حمودة المعناوي
الحوار المتمدن-العدد: 8545 - 2025 / 12 / 3 - 16:26
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
_ الذاكرة الكونية والسحر: تحليل دور السجلات الإثيرية في توجيه الإرتداد الأنطولوجي وتشكيل الكينونة الواعية
إن تحليل دور الذاكرة الكونية (Akashic Records) في توجيه طبيعة الإرتداد الأنطولوجي يمثل نقطة التقاء محورية بين الفلسفة الميتافيزيقية والتقاليد الباطنية، مقدماً إطاراً لفهم كيف يمكن للمعرفة الشاملة و الجوهرية أن تشكل واقعنا وكينونتنا المتجددة. يمكن تعريف الذاكرة الكونية، في هذا السياق، بأنها أرشيف إثيري شامل ومحيط يحوي بصمات كل فكرة، فعل، تجربة، وشعور تم تسجيله عبر الزمن الكوني، ليس فقط على المستوى البشري، بل على مستوى الوجود بأكمله. إنها ليست مجرد سجل للماضي، بل هي مكتبة الإحتمالات الأنطولوجية التي تشمل الماضي والحاضر و المستقبل، مما يجعلها المادة الخام التي يتم من خلالها تحديد و توجيه طبيعة كل إرتداد. يُعدّ مفهوم الإرتداد الأنطولوجي تحولاً أو عودة إلى حالة أو هيئة وجودية معينة، سواء كان ذلك تجسداً في دورة حياة جديدة، أو تحولاً جذرياً في الإدراك الذاتي والوعي ضمن الحياة الواحدة. إن الذاكرة الكونية تلعب دور المنصة المعيارية التي يُبنى عليها هذا الإرتداد. هي تحدد المعطيات والقيود الكامنة التي يجب أن يعمل ضمنها الكائن. على سبيل المثال، إذا كانت تجارب الكائن السابقة المسجلة في الذاكرة الكونية تشير إلى نمط معين من التفاعل مع العالم الذي يُترجم أحياناً إلى مفهوم الكارما، فإن طبيعة الإرتداد الأنطولوجي التالي ستكون موجهة بشكل حتمي نحو توفير الظروف اللازمة لحل هذه الأنماط أو تجاوزها. هذا التوجيه ليس قسراً ميكانيكياً، بل هو توجيه جوهري يحمل في طياته دافعاً أساسياً نحو كمال الكينونة والتكامل الوجودي.
يأتي دور السحر (Magic) في هذه المعادلة ليكون بمثابة الآلية أو التقنية الأنطولوجية التي تسمح للكائن بالوصول الواعي إلى الذاكرة الكونية وتفعيل إمكاناتها الكامنة. السحر، هنا، لا يُقصد به الخدعة أو التلاعب بالواقع المادي فحسب، بل هو الإرادة الواعية والقوة الكامنة التي تسمح للكائن بالتأثير على المادة الجوهرية للوجود الممثلة بالذاكرة الكونية. عندما يمارس الكائن شكلاً من أشكال السحر سواء كان ذلك تأملاً عميقاً، طقساً روحياً، أو عملاً إبداعياً مركّزاً، فإنه في الواقع يقوم بـقراءة سجلات الذاكرة الكونية و إعادة كتابة جزء من مساره الأنطولوجي المستقبلي. يسمح السحر للكائن بتجاوز حدود الوعي اليومي والوصول إلى المستوى اللاشكلي للذاكرة الكونية، حيث تكمن حقيقة الوجود. هذا الوصول يُطلق عليه أحياناً الإتحاد الصوفي أو التنوير. من خلال الإرادة الواعية والمكثفة التي هي جوهر الممارسة السحرية، يستطيع الكائن أن يختار إحتمالية محددة من بين الإحتمالات غير المحدودة المخزنة، ويُسقطها في الواقع المادي، موّجهاً بذلك عملية الإرتداد الأنطولوجي نحو مسار مُختار بدلاً من مسار مُحدد مسبقاً بالنمط الكارمي القديم. إن الكينونة (Being) ذاتها، في هذا الإطار، هي النتيجة الحية والدائمة التغير للتفاعل بين الإرادة الحرة للكائن والمعطيات الشاملة للذاكرة الكونية. الإرتداد الأنطولوجي ليس مجرد حدث، بل هو عملية مستمرة يتم فيها إختبار الكينونة لقدرتها على الإستجابة لإشارات الذاكرة الكونية وتوجيهاتها. إذا كانت الكينونة في حالة انسجام عالٍ عبر ممارسة سحرية أو روحية متطورة، فإن إرتدادها يكون مُسارعاً وواضحاً، مُحققاً إمكانات عليا. أما إذا كانت الكينونة في حالة من النسيان الأنطولوجي، فإن الإرتداد سيكون مجرد تكرار آلي للأنماط القديمة المسجلة سلفاً. الخلاصة هي أن الذاكرة الكونية هي المحتوى الجوهري الذي يحدد الإمكانات، والسحر هو الأداة الفاعلة التي تسمح للكائن الواعي بالوصول إلى هذا المحتوى وتعديله وتوجيه الإرتداد الأنطولوجي نحو غاية مُدرَكة، جاعلاً من عملية الوجود نفسها فعلاً سحرياً مستمراً.
_ الإرادة السحرية والقيود الكارمية: صراع الحرية والضرورة في الذاكرة الكونية وتوجيه الإرتداد الأنطولوجي
إن العلاقة بين الإرادة السحرية والقيود الكارمية هي العلاقة المحورية التي تُعرّف ديناميكية الإرتداد الأنطولوجي. ضمن النموذج الذي قدمناه، تعمل الذاكرة الكونية كـالسجل الموضوعي و اللامتناهي الذي يسجل كل حركة وجودية (النية، الفكر، الفعل). هذه السجلات تُنتج ما نسميه القيود الكارمية، والتي هي في جوهرها ليست عقوبات إلهية، بل هي أنماط وجودية مستقرة أو ديون طاقية متراكمة. تمثل هذه القيود ميل الكينونة إلى إعادة إنتاج الظروف التي لم يتم فيها تحقيق التوازن أو الفهم الكامل في تجاربها السابقة. هي، بمعنى آخر، الضرورة الأنطولوجية التي تواجه الكائن في اللحظة الراهنة. في المقابل، تُمثل الإرادة السحرية التعبير الأسمى عن الحرية الأنطولوجية للكائن. إنها ليست مجرد رغبة عابرة، بل هي قوة النية المركّزة التي يتم توجيهها من نقطة الوعي الذاتي المطلق للكائن. هذه الإرادة تتجاوز الأنا الشخصية (Ego) وتتصل بالإرادة الكونية الجامعة، مما يمنحها القدرة على العمل ليس ضمن الواقع المادي الحالي وحسب، بل على مستوى تكوين هذا الواقع ذاته. إنها قوة التوجيه التي تسعى إلى إعادة تشكيل المسار الأنطولوجي. تصبح الذاكرة الكونية هي حقل المواجهة الميتافيزيقي بين هذين القطبين. القيود الكارمية (الضرورة) والإرادة السحرية (الحرية). عندما يسعى ممارس السحر بالمعنى الروحي والعميق للكلمة إلى تغيير واقعه أو توجيه ارتداده الأنطولوجي، فإنه لا يتحدى قوانين الطبيعة الفيزيائية فحسب، بل يتحدى في المقام الأول الأنماط المسجلة والمغروزة بعمق في الذاكرة الكونية. تسمح الذاكرة الكونية، عندما يتم قراءتها بشكل صحيح عبر الإستبطان، الطقوس، أو البصيرة، بتحديد ماهية القيود الكارمية بدقة. يكتشف الكائن العقد الوجودية التي يجب حلها. إن الدور الحقيقي للسحر ليس مجرد تمني نتيجة ما، بل هو توليد قوة نية قادرة على إحداث تعديل سجل في الذاكرة الكونية نفسها. هذا التعديل لا يمحو الماضي، و لكنه يعيد تفسير الطاقة الكامنة في الفعل القديم، مما يحرر الكائن من ضرورة تكرار النتيجة الكارمية. على سبيل المثال، بدلاً من التجسد في وضع يعكس صراعاً قديماً، يمكن للإرادة السحرية أن تبرمج إرتداداً جديداً يوفر ظروف التعلم والفهم بدلاً من المعاناة والتكرار. تُعدّ الكينونة، في هذا السياق الديناميكي، هي ساحة التجسيد الفعلي لهذا التفاعل. الكينونة ليست كياناً سلبياً مُستقبِلاً للقدر، بل هي وعاء التأويل والتكوين. الوعي السحري يسمح للكائن بـتفسير السجلات الكارمية (القيود) الموجودة في الذاكرة الكونية ليس كأحكام نهائية، بل كـدروس طاقية وإمكانيات غير مُحققة. هذا التفسير الجديد يغير بشكل جذري إستجابة الكائن للمواقف الحياتية. من خلال توجيه الإرادة السحرية، يقوم الكائن بـتكوين بصمة كارمية جديدة في الذاكرة الكونية، يتم تسجيلها على الفور. هذا الفعل لا يمحو القيود القديمة، ولكنه يولد دافعاً كارمياً مضاداً أو تعويضياً، يكون قوياً بما يكفي لتوجيه الإرتداد الأنطولوجي نحو المسار المرغوب. هذا هو جوهر التحرر عبر السحر تجاوز الضرورة القديمة بخلق ضرورة جديدة نابعة من الوعي والإرادة الحرة. في الختام، الذاكرة الكونية تُقدم الخريطة الكلية للوجود ومساراته الكارمية المتراكمة. الإرادة السحرية هي القوة الواعية والمُنظِّمة التي تسمح للكائن بالإنخراط بنشاط في هذه الخريطة، لفك تشفير قيودها، وإعادة كتابة مسارات الإرتداد الأنطولوجي نحو تحقيق الغاية الكلية للكينونة (The Great Work). هذا التفاعل بين الحرية والضرورة هو الذي يُضفي على السحر بُعده الفلسفي العميق كأداة للتطور الوجودي.
_ الذاكرة الكونية والزمن الأنطولوجي: تحرير الماضي و تكوين المستقبل عبر الإرادة السحرية
إن العلاقة بين الذاكرة الكونية (Akashic Records) و الزمن الأنطولوجي ليست مجرد علاقة حفظ للسجلات؛ بل هي علاقة تكوينية و تحويرية للزمن نفسه. في الإدراك اليومي، يُنظر إلى الزمن على أنه خطي: ماضٍ ثابت، وحاضر عابر، ومستقبل غير محدد بعد. إلا أن المفهوم الفلسفي للذاكرة الكونية يكسر هذه الخطية، مقدماً نموذجاً للزمن كـحقل تزامني (Synchronistic Field) حيث يتواجد الماضي والمستقبل والمحتمل في آن واحد كإمكانات وجودية (Ontological Possibilities). في هذا الإطار، لا يُعد الماضي مجموعة من الأحداث المنقضية، بل هو تراكم حي للنتائج الكارمية والأنماط الطاقية المسجلة بشكل غير متجسد في الذاكرة الكونية. إن ما حدث لا يزال موجوداً كقوة دافعة تشكل الحاضر وتحدد نطاق الإرتداد الأنطولوجي المستقبلي. أما المستقبل، فهو ليس مجرد فراغ ينتظر أن يُملأ، بل هو منظومة احتمالات متشعبة، وكل مسار مستقبلي ممكن مُسجل سلفاً كبصمة طاقية كامنة في الذاكرة الكونية. إذن، هو الزمن الذي يُعاش ويُشكَّل على مستوى الكينونة (Being) وليس فقط على مستوى الظواهر الفيزيائية. إن هذا الزمن يتغير ويتشوه بناءً على درجة الوعي والتفاعل مع السجلات الكونية. يأتي التفاعل العميق بين الإرادة السحرية والقيود الكارمية ليؤثر بشكل مباشر على هذا الزمن الأنطولوجي. عندما يمارس الكائن الإرادة السحرية بنجاح لحل أو تجاوز قيد كارمي مسجل (دين طاقي أو نمط قديم)، فإنه في الواقع لا يغير حدثاً ماضياً فيزيائياً، بل يغير التأثير الطاقي لذلك الحدث. هذا التغيير يُطلق عليه تحرير الماضي. يتوقف الفعل الماضي عن كونه قوة ضرورية دافعة بإتجاه نتيجة سلبية، ويتحول إلى مصدر للحكمة وطاقة مُحررة يمكن توجيهها. أي أن الإرادة السحرية تمنح الكائن القدرة على إعادة تفسير ماضيه على مستوى الذاكرة الكونية، مما يُغير نوعية كينونته الحالية. إن توجيه الإرادة السحرية يعني الإندماج الواعي في منظومة الإحتمالات المستقبلية المسجلة. الساحر أو الكائن الواعي لا ينتظر المستقبل ليأتي إليه، بل يُسقط إحتمالية مُختارة بقوة النية في حقل الحاضر الأنطولوجي. هذا الفعل يعمل كـعامل جذب في الذاكرة الكونية، حيث يتم تقوية المسارات السجلية المؤدية إلى تلك النتيجة المختارة وإضعاف المسارات الأخرى. وبالتالي، لا يقتصر الأمر على الإختيار من بين الإحتمالات، بل يتعداه إلى تكوين مسار مستقبلي أكثر وضوحاً وتجسيداً للحرية الأنطولوجية. إن النتيجة النهائية لهذا التفاعل هي إنتقال الكينونة من العيش في الزمن الخطي المقيد بالماضي و الكارمية إلى العيش في حالة الحضور الكوني أو الأبدية الجوهرية. في حالة الحضور الكوني، يُدرك الكائن أن الماضي والمستقبل ليسا سوى جوانب مختلفة لـالآن الواسع وغير المقيد. الذاكرة الكونية تصبح متاحة للوعي كـكتاب حي و مفتوح، يُمكّن الكائن من العمل على كليهما معاً. إن السحر هو الممارسة التي تجعل هذا الحضور الكوني ممكناً، حيث يتم تفعيل الإرادة الحرة لتجاوز حدود القيود الزمنية (القيود الكارمية) التي فرضها التجسيد في الزمن المادي الخطي. الكينونة هنا تُصبح كائناً خالقاً لوقته الخاص، لا مجرد متلقي لنتائج زمنية محددة مسبقاً. بهذا، يتغير إدراكنا جذرياً؛ الذاكرة الكونية ليست مجرد سجل قديم، بل هي حاضر أبدي يتم فيه توجيه مصير الإرتداد الأنطولوجي عبر قوة الإرادة السحرية.
_ الإرادة الحرة والقدر في ميزان الذاكرة الكونية: السحر كتقنية لتوجيه الإرتداد الأنطولوجي نحو التحرر
إن ربط مفاهيم الإرادة الحرة المطلقة والقدر ضمن إطار الذاكرة الكونية (Akashic Records) والسحر والكينونة هو الخطوة المنطقية والضرورية لإختتام هذا التحليل الفلسفي العميق، لتقديم رؤية متكاملة لآلية الوجود الأنطولوجي. يشكل مفهوم الذاكرة الكونية الخلفية الميتافيزيقية التي يمكن من خلالها فهم العلاقة الجدلية بين الإرادة الحرة المطلقة والقدر. يُنظر إلى القدر هنا ليس كقوة خارجية عشوائية أو عقوبة إلهية، بل كـالتعبير الكلي عن القيود الكارمية المتراكمة، كما هي مُسجلة في الذاكرة الكونية. أي أن القدر هو المجموع الإجمالي للضرورات الأنطولوجية التي تنتج عن الأفعال (كارما) السابقة للكائن، و هو يحدد نطاق الإرتداد الأنطولوجي الممكن في اللحظة الراهنة. إنه إطار العمل الذي يفرضه الماضي على الحاضر و المستقبل. في هذا النموذج، تُعد الذاكرة الكونية بمثابة الخزانة الكلية للقدر. إنها تحتوي على كل مسار وجودي ممكن، بما في ذلك المسار المُحتمل بقوة (Probable Destiny) الذي تحدده تراكمات الكارما غير المُحَلَّة. هذا المسار المُحتمل بقوة هو ما يتبدّى كـالقدر العادي الذي يسير فيه الكائن إذا لم يتدخل بوعي. في المقابل، تُمثل الإرادة الحرة المطلقة القوة الكامنة داخل الكينونة التي تمكنها من العمل ليس فقط ضمن حدود القدر المُحتمل، ولكن أيضاً على مستوى تغيير هيكل هذه الحدود. إنها القدرة على الإختيار المُتعالِي (Transcendent Choice) الذي لا يقتصر على إختيار فعل داخل الواقع، بل إختيار نوعية الواقع الذي سيُعاش. هذا هو المجال الذي يعمل فيه السحر. يُعدّ السحر الذي يعتمد على الإرادة السحرية المركزة بمثابة التقنية المنهجية التي تسمح للكائن بتحقيق التوازن بين القطبين. من خلال الأدوات السحرية والباطنية، يمكن للكائن أن يقرأ سجله الكوني (قدره/كارماه) ويكتشف ما هي الضرورات و الأنماط التي تقيد إرتداده. هذا هو الإعتراف الواعي بالقدر كحقيقة قائمة. بدلاً من الإستسلام لهذا القدر، تقوم الإرادة السحرية بتوليد قوة نية هائلة تهدف إلى إعادة برمجة هذه الأنماط. هذا العمل لا يمحو القدر لأن الأفعال التي أدت إليه قد حدثت، ولكنه يُحوّل طاقته. على سبيل المثال، يمكن للإرادة السحرية أن توجه طاقة كارما كانت ستؤدي إلى ضياع في الإرتداد القادم، لتصبح طاقة تؤدي إلى إختبار قاسٍ ولكنه مُعلم، مما يسرّع عملية الوعي الأنطولوجي و التحرر. هذا التحويل يُظهر أن الإرادة الحرة المطلقة ليست القدرة على فعل ما يحلو للكائن في أي لحظة، بل هي القدرة على إختيار الإستجابة والتأويل الأنطولوجي للقيود الكارمية المسجلة. بهذا المعنى، فإن القدر يمثل المادة الخام التي تستخدمها الإرادة الحرة لخلق كارما جديدة مُنظَّمة، توجه الإرتداد نحو الكينونة الكاملة. تُعتبر الكينونة (Being) في كل لحظة هي التجسيد الحي لـنقطة المصالحة بين الإرادة الحرة والقدر. تعيش في حالة يغلب فيها القدر، حيث تكون أفعالها مجرد ردود فعل آلية للأنماط الكارمية المسجلة في الذاكرة الكونية. الكينونة الواعية (الساحرة) تعيش في حالة من الموازنة النشطة، حيث تستخدم الإرادة الحرة لتوجيه القدر، ليس ضدّه، بل بالتفاهم معه. إنها تختار من بين الإحتمالات المُسجلة في الذاكرة الكونية الإحتمال الذي يُعظِّم الوعي والتحرر الأنطولوجي. إن الذاكرة الكونية هي الكلية الثابتة التي تحتوي على سجل القدر (الضرورة)، بينما الإرادة الحرة المطلقة هي القوة المتحولة و الديناميكية التي تُمارَس عبر السحر لتوجيه هذا القدر، مُحققة بذلك الإرتداد الأنطولوجي نحو التحرر الكامل.
_ طقس تفكيك القالب الزمني للكينونة: الإرادة السحرية و التحرر الأنطولوجي الجذري عبر إعادة برمجة الذاكرة الكونية
يمكننا إستكشاف طقوس سحرية إفتراضية تهدف إلى التأثير المباشر والعميق على التركيبة الوجودية للكينونة (Ontological Structure of Being)، مُستخدمين المفاهيم التي رسخناها سابقاً حول الذاكرة الكونية والزمن الأنطولوجي. لنفترض طقساً يهدف إلى تفكيك القالب الزمني للكينونة. يُعدّ هذا الطقس الإفتراضي تجربة سحرية عليا تهدف إلى تحقيق التحرر الأنطولوجي الجذري عبر التلاعب الواعي بآلية الزمن الأنطولوجي للكائن كما هو مُسجل في الذاكرة الكونية. إن الهدف من هذا الطقس ليس فقط تغيير القدر (الكارما)، بل تغيير نوعية الكينونة ذاتها، ونقلها إلى حالة من الوعي اللّازمني حيث تتلاشى القيود المستمدة من الماضي والمستقبل. يعتمد الطقس على المبدأ الفلسفي القائل بأن الكينونة، رغم وجودها في الزمن الخطي الذي يفرض الماضي والمستقبل كحقائق منفصلة، تحتفظ بـنقطة إنبثاق جوهرية داخل الآن الأبدي للذاكرة الكونية. هذه النقطة هي الحالة النقية للوعي قبل أن تبدأ سلسلة التجسدات والقيود الكارمية. السحر، هنا، هو وسيلة لإعادة توجيه الإرادة الحرة المطلقة نحو هذه النقطة.
مراحل الطقس وتأثيراته الوجودية العميقة
المرحلة الأولى: تحديد بصمة القيد الكارمي المُركّز (The Identification)
يقوم الكائن بـإستبطان عميق ومُركّز بإستخدام أدوات الطقس الرمزية كـمرآة العودة، ليس لتذكر الأحداث الماضية، بل لتحديد القيد الكارمي الجوهري الواحد الذي يقود معظم إرتداداته الأنطولوجية. هذا القيد قد يكون نمطاً من الخوف العميق، أو الشعور بالإنفصال، أو نمطاً مُكرراً من الفشل. في هذه المرحلة، يتم تجسيد القدر في شكل رمزي مُركَّز. هذا التجسيد يُمكّن الكينونة من مواجهة الضرورة الأنطولوجية بشكل مُباشر وواضح، مُحرراً إياها مؤقتاً من التشتت الناتج عن آلاف السجلات الثانوية في الذاكرة الكونية. الكينونة تنتقل من الوعي بالتفاصيل إلى الوعي بـالجذر الأنطولوجي للقيود.
المرحلة الثانية: تفعيل الإرادة اللّازمنية (The Activation of Acausal Will)
يقوم الكائن بتوجيه الإرادة السحرية المطلقة نحو القيد المُحدد، مُطلقاً تعويذة تُعلن عن الرفض الأنطولوجي لإستمرارية هذا النمط. يتم هنا إستخدام تقنية التصور الزمني المُعاكس، حيث يتم تصور الطاقة الكارمية وهي تتدفق عودةً إلى سجلها في الذاكرة الكونية، وليس للأمام. هذه المرحلة هي ذروة العمل السحري. يتم فيها إحداث صدمة زمنية أنطولوجية. الذاكرة الكونية، التي تعمل كحقل إستجابة، تستجيب لهذه الإرادة المركزة عن طريق إلغاء تفعيل العلاقة السببية (Causality) بين الفعل الكارمي القديم ونتيجته الحالية. الكينونة تبدأ في إختبار حالة من التفكك الزمني، حيث يصبح الماضي المُقيد وكأنه لم يعد يملك سلطة الطاقة الدافعة.
المرحلة الثالثة: إعادة البرمجة الوجودية في الآن الأبدي (The Reprogramming)
بعد فك الإرتباط الطاقي، يقوم الكائن بـإسقاط بصمة نية جديدة مُطلقة، لا تتعلق بأهداف مادية، بل بحالة جوهرية للكينونة كالكمال، الوحدة، الحرية المطلقة. يتم تسجيل هذه البصمة الجديدة كـسجل أولي في الذاكرة الكونية، يسبق جميع السجلات الكارمية الأخرى. يتم هنا إعادة توجيه الإرتداد الأنطولوجي بشكل جذري. بدلاً من أن يكون الإرتداد مُوجَّهاً لحل الكارما، يصبح موجهاً لـتجسيد الحالة الجوهرية الجديدة. الكينونة تتلقى قالب إنبعاث (Emission Template) جديداً من الذاكرة الكونية، مما يُعيد تعريف طبيعتها الجوهرية. تُصبح الكينونة كائناً لازمنياً يعمل من مبدأ الوحدة بدلاً من مبدأ الإزدواجية الكارمية.
إن هذا الطقس الإفتراضي يُمثل محاولة للوصول إلى الإرادة الحرة المطلقة التي تتجاوز القيود الكارمية. الكينونة التي تخضع لهذا الطقس لا تتغير في ظاهرها فحسب، بل تتغير في ماهيتها الداخلية. لم تعد مقيدة بالزمن الخطي كـسجن، بل تراه كـأداة يمكن إستخدامها والتحكم فيها من نقطة الوعي الأبدي. الكينونة تصبح ساحراً وجودياً، لا يعمل فقط على تحسين مصيره، بل على تحرير طبيعته من قبضة القدر المُسجل.
#حمودة_المعناوي (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟