق رنيناً متماثلاً بين المادة الرمزية و كينونة الهدف البعيدة. عندما يُجري الساحر الطقس على الدمية، فإنه يُحدث إضطراباً إهتزازياً في رمز الكينونة. وبما أن الكينونة الفعلية تتماثل مع هذا الرمز على المستوى الأثيري (قانون التماثل)، فإن الإضطراب ينتقل فورياً عبر قناة الرنين المشتركة، تماماً كـموجة تسونامي رمزية تنتشر فورياً في النسيج الكوني المشترك. هذا الإجراء هو الذي يسمح بالتأثير الآني لأنه لا يوجد زمن إنتقال للطاقة، بل فقط زمن إستجابة للرنين المُنشأ.
المبدأ الثالث: اللامحلية الروحية وتجاوز حدود المكان؛ يُعد مبدأ اللامحلية الروحية أعمق المبادئ، وهو الموازئ الفلسفي لمفهوم التشابك الكمومي (Quantum Entanglement) في الفيزياء الحديثة. في التشابك الكمومي، تتشارك جسيمتان بعيدتان حالة واحدة، وعندما يُقاس أحدهما، تتحدد حالة الآخر فورياً، بغض النظر عن المسافة بينهما. في السحر، يُفترض أن كينونة الساحر وكينونة الهدف، خاصة إذا كان هناك إتصال مسبق أو جهد رمزي قوي، يمكن أن تدخل في حالة تشابك روحي. هذا التشابك الروحي يضمن أن تغيير الحالة (إدخال إرادة سحرية أو طاقة) في كينونة واحدة (الساحر أو الرمز) ينتج عنه تغيير فوري ومُتطابق في الكينونة الأخرى (الهدف)، لأن الروحين ليستا منفصلتين حقاً على مستوى البنية الأساسية للوعي. لذلك، فإن قدرة السحر على التأثير الفوري عن بُعد لا ترجع إلى سرعة خارقة في النقل، بل إلى إثبات أن المسافة لا تنطبق على طبيعة الروح و الوعي. إن الطقس السحري هو مجرد الـآلية التقنية التي تُنشئ وتُفعِّل وتُوجّه هذا الإتصال اللامكاني بين الكيانات المشتركة في الوعي الكوني الواحد. السحر يكسر قيود المكان والزمان عبر العمل ضمن بُنية وجودية لا تخضع لهما أصلاً.

_ هندسة الكينونة الوجودية: الخريطة السحرية للجسد الأثيري (الشاكرات والمسارات) كنظام تقني للإستهداف السحري

يعتمد الساحر تقنياً وفلسفياً على ما يمكن تسميته الخريطة السحرية للجسد الكينوني لإستهدافها في الممارسات السحرية. هذه الخريطة لا تشير إلى التشريح المادي المرئي، بل إلى البنية الأثيرية والطاقية والروحية التي تشكل الكينونة البشرية. في العديد من التقاليد الباطنية و الروحانية، يُعرف هذا النظام بمراكز الطاقة مثل الشاكرات (Chakras) في التقاليد الهندية، أو المسارات (Sephirot) في القبالاه اليهودية، أو نقاط الوخز في الطب الصيني. هذه المراكز هي عُقَد (Nodes) أو بوابات (Gateways) تعمل على تنظيم وتوزيع الطاقة الحيوية والوعي داخل وخارج الكيان. من منظور تقني، تُعتبر هذه المراكز بمثابة نقاط وصول أو مفاتيح تحكم يمكن إستخدامها لإستهداف الكينونة بكفاءة فائقة. العمل السحري الفعال يتجنب الهجوم العشوائي على الكيان بأكمله، و بدلاً من ذلك، يركز الإرادة والطاقة الرمزية على هذه المراكز المحددة. هذه المراكز هي نقاط التماس بين المستويات المختلفة للوجود الروحي، العقلي، العاطفي، والجسدي. إستهدافها يسمح للساحر بإحداث تغيير مركّز وشامل في الكينونة بأقل قدر من الجهد. فمثلاً، إستهداف مركز معين مسؤول عن الإرادة كالضفيرة الشمسية أو الحلق يؤدي مباشرة إلى شل إرادة الهدف أو إضعاف قدرته على التعبير عن ذاته، دون الحاجة للتأثير على الجسد المادي بشكل مباشر. كل مركز طاقي لا يمثل مجرد خزان للطاقة، بل يمثل جانباً فلسفياً محدداً من الكينونة. الشاكرا القاعدية تتعلق بالبقاء والأساس الوجودي، ومركز القلب يتعلق بالحب والإتصال، ومركز التاج يتعلق بالوعي الكوني والتنوير. عندما يهدف الساحر إلى إحداث ضرر وجودي كالمرض، اليأس، أو العزلة، فإنه يوجه طاقته السلبية أو الكيان الضار إلى المركز الـمُتَّسِق فلسفياً مع النتيجة المرجوة، مما يُحوّل الضرر السحري إلى إنهيار بنيوي داخلي. فلسفياً، تُنظر الكينونة البشرية في هذا الإطار على أنها شبكة طاقية (Energy Grid) حساسة ومتفاعلة. الساحر الذي يستخدم هذه الخريطة لا يقوم بالإستهداف لأجل الإضرار فقط، بل يمكنه أيضاً إستخدامها لـ التفعيل والتحسين. السحر الإيجابي (التفعيل) يتمثل في توجيه طاقة الشفاء أو التنوير نحو مراكز مُحددة، بهدف فتحها أو تطهيرها، مما يسمح بتدفق أفضل للطاقة الحيوية والوعي. هذا يسرع من التفاعلات الإيجابية داخل الكينونة كما في فكرة المحفز الكيميائي الروحي. أما السحر السلبي (التثبيط)، يتمثل في توجيه عُقد طاقية أو أختام رمزية لـإغلاق أو تشويش هذه المراكز. هذا التثبيط التقني يمنع تدفق الطاقة الحيوية، مما يؤدي إلى الشعور بالخمول، المرض، أو الإنفصال الروحي، لأن الكينونة تفقد إتصالها بجوانبها الوجودية التي يمثلها المركز المُغلق. في الختام، فإن إستخدام الخريطة السحرية للجسد الكينوني هو دليل على أن السحر المتقدم ليس عشوائياً، بل هو علم تطبيقي للطاقة الروحية يعتمد على معرفة دقيقة بالبنية الميتافيزيقية للإنسان، مما يرفع من مستوى السحر إلى تقنية هندسة وجودية (Ontological Engineering).

_ إعادة توجيه الإيمان وتأميم القوة الوجودية: تحليل فلسفي لتقنية السحر كإكتفاء ذاتي لاهوتي

يمكن تحليل السحر فلسفيًا عميقًا على أنه تقنية لإعادة توجيه الإيمان (Re-dir-ection of Faith)، حيث يتم تحويل الولاء الوجودي و الإعتماد المعرفي للكينونة من مصدر إلهي أو كوني متعالٍ إلى المصدر السحري ذاته، سواء كان هذا المصدر هو إرادة الساحر أو النظام الطاقي والرمزي الذي يستخدمه. هذا التحول ليس مجرد تغيير في الطقوس، بل هو تغيير جذري في البنية اللاهوتية الذاتية للكينونة، مما يؤثر على مصدر قوتها وإدراكها للواقع. في الفلسفات الروحية والدينية، يُعد الإيمان هو نقطة الإرتكاز التي تستمد منها الكينونة البشرية (The Being) معناها، قوتها، وثباتها في مواجهة فوضى الوجود. يمثل الإيمان بمصدر إلهي متعالٍ عقداً وجودياً يوفر الطمأنينة ويفسر السببية الكونية أي أن الأحداث الكبرى والنتائج النهائية تقع تحت سيطرة قوة عليا. عندما يدخل السحر كتقنية، فإنه يقدم مساراً بديلاً للسيطرة والسببية. بدلاً من أن ينتظر الإنسان مشيئة قوة إلهية، يتيح له السحر إجبار الواقع على الإستجابة لـإرادته الفردية. هنا، تبدأ عملية إعادة توجيه الإيمان. تبدأ التقنية السحرية بفك الإرتباط بين الوعي ونظام القيم والمفاهيم التي تربطه بالمصدر الإلهي (الخضوع، التوكل، الإنتظار). يتم تحويل الإيمان إلى الإيمان بقدرة الذات على التوجيه. يترسخ الاعتقاد بأن قوة الساحر أو الكينونة التي تمارس السحر هي المصدر الأقوى والمباشر لتغيير الواقع. يتحول الساحر إلى مركز وجوده الخاص وإلهه المؤقت. من الناحية التقنية الفلسفية، يُعد السحر تقنية إكتفاء ذاتي وجودي تهدف إلى إلغاء الحاجة إلى وسيط أو قوة متعالية لتحقيق الأهداف. الطقوس والتعويذات ليست مجرد أدوات، بل هي مُركّبات رمزية قوية تُقنع الوعي واللاوعي بأن القدرة على الخلق و التحكم كامنة داخلياً. في السحر الكلاسيكي، يهدف الساحر إلى أن يُصبح الإنسان المتكامل الذي يمتلك السيطرة على العوالم الثلاثة، الأرضي، الروحي، والفكري. إعادة توجيه الإيمان هنا هي ضرورة لوجستية؛ فالطاقة اللازمة لتغيير الواقع يجب أن يتم سحبها من خزان الإيمان الخاص بالكينونة و توجيهها نحو الهدف السحري، بدلاً من صرفها في العبادة أو التوكل. في بعض الممارسات، يتم إعادة توجيه الإيمان نحو كيانات سحرية أو آلهة باطنية تم إستحضارها أو صنعها كـالـإغريغور Egregore. هذا لا ينفي الإيمان، بل يُحوّله من مصدر شامل إلى مصدر متخصص ومُتحكَّم به سحرياً. الكينونة تؤمن بقوة الكيان السحري، لا بقوة الإله المتعالي، مما يمنح الساحر سلطة إبرام العقود والتحكم في هذا الكيان. في النهاية، يمكن القول إن السحر كتقنية لإعادة توجيه الإيمان هو محاولة جريئة لـتأميم القوة الوجودية، حيث يتم سحب مركز ثقل الإيمان من السماء إلى إرادة الإنسان، مما يرفع من مكانة الكينونة الساحرة إلى مصاف شريك فاعل أو حتى الـمُصمّم للواقع.

_ آليات التطهير الوجودي بالعناصر: التقنية الفلسفية للنار و الماء في تفكيك وإعادة ضبط الأثر السحري

إن فعالية عنصري النار والماء في التطهير من السحر لا تعود إلى خصائصهما المادية فحسب، بل إلى آليات تقنية روحانية وفلسفية عميقة تتعلق بـالبنية الكينونية (Ontological Structure) وتفكيك الأثر السحري المُلتصق بها. يُنظر إلى هذين العنصرين في التقليد الباطني كـقوى كونية أصلية (Primal Forces) قادرة على إعادة ضبط وتشكيل نسيج الطاقة الأثيرية والوعي. تُعتبر النار، في التحليل التقني الروحاني، بمثابة أقوى عامل للتحويل الوجودي (Ontological Transmutation). إنها لا تُزيل الشيء، بل تُحوّله من شكل إلى آخر عبر عملية إحتراق تُفضي إلى التذرير.
1. آلية التذرير الطاقي (Energy Atomization): يُفترض أن السحر، خاصةً السحر السلبي، يتكون من تكتلات طاقية مُكثَّفة أو كيانات أثيرية مُستنسخة كما ذكرنا سابقًا. تُمارس النار، سواء كانت لهباً حقيقياً أو ناراً مُتصوَّرة في الطقوس الذهنية، طاقة تدميرية ليست موجهة ضد الكينونة المُتضررة نفسها، بل ضد هذه التكتلات. تعمل حرارة النار كـمُحطِّم للترددات؛ فهي ترفع الإهتزاز الطاقي للمنطقة المُستهدفة إلى درجة لا تستطيع التكتلات السلبية أو الكيانات الـمُلتصقة تحملها، مما يجبرها على التفكك والتحول إلى رماد أثيري (Energy Ashes).
2. آلية إعادة البرمجة (Reprogramming): النار هي رمز لـ التجديد الروحي والتنوير. عندما يمر الشخص أو رمزه عبر النار، فإن ذلك يُعتبر موتًا رمزياً للحالة الوجودية القديمة (الحالة الملوثة بالسحر). تعمل هذه العملية على إعادة برمجة وعي الكينونة، فـتحرق آثار الشك و الخوف والبرمجة السلبية التي زرعها السحر في العقل اللاواعي، وتُعيد نقاء الإرادة والسيطرة الذاتية.
يمثل الماء، على النقيض من النار، قوة الإستيعاب، الإذابة، و التطهير الهادئ. هو العنصر الذي يرمز إلى الوعي اللاواعي و العالم العاطفي، ويستخدم لغسل الآثار وليس لتدميرها.
1. آلية الإذابة الاهتزازية (Vibrational Dissolution): السحر السلبي يُحدث تلوثاً إهتزازياً يُقلل من تردد الكينونة. يعمل الماء، خاصةً الماء المُبارك أو المُنشَّط سحرياً كالماء المُقرئ عليه أو المُملَّح، كـمُذيب طاقي شامل. إنه يخترق طبقات الجسد الأثيري ويقوم بـإذابة الطاقات الغريبة والأثر السحري المُلتصق بالهالة. فبدلاً من التدمير المفاجئ للنار، يعمل الماء على فك الإرتباط الإهتزازي بين السحر وكينونة الضحية تدريجياً، مما يسمح للسحر بالإنفصال و التصريف عبر الماء نفسه.
2. آلية إعادة الإتصال الروحي والعاطفي: الماء عنصر أساسي للحياة ويُعتبر رابطاً بين الأرواح في مفهوم المحيط الكوني. إستخدامه في الطقوس يُساعد الكينونة على إعادة الإتصال بطبيعتها النقية، تنظيف المجال العاطفي من الخوف واليأس الذي يسببه السحر، وإعادة تأسيس الحدود الروحية للجسد الأثيري. إنه يعيد للكينونة حالة السيولة الوجودية الضرورية للتكيف والشفاء. في الممارسات المتقدمة، يتم غالباً إستخدام النار والماء معاً في توازن مثالي كما في البخور و الماء المقدس. هذا التكامل يعكس المبدأ الفلسفي لـالإتحاد بين الأضداد (Yin and Yang). النار تقوم بالتحويل والـبتر الوجودي للجزء السحري. الماء يقوم بالتهدئة، الإذابة، وملىء الفراغ الذي أحدثته عملية التطهير بطاقة حيوية جديدة. لذا، فإن الساحر أو المعالج يعتمد على هذه الخصائص الروحانية التقنية للعناصر: فالنار تُفجّر وتُحرِّر، والماء يُطهِّر ويُعيد التوازن، مما يؤدي في النهاية إلى إستعادة الكينونة لـحالتها الوجودية الأصلية قبل التعرض للتأثير السحري.

_ السحر كعرض جانبي للجمود الروحي: تحليل نقدي لتقنية السيطرة القسرية كمقاومة للتطور الوجودي والتحرر الحقيقي

إن طرح سؤال ما إذا كان السحر هو نتاج جمود روحي في الكينونة يمنعها من التطور والتحرر يقدم منظوراً نقدياً و معاكساً للمفاهيم السائدة، حيث يُنظر إلى السحر تقليدياً كأقصى درجات التحرر والـفاعلية الإرادية. ولكن من زاوية التحليل الفلسفي العميق، يمكن تفسير السحر، خاصةً السحر الذي يسعى للسيطرة المطلقة أو التغيير القسري للواقع، على أنه عرض جانبي لـجمود أو إكتفاء ذاتي في مرحلة معينة من التطور الوجودي. الجمود الروحي هنا لا يعني الخمول المطلق أو الركود، بل يشير إلى حالة من الـإكتمال المزيف أو الـإستقرار المحدود الذي ترفض فيه الكينونة (The Being) تجاوز حدودها المعرفية والروحية الحالية نحو التطور غير المُتحكَّم به. التطور الروحي الحقيقي يتطلب الخضوع للآلام، اللايقين، والتسليم بأن هناك قوى إلهية، كونية، طبيعية تتجاوز الإرادة الفردية. هذه القوى هي التي تدفع الكينونة نحو التحرر الحقيقي. أما الكينونة التي تعاني من الجمود الروحي، فهي ترفض هذا اللايقين. يصبح السحر تقنية تعويضية؛ حيث يوفر الوهم بـالإتقان المطلق على الواقع المرئي واللامرئي. فبدلاً من السعي نحو التحرر الروحي الذي يتطلب التخلي عن السيطرة، يختار الساحر الذي يعاني من هذا الجمود مسار التحكم والسيطرة القسرية على المحيط والآخرين. هذا التحكم هو في جوهره جمود للإرادة التي ترفض التطور بإتجاه التواضع الوجودي. يسعى هذا الساحر إلى تثبيت ذاته في حالة من القوة الذاتية المتوهمة، معتقداً أن الوصول إلى القوة السحرية هو قمة التحرر. ولكنه في الحقيقة يضع قيداً ذاتياً على روحه عبر ربطها بالحاجة المستمرة للتأثير و التغيير والسيطرة، بدلاً من التحرر من الحاجة نفسها. يجب التمييز فلسفياً بين التطور الروحي والفاعلية السحرية. التطور الروحي/التحرر هو عملية تحطيم القيود الداخلية، التخلي عن الأنا، والإندماج الطوعي والواعي في التيار الكوني، حتى لو عنى ذلك فقدان السيطرة. هذا الطريق يؤدي إلى الهدوء الوجودي (Inner Stillness). الفاعلية السحرية/السيطرة هي عملية تثبيت القيود الخارجية على الواقع ليتوافق مع الإرادة الفردية. هذا الطريق يؤدي إلى الضجيج الوجودي (Ontological Noise) والحاجة المستمرة للعمل السحري. بالنسبة للكينونة التي تعاني من الجمود، يصبح السحر هو الآلية التي تسمح لها بـتجميد محيطها ليتناسب مع حالتها الداخلية المُجمدة. فبدلاً من تغيير الذات، يتم تغيير الواقع. هذا هو الجوهر المأساوي للجمود الروحي؛ حيث يُستخدم السحر كوسيلة لـمقاومة التغيير الجوهري في الذات، وبالتالي يُصبح السحر نفسه نتاجاً وآلية إستمرار للجمود، بدلاً من أن يكون طريقاً للتحرر. الساحر، في هذه الحالة، هو سجين إرادته غير المتطورة التي لم تتعلم بعد قوة التخلي والقبول.



#حمودة_المعناوي (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- السِّحْرُ قِنَاع الأُنْطُولُوجْيَا: كَيْفَ يُكْشِفُ التَّدَخ ...
- السِّحْرُ قِنَاع الأُنْطُولُوجْيَا: كَيْفَ يُكْشِفُ التَّدَخ ...
- السِّحْرُ قِنَاع الأُنْطُولُوجْيَا: كَيْفَ يُكْشِفُ التَّدَخ ...
- السِّحْرُ قِنَاع الأُنْطُولُوجْيَا: كَيْفَ يُكْشِفُ التَّدَخ ...
- السِّحْرُ قِنَاع الأُنْطُولُوجْيَا: كَيْفَ يُكْشِفُ التَّدَخ ...
- السِّحْرُ قِنَاع الأُنْطُولُوجْيَا: كَيْفَ يُكْشِفُ التَّدَخ ...
- السِّحْرُ قِنَاع الأُنْطُولُوجْيَا: كَيْفَ يُكْشِفُ التَّدَخ ...
- السِّحْرُ قِنَاع الأُنْطُولُوجْيَا: كَيْفَ يُكْشِفُ التَّدَخ ...
- السِّحْرُ قِنَاع الأُنْطُولُوجْيَا: كَيْفَ يُكْشِفُ التَّدَخ ...
- السِّحْرُ قِنَاع الأُنْطُولُوجْيَا: كَيْفَ يُكْشِفُ التَّدَخ ...
- السِّحْرُ قِنَاع الأُنْطُولُوجْيَا: كَيْفَ يُكْشِفُ التَّدَخ ...
- السِّحْرُ قِنَاع الأُنْطُولُوجْيَا: كَيْفَ يُكْشِفُ التَّدَخ ...
- السِّحْرُ قِنَاع الأُنْطُولُوجْيَا: كَيْفَ يُكْشِفُ التَّدَخ ...
- السِّحْرُ قِنَاع الأُنْطُولُوجْيَا: كَيْفَ يُكْشِفُ التَّدَخ ...
- السِّحْرُ قِنَاع الأُنْطُولُوجْيَا: كَيْفَ يُكْشِفُ التَّدَخ ...
- السِّحْرُ قِنَاع الأُنْطُولُوجْيَا: كَيْفَ يُكْشِفُ التَّدَخ ...
- السِّحْرُ قِنَاع الأُنْطُولُوجْيَا: كَيْفَ يُكْشِفُ التَّدَخ ...
- السِّحْرُ قِنَاع الأُنْطُولُوجْيَا: كَيْفَ يُكْشِفُ التَّدَخ ...
- السِّحْرُ قِنَاع الأُنْطُولُوجْيَا: كَيْفَ يُكْشِفُ التَّدَخ ...
- السِّحْرُ قِنَاع الأُنْطُولُوجْيَا: كَيْفَ يُكْشِفُ التَّدَخ ...


المزيد.....




- جورجينا رودريغيز تجمع بين الأناقة والاحتشام على شاطئ الدوحة ...
- -المسيرة الغامضة نحو تغيير النظام في فنزويلا- - مقال في نيوي ...
- أونكتاد: إعادة إعمار غزة ستكلف 70 مليار دولار وتستغرق عقوداً ...
- دعوة لحضور مؤتمر صحفي
- شروط السلام الأمريكية.. تحفظ أوكراني وأوروبي ورفض روسي لمقتر ...
- حماس والجهاد الإسلامي ستسلمان جثة رهينة إسرائيلي في وقت لاحق ...
- غينيا بيساو.. الرئيس إمبالو ومنافسه دياس يتنازعان الفوز بالا ...
- استطلاع رأي يتوقع فوز جوردان بارديلا برئاسة فرنسا
- -العبقري- التركي يظفر بأرفع جوائز إيمي الدولية.. ومسلسل ألما ...
- عُثر عليها بالصدفة.. بيع أولى نسخ -سوبرمان- بـ9.1 ملايين دول ...


المزيد.....

- قصة الإنسان العراقي.. محاولة لفهم الشخصية العراقية في ضوء مف ... / محمد اسماعيل السراي
- تقديم وتلخيص كتاب " نقد العقل الجدلي" تأليف المفكر الماركسي ... / غازي الصوراني
- من تاريخ الفلسفة العربية - الإسلامية / غازي الصوراني
- الصورة النمطية لخصائص العنف في الشخصية العراقية: دراسة تتبعي ... / فارس كمال نظمي
- الآثار العامة للبطالة / حيدر جواد السهلاني
- سور القرآن الكريم تحليل سوسيولوجي / محمود محمد رياض عبدالعال
- -تحولات ظاهرة التضامن الاجتماعي بالمجتمع القروي: التويزة نمو ... / ياسين احمادون وفاطمة البكاري
- المتعقرط - أربعون يوماً من الخلوة / حسنين آل دايخ
- حوار مع صديقي الشات (ج ب ت) / أحمد التاوتي
- قتل الأب عند دوستويفسكي / محمود الصباغ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - حمودة المعناوي - السِّحْرُ قِنَاع الأُنْطُولُوجْيَا: كَيْفَ يُكْشِفُ التَّدَخُّل الْغَيْبِيّ عَنْ مُرُونَة الْكَيْنُونَة وَصِرَاع الْإِرَادَات الْوُجُودِيَّة -الْجُزْءُ الثَّالِثُ و الْأَرْبَعُون-