حمودة المعناوي
الحوار المتمدن-العدد: 8540 - 2025 / 11 / 28 - 16:28
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
_ السحر كـإنحراف موجه للإرادة: المواءمة الأنطولوجية و تحوير إيقاع الكينونة
إن طرح فكرة أن السحر يهدف تقنياً إلى إنحراف إرادة الكينونة عن مسارها الأصلي دون إلغائها تماماً يمثل زاوية فلسفية عميقة ومعقدة لفهم آليات التأثير السحري (Magical Influence). هذا المنظور يتجاوز المفاهيم السطحية للسحر كـإكراه أو تلاعب بسيط، ويدخل في صلب العلاقة الديناميكية بين الإرادة الفردية (Will)، و القدر (Fate)، والبنية الكونية (Cosmic Structure). إن الهدف التقني للسحر ليس هو الإلغاء المطلق للإرادة لأن الإلغاء قد يعني تدمير الكينونة بالكامل، بل هو إحداث تحول موجه (Guided Mutation) أو تصحيح للمسار (Course Correction) ضمن مجال الحرية المسموح به للكينونة المستهدفة. في التحليل الفلسفي للسحر، لا يُنظر إلى الإرادة الأصلية للكينونة على أنها مسار خطي صلب لا يقبل التغيير، بل على أنها نطاق إحتمالات (Range of Potentials) أو حقل طاقة حيوي يضم إختيارات متعددة. السحر، في هذه الحالة، لا يقوم بقطع هذا النطاق، بل يعمل كـقوة موجهة (-dir-ective Force). الهدف التقني للسحر هو تضخيم إحتمال معين ضمن هذا النطاق وتقليل إحتمالات أخرى، و بالتالي إنحراف الكينونة نحو النتيجة المرغوبة دون سلبها كلياً حريتها في الإختيار. إذا أُلغيت الإرادة تماماً، فإن الفعل الناتج سيكون ميكانيكياً وعديم القيمة الوجودية، و ستفقد الكينونة قدرتها على التفاعل، وهذا يتعارض مع مبدأ التبادل الديناميكي (Dynamic Exchange) الذي يقوم عليه الكون. يمكن رؤية هذا المفهول بوضوح في الفلسفات الباطنية التي تميز بين مستويات الإرادة:
1. الإرادة الدُنيا (Lesser Will): وهي الرغبات اليومية و الأهواء العابرة التي قد تكون هدفاً للتلاعب السحري البسيط.
2. الإرادة الحقيقية (True Will): وهي المسار الأصيل للكينونة المتوافق مع هدفها الأسمى في الكون.
إذا كان السحر يعمل على إنحراف الإرادة الدُنيا، فإنه يحولها عن مسارها الظاهر (السطحي). و لكن، الممارسة السحرية المتقدمة قد تُنظَر إليها على أنها محاولة لـمواءمة (Alignment) الإرادة الدُنيا للكائن مع الإرادة الحقيقية للممارس، أو محاولة لـكشف (Unveiling) إرادته الحقيقية الخاصة وتوجيهها نحو تحقيقها. في هذا السياق، الساحر الذي يسعى للتأثير على الآخرين لا يلغي إرادتهم الحقيقية، بل يحاول تفعيل أو تحييد الجوانب التي تخدم هدفه، مما يجعل الكينونة تنحرف مؤقتاً أو دائماً نحو مسار جديد يبدو أصلياً بالنسبة لبعض إحتمالاتها الكامنة. الفعالية التقنية هنا تقاس بمدى قدرة الساحر على إقناع الوعي (Consciousness) بضرورة التغيير أكثر من قياسها بقوة الإكراه. فلسفياً، يجب النظر إلى إنحراف الإرادة كعملية تحوير أو تعديل في الإيقاع الكوني للكينونة. كل كينونة لها إيقاعها و طاقتها المميزة (إهتزازها الأنطولوجي). السحر يعمل على:
تغيير التردد: الساحر يرسل ترددًا جديدًا (النية المشحونة) إلى المجال الطاقي للكينونة المستهدفة.
حدوث الرنين: إذا كانت النية قوية ومتطابقة (رنانة) مع جزء من إحتمالات الكينونة المستهدفة، فإن هذا الجزء يُضخّم.
إنحراف المسار: هذا التضخيم الداخلي يؤدي إلى إنحراف الكينونة عن مسارها الظاهر والتوجه نحو المسار الذي أصبح الآن الإحتمال الأقوى داخلياً.
هذا الإنحراف ليس إلغاءً للإرادة، بل هو تغيير في جاذبية الإحتمالات (Gravity of Possibilities). الكينونة ما زالت تختار، لكنها تختار من بين مجموعة من الإحتمالات التي قام الساحر بتعديل قواها الجاذبة. وبذلك، فإن السحر تقنياً يحافظ على المبدأ الأنطولوجي للحرية (Ontological Principle of Freedom)، ولكنه يعيد صياغة السياق الظاهري للإختيار (Phenomenological Context of Choice). هذا التوازن الدقيق هو ما يجعل الفعل السحري فعّالاً ومعقداً في آن واحد.
_ التركيز البؤري السحري والإستهداف الأنطولوجي: تقنيات توجيه الإرادة إلى هدف كينوني صغير
إن إشكالية التركيز البؤري السحري (Magical Focusing) على هدف كينوني صغير سواء كان شخصاً محدداً، أو جسماً مادياً صغيراً، أو حتى تغييراً دقيقاً في مسار الأحداث هي إشكالية تقنية ووجودية في آن واحد. لا يتعلق الأمر بزيادة قوة الطاقة فحسب، بل بكيفية توجيه تلك الطاقة بـدقة متناهية في عالم مليء بالفوضى والإحتمالات اللانهائية. التقنية الرئيسية لتحقيق هذا التركيز البؤري تُعرف فلسفياً و باطنياً باسم الإستهداف الإيهامي المُكثف (Intense Deliberate Visualization) أو الإستغراق الرمزي (Symbolic Absorption)، وهي عملية تتجاوز مجرد التخيل لتصبح إعادة هيكلة للواقع الداخلي للممارس. التقنية الأساسية لتحقيق التركيز البؤري على هدف كينوني صغير تتطلب من الممارس تحويل الوعي (Consciousness) إلى ما يشبه عدسة مقعرة أو مكبرة تجمع الطاقة وتوجهها. هذه التقنية تتكون من ثلاثة عناصر متكاملة:
1. تقليل المجال الإدراكي (Sensory Deprivation & Reduction):
يبدأ التركيز البؤري بتقليل التشتت إلى الحد الأقصى. يُستخدم الصمت، والظلام أو الإضاءة الخافتة جداً، و الطقوس المتكررة مثل الترانيم الرتيبة أو وضعيات الجسم الثابتة لـإسكات الإدراك الحسي اليومي. فلسفياً، هذا يهدف إلى إعادة تركيز الإرادة التي عادة ما تكون مشتتة بين الرغبات الحسية. عندما يتقلص المجال الإدراكي الخارجي، تبدأ الطاقة السحرية الكامنة في الوعي بالصعود، وتصبح قابلة للتوجيه. هذا يحرر الوعي ليصبح أداة تركيز نقية.
2. التجسيد الرمزي المُكثف (Intense Symbolic Incarnation):
هنا تأتي المرحلة التقنية الحاسمة. بدلاً من التفكير في الهدف، يجب على الممارس أن يراه، أن يشعر به، أن يصبح هو داخلياً، ولكن ليس الهدف الكبير نفسه، بل الرمز أو اللحظة البؤرية التي تمثل الهدف. إذا كان الهدف هو التأثير على شخص معين، لا يتم تخيل الشخص في حياته اليومية المعقدة، بل يتم تكثيف وجوده في رمز واحد مثل إسمه المكتوب بدماء النية، أو صورة ذهنية واحدة ومضيئة لـ النتيجة النهائية المرغوبة. يجب على الممارس أن يُشحن هذا الرمز الصغير بـعواطف سحرية (Magical Afects) قوية ومحددة مثل الحب المركز، الغضب الموجه، الإيمان المطلق. هذا الشحن يحول الطاقة السحرية العائمة إلى إشعاع مركّز.
3. التحرير الإرادي (Volitional Release)- الإطلاق البؤري:
بعد أن يتم دمج النية في الرمز الصغير وشحنه، تأتي مرحلة الإطلاق، وهي اللحظة التي يتم فيها بث التركيز البؤري خارج الوعي. التقنية هنا لا تعتمد على الإرسال، بل على التحرير و التسليم. يطلق الممارس التركيز المشحون في لحظة جنوستية (Gnostic Moment) من الفراغ الفكري أو النشوة العارمة، متيقناً من أن التركيز البؤري قد وصل إلى الهدف الكينوني الصغير. فلسفياً، هذه هي اللحظة التي يتم فيها تجاوز الذات الصغيرة للسماح لـالإرادة الحقيقية بأن تعمل كقوة كونية موجهة. إن التركيز البؤري السحري على هدف صغير ليس مجرد عمل فيزيائي لتجميع الطاقة، بل هو عمل أنطولوجي (Ontological) يثبت واقعية النية.
1. الكينونة كـالمجال: الكينونة (الساحر) هي المجال الذي تتولد فيه الطاقة.
2. الرمز كـالـبؤرة: الهدف الصغير المُرمز هو النقطة التي تتقاطع فيها نية الممارس مع الواقع.
3. التركيز البؤري كـالإتساق الوجودي: كلما كان التركيز أشد وأكثر إتساقاً وجودياً أي لا يوجد أي شك أو تردد في النية، كلما زادت فعالية البؤرة في إختراق طبقات الواقع والتأثير على الهدف الكينوني الصغير بدقة عالية.
النجاح في تحقيق التركيز البؤري لا يقاس بقوة الشعور، بل بمدى نقاء القناة (Purity of the Channel) التي ينطلق منها الفعل السحري.
_ الطقوس والأدوات كـجهاز روحي: تحليل تقني لمنظومة الرنين المعرفي وتضخيم الكينونة
يمكن تحليل الطقوس والأدوات السحرية تقنياً كـجهاز روحي (Spiritual Apparatus) متكامل يؤثر بعمق على الكينونة. هذا التحليل ينتقل من النظر إلى هذه العناصر كـمفردات رمزية منفصلة إلى إعتبارها منظومة تكنولوجية باطنية (Esoteric Technological System) مصممة لإحداث تحولات نوعية و موجهة في الوعي والواقع. هذا الجهاز يعمل على أساس مبدأ الرنين المعرفي (Cognitive Resonance)، حيث يتم ضبط حالة الممارس (الكينونة) على تردد يتوافق مع الهدف السحري، وتكون الأدوات و الطقوس هي الوسائل التقنية لتحقيق هذا الضبط. يمكن تفكيك هذا الجهاز الروحي إلى ثلاثة مكونات تقنية رئيسية تعمل معاً بتناغم لتحقيق التأثير على الكينونة:
1. الطقس: تقنية إعادة برمجة السياق (Context Reprogramming):
الطقس (الترتيب الزمني والمكاني للأفعال) هو الإطار البرمجي للجهاز. وظيفته ليست فقط أداء الأفعال، بل عزل الفضاء والزمن عن الواقع اليومي العادي. تقنياً يعمل الطقس كـبيئة تشغيل خاصة (Dedicated Operating Environment)، حيث يتم تعليق القواعد المنطقية السائدة مؤقتاً. هذا الفصل الزماني و المكاني يسمح لـالإرادة السحرية بالتعبير عن نفسها دون مقاومة من الإدراك اليومي. من خلال التكرار (Repetition) والترتيب الصارم (Strict Order)، يتم دفع وعي الممارس إلى حالة تنويم إيقاعي ذاتي (Rhythmic Self-Hypnosis). هذا يقلل من نشاط المرشح النقدي (Critical Filter) في العقل، مما يجعل الكينونة أكثر تقبلاً للتغيير المقترح سحرياً.
2. الأدوات والرموز: تقنية مكثفات الطاقة و المعنى (Energy and Meaning Capacitors):
الأدوات مثل العصا، السيف، التمائم والرموز مثل الحروف، الألوان، الأشكال هي مكونات التخزين والتوجيه في الجهاز. إنها ليست مجرد أشياء؛ إنها أوعية مشحونة (Charged Vessels). تقنياً تعمل الأدوات كـمكثفات نفسية (Psychic Capacitors). عبر سنوات من الإستخدام أو من خلال طقوس التكريس، تتراكم فيها الطاقة النية (Intentional Energy)، مما يحولها إلى نقاط بؤرية لتركيز الإرادة. الرمز يعمل كـوحدة معالجة (Processing Unit)، حيث يختزل مفاهيم كونية معقدة مثل العدالة، القوة، الحياة في شكل يمكن للوعي الباطن أن يستوعبه فوراً ويستجيب له. إستخدام الأداة يوفر للكينونة نقطة إرتكاز (Fulcrum Point) مادية لتفريغ الإرادة. عندما يمسك الساحر بالعصا، فهو لا يمسك قطعة خشب؛ بل يمسك بالتجلي المادي لإرادته الكونية. هذا الفعل المادي يعزز القناعة الوجودية بالقدرة على الفعل.
3. النصوص والتعويذات: تقنية تحويل الموجة الإرادية (Volitional Wave Transduction):
النصوص والتعويذات هي البرمجيات واللغة التي تشغّل الجهاز. إنها جسر بين الفكر غير المادي و الفعل المادي. تقنياً التعويذة ليست مجرد كلمات؛ إنها صيغة إهتزازية (Vibrational Formula). الترتيب الدقيق للأصوات، و الإيقاع، ونبرة الصوت تخلق موجة صوتية وطاقية مصممة لإختراق طبقات الواقع النفسي والمادي. إلقاء التعويذة يجبر الكينونة على توحيد النية (Unification of Intent) في لحظة واحدة. اللغة المقدسة أو الباطنية المستخدمة تكسر الحواجز اللغوية اليومية، مما يطلق العنان للقوة الكامنة في اللاوعي الجماعي (الأركيتايبات) للتأثير على الواقع.
في النهاية، يمكن القول إن الجهاز الروحي (الطقوس و الأدوات) هو هيكل دعم (Support Structure) تقني، و لكنه لا يعمل بشكل مستقل. الكينونة (الساحر) هي العنصر الأكثر أهمية؛ إنها المشغل (Operator) الذي يزود الجهاز بالطاقة الحيوية (الشحن الروحي) ويوفر النية البؤرية اللازمة لتشغيله. هذا الجهاز التقني يعزز ويضخم الإرادة الكامنة للممارس، لكنه لا يخلقها.
_ إعادة تعريف الزمن في السحر: الصدفة الإرادية كـتزامن أنطولوجي وتوجيه لمجال الإحتمالات
إن دمج مفهوم الصدفة الإرادية كآلية تنفيذ تحافظ على الإتساق الأنطولوجي يفرض إعادة تعريف جذرية لكيفية عمل الزمن في سياق الممارسة السحرية. فبالنسبة للوعي العادي، يُنظر إلى الزمن كـتيار خطي (Linear Flow) لا رجعة فيه، حيث يسبق السبب النتيجة دائمًا. أما في الإطار السحري، خاصة عندما تكون الصدفة الإرادية هي النتيجة المرجوة، يتحول الزمن إلى بُعد مرن (Pliable) وحلقي (Cyclical) أو حتى متزامن (Synchronistic). العمل السحري الذي ينتج عنه صدفة إرادية لا يهدف إلى تغيير الماضي أو القفز فوق الحاضر بطريقة سحرية غير مبررة؛ بل يهدف إلى إعادة تشكيل المستقبل من خلال التأثير على مجال الإحتمالات (Field of Possibilities) في اللحظة الحالية. هذا التأثير يتطلب أن يكون الزمن، على المستوى الأنطولوجي العميق، ليس مجرد مقياس، بل بنية (Structure) قابلة للتأثر بالنية المركزة. في هذا السياق، المستقبل ليس ثابتًا ومحددًا سلفًا، بل هو مجموعة من العقد الكينونية (Ontic Nodes) التي يمكن أن تنشأ. الإرادة السحرية الإرادية في الصدفة الإرادية تختار وتُفعل مسارًا معينًا داخل هذا المجال. نجاح الصدفة الإرادية يعتمد كليًا على التوقيت المثالي (Perfect Timing). فالمصادفة ليست مجرد حدث، بل هي تلاقي أحداث في لحظة محددة. الساحر لا يسبب الحدث كالمال يأتي من مصدر طبيعي، بل يسبب توقيت مجيء هذا الحدث في اللحظة التي تخدم نيته على أفضل وجه. هذا يُلغي الفصل الصارم بين السبب الذي قد يكون بعيدًا في الماضي والنتيجة التي هي بمثابة الصدفة الإرادية التي تحدث الآن، ويجعلهما يتزامنان على مستوى التجانس الكينوني. إن مفهوم الصدفة الإرادية يتقاطع بعمق مع مفهوم التزامن الذي ناقشه عالم النفس كارل يونغ بالتعاون مع الفيزيائي فولفغانغ باولي. التزامن هو إقتران هادف (Meaningful Coincidence) بين حالتين، إحداهما نفسية (نية الساحر/الإرادة) و الأخرى مادية (النتيجة الخارجية/الصدفة)، لا تربطهما علاقة سببية خطية. بالنسبة للسحر، الزمن ليس مجرد تسلسل للأحداث (A Sequence of Events)، بل هو بنية لـ التوقيتات (A Structure of Timings). الإرادة السحرية تستخدم الإتساق الأنطولوجي كقناة للتأثير على لحظة التجلي (Moment of Manifestation). عندما تظهر الصدفة، فإنها لا تنبع من السبب المباشر، بل من التطابق الهادف (Meaningful Correspondence) بين الحالة الداخلية للساحر (النية المشحونة) والحالة الخارجية للكون. يمكن تصور الزمن في هذا الإطار كطبقات، حيث يعمل الساحر على الطبقات الأكثر عمقًا، طبقة الإمكانات الأنطولوجية لتغيير ما يظهر على الطبقة السطحية (الزمن الخطي المدرك). هذا يُشبه إلقاء حجر في بحيرة (الطبقة العميقة)، حيث تبدأ التموجات بالظهور بشكل متسق ومنظم (الاتساق الأنطولوجي) لتصل إلى الشاطئ في لحظة معينة (الصدفة الإرادية). تتفق هذه النظرة على مرونة الزمن مع النظرة الدورية (Cyclical View) للزمن التي كانت سائدة في الثقافات القديمة، حيث كان يُنظر إلى الزمن ليس كخط مستقيم، بل كدائرة (Circle) تتكرر فيها الأنماط كالفصول، ودورات الكواكب. العمل السحري يحاول غالبًا إلتقاط أو محاكاة لحظات زمنية قدسية (Sacred) أو ذات قوة خاصة كأوقات الإقترانات الفلكية أو الأعياد الطقسية. هذا الإعتراف بـجودة الزمن (Quality of Time)، وليس مجرد كميته، هو تجسيد آخر لفهم أن الزمن هو بُعد ذو خصائص أنطولوجية عميقة يجب التناغم معها لضمان الإتساق. من خلال العمل السحري، يصبح الزمن شريكًا فاعلًا، وليس مجرد حاوية سلبية للأحداث. فـالصدفة الإرادية هي النتيجة التي تتجسد عندما ينجح الساحر في إجبار أو إقناع التيار الزمني على أن ينحني لتسهيل النتيجة المطلوبة، مع الحفاظ على المظهر الخارجي للتتابع المنطقي للأحداث (الإتساق الأنطولوجي). بناءً على ذلك، يتضح أن مفهوم الزمن في الإطار السحري يتحول من مقياس للتقدم إلى قوة ديناميكية يُمكن التفاعل معها، والصدفة الإرادية هي المؤشر الذي يؤكد أن الساحر قد نجح في توجيه هذه القوة دون الإخلال بهيكلها الأنطولوجي الأساسي.
_ الماغوس والإكتمال الكينوني: تحوّل السحر من طقس خارجي إلى وظيفة ذاتية للوجود
يُعد الهدف الأسمى لـ الساحر المكتمل أو المتقن (Magus)، من منظور فلسفي وتقني باطني، هو الوصول إلى كينونة مكتملة (A Complete State of Being) أو الإنسان الألوهي (The Divine Man). هذه الكينونة هي الحالة التي يتمكن فيها الممارس من التعبير المباشر عن الإرادة الكونية (Manifestation of Cosmic Will)، وبالتالي يتجاوز الحاجة إلى الطقوس و الأدوات الخارجية كوسائط إجبارية لإحداث التغيير السحري. هذا التحول ليس مجرد تطور في المهارة، بل هو تغيير أنطولوجي (Ontological Shift) في طبيعة وجود الساحر نفسه. لتحليل هذه النقطة تقنياً، يجب فهم أن السحر التقليدي والطقوسي يعتمد على مبدأ التمثيل والوساطة. الطقس والأداة يعملان كـمُضخمات خارجية (External Amplifiers) للإرادة والنية، وكـلغة رمزية للتواصل مع القوى الكونية أو الباطنية.
1. الساحر المبتدئ: يعتمد على الجهاز السحري الخارجي (الطقوس والأدوات) لتوليد وتوجيه الطاقة.
2. الساحر المكتمل (المُتقن): يصل إلى حالة حيث أصبحت كينونته نفسها هي الجهاز السحري (The Being is the Apparatus).
في هذه الحالة، يكون السحر تقنياً قد تحول من فعل يُمارَس (An Act Performed) إلى وظيفة كينونة (A -function- of Being). إن الساحر لا يستخدم قوانين السحر، بل يُجسّد (Embodies) هذه القوانين. هذا يفسر لماذا يصبح الطقس الخارجي غير ضروري؛ لأن الطقس أصبح داخلياً و مستمراً. الإرادة تُطلق بشكل مباشر من مركز الكينونة (الروح أو الوعي المتسامي) إلى الواقع، دون الحاجة إلى رموز مادية لتركيز البؤرة أو حركات جسدية لـشحن النية. الوصول إلى الكينونة المكتملة يعتمد على تقنية داخلية معقدة يتم تطويرها عبر الممارسات الروحية والباطنية المتقدمة، والتي يمكن تلخيصها في عملية الـتفعيل الكينوني.
1. توحيد الإرادة (Unification of Will):
تقنياً يتم دمج الإرادة الدُنيا (الأنا) مع الإرادة الحقيقية (الـذات العليا). هذا التوحيد يزيل كل أشكال التردد والشك و التناقض الداخلي، مما يجعل النية السحرية تنبع من مصدر واحد وقوي جداً. النتيجة تصبح الإرادة قانوناً آنياً لا يحتاج إلى التأكيد عبر طقس خارجي، بل يتم تحقيقه بمجرد الـتفكير أو النية المركزة.
2. الإتقان العاطفي والذهني (Emotional and Mental Mastery):
تقنياً يكتسب الساحر قدرة مطلقة على التحكم في مشاعره وأفكاره، ويحولها إلى أدوات طاقة مُوجهة. لا يوجد تشتيت عاطفي أو فكري يمكن أن يعيق الإطلاق السحري. النتيجة يتمكن من تحقيق التركيز البؤري السحري الداخلي بمستوى من الدقة يفوق ما يمكن أن توفره أي أداة مادية.
3. التجاوز الأنطولوجي (Ontological Transcendence):
تقنياً الوصول إلى حالة الـغُنوسيس (Gnosis) أو الوعي المُتسامي، حيث يدرك الساحر وحدة وجوده مع الكون. عند هذه النقطة، يصبح الفصل بين الساحر والواقع والهدف فصلاً إيهامياً. النتيجة عندما يطلب الساحر شيئاً، فإن هذا الطلب يُفهم على أنه تعبير عن النظام الكوني نفسه (A Cosmic Self-Correction)، مما يسرّع من إستجابة الواقع.
في الختام، الهدف الأسمى للساحر ليس مجرد التخلص من متاعب الطقوس، بل هو تحقيق الإكتمال الكينوني الذي يجعل منه مبدأً منظِّماً بذاته. عندما يصل الساحر إلى هذه المرحلة، فإن فعله السحري يصبح طبيعياً وغير ملاحظ تقنياً، لأنه لم يعد ينحرف عن القانون الكوني، بل أصبح مُتصالحاً معه ومتطابقاً معه. هو لا يُلغي قوانين السحر، بل يُدمجها و يتحكم فيها من الداخل، مما يجعل وجوده ذاته هو القانون الفعّال.
#حمودة_المعناوي (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟